عتاب لطيف لأصحاب الراء الجديدة
عرَّفَ علماءُ القراءة المتقدمون التجويدَ بأنه: إعطاء الحروف حقوقها، وترتيبُها مراتبَها، وَرَدُّ الحرفِ من حروفِ المعجم إلى مَخْرَجه وأصلِـه، وإلحاقُـه بنظيره وشَكْلِـه، وإشباعُ لَفْظِـهِ، وتمكينُ النطـقِ به على حالِ صيغتِه وهيئتِه، من غير إسرافٍ ولا تعسُّفٍ، ولا إفراطٍ ولا تكلُّفٍ.
وشاعَ عندَ المتأخرين تعريفُ ابنِ الجزري في (المقدمة)، وهو قوله:
وهُو إعطاءُ الحروف حقَّها ** مِن صفةٍ لها ومستَحَقَّها
وَرَدُّ كُلِّ واحدٍ لأصلِهِ ** واللَّفْظُ في نظيره كَمِثْلِهِ
مُكَمَّلًا مِن غيرِ ما تَكَلُّفِ ** باللُّطْفِ في النطق بلا تَعَسُّفِ
وهذا يعني أنّ مِن حقيقة التجويد أن يؤتى بالحرف مكمَّلَ الأداءِ مخرجًا وصفةً، بلُطْفٍ ورِفْق، من غير ارتكابِ مشقةٍ في قراءته بالزيادة على أداء مَخْرَجِه، والمبالغةِ في بيان صفته، والخروجِ عن استقامةِ جادةِ الأداءِ إلى الإفراط والإسراف.
فكما أن التفريط في ذلك مذموم، فكذلك التفريط!
وقد أكّد ابن الجزري هذا المبدأ حين قال: «فلَيْسَ التَّجْوِيدُ بِتَمْضِيغِ اللِّسَانِ، وَلَا بِتَقْعِيرِ الْفَمِ، وَلَا بِتَعْوِيجِ الْفَكِّ، وَلَا بِتَرْعِيدِ الصَّوْتِ، وَلَا بِتَمْطِيطِ الشَّدِّ، وَلَا بِتَقْطِيعِ الْمَدِّ، وَلَا بِتَطْنِينِ الْغُنَّاتِ، وَلَا بِحَصْرَمَةِ الرَّاءَاتِ، قِرَاءَةٌ تَنْفِرُ عَنْهَا الطِّبَاعُ، وَتَمُجُّهَا الْقُلُوبُ وَالْأَسْمَاعُ، بَلِ الْقِرَاءَةُ السَّهْلَةُ الْعَذْبَةُ الْحُلْوَةُ اللَّطِيفَةُ، الَّتِي لَا مَضْغَ فِيهَا وَلَا لَوْكَ، وَلَا تَعَسُّفَ وَلَا تَكَلُّفَ، وَلَا تَصَنُّعَ وَلَا تَنَطُّعَ؛ لَا تَخْرُجُ عَنْ طِبَاعِ الْعَرَبِ وَكَلَامِ الْفُصَحَاءِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْقِرَاءَاتِ وَالْأَدَاءِ». اهـ.
ومِن تقعيرِ الفم ما نراه اليوم عند طائفةٍ من قُرّاء القرآن الشُبَّان مِن المبالغة في أداء صفة الاستعلاء؛ من أجل زيادة تفخيم الحروف، لا سيما حرف الراء الذي يُخرجونه أشبه باللام المغلَّظة؛ زعمًا وظنًّا منهم أنّ هذا مِن إتقان القراءة، وإِحكامِ أَحكامِ التلاوة! وما هو إلا تكلُّفٌ ذميم، وخروجٌ عن النهج القويم، ومخالفة للذوق السليم!
الاستعلاء في علم التجويد هو: ارتفاع أقصى اللسان إلى الحنك العلوي عند النطق بالحرف؛ فيرتفع الصوت معه.
وهذا الارتفاع يجعل الصوت يتجه إلى الحنك، فينعكس عنه وله صدى يملأ الفم؛ بسبب تقبُّبِ الحنك، وهذا هو السِّمَن الذي ذَكر العلماء أنه يحدث للحرف المفخم.
وحروف الاستعلاء -كما هو معروف- هي المجموعة في قولهم: (خص ضغط قظ)، ويضاف إليها اللامُ والراءُ في حالِ كونهما مفخمَيْن؛ لأنهما حينئذ يشبهان الحروف المستعلية. بل قال المرعشي: الظاهر أنهما في حالتي تفخيمهما من الحروف المستعلية. اهـ.
فحروف الاستعلاء سميت مستعلية لأن اللسان يعلو بها إلى جهة الحنك.
قال علماء الأصوات اللغوية المُحْدَثون: الإطباق والاستعلاء ظاهرة صوتية تعني تفخيم الصوت وتغليظه؛ نتيجة اتساع الفراغ بين وسط اللسان والحنك الأعلى عند ارتفاع مؤخرةِ اللسان ومقدمه أثناء النطق بأصوات الصاد والضاد والطاء والظاء والغين والخاء والقاف.
وقد اهتم عدد من علماء التجويد بدراسة مراتب التفخيم، وحاولوا ترتيب حروف الاستعلاء بناءً على قوة تفخيم كل حرف منها، وكذلك حاولوا تحديد درجات تفخيم الحرف الواحد من حروف الاستعلاء بناء على حركته.
فذكروا أنه لما كانت الطاء أقوى في الإطباق من أخواتها كان تفخيمها أكبر من تفخيم أخواتها، ثم تأتي بعدها الصاد والضاد؛ لأنهما متوسطتان في الإطباق، ثم الظاء؛ لكونها أضعف حروف الإطباق إطباقًا، ثم تأتي القاف في مقدمة حروف الاستعلاء غير المطبقة؛ لأنها أبلغ في الاستعلاء من الغين والخاء.
ويَتْبَع حروفَ الاستعلاء في التفخيم: الراء واللام المفخمتان؛ لأنهما يشبهان الحروف المستعلية.
وقد كان حديث علماء التجويد عن درجات تفخيم الحرف المفخم الواحد أكثرَ تفصيلا من حديثهم عن ترتيب الحروف المستعلية بحسب قوة التفخيم.
وأقدم من نعلمه تحدث عن درجات التفخيم أو مراتب التفخيم هو الطحان الأندلسي (ت560هـ)، وقد جعل المفخمات على ثلاثة مراتب: أعلاها المفتوح، ثم المضموم، ثم المكسور.
ولم يذكر مرتبة الساكن.
وقد نقل ابن الجزري في (التمهيد) كلام ابن الطحان بنحو من هذه العبارة، ثم قال: «وهذا قول حسن، غير أني أختار أن تكون على خمسة أضرب:
ضرب يتمكن التفخيم فيه، وهو أن يكون بعد حرف الاستعلاء ألف.
وضرب دون ذلك، وهو أن يكون مفتوحا.
ودونه وهو أن يكون مضموما.
ودونه وهو أن يكون ساكنا.
ودونه وهو أن يكون مكسورا» اهـ
فذكر ابنُ الجزري مرتبة الساكن، وجعلها بين مرتبة المضموم ومرتبة المكسور، كما أنه جعل المفتوح قسمين: ما بعده ألف، وما ليس بعده ألف.
وكذا صنع في (النشر) –كما يبدو ذلك من كلامه المتفرق في بعض المواضع-.
وما ذهب إليه ابن الجزري تؤيده نتائج الدرس الصوتي؛ ذلك لأن أن قوة التفخيم تعتمد على كمية الهواء التي تملأ الفم وتخرج منه حالَ النطق بالحرف؛ فكلما زادت زاد صدى الحرف داخل الفم وقَوِيَ صوتُه، وهي عند النطق بحرف مفتوحٍ أكبرُ منها عند النطق بحرف مضموم، وعند النطق بحرف مضموم أكبر منها عند النطق بحرف ساكن، وعند نطق الحرف الساكن أكبر منها عند النطق بحرف مكسور، وأيضا هي في المفتوح الذي بعدَهُ ألِفٌ يكون التفخيم أكثر بقليل من الذي ليس بعده ألف؛ لأن وجود الألف يجعل الحرف يحصل على حظ أكبر مِن كمية الهواء، ومن ثم تزداد قوة التفخيم فيه أكثر من الذي لا يتلوه ألف.
وما يفعله أولئك الشبان هو أنهم عند نطق الراء يتكلفون زيادةَ ذلك الفراغِ الذي ينشأ بين وسط اللسان والحنك، وهذا شكلٌ من أشكال تقعير الفم الذي ذمَّه ابن الجزري؛ فيؤدي ذلك -إضافةً إلى فَرْطِ تضخُّم الصوت والإخلالِ بدرجات التفخيم- إلى خروجِ بعضِ النفَسِ من جانبي اللسان؛ لأن اللسان -بسبب زيادة ذلك الفراغ- لا يصيرُ قادرًا على إحكامِ غَلْقِ الجانبين؛ فتخرج تلك الراء مَشُوبَةً بصوت اللام، مما يجعل الأذواقَ المستقيمةَ تَمُجُّها، والمسامعَ تنفر منها وتستقبحها!
بل إنهم يجعلون الراء الساكنة أقوى تفخيما من الراء المضمومة، بَلْهَ المفتوحة أحيانًا، بل يَظهر لي أنهم يعطونها تفخيما من الحروف المطبقة!
وهذه المبالغة في التفخيم والإخلال بدرجاته -سواء في الراء أو غيرها- أمرٌ لم يُعهد عن القراء الكبار وأصحاب الأسانيد، ولا يُتصور صدورها مِن أفواه الفصحاء في طريفٍ ولا تَلِيدٍ، وإنما هي رأيٌ بَدَا لأولئك الشباب من بُنَيَّات أفكارهم، ومِن نتائج أذواقهم؛ ظنًّا منهم أنه من الإحكام والإتقان، وهو في الواقع مِن تلبيس الشيطان!
فاربَعوا على أنفسكم أيها الشباب، واعتدلوا في أمركم؛ حتى تكونوا أهل اتباع وسنة، لا أهلَ ابتداعٍ وإحداثٍ.
رعاكم الله، وسدد خطاكم، وهدانا وإياكم إلى الحق في كل شؤوننا!
كتبه
علي المالكي
عرَّفَ علماءُ القراءة المتقدمون التجويدَ بأنه: إعطاء الحروف حقوقها، وترتيبُها مراتبَها، وَرَدُّ الحرفِ من حروفِ المعجم إلى مَخْرَجه وأصلِـه، وإلحاقُـه بنظيره وشَكْلِـه، وإشباعُ لَفْظِـهِ، وتمكينُ النطـقِ به على حالِ صيغتِه وهيئتِه، من غير إسرافٍ ولا تعسُّفٍ، ولا إفراطٍ ولا تكلُّفٍ.
وشاعَ عندَ المتأخرين تعريفُ ابنِ الجزري في (المقدمة)، وهو قوله:
وهُو إعطاءُ الحروف حقَّها ** مِن صفةٍ لها ومستَحَقَّها
وَرَدُّ كُلِّ واحدٍ لأصلِهِ ** واللَّفْظُ في نظيره كَمِثْلِهِ
مُكَمَّلًا مِن غيرِ ما تَكَلُّفِ ** باللُّطْفِ في النطق بلا تَعَسُّفِ
وهذا يعني أنّ مِن حقيقة التجويد أن يؤتى بالحرف مكمَّلَ الأداءِ مخرجًا وصفةً، بلُطْفٍ ورِفْق، من غير ارتكابِ مشقةٍ في قراءته بالزيادة على أداء مَخْرَجِه، والمبالغةِ في بيان صفته، والخروجِ عن استقامةِ جادةِ الأداءِ إلى الإفراط والإسراف.
فكما أن التفريط في ذلك مذموم، فكذلك التفريط!
وقد أكّد ابن الجزري هذا المبدأ حين قال: «فلَيْسَ التَّجْوِيدُ بِتَمْضِيغِ اللِّسَانِ، وَلَا بِتَقْعِيرِ الْفَمِ، وَلَا بِتَعْوِيجِ الْفَكِّ، وَلَا بِتَرْعِيدِ الصَّوْتِ، وَلَا بِتَمْطِيطِ الشَّدِّ، وَلَا بِتَقْطِيعِ الْمَدِّ، وَلَا بِتَطْنِينِ الْغُنَّاتِ، وَلَا بِحَصْرَمَةِ الرَّاءَاتِ، قِرَاءَةٌ تَنْفِرُ عَنْهَا الطِّبَاعُ، وَتَمُجُّهَا الْقُلُوبُ وَالْأَسْمَاعُ، بَلِ الْقِرَاءَةُ السَّهْلَةُ الْعَذْبَةُ الْحُلْوَةُ اللَّطِيفَةُ، الَّتِي لَا مَضْغَ فِيهَا وَلَا لَوْكَ، وَلَا تَعَسُّفَ وَلَا تَكَلُّفَ، وَلَا تَصَنُّعَ وَلَا تَنَطُّعَ؛ لَا تَخْرُجُ عَنْ طِبَاعِ الْعَرَبِ وَكَلَامِ الْفُصَحَاءِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْقِرَاءَاتِ وَالْأَدَاءِ». اهـ.
ومِن تقعيرِ الفم ما نراه اليوم عند طائفةٍ من قُرّاء القرآن الشُبَّان مِن المبالغة في أداء صفة الاستعلاء؛ من أجل زيادة تفخيم الحروف، لا سيما حرف الراء الذي يُخرجونه أشبه باللام المغلَّظة؛ زعمًا وظنًّا منهم أنّ هذا مِن إتقان القراءة، وإِحكامِ أَحكامِ التلاوة! وما هو إلا تكلُّفٌ ذميم، وخروجٌ عن النهج القويم، ومخالفة للذوق السليم!
الاستعلاء في علم التجويد هو: ارتفاع أقصى اللسان إلى الحنك العلوي عند النطق بالحرف؛ فيرتفع الصوت معه.
وهذا الارتفاع يجعل الصوت يتجه إلى الحنك، فينعكس عنه وله صدى يملأ الفم؛ بسبب تقبُّبِ الحنك، وهذا هو السِّمَن الذي ذَكر العلماء أنه يحدث للحرف المفخم.
وحروف الاستعلاء -كما هو معروف- هي المجموعة في قولهم: (خص ضغط قظ)، ويضاف إليها اللامُ والراءُ في حالِ كونهما مفخمَيْن؛ لأنهما حينئذ يشبهان الحروف المستعلية. بل قال المرعشي: الظاهر أنهما في حالتي تفخيمهما من الحروف المستعلية. اهـ.
فحروف الاستعلاء سميت مستعلية لأن اللسان يعلو بها إلى جهة الحنك.
قال علماء الأصوات اللغوية المُحْدَثون: الإطباق والاستعلاء ظاهرة صوتية تعني تفخيم الصوت وتغليظه؛ نتيجة اتساع الفراغ بين وسط اللسان والحنك الأعلى عند ارتفاع مؤخرةِ اللسان ومقدمه أثناء النطق بأصوات الصاد والضاد والطاء والظاء والغين والخاء والقاف.
وقد اهتم عدد من علماء التجويد بدراسة مراتب التفخيم، وحاولوا ترتيب حروف الاستعلاء بناءً على قوة تفخيم كل حرف منها، وكذلك حاولوا تحديد درجات تفخيم الحرف الواحد من حروف الاستعلاء بناء على حركته.
فذكروا أنه لما كانت الطاء أقوى في الإطباق من أخواتها كان تفخيمها أكبر من تفخيم أخواتها، ثم تأتي بعدها الصاد والضاد؛ لأنهما متوسطتان في الإطباق، ثم الظاء؛ لكونها أضعف حروف الإطباق إطباقًا، ثم تأتي القاف في مقدمة حروف الاستعلاء غير المطبقة؛ لأنها أبلغ في الاستعلاء من الغين والخاء.
ويَتْبَع حروفَ الاستعلاء في التفخيم: الراء واللام المفخمتان؛ لأنهما يشبهان الحروف المستعلية.
وقد كان حديث علماء التجويد عن درجات تفخيم الحرف المفخم الواحد أكثرَ تفصيلا من حديثهم عن ترتيب الحروف المستعلية بحسب قوة التفخيم.
وأقدم من نعلمه تحدث عن درجات التفخيم أو مراتب التفخيم هو الطحان الأندلسي (ت560هـ)، وقد جعل المفخمات على ثلاثة مراتب: أعلاها المفتوح، ثم المضموم، ثم المكسور.
ولم يذكر مرتبة الساكن.
وقد نقل ابن الجزري في (التمهيد) كلام ابن الطحان بنحو من هذه العبارة، ثم قال: «وهذا قول حسن، غير أني أختار أن تكون على خمسة أضرب:
ضرب يتمكن التفخيم فيه، وهو أن يكون بعد حرف الاستعلاء ألف.
وضرب دون ذلك، وهو أن يكون مفتوحا.
ودونه وهو أن يكون مضموما.
ودونه وهو أن يكون ساكنا.
ودونه وهو أن يكون مكسورا» اهـ
فذكر ابنُ الجزري مرتبة الساكن، وجعلها بين مرتبة المضموم ومرتبة المكسور، كما أنه جعل المفتوح قسمين: ما بعده ألف، وما ليس بعده ألف.
وكذا صنع في (النشر) –كما يبدو ذلك من كلامه المتفرق في بعض المواضع-.
وما ذهب إليه ابن الجزري تؤيده نتائج الدرس الصوتي؛ ذلك لأن أن قوة التفخيم تعتمد على كمية الهواء التي تملأ الفم وتخرج منه حالَ النطق بالحرف؛ فكلما زادت زاد صدى الحرف داخل الفم وقَوِيَ صوتُه، وهي عند النطق بحرف مفتوحٍ أكبرُ منها عند النطق بحرف مضموم، وعند النطق بحرف مضموم أكبر منها عند النطق بحرف ساكن، وعند نطق الحرف الساكن أكبر منها عند النطق بحرف مكسور، وأيضا هي في المفتوح الذي بعدَهُ ألِفٌ يكون التفخيم أكثر بقليل من الذي ليس بعده ألف؛ لأن وجود الألف يجعل الحرف يحصل على حظ أكبر مِن كمية الهواء، ومن ثم تزداد قوة التفخيم فيه أكثر من الذي لا يتلوه ألف.
وما يفعله أولئك الشبان هو أنهم عند نطق الراء يتكلفون زيادةَ ذلك الفراغِ الذي ينشأ بين وسط اللسان والحنك، وهذا شكلٌ من أشكال تقعير الفم الذي ذمَّه ابن الجزري؛ فيؤدي ذلك -إضافةً إلى فَرْطِ تضخُّم الصوت والإخلالِ بدرجات التفخيم- إلى خروجِ بعضِ النفَسِ من جانبي اللسان؛ لأن اللسان -بسبب زيادة ذلك الفراغ- لا يصيرُ قادرًا على إحكامِ غَلْقِ الجانبين؛ فتخرج تلك الراء مَشُوبَةً بصوت اللام، مما يجعل الأذواقَ المستقيمةَ تَمُجُّها، والمسامعَ تنفر منها وتستقبحها!
بل إنهم يجعلون الراء الساكنة أقوى تفخيما من الراء المضمومة، بَلْهَ المفتوحة أحيانًا، بل يَظهر لي أنهم يعطونها تفخيما من الحروف المطبقة!
وهذه المبالغة في التفخيم والإخلال بدرجاته -سواء في الراء أو غيرها- أمرٌ لم يُعهد عن القراء الكبار وأصحاب الأسانيد، ولا يُتصور صدورها مِن أفواه الفصحاء في طريفٍ ولا تَلِيدٍ، وإنما هي رأيٌ بَدَا لأولئك الشباب من بُنَيَّات أفكارهم، ومِن نتائج أذواقهم؛ ظنًّا منهم أنه من الإحكام والإتقان، وهو في الواقع مِن تلبيس الشيطان!
فاربَعوا على أنفسكم أيها الشباب، واعتدلوا في أمركم؛ حتى تكونوا أهل اتباع وسنة، لا أهلَ ابتداعٍ وإحداثٍ.
رعاكم الله، وسدد خطاكم، وهدانا وإياكم إلى الحق في كل شؤوننا!
كتبه
علي المالكي
تعليق