بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: {ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم}
فما الفرق بين يكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم؟
فما الفرق بين يكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم؟
شرح الشيخ صالح بن العثيمين من كتاب رياض الصالحين باب التقوى:
الآية الخامسة قوله تعالى:﴿إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾[الأنفال:29]، هذه ثلاث فوائد عظيمة: الفائدة الأولى: ﴿يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً﴾ أي يجعل لكم ما تُفَرِّقون به بين الحق والباطل، وبين الضار والنافع، وهذا يدخل فيه العلم، بحيث يفتح الله على الإنسان من العلوم ما لا يفتحها لغيره، فإن التقوى يحصل بها زيادة الهدى، وزيادة العلم ، وزيادة الحفظ، ولهذا يُذكر عن الشافعي رحمه الله أنه قال: شَكَـوتُ إلـى وَكِيــعٍ سُـوءَ حِفْظِـــي
فـأَرشَـدَني إلـى تَـْركِ المعــاصـي
وقـال اعلَــمْ بــأنَّ العِلْـــمَ نُــــــورٌ
ونُــورُ الله لا يُــؤتَــاه عَــاصـي
ولا شك أن الإنسان كلما ازداد علما، ازداد معرفة، وازداد فرقانا بين الحق والباطل، وبين الضار والنافع، وكذلك يدخل فيه ما يفتح الله على الإنسان من الفهم، لأن التقوى سبب لقوة ، وقوة الفهم يحصل بها زيادة العلم، فإنك ترى الرَّجلين يحفظان آية من كتاب الله، يستطيع أحدهما أن يستخرج منها ثلاثة أحكام مثلا، ويستطيع الآخر أن يستخرج أربعة، أو خمسة، أو عشرة، أو أكثر من هذا بحسب ما آتاه من الفهم. فالتقوى سبب لزيادة الفهم، ويدخل في ذلك أيضا الفراسة، أن الله يعطي المتَّقي فراسة يميّز بها حتى بين الناس، فبمجرد ما يرى الإنسان يعرف أنه كاذب أو صادق، أو أنه برٌّ أو فاجر، حتى انه ربما يحكم على الشخص وهو لم يُعَاشره ولم يعرف عنه شيئا، بسبب ما أعطاه الله من الفراسة. ويدخل في ذلك أيضا: ما يحصل للمتَّقين من الكرامات التي لا تحصل لغيرهم، ومن ذلك: ما حصل لكثير من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، فكان عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- ذات يوم يخطب على المنبر في المدينة، فسَمِعوه يقول في أثناء الخطبة: ((يا سارية الجبل، يا سارية الجبل)(309) ، فتعجَّبوا من يخاطب وكيف يقول هذا الكلام في أثناء الخطبة، فإذا الله- سبحانه وتعالى - قد كشف له عن سرية في العراق كان قائدها سارية بن زنَيم، وكان العدو قد حصرهم، فكشف الله لعمر عن هذه السرية ، كأنما يشاهدها رُأى عين، فقال لقائدها: ((يا سارية الجبل)) أي: تحصن بالجبل، فسمعه سارية وهو القائد، وهو في العراق، ثم اعتصم بالجبل. هذه من التقوى، لأن كرامات الأولياء كلها جزاء لهم على تقواهم لله عز وجل. فالمهم أن من آثار التقوى أن الله- تعالى - يجعل للمتقين فُرقانا يفرق به بين الحق والباطل، وبين البر والفاجر، وبين أشياء كثيرة لا تحصل إلا للمتقي.
الفائدة الثانية:﴿وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ وتكفير السيئات يكون بالأعمال الصالحة فإن الأعمال الصالحة تكفر الأعمال السيئة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر)) (310). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)) (311) ، فالكفارة تكون بالأعمال الصالحة، وهذا يعني أن الإنسان إذا اتقى الله سهَّل له الأعمال الصالحة التي يُكفِّر الله بها عنه.
الفائدة الثالثة: قوله﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ بأن يُيَسِّركم للاستغفار والتوبة، فإن هذا من نعمة الله على العبد أن يُيَسِّره للاستغفار والتوبة. ومن البلاء للعبد، أن يظن أن ما كان عليه من الذنوب ليس بذنب، فيصرُّ عليه والعياذ بالله، كما قال الله تعالى:﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً(103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)﴾[الكهف:104،103]، فكثير من الناس لا يُقلع عن الذنب، لأنه زُين له- والعياذ بالله- فألِفَهُ وصعب عليه أن ينتشل نفسه منه، لكن إذا كان مُتَّقِيا لله- عز وجل - سهل الله له الإقلاع عن الذنوب حتى يغفر له، وربما يغفر الله له بسبب تقواه، فتكون تقواه مكفرة لسيئاته، كما حصل لأهل بدر رضي الله عنهم، ((فإن الله اطَّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)) (312)، فتقع الذنوب منهم مغفورة لما حصل لهم فيها، أي في الغزوة من الأجر العظيم. وقوله: ﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾[الأنفال:29]، أي: صاحب الفضل العظيم الذي لا يعدله شيء ولا يوازيه شيء، فإذا كان الله موصوفا بهذه الصفة، فاطلب الفضل منه سبحانه وتعالى، وذلك بتقواه والرجوع إليه. والله أعلم.
فـأَرشَـدَني إلـى تَـْركِ المعــاصـي
وقـال اعلَــمْ بــأنَّ العِلْـــمَ نُــــــورٌ
ونُــورُ الله لا يُــؤتَــاه عَــاصـي
ولا شك أن الإنسان كلما ازداد علما، ازداد معرفة، وازداد فرقانا بين الحق والباطل، وبين الضار والنافع، وكذلك يدخل فيه ما يفتح الله على الإنسان من الفهم، لأن التقوى سبب لقوة ، وقوة الفهم يحصل بها زيادة العلم، فإنك ترى الرَّجلين يحفظان آية من كتاب الله، يستطيع أحدهما أن يستخرج منها ثلاثة أحكام مثلا، ويستطيع الآخر أن يستخرج أربعة، أو خمسة، أو عشرة، أو أكثر من هذا بحسب ما آتاه من الفهم. فالتقوى سبب لزيادة الفهم، ويدخل في ذلك أيضا الفراسة، أن الله يعطي المتَّقي فراسة يميّز بها حتى بين الناس، فبمجرد ما يرى الإنسان يعرف أنه كاذب أو صادق، أو أنه برٌّ أو فاجر، حتى انه ربما يحكم على الشخص وهو لم يُعَاشره ولم يعرف عنه شيئا، بسبب ما أعطاه الله من الفراسة. ويدخل في ذلك أيضا: ما يحصل للمتَّقين من الكرامات التي لا تحصل لغيرهم، ومن ذلك: ما حصل لكثير من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، فكان عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- ذات يوم يخطب على المنبر في المدينة، فسَمِعوه يقول في أثناء الخطبة: ((يا سارية الجبل، يا سارية الجبل)(309) ، فتعجَّبوا من يخاطب وكيف يقول هذا الكلام في أثناء الخطبة، فإذا الله- سبحانه وتعالى - قد كشف له عن سرية في العراق كان قائدها سارية بن زنَيم، وكان العدو قد حصرهم، فكشف الله لعمر عن هذه السرية ، كأنما يشاهدها رُأى عين، فقال لقائدها: ((يا سارية الجبل)) أي: تحصن بالجبل، فسمعه سارية وهو القائد، وهو في العراق، ثم اعتصم بالجبل. هذه من التقوى، لأن كرامات الأولياء كلها جزاء لهم على تقواهم لله عز وجل. فالمهم أن من آثار التقوى أن الله- تعالى - يجعل للمتقين فُرقانا يفرق به بين الحق والباطل، وبين البر والفاجر، وبين أشياء كثيرة لا تحصل إلا للمتقي.
الفائدة الثانية:﴿وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ وتكفير السيئات يكون بالأعمال الصالحة فإن الأعمال الصالحة تكفر الأعمال السيئة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر)) (310). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)) (311) ، فالكفارة تكون بالأعمال الصالحة، وهذا يعني أن الإنسان إذا اتقى الله سهَّل له الأعمال الصالحة التي يُكفِّر الله بها عنه.
الفائدة الثالثة: قوله﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ بأن يُيَسِّركم للاستغفار والتوبة، فإن هذا من نعمة الله على العبد أن يُيَسِّره للاستغفار والتوبة. ومن البلاء للعبد، أن يظن أن ما كان عليه من الذنوب ليس بذنب، فيصرُّ عليه والعياذ بالله، كما قال الله تعالى:﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً(103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)﴾[الكهف:104،103]، فكثير من الناس لا يُقلع عن الذنب، لأنه زُين له- والعياذ بالله- فألِفَهُ وصعب عليه أن ينتشل نفسه منه، لكن إذا كان مُتَّقِيا لله- عز وجل - سهل الله له الإقلاع عن الذنوب حتى يغفر له، وربما يغفر الله له بسبب تقواه، فتكون تقواه مكفرة لسيئاته، كما حصل لأهل بدر رضي الله عنهم، ((فإن الله اطَّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)) (312)، فتقع الذنوب منهم مغفورة لما حصل لهم فيها، أي في الغزوة من الأجر العظيم. وقوله: ﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾[الأنفال:29]، أي: صاحب الفضل العظيم الذي لا يعدله شيء ولا يوازيه شيء، فإذا كان الله موصوفا بهذه الصفة، فاطلب الفضل منه سبحانه وتعالى، وذلك بتقواه والرجوع إليه. والله أعلم.
موقع الشيح صالح بن العثيمين