بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
فإن من الشُّبَه التي يروِّجها الذين يقرؤون بالمقامات الموسيقية: قولهم: "إن كل من قرأ القرآن متغنِّياً به فإنه لا بد أن يوافق مقاماً من المقامات - شاء أم أبى -".
ولكن هذه الشبهة لا تنطلي إلا عند عدم العلم بحقيقة الأمر
إذْ إنَّ أزمنة علم التجويد تختلف عن أزمة المقامات, فكل مَن قرأ بالمقامات بأزمنتها مطبِّقاً لها بحذافيرها فإنه سيخل بأزمنة التجويد ولابد, وإلا لانكسَر منه المقام (وهذا ما يسمونه بـ"النَّشَاز").
ومن أمثلة الأخطاء التي تحدث عندما يُغَلَّب الزمن النغمي على الزمن التجويدي:
1- تطويل أو تقصير أزمنة المدود والغنن عن حدها.
2- إشباع بعض الحركات حتى تتولد منها حروف مد من جنسها.
3- اختلاس زمن الحركات في غير محله.
4- تطويل زمن الحرف الرخو الساكن أو البيني الساكن عن حده المطلوب.
أخي القارئ...
من المعلوم أن القرآن ليس بالشعر
ولكن لو أتينا إلى قوله تعالى: (الحمد لله الذي هدانا) نجد أنه موزون عروضياً على صدر أو عجز بيت من بحر الرجز
ومثله قوله تعالى: (إنا إذاً لفي ضلال وسُعُر)
وكذلك لو أتينا إلى قوله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) نجد أنه موزون
فهل وجود هذه المقاطع وأمثالِها في القرآن يجعلنا نقول بأن القرآن شعر؟!
حاشا وكلا
الشعر شيء قائم بذاته يتألف من أبيات لها صدر وعجز ولها قافية وموزونة بأوزان معينة ....
كذلك الأمر بالنسبة لأزمنة التجويد وأزمنة المقامات
هل مَن قرأ القرآن فوافق عند قراءتِه لمقطع قرآني معيَّنٍ مقامَ النهاوند مثلاً؛ هل يقال إنه قرأ بالنهاوند؟!
الإجابة لك
مقام النهاوند مقام له أوزانه وأزمنته وأحكامه الخاصة, لو عرضنا تلاوة ذلك القارئ عليها لَوَجَدْنا أنه في الواقع لم يقرأ بالنهاوند, إنما وافقه في مقطع معين ثم خالفه
وهكذا يقال في بقية المقامات
هل رأيتم كيف أن هذه شبهة واهية؟
وأختم بهذا الكلام القيم للإمام ابن القيم رحمه الله, قال في زاد المعاد – بعد أن عرض الخلاف في هذه المسألة -:
((وفصل النزاع، أن يقال: التطريب والتغنِّي على وجهين، أحدهما: ما اقتضته الطبيعة، وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين ولا تعليم، بل إذا خُلّي وطبعه، واسترسلت طبيعته، جاءت بذلك التطريب والتلحين، فذلك جائز، وإن أعان طبيعتَه بفضلِ تزيين وتحسين، كما قال أبو موسى الأشعري للنبي صلى الله عليه وسلم: "لَو علمتُ أنّكَ تَسمَع لَحَبَّرْتُه لَكَ تحبِيراً", والحزين ومَن هاجه الطرب والحبُ والشوق لا يملك من نفسه دفعَ التحزين والتطريب في القراءة، ولكن النفوسَ تقبلُه وتستحليه لموافقته الطبع وعدم التكلف والتصنع فيه، فهو مطبوع لا متطبِّع، وكَلفٌ لا متكلَف، فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويستمعونه، وهو التغني الممدوح المحمود، وهو الذي يتأثر به التالي والسامعُ، وعلى هذا الوجه تُحمل أدلة أرباب هذا القول كلها.
الوجه الثاني: ما كان من ذلك صناعةً من الصنائع، وليس في الطبع السماحة به، بل لا يحصُل إلا بتكلُّف وتصنُّع وتمرُّن، كما يتعلم أصوات الغِناء بأنواع الألحان البسيطة، والمركبة على إيقاعات مخصوصة، وأوزانٍ مخترعة، لا تحصل إلا بالتعلُم والتكلف، فهذه هي التي كرهها السلفُ، وعابوها، وذمّوها، ومنعوا القراءةَ بها، وأنكروا على من قرأ بها، وأدلة أرباب هذا القول إنما تتناول هذا الوجه، وبهذا التفصيل يزول الاشتباهُ، ويتبين الصوابُ من غيره، وكلُّ من له علم بأحوال السلف، يعلم قطعاً أنهم بُرآء من القراءة بألحان الموسيقى المتكلفة، التي هي إيقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة، وأنهم أتقى للّه من أن يقرؤوا بها، ويُسوّغوها، ويعلم قطعاً أنهم كانوا يقرؤون بالتحزين والتطريب، ويحسِّنون أصواتَهم بالقرآن، ويقرؤونه بِشجىً تارة، وبِطَربِ تارة، وبِشوْق تارة، وهذا أمر مركوز في الطباع تقاضيه، ولم ينه عنه الشارع مع شدة تقاضي الطباع له، بل أرشد إليه وندب إليه، وأخبر عن استماع اللّه لمن قرأ به، وقال: "لَيْسَ مِنَّا مَن لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقرآنِ" وفيه وجهان: أحدهما: أنه إخبار بالواقع الذي كلُّنا نفعله، والثاني: أنه نفي لهدي من لم يفعله عن هديه وطريقته صلى الله عليه وسلم)) اهـ.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
فإن من الشُّبَه التي يروِّجها الذين يقرؤون بالمقامات الموسيقية: قولهم: "إن كل من قرأ القرآن متغنِّياً به فإنه لا بد أن يوافق مقاماً من المقامات - شاء أم أبى -".
ولكن هذه الشبهة لا تنطلي إلا عند عدم العلم بحقيقة الأمر
إذْ إنَّ أزمنة علم التجويد تختلف عن أزمة المقامات, فكل مَن قرأ بالمقامات بأزمنتها مطبِّقاً لها بحذافيرها فإنه سيخل بأزمنة التجويد ولابد, وإلا لانكسَر منه المقام (وهذا ما يسمونه بـ"النَّشَاز").
ومن أمثلة الأخطاء التي تحدث عندما يُغَلَّب الزمن النغمي على الزمن التجويدي:
1- تطويل أو تقصير أزمنة المدود والغنن عن حدها.
2- إشباع بعض الحركات حتى تتولد منها حروف مد من جنسها.
3- اختلاس زمن الحركات في غير محله.
4- تطويل زمن الحرف الرخو الساكن أو البيني الساكن عن حده المطلوب.
أخي القارئ...
من المعلوم أن القرآن ليس بالشعر
ولكن لو أتينا إلى قوله تعالى: (الحمد لله الذي هدانا) نجد أنه موزون عروضياً على صدر أو عجز بيت من بحر الرجز
ومثله قوله تعالى: (إنا إذاً لفي ضلال وسُعُر)
وكذلك لو أتينا إلى قوله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) نجد أنه موزون
فهل وجود هذه المقاطع وأمثالِها في القرآن يجعلنا نقول بأن القرآن شعر؟!
حاشا وكلا
الشعر شيء قائم بذاته يتألف من أبيات لها صدر وعجز ولها قافية وموزونة بأوزان معينة ....
كذلك الأمر بالنسبة لأزمنة التجويد وأزمنة المقامات
هل مَن قرأ القرآن فوافق عند قراءتِه لمقطع قرآني معيَّنٍ مقامَ النهاوند مثلاً؛ هل يقال إنه قرأ بالنهاوند؟!
الإجابة لك
مقام النهاوند مقام له أوزانه وأزمنته وأحكامه الخاصة, لو عرضنا تلاوة ذلك القارئ عليها لَوَجَدْنا أنه في الواقع لم يقرأ بالنهاوند, إنما وافقه في مقطع معين ثم خالفه
وهكذا يقال في بقية المقامات
هل رأيتم كيف أن هذه شبهة واهية؟
وأختم بهذا الكلام القيم للإمام ابن القيم رحمه الله, قال في زاد المعاد – بعد أن عرض الخلاف في هذه المسألة -:
((وفصل النزاع، أن يقال: التطريب والتغنِّي على وجهين، أحدهما: ما اقتضته الطبيعة، وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين ولا تعليم، بل إذا خُلّي وطبعه، واسترسلت طبيعته، جاءت بذلك التطريب والتلحين، فذلك جائز، وإن أعان طبيعتَه بفضلِ تزيين وتحسين، كما قال أبو موسى الأشعري للنبي صلى الله عليه وسلم: "لَو علمتُ أنّكَ تَسمَع لَحَبَّرْتُه لَكَ تحبِيراً", والحزين ومَن هاجه الطرب والحبُ والشوق لا يملك من نفسه دفعَ التحزين والتطريب في القراءة، ولكن النفوسَ تقبلُه وتستحليه لموافقته الطبع وعدم التكلف والتصنع فيه، فهو مطبوع لا متطبِّع، وكَلفٌ لا متكلَف، فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويستمعونه، وهو التغني الممدوح المحمود، وهو الذي يتأثر به التالي والسامعُ، وعلى هذا الوجه تُحمل أدلة أرباب هذا القول كلها.
الوجه الثاني: ما كان من ذلك صناعةً من الصنائع، وليس في الطبع السماحة به، بل لا يحصُل إلا بتكلُّف وتصنُّع وتمرُّن، كما يتعلم أصوات الغِناء بأنواع الألحان البسيطة، والمركبة على إيقاعات مخصوصة، وأوزانٍ مخترعة، لا تحصل إلا بالتعلُم والتكلف، فهذه هي التي كرهها السلفُ، وعابوها، وذمّوها، ومنعوا القراءةَ بها، وأنكروا على من قرأ بها، وأدلة أرباب هذا القول إنما تتناول هذا الوجه، وبهذا التفصيل يزول الاشتباهُ، ويتبين الصوابُ من غيره، وكلُّ من له علم بأحوال السلف، يعلم قطعاً أنهم بُرآء من القراءة بألحان الموسيقى المتكلفة، التي هي إيقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة، وأنهم أتقى للّه من أن يقرؤوا بها، ويُسوّغوها، ويعلم قطعاً أنهم كانوا يقرؤون بالتحزين والتطريب، ويحسِّنون أصواتَهم بالقرآن، ويقرؤونه بِشجىً تارة، وبِطَربِ تارة، وبِشوْق تارة، وهذا أمر مركوز في الطباع تقاضيه، ولم ينه عنه الشارع مع شدة تقاضي الطباع له، بل أرشد إليه وندب إليه، وأخبر عن استماع اللّه لمن قرأ به، وقال: "لَيْسَ مِنَّا مَن لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقرآنِ" وفيه وجهان: أحدهما: أنه إخبار بالواقع الذي كلُّنا نفعله، والثاني: أنه نفي لهدي من لم يفعله عن هديه وطريقته صلى الله عليه وسلم)) اهـ.
تعليق