إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .
أما بعد :
فهذه سلسلة {اللطائف والأسرار والحكم} من زاد المسير لابن الجوزي رحمه الله
ونبدأها إن شاء الله من سورة الكهف
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا
تمدَّح بانزاله ، لأنه إِنعام على الرسول خاصة ، وعلى الناس عامَّة .
{ تخرج من أفواههم } أي : إِنها قول بالفم لا صحة لها ، ولا دليل عليها
فلعلك باخع نفسك }
فإن قيل : كيف قال : { فلعلك } والغالب عليها الشك ، والله عالم بالأشياء قبل كونها؟
فالجواب : أنها ليست بشكّ ، إِنما هي مقدَّرة تقدير الاستفهام الذي يعنى به التقرير ، فالمعنى : هل أنت قاتل نفسك؟! لا ينبغي أن يطول أساك على إِعراضهم ، فإن من حَكَمْنَا عليه بالشِّقْوَةِ لا تجدي عليه الحسرة ، ذكره ابن الأنباري .
{ إِنا جعلنا ما على الأرض زينة لها } فيه أربعة أقوال .
الرجال والثاني: العلماء .
والثالث : أنَّه ما عليها من شيء والرابع : النبات والشجر
فإن قيل : قد نرى بعض ما على الأرض سَمِجاً وليس بزينة .
فالجواب : أنا إِن قلنا : إِن المراد [ به ] شيء مخصوص ، فالمعنى : إِنا جعلنا بعض ما على الأرض زينةً لها ، فخرج مخرج العموم ، ومعناه الخصوص . وإِن قلنا : هم الرجال أو العلماء ، فلعبادتهم أو لدلالتهم على خالقهم . وإِن قلنا : النبات والشجر ، فلأنه زينة لها تجري مجرى الكسوة والحلية . وإِن قلنا : إِنه عامّ في كل ما عليها ، فلكونه دالاًّ على خالقه ، فكأنَّه زينة الأرض من هذه الجهة .
قوله تعالى : { فضربنا على آذانهم } قال الزجاج : المعنى : أنمناهم ومنعناهم السمع ، لأن النائم إِذا سمع انتبه
سِنِينَ عَدَدًا
والفائدة في ذِكْر العدد في الشيء المعدود ، توكيد كثرة الشيء ، لأنه إِذا قَلَّ فُهِم مقداره ، وإِذا كَثُر احتيج إِلى أن يُعَدَّ العدد الكثير
وقيل : معنى { سنين عدداً } : أنه لم يكن فيها شهور ولا أيام ، إِنما هي كاملة ، ذكره الماوردي
قوله تعالى : { فابعثوا أحدكم }
قال ابن الأنباري : إِنما قال : «أحدَكم» ، ولم يقل : واحدَكم ، لئلا يلتبس البعض بالممدوح المعظَّم ، فان العرب تقول : رأيت أحد القوم ، ولا يقولون : رأيت واحد القوم ، إِلا إِذا أرادوا المعظَّم ، فأراد بأحدهم : بعضَهم ، ولم يُرِد شريفهم .
قوله تعالى : { وكذلك أعثرنا عليهم } أي : وكما أنمناهم وبعثناهم ، أطلعنا وأظهرنا عليهم . قال ابن قتيبة : وأصل هذا أن من عَثَر بشيء وهو غافل ، نظر إِليه حتى يعرفه ، فاستعير العِثار مكان التبيين والظهور ، ومنه قول الناس : ما عثرت على فلان بسوءٍ قط ، أي : ما ظهرت على ذلك منه
قوله : { وثامنهم كلبهم }
فأما دخول الواو في قوله : { وثامنهم كلبهم }
ولم تدخل فيما قبل هذا ، ففيه أربعة أقوال .
أحدها : أن دخولها وخروجها واحد ، قاله الزجاج .
والثاني : أن ظهور الواو في الجملة الثامنة دلالة على أنها مرادة في الجملتين المتقدمتين ، فأعلم بذكرها هاهنا أنها مرادة فيما قبل ، وإِنما حذفت تخفيفاً ، ذكره أبو نصر في شرح «اللمع» .
والثالث : أن دخولها يدل على انقطاع القصة ، وأن الكلام قد تمَّ ، ذكره الزجاج أيضاً ، وهو قول مقاتل بن سليمان ، فإن الواو تدل على تمام الكلام قبلها ، واستئناف ما بعدها؛ قال الثعلبي : فهذه واو الحكم والتحقيق ، كأن الله تعالى حكى اختلافهم ، فتم الكلام عند قوله : { ويقولون سبعة } ، ثم حكم أن ثامنهم كلبهم . وجاء في بعض التفسير أن المسلمين قالوا عند اختلاف النصارى : هم سبعة ، فحقَّق الله قول المسلمين .
والرابع : أن العرب تعطف بالواو على السبعة ، فيقولون : ستة ، سبعة ، وثمانية ، لأن العقد عندهم سبعة ، كقوله : { التائبون العابدون . . . } إِلى أن قال في الصفة الثامنة : { والناهون عن المنكر } [ التوبة : 112 ] ، وقوله في صفة الجنة : { وفتحت أبوابها } [ الزمر : 73 ] وفي صفة النار : { فتحت أبوابها } [ الزمر : 71 ] ، لأن أبواب النار سبعة ، وأبواب الجنة ثمانية ، ذكر هذا المعنى أبو إِسحاق الثعلبي
. قوله تعالى : { ولبثوا في كهفهم ثلاثمائةٍ سنين }
قال الضحاك : نزلت : { ولبثوا في كهفهم ثلاثمائةٍ } فقالوا : أياماً ، أو شهوراً ، أو سنين؟ فنزلت : «سنين» فلذلك قال : «سنين» ، ولم يقل : سنة .
قيل : إِنما زاد التسع ، لأنه تفاوت ما بين السنين الشمسية والسنين القمرية ، حكاه الماوردي .
يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ
قال المفسرون : لما كانت الملوك تلبَس في الدنيا الأساور في اليد والتيجان على الرؤوس ، جعل الله ذلك لأهل الجنة
قوله تعالى : { واضرب لهم مَثَلاً رجلين .................
قيل : هذا المَثَل [ ضُرِبَ ] لعيينة بن حصن وأصحابه ، ولسلمان وأصحابه .
قوله تعالى : { كِلتا الجنتين آتت أُكُلَها }
قال الزجاج : لم يقل «آتتا» ، لأن لفظ «كلتا» لفظ واحدة ، والمعنى : كل واحدة منهما آتت أكلها
وفجرنا خلالهما نَهَراً } فأعلمَنَا أن شربهما كان من ماء نهر ، وهو من أغزر الشرب .
قوله تعالى : { وكان له } يعني : للأخ الكافر { ثَمَر }
فإن قيل : ما الفائدة في ذِكْر الثّمر بعد ذِكْر الجنَّتين ، وقد عُلم أن صاحب الجنة لا يخلو من ثمر؟ فعنه ثلاثة أجوبة .
أحدها : أنه لم يكن أصل الأرض ملكاً له ، وإِنما كانت له الثمار ، قاله ابن عباس .
والثاني : أن ذِكْر الثّمر دليل على كثرة ما يملك من الثمار في الجنّتين وغيرهما ، ذكره ابن الأنباري .
والثالث : إِنا قد ذكرنا أن المراد بالثمر الأموال من الأنواع ، وذكرنا أنها الذهب ، والفضّة ، وذلك يخالف الثمر المأكول؛ قال أبو علي الفارسي : من قال : هو الذهب ، والوَرِق ، فإنما قيل لذلك : ثُمُر على التفاؤل ، لأن الثمر نماء في ذي الثمر ، وكونه هاهنا بالجَنى أشبه من الذهب والفضة . ويقوي ذلك : { وأحيط بثمره فأصبح يقلِّب كفَّيه على ما أنفق فيها } ، والإِنفاق من الوَرِق ، لا من الشجر .
يتبع ان شاء الله
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .
أما بعد :
فهذه سلسلة {اللطائف والأسرار والحكم} من زاد المسير لابن الجوزي رحمه الله
ونبدأها إن شاء الله من سورة الكهف
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا
تمدَّح بانزاله ، لأنه إِنعام على الرسول خاصة ، وعلى الناس عامَّة .
{ تخرج من أفواههم } أي : إِنها قول بالفم لا صحة لها ، ولا دليل عليها
فلعلك باخع نفسك }
فإن قيل : كيف قال : { فلعلك } والغالب عليها الشك ، والله عالم بالأشياء قبل كونها؟
فالجواب : أنها ليست بشكّ ، إِنما هي مقدَّرة تقدير الاستفهام الذي يعنى به التقرير ، فالمعنى : هل أنت قاتل نفسك؟! لا ينبغي أن يطول أساك على إِعراضهم ، فإن من حَكَمْنَا عليه بالشِّقْوَةِ لا تجدي عليه الحسرة ، ذكره ابن الأنباري .
{ إِنا جعلنا ما على الأرض زينة لها } فيه أربعة أقوال .
الرجال والثاني: العلماء .
والثالث : أنَّه ما عليها من شيء والرابع : النبات والشجر
فإن قيل : قد نرى بعض ما على الأرض سَمِجاً وليس بزينة .
فالجواب : أنا إِن قلنا : إِن المراد [ به ] شيء مخصوص ، فالمعنى : إِنا جعلنا بعض ما على الأرض زينةً لها ، فخرج مخرج العموم ، ومعناه الخصوص . وإِن قلنا : هم الرجال أو العلماء ، فلعبادتهم أو لدلالتهم على خالقهم . وإِن قلنا : النبات والشجر ، فلأنه زينة لها تجري مجرى الكسوة والحلية . وإِن قلنا : إِنه عامّ في كل ما عليها ، فلكونه دالاًّ على خالقه ، فكأنَّه زينة الأرض من هذه الجهة .
قوله تعالى : { فضربنا على آذانهم } قال الزجاج : المعنى : أنمناهم ومنعناهم السمع ، لأن النائم إِذا سمع انتبه
سِنِينَ عَدَدًا
والفائدة في ذِكْر العدد في الشيء المعدود ، توكيد كثرة الشيء ، لأنه إِذا قَلَّ فُهِم مقداره ، وإِذا كَثُر احتيج إِلى أن يُعَدَّ العدد الكثير
وقيل : معنى { سنين عدداً } : أنه لم يكن فيها شهور ولا أيام ، إِنما هي كاملة ، ذكره الماوردي
قوله تعالى : { فابعثوا أحدكم }
قال ابن الأنباري : إِنما قال : «أحدَكم» ، ولم يقل : واحدَكم ، لئلا يلتبس البعض بالممدوح المعظَّم ، فان العرب تقول : رأيت أحد القوم ، ولا يقولون : رأيت واحد القوم ، إِلا إِذا أرادوا المعظَّم ، فأراد بأحدهم : بعضَهم ، ولم يُرِد شريفهم .
قوله تعالى : { وكذلك أعثرنا عليهم } أي : وكما أنمناهم وبعثناهم ، أطلعنا وأظهرنا عليهم . قال ابن قتيبة : وأصل هذا أن من عَثَر بشيء وهو غافل ، نظر إِليه حتى يعرفه ، فاستعير العِثار مكان التبيين والظهور ، ومنه قول الناس : ما عثرت على فلان بسوءٍ قط ، أي : ما ظهرت على ذلك منه
قوله : { وثامنهم كلبهم }
فأما دخول الواو في قوله : { وثامنهم كلبهم }
ولم تدخل فيما قبل هذا ، ففيه أربعة أقوال .
أحدها : أن دخولها وخروجها واحد ، قاله الزجاج .
والثاني : أن ظهور الواو في الجملة الثامنة دلالة على أنها مرادة في الجملتين المتقدمتين ، فأعلم بذكرها هاهنا أنها مرادة فيما قبل ، وإِنما حذفت تخفيفاً ، ذكره أبو نصر في شرح «اللمع» .
والثالث : أن دخولها يدل على انقطاع القصة ، وأن الكلام قد تمَّ ، ذكره الزجاج أيضاً ، وهو قول مقاتل بن سليمان ، فإن الواو تدل على تمام الكلام قبلها ، واستئناف ما بعدها؛ قال الثعلبي : فهذه واو الحكم والتحقيق ، كأن الله تعالى حكى اختلافهم ، فتم الكلام عند قوله : { ويقولون سبعة } ، ثم حكم أن ثامنهم كلبهم . وجاء في بعض التفسير أن المسلمين قالوا عند اختلاف النصارى : هم سبعة ، فحقَّق الله قول المسلمين .
والرابع : أن العرب تعطف بالواو على السبعة ، فيقولون : ستة ، سبعة ، وثمانية ، لأن العقد عندهم سبعة ، كقوله : { التائبون العابدون . . . } إِلى أن قال في الصفة الثامنة : { والناهون عن المنكر } [ التوبة : 112 ] ، وقوله في صفة الجنة : { وفتحت أبوابها } [ الزمر : 73 ] وفي صفة النار : { فتحت أبوابها } [ الزمر : 71 ] ، لأن أبواب النار سبعة ، وأبواب الجنة ثمانية ، ذكر هذا المعنى أبو إِسحاق الثعلبي
. قوله تعالى : { ولبثوا في كهفهم ثلاثمائةٍ سنين }
قال الضحاك : نزلت : { ولبثوا في كهفهم ثلاثمائةٍ } فقالوا : أياماً ، أو شهوراً ، أو سنين؟ فنزلت : «سنين» فلذلك قال : «سنين» ، ولم يقل : سنة .
قيل : إِنما زاد التسع ، لأنه تفاوت ما بين السنين الشمسية والسنين القمرية ، حكاه الماوردي .
يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ
قال المفسرون : لما كانت الملوك تلبَس في الدنيا الأساور في اليد والتيجان على الرؤوس ، جعل الله ذلك لأهل الجنة
قوله تعالى : { واضرب لهم مَثَلاً رجلين .................
قيل : هذا المَثَل [ ضُرِبَ ] لعيينة بن حصن وأصحابه ، ولسلمان وأصحابه .
قوله تعالى : { كِلتا الجنتين آتت أُكُلَها }
قال الزجاج : لم يقل «آتتا» ، لأن لفظ «كلتا» لفظ واحدة ، والمعنى : كل واحدة منهما آتت أكلها
وفجرنا خلالهما نَهَراً } فأعلمَنَا أن شربهما كان من ماء نهر ، وهو من أغزر الشرب .
قوله تعالى : { وكان له } يعني : للأخ الكافر { ثَمَر }
فإن قيل : ما الفائدة في ذِكْر الثّمر بعد ذِكْر الجنَّتين ، وقد عُلم أن صاحب الجنة لا يخلو من ثمر؟ فعنه ثلاثة أجوبة .
أحدها : أنه لم يكن أصل الأرض ملكاً له ، وإِنما كانت له الثمار ، قاله ابن عباس .
والثاني : أن ذِكْر الثّمر دليل على كثرة ما يملك من الثمار في الجنّتين وغيرهما ، ذكره ابن الأنباري .
والثالث : إِنا قد ذكرنا أن المراد بالثمر الأموال من الأنواع ، وذكرنا أنها الذهب ، والفضّة ، وذلك يخالف الثمر المأكول؛ قال أبو علي الفارسي : من قال : هو الذهب ، والوَرِق ، فإنما قيل لذلك : ثُمُر على التفاؤل ، لأن الثمر نماء في ذي الثمر ، وكونه هاهنا بالجَنى أشبه من الذهب والفضة . ويقوي ذلك : { وأحيط بثمره فأصبح يقلِّب كفَّيه على ما أنفق فيها } ، والإِنفاق من الوَرِق ، لا من الشجر .
يتبع ان شاء الله
تعليق