كثير من طلاب القرآن يظنون أن التجويدَ والترتيلَ شيء واحد. وهذا خطأٌ، ويترتب عليه عدة أخطاء أخرى. فالترتيل يتعلق بسرعة القراءة، والتجويد يتعلق بحقائق وقواعد وكيفيات النطق.
وهذا تفصيل الفرق بينهما:
التجويد في اللغة: مصدرُ جوَّدَ الشيءَ وفيه: إذا فَعلَه جيِّدًا، ويقال: جاد الشيءُ جُودَةً وجَوْدَةً: صار جيدًا، وأجدتُ الشيءَ وجوَّدتُه فَجَادَ. والجيّد: ضد الرديء.
قال الداني: «ومعناه: انتهاءُ الغاية في إتقان الشيء، وبلوغُ النهاية في تحسينه».
ويقال لقارئ القرآن المحسِّن لتلاوته: (مُجَوِّد) إذا أتى بالقراءة مجوَّدَةَ الألفاظِ بريئةً من الجور في النطق بها، لم تهجنها الزيادةُ، ولم يَشِنْها النقصانُ.
وأما في الاصطلاح: فتعريفه الذي اشتهر عند المتقدمين هو أنه: «إعطاء الحروف حقوقَها، وترتيبُها مراتبَها، وَرَدُّ الحرفِ من حروفِ المعجم إلى مَـخْرَجِه وأصلـِه، وإلحاقُـه بنظيره وشَكْلِـه، وإشباعُ لفظـه، وتمكينُ النطـق به على حالِ صيغتِه وهيئتِه، من غير إسرافٍ ولا تعسُّفٍ، ولا إفراطٍ ولا تكلُّفٍ».
وقد اعتمد ابنُ الجزري في «التمهيد» و«النشر» نحوَ هذا التعريف، لكنه في «المقدمة» أجرى بعضَ التعديلات على مضمونه بإضافة عناصر جديدة إليه، فقال:
وهُو إعطاءُ الحروفِ حقَّها .. مِن صفةٍ لها ومستَحَقَّها
وَرَدُّ كُلِّ واحدٍ لأصلِهِ .. واللَّفْظُ في نظيره كَمِثْلِهِ
مُكَمَّلًا مِن غيرِ ما تَكَلُّفِ .. باللُّطْفِ في النطق بلا تَعَسُّفِ
ويمكن صياغةُ تعريف ابن الجزري صياغةً نثريةً فنقول:
هو إخراج كل حرفٍ من مخرجه، وإعطاؤه حقَّه ومستحقَّه من الصفات، وإلحاقُ النظير بنظيره، وتكميل ذلك من غير تكلُّفٍ وارتكابِ مشقةٍ في قراءته بالزيادة على أداء مخرجه والمبالغةِ في بيان صفته.
قال التاذفي: «وحاصلُ [ذلك] رعايةُ الذات والصفات وما ينشأ عنهما في كل حرف، وتركُ التكلفِ والتعسفِ في القراءة».
وَأَمَّا التَّرْتِيلُ فهو في اللغة: تَفْعيلٌ مِن الرتَل، وهو حُسْنُ تناسقِ الشيء. يقال: كلامٌ رَتَلٌ ورَتِلٌ: أي مرتَّل حسن على تؤدة. ورتَّل الكلامَ: أحسَنَ تأليفَه وأَبانَه وتمهَّل فيه. ويقال: فلان يَتَرَتَّل في كلامه وَيتَرسَّلُ: إذا فَصَلَ بعضَه من بعض.
والترتيل في القراءة: الترسُّل فيها والتبيين بغير بَغْيٍ.
وقد قال الله -سبحانه وتعالى- لنبيه -عليه الصلاة والسلام-: {وَرَتِّلِ اِ۬لْقُرْءَانَ تَرْتِيلاًۖ }[سورة المزمل:3].
قال الطبري: «[أي:] وبيِّن القرآنَ إذا قرأتَه تبيينًا، وترسَّل فيه ترسلًا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويل».
وقال الداني: «أي: تَلَبَّثْ في قراءته، وافصل الحرف من الحرف الذي بعده، ولا تستعجل فتدخلَ بعض الحروف في بعض».
ويرى طائفة من أهل الصنعة أنه والتحقيقَ واحدٌ. وذهب بعضهم إلى التفريق بينهما، وجعل الترتيل صفة من صفات التحقيق، وبعضهم يجعله درجة أقل من التحقيق.
قال الداني: «وهو صفة من صفات التحقيق وليس به، لأن الترتيل يكون بالهمز وتركِه، والقصر لحرف المد، والتخفيف والاختلاس، وليس ذلك في التحقيق ... والترتيل يكون للتدبر والتفكر والاستنباط، والتحقيق لرياضة الألسن، وترقيق الألفاظ الغليظة، وإقامة القراءة، وإعطاء كل حرف حقه من المد والهمز والإشباع والتفكيك، ويؤمَن معه تحريكُ ساكنٍ، واختلاسُ حركةِ متحرك».
وقال أبو العلاء العطار: «اعلم أن التحقيق والترتيل يتفقان من وجه ويفترقان من وجه. فأما وجه اتفاقهما فمن حيث إن الترتيل صفة من صفات التحقيق وليس به، وذاك أنه مصدر رتّل الرجل كلامه إذا أتبع بعضه بعضا على تؤدة وتمهل، والتحقيق مصدر حققت الشيء والاسم منه الحق، ومعناه أن يؤتى بالشيء على حقه. وقد علمت أن إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها ومراتبها إلى غير ذلك مما أوضحناه قبل موجود في كلا المذهبين. وأما وجه افتراقهما فمن حيث أن الترتيل يكون بتحقيق الهمزات وتخفيفها واختلاس الحركات وإقرارها، والتحقيق بخلاف ذلك».
قال الدكتور غانم قدوري الحمد: «والفرق عند مَن مَيَّزَ بين التحقيق والترتيل ليس كبيرا -كما ترى-، ومن ثم تغاضى كثير من علماء التجويد عن ذلك الفرق وعدو هما مترادفين».
فبان بهذا التقريرِ الفرقُ بين التجويد والترتيل.
ومما يزيد الأمر توضيحا: قولُ المرادي: «والقراء مجمعون على التزام التجويد في جميع أحوال القراءة مِن ترتيل وحد وتوسط، وربما تَوَهَّم قومٌ أن التجويد إنما يكون مع الترتيل؛ لاعتقادهم أن التجويد إنما هو الإفراط في المد وإشباعُ الحركات ونحوُ ذلك مما لا يتأتّى مع الحدر، وليس كما توهموه، وإنما حقيقة تجويدِ القراءة ما قدمته لك، وذلك مُتَأَتٍّ مع الحدر كما يتأتى مع الترتيل، ولا ينكَر أن الأخذ بالترتيل أتمُّ مدًّا وتحريكًا من الأخذ بالحدر، ولكن لا بد في جميع ذلك من إقامة مخارج الحروف وصفاتها».
وقال أبو مزاحم الخاقاني:
فَذُو الحِذْقِ مُعطٍ للحروفِ حقوقَها .. إذا رتَّلَ القرآنَ أو كان ذا حَدْرِ
ولعل الذي أدّى إلى الخلط بين التجويد والترتيل: ما روي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- مِن أنه فسّر الترتيل بقوله: «معرفة الوقوف وتجويدُ الحروف».
ولا حجة في هذا الأثر؛ فإنه لا يُعرف له إسنادٌ، ومِن ثَمَّ فلا تقوم به حجة، وزيادةً على ذلك فإنّ أقوال مفسِّرِي السلَف الواردةَ في تفسير هذه الآية أو نظائرِها –أي في تفسير معنى الترتيل- مخالفةٌ لهذا التفسير، وإنما تدل في جملتها على المعنى الذي لخّصه الطبري بقوله: «وبيِّن القرآنَ إذا قرأتَه تبيينًا، وترسَّل فيه ترسلًا» قال: «وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويل».
كتبه
علي المالكي
وهذا تفصيل الفرق بينهما:
التجويد في اللغة: مصدرُ جوَّدَ الشيءَ وفيه: إذا فَعلَه جيِّدًا، ويقال: جاد الشيءُ جُودَةً وجَوْدَةً: صار جيدًا، وأجدتُ الشيءَ وجوَّدتُه فَجَادَ. والجيّد: ضد الرديء.
قال الداني: «ومعناه: انتهاءُ الغاية في إتقان الشيء، وبلوغُ النهاية في تحسينه».
ويقال لقارئ القرآن المحسِّن لتلاوته: (مُجَوِّد) إذا أتى بالقراءة مجوَّدَةَ الألفاظِ بريئةً من الجور في النطق بها، لم تهجنها الزيادةُ، ولم يَشِنْها النقصانُ.
وأما في الاصطلاح: فتعريفه الذي اشتهر عند المتقدمين هو أنه: «إعطاء الحروف حقوقَها، وترتيبُها مراتبَها، وَرَدُّ الحرفِ من حروفِ المعجم إلى مَـخْرَجِه وأصلـِه، وإلحاقُـه بنظيره وشَكْلِـه، وإشباعُ لفظـه، وتمكينُ النطـق به على حالِ صيغتِه وهيئتِه، من غير إسرافٍ ولا تعسُّفٍ، ولا إفراطٍ ولا تكلُّفٍ».
وقد اعتمد ابنُ الجزري في «التمهيد» و«النشر» نحوَ هذا التعريف، لكنه في «المقدمة» أجرى بعضَ التعديلات على مضمونه بإضافة عناصر جديدة إليه، فقال:
وهُو إعطاءُ الحروفِ حقَّها .. مِن صفةٍ لها ومستَحَقَّها
وَرَدُّ كُلِّ واحدٍ لأصلِهِ .. واللَّفْظُ في نظيره كَمِثْلِهِ
مُكَمَّلًا مِن غيرِ ما تَكَلُّفِ .. باللُّطْفِ في النطق بلا تَعَسُّفِ
ويمكن صياغةُ تعريف ابن الجزري صياغةً نثريةً فنقول:
هو إخراج كل حرفٍ من مخرجه، وإعطاؤه حقَّه ومستحقَّه من الصفات، وإلحاقُ النظير بنظيره، وتكميل ذلك من غير تكلُّفٍ وارتكابِ مشقةٍ في قراءته بالزيادة على أداء مخرجه والمبالغةِ في بيان صفته.
قال التاذفي: «وحاصلُ [ذلك] رعايةُ الذات والصفات وما ينشأ عنهما في كل حرف، وتركُ التكلفِ والتعسفِ في القراءة».
وَأَمَّا التَّرْتِيلُ فهو في اللغة: تَفْعيلٌ مِن الرتَل، وهو حُسْنُ تناسقِ الشيء. يقال: كلامٌ رَتَلٌ ورَتِلٌ: أي مرتَّل حسن على تؤدة. ورتَّل الكلامَ: أحسَنَ تأليفَه وأَبانَه وتمهَّل فيه. ويقال: فلان يَتَرَتَّل في كلامه وَيتَرسَّلُ: إذا فَصَلَ بعضَه من بعض.
والترتيل في القراءة: الترسُّل فيها والتبيين بغير بَغْيٍ.
وقد قال الله -سبحانه وتعالى- لنبيه -عليه الصلاة والسلام-: {وَرَتِّلِ اِ۬لْقُرْءَانَ تَرْتِيلاًۖ }[سورة المزمل:3].
قال الطبري: «[أي:] وبيِّن القرآنَ إذا قرأتَه تبيينًا، وترسَّل فيه ترسلًا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويل».
وقال الداني: «أي: تَلَبَّثْ في قراءته، وافصل الحرف من الحرف الذي بعده، ولا تستعجل فتدخلَ بعض الحروف في بعض».
ويرى طائفة من أهل الصنعة أنه والتحقيقَ واحدٌ. وذهب بعضهم إلى التفريق بينهما، وجعل الترتيل صفة من صفات التحقيق، وبعضهم يجعله درجة أقل من التحقيق.
قال الداني: «وهو صفة من صفات التحقيق وليس به، لأن الترتيل يكون بالهمز وتركِه، والقصر لحرف المد، والتخفيف والاختلاس، وليس ذلك في التحقيق ... والترتيل يكون للتدبر والتفكر والاستنباط، والتحقيق لرياضة الألسن، وترقيق الألفاظ الغليظة، وإقامة القراءة، وإعطاء كل حرف حقه من المد والهمز والإشباع والتفكيك، ويؤمَن معه تحريكُ ساكنٍ، واختلاسُ حركةِ متحرك».
وقال أبو العلاء العطار: «اعلم أن التحقيق والترتيل يتفقان من وجه ويفترقان من وجه. فأما وجه اتفاقهما فمن حيث إن الترتيل صفة من صفات التحقيق وليس به، وذاك أنه مصدر رتّل الرجل كلامه إذا أتبع بعضه بعضا على تؤدة وتمهل، والتحقيق مصدر حققت الشيء والاسم منه الحق، ومعناه أن يؤتى بالشيء على حقه. وقد علمت أن إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها ومراتبها إلى غير ذلك مما أوضحناه قبل موجود في كلا المذهبين. وأما وجه افتراقهما فمن حيث أن الترتيل يكون بتحقيق الهمزات وتخفيفها واختلاس الحركات وإقرارها، والتحقيق بخلاف ذلك».
قال الدكتور غانم قدوري الحمد: «والفرق عند مَن مَيَّزَ بين التحقيق والترتيل ليس كبيرا -كما ترى-، ومن ثم تغاضى كثير من علماء التجويد عن ذلك الفرق وعدو هما مترادفين».
فبان بهذا التقريرِ الفرقُ بين التجويد والترتيل.
ومما يزيد الأمر توضيحا: قولُ المرادي: «والقراء مجمعون على التزام التجويد في جميع أحوال القراءة مِن ترتيل وحد وتوسط، وربما تَوَهَّم قومٌ أن التجويد إنما يكون مع الترتيل؛ لاعتقادهم أن التجويد إنما هو الإفراط في المد وإشباعُ الحركات ونحوُ ذلك مما لا يتأتّى مع الحدر، وليس كما توهموه، وإنما حقيقة تجويدِ القراءة ما قدمته لك، وذلك مُتَأَتٍّ مع الحدر كما يتأتى مع الترتيل، ولا ينكَر أن الأخذ بالترتيل أتمُّ مدًّا وتحريكًا من الأخذ بالحدر، ولكن لا بد في جميع ذلك من إقامة مخارج الحروف وصفاتها».
وقال أبو مزاحم الخاقاني:
فَذُو الحِذْقِ مُعطٍ للحروفِ حقوقَها .. إذا رتَّلَ القرآنَ أو كان ذا حَدْرِ
ولعل الذي أدّى إلى الخلط بين التجويد والترتيل: ما روي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- مِن أنه فسّر الترتيل بقوله: «معرفة الوقوف وتجويدُ الحروف».
ولا حجة في هذا الأثر؛ فإنه لا يُعرف له إسنادٌ، ومِن ثَمَّ فلا تقوم به حجة، وزيادةً على ذلك فإنّ أقوال مفسِّرِي السلَف الواردةَ في تفسير هذه الآية أو نظائرِها –أي في تفسير معنى الترتيل- مخالفةٌ لهذا التفسير، وإنما تدل في جملتها على المعنى الذي لخّصه الطبري بقوله: «وبيِّن القرآنَ إذا قرأتَه تبيينًا، وترسَّل فيه ترسلًا» قال: «وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويل».
كتبه
علي المالكي