قال الإمام ابن الجزري – رحمه الله – في "النشر" (1/ 210 - 215":
فالتجويد هو حلية التلاوة، وزينة القراءة، وهو إعطاء الحروف حقوقها وترتيبُها مراتبَها، وَرَدُّ الحرف إلى مخرجه وأصله، وإلحاقُه بنظيره, وتصحيحُ لفظه, وتلطيفُ النطق به على حال صيغته وكمال هيئته, من غير إسراف ولا تعسف, ولا إفراط ولا تكلف، وإلى ذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((من أحب أن يقرأ القرآن غضًّا كما أُنزل فليقرأ قراءة ابن أم عبد)), يعني عبد الله بن مسعود, وكان رضي الله عنه قد أُعطي حظاً عظيماً في تجويد القرآن وتحقيقه وترتيله كما أنزله الله تعالى, وناهيك برجل أحب النبُّي صلى الله عليه وسلم أن يسمع القرآنَ منه, ولما قرأ أبكى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم - كما ثبت في الصحيحين -, وروينا بسند صحيح عن أبي عثمان النهدي قال: صلى بنا ابن مسعود المغرب بـ((قل هو الله أحد)), ووالله لوددت أنه قرأ بسورة البقرة من حسن صوته وترتيله.
قلت: وهذه سنة الله تبارك وتعالى فمن يقرأ القرآن مجوَّداً مصحَّحاً كما أُنزل, تلتذ الأسماع بتلاوته، وتخشع القلوب عند قراءته، حتى يكاد أن يسلب العقول ويأخذ الألباب, سرٌّ من أسرار الله تعالى يودعه من يشاء من خلقه.
ولقد أدركنا من شيوخنا من لم يكن له حُسْنُ صوتٍ ولا معرفةٌ بالألحان, إلا كان جيد الأداء قَيِّماً باللفظ, فكان إذا قرأ أطرب المسامع, وأخذ من القلوب بالمجامع، وكان الخلق يزدحمون عليه، ويجتمعون على الاستماع إليه، أممٌ من الخواص والعوام، يشترك في ذلك من يعرف العربي ومن لا يعرفه من سائر الأنام, مع تركِهم جماعاتٍ مِن ذوي الأصوات الحسان، عارفين بالمقامات والألحان؛ لخروجهم عن التجويد والإتقان.
وأخبرني جماعة من شيوخي وغيرِهم أخباراً بلغت التواتر عن شيخهم الإمام تقي الدين محمد بن أحمد الصائغ المصري رحمه الله - وكان أستاذاً في التجويد - أنه قرأ يوماً في صلاة الصبح: ((وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد)), وكرر هذه الآية, فنزل طائر على رأس الشيخ يسمع قراءته حتى أكملها, فنظروا إليه فإذا هو هدهد.
وبلغنا عن الأستاذ الإمام أبي محمد عبد الله بن علي البغدادي المعروف بسبط الخياط [ت 725 ه] مؤلف "المبهِج" وغيرِه في القراءات رحمه الله: أنه كان قد أُعطي من ذلك حظاً عظيماً، وأنه أسلم جماعة من اليهود والنصارى مِن سماع قراءته.
وآخرُ من علِمناه بلغ النهايةَ في ذلك: الشيخ بدر الدين محمد بن أحمد ابن بصخان شيخ الشام، والشيخ إبراهيم بن عبد الله الحكري شيخ الديار المصرية رحمهما الله.
وأما اليوم فهذا بابٌ أُغلق، وطريقٌ سُدَّ، نسأل الله التوفيق، ونعوذ به من قصور الهمم ونفاق سوق الجهل في العرب والعجم.
ولا أعلم سبباً لبلوغ نهاية الإتقان والتجويد، ووصول غاية التصحيح والتشديد، مثل رياضة الألسن، والتكرارِ على اللفظ المتلقى من فم المحسن، وأنت ترى تجويدَ حروف الكتابة كيف يبلغ الكاتب بها بالرياضة وتوقيف الأستاذ، ولله در الحافظ أبي عمرو الداني رحمه الله حيث يقول: ((ليس بين التجويد وتركه، إلا رياضةٌ لمن تدبره بفكه)), فلقد صدق وبصَّر، وأوجز في القول وما قصَّر. فليس التجويد بتمضيغ اللسان، ولا بتقعير الفم، ولا بتعويج الفك، ولا بترعيد الصوت، ولا بتمطيط الشد، ولا بتقطيع المد، ولا بتطنين الغنات، ولا بحصرمة الراءات، قراءة تنفر عنها الطباع، وتمجها القلوب والأسماع، بل القراءة السهلة العذبة الحلوة اللطيفة، التي لا مَضْغٌ فيها ولا لَوْكٌ، ولا تعسف ولا تكلف، ولا تصنُّع ولا تنطُّع، لا تخرج عن طباع العرب وكلام الفصحاء بوجه من وجوه القراءات والأداء، وهانحن نشير إلى جمل من ذلك بحسب التفصيل، ونقدم الأهم فالأهم فنقول:.....
فالتجويد هو حلية التلاوة، وزينة القراءة، وهو إعطاء الحروف حقوقها وترتيبُها مراتبَها، وَرَدُّ الحرف إلى مخرجه وأصله، وإلحاقُه بنظيره, وتصحيحُ لفظه, وتلطيفُ النطق به على حال صيغته وكمال هيئته, من غير إسراف ولا تعسف, ولا إفراط ولا تكلف، وإلى ذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((من أحب أن يقرأ القرآن غضًّا كما أُنزل فليقرأ قراءة ابن أم عبد)), يعني عبد الله بن مسعود, وكان رضي الله عنه قد أُعطي حظاً عظيماً في تجويد القرآن وتحقيقه وترتيله كما أنزله الله تعالى, وناهيك برجل أحب النبُّي صلى الله عليه وسلم أن يسمع القرآنَ منه, ولما قرأ أبكى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم - كما ثبت في الصحيحين -, وروينا بسند صحيح عن أبي عثمان النهدي قال: صلى بنا ابن مسعود المغرب بـ((قل هو الله أحد)), ووالله لوددت أنه قرأ بسورة البقرة من حسن صوته وترتيله.
قلت: وهذه سنة الله تبارك وتعالى فمن يقرأ القرآن مجوَّداً مصحَّحاً كما أُنزل, تلتذ الأسماع بتلاوته، وتخشع القلوب عند قراءته، حتى يكاد أن يسلب العقول ويأخذ الألباب, سرٌّ من أسرار الله تعالى يودعه من يشاء من خلقه.
ولقد أدركنا من شيوخنا من لم يكن له حُسْنُ صوتٍ ولا معرفةٌ بالألحان, إلا كان جيد الأداء قَيِّماً باللفظ, فكان إذا قرأ أطرب المسامع, وأخذ من القلوب بالمجامع، وكان الخلق يزدحمون عليه، ويجتمعون على الاستماع إليه، أممٌ من الخواص والعوام، يشترك في ذلك من يعرف العربي ومن لا يعرفه من سائر الأنام, مع تركِهم جماعاتٍ مِن ذوي الأصوات الحسان، عارفين بالمقامات والألحان؛ لخروجهم عن التجويد والإتقان.
وأخبرني جماعة من شيوخي وغيرِهم أخباراً بلغت التواتر عن شيخهم الإمام تقي الدين محمد بن أحمد الصائغ المصري رحمه الله - وكان أستاذاً في التجويد - أنه قرأ يوماً في صلاة الصبح: ((وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد)), وكرر هذه الآية, فنزل طائر على رأس الشيخ يسمع قراءته حتى أكملها, فنظروا إليه فإذا هو هدهد.
وبلغنا عن الأستاذ الإمام أبي محمد عبد الله بن علي البغدادي المعروف بسبط الخياط [ت 725 ه] مؤلف "المبهِج" وغيرِه في القراءات رحمه الله: أنه كان قد أُعطي من ذلك حظاً عظيماً، وأنه أسلم جماعة من اليهود والنصارى مِن سماع قراءته.
وآخرُ من علِمناه بلغ النهايةَ في ذلك: الشيخ بدر الدين محمد بن أحمد ابن بصخان شيخ الشام، والشيخ إبراهيم بن عبد الله الحكري شيخ الديار المصرية رحمهما الله.
وأما اليوم فهذا بابٌ أُغلق، وطريقٌ سُدَّ، نسأل الله التوفيق، ونعوذ به من قصور الهمم ونفاق سوق الجهل في العرب والعجم.
ولا أعلم سبباً لبلوغ نهاية الإتقان والتجويد، ووصول غاية التصحيح والتشديد، مثل رياضة الألسن، والتكرارِ على اللفظ المتلقى من فم المحسن، وأنت ترى تجويدَ حروف الكتابة كيف يبلغ الكاتب بها بالرياضة وتوقيف الأستاذ، ولله در الحافظ أبي عمرو الداني رحمه الله حيث يقول: ((ليس بين التجويد وتركه، إلا رياضةٌ لمن تدبره بفكه)), فلقد صدق وبصَّر، وأوجز في القول وما قصَّر. فليس التجويد بتمضيغ اللسان، ولا بتقعير الفم، ولا بتعويج الفك، ولا بترعيد الصوت، ولا بتمطيط الشد، ولا بتقطيع المد، ولا بتطنين الغنات، ولا بحصرمة الراءات، قراءة تنفر عنها الطباع، وتمجها القلوب والأسماع، بل القراءة السهلة العذبة الحلوة اللطيفة، التي لا مَضْغٌ فيها ولا لَوْكٌ، ولا تعسف ولا تكلف، ولا تصنُّع ولا تنطُّع، لا تخرج عن طباع العرب وكلام الفصحاء بوجه من وجوه القراءات والأداء، وهانحن نشير إلى جمل من ذلك بحسب التفصيل، ونقدم الأهم فالأهم فنقول:.....
تعليق