وضع المصحف على الأرض وحجز المكان به:
كذلك نريد أن نعرف حكم ظاهرة انتشرت بين الشباب خاصة في المساجد في جميع الأوقات، وخاصة يوم الجمعة ، وفي قيام رمضان حيث يكثر الإقبال على المساجد وهي : أن كثيرا من الشباب يدخل المسجد فيأخذ مصحفا ثم يضعه على الأرض يحجز المكان به لنفسه ثم يصلي تحية المسجد ثم يقرأ فيه ، وآخر إذا أراد أن يتوضأ جعل مصحفا في مكان على الأرض يحجزه به، فيذهب يتوضأ ثم يرجع فيأخذ المصحف ، فما حكم وضع المصحف على الأرض؟ أو على القدمين ومفصل الكعبين بين الساقين والقدمين ، أو يعضه بعض الأحيان وهو متربع على عورته، في حجره مباشرة فما حكم ذلك؟.
قلت:هذه حالات أقل ما يقال عنها أنها سوء أدب مع كتاب الله تعالى وتقدس، فينبغي أن يرفع كلامه وأن يعظم ،فهو الذي يعلو ولا يعلى عليه، وهو كلامه .
وقد اختلف العلماء في وضع المصحف على الأرض ،حتى قالت طائفة منهم أنه إن وضعه على سبيل الاستخفاف به فهو ردة عن الإسلام .
قال العدوي في حاشيته على الخرشي (8/62-63): ومما يرتد به ، وضعه بالأرض مع قصد الاستخفاف .
وذهب بعضهم إلى جواز ذلك طائفة منهم إذا دعت الحاجة،والضرورة ،كما ذكر ذلك ابن مفلح في الآداب الشرعية (2/343) وابن عبد الهادي في مغني ذوي الأفهام (ص25) جازما به.
واستحب كثير من أهل العلم رفع المصحف عن الأرض ووضعه على شيء مرتفع ولا يوضع فوقه شيئا .لأن وضعه لغير حاجة (مثل السجود) فيه امتهان لكتاب الله قصد أم لم يقصد ، فالواجب تعظيم القرآن الكريم فإنه يعلو ولا يعلى عليه .وعلى هذا جاءت الآثار.وليس من الحاجة ، ولا الضرورة أن يحجز به المكان .
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظم التوراة ويرفعها من الأرض وقد أوتيت بين يديه ..
فقد أخرج أبو داود : في تعظيم المصحف وتوقيره ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : أتى نفر من اليهود فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القف * فأتاهم في بيت المدراس* فقالوا : يا أبا القاسم : إن رجلا منا زنى بامرأة فاحكم – فوضعوا لرسول الله وسادة فجلس عليها ثم قال : << إيتوني بالتوراة >> فأتي بها ، فنزع الوسادة
من تحته فوضع التوراة عليها، ثم قال: << آمنت بك وبمن أنزلك >> ثم قال: << إيتوني بأعلمكم>> فأتي بفتى شاب ..>> ثم ذكر تمام قصة الرجم (1).
ووجه الشاهد منه هو: إذا كانت التوراة محرفة، ومبدلة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك ، ومع ذلك رفعها من الأرض، ووضع الوسادة لها تعظيما لها ، فالقرآن المحفوظ من التبديل والتغيير من باب أولى وأولى .
وعن عائشة رضي الله عنها في حديث طويل قالت (2): <<.. القرآن أفضل من كل شيء دون الله، وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه فمن وقّر القرآن فقد وقّر الله، ومن لم يوقر القرآن فقد استخف بحق الله وحرمة القرآن عند الله كحرمة الوالد على ولده، والقرآن شافع ومشفع..>> .
أخرج عبد الله ابن أبي داود:(3) قال حدثنا أبو الطاهر قال : أنبأنا ابن وهب ، اخبرني سفيان الثوري ، عن محمد بن الزبير عن عمر بن عبد العزيز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى كتابا من ذكر الله في الأرض فقال :<< من صنع هذا؟ >> فقيل له هشام، فقال: << لعن الله من فعل هذا ، لا تضعوا ذكر الله في غير موضعه >>.
وقال ابن أبي داود عن محمد بن الزبير : ورأى عمر بن عبد العزيز ابنا له يكتب في حائط فضربه .(4).
وفي مصنف ابن أي شيبة (5) عن مجاهد أنه كره أن يقول : مصيحف. وعن عمرو بن المغيرة ، عن إبراهيم قال : كان يقال: عظموا المصاحف.
وقال القرطبي في التذكار في أفضل الأذكار (ص 177) ومنها : أنه يضعه في حجره إذا قرأه أو على شيء بين يديه ، ولا يضعه على الأرض .
قلت :وقوله في حجره ، لا يليق أن يباشر به عورته ، والأفضل من ذلك أن يحمله في يده إن عجز أن يحمله عن ظهر قلب ، أو يضعه على شيء أمامه ولا يضعه على الأرض.
الهوامش :
1- حديث حسـن ، صحيح أبي داود (ح3739) أنـظـر الإرواء(5/95).
*- وقوله الـقف ، معناه واد بالمدينة ، والمدراس هو : المكان الذي يدرسون فيه .
2- أنظر له كنز العمال للتقي الهندي (1/360-361) المطبوع بهامش مسند الإمام أحمد قال: أبو نصر السجزي في الإبانة : هذا أحسن الحديث وأعذبه ، وليس في إسناده إلى مقبول ثقة .
3- في كتابه المصاحف (ص217 ) قلت : وهذا لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسنده ضعيف جدا، فيه محمد بن الزبير الحنظلي متروك كما في تقريب التهذيب (2/47 وفيه علة ثانية وهي الإرسال .
4- أخرجه في العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد (1/ 216)برقم (244 ) : حدثني أبي قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن محمد بن الزبير قال رأيت عمر بن عبد العزيز رأى ابنا له كتب في الحائط ذكر الله فضربه . وفي مصنف ابن أبي شيبة (2/46) برقم (4623 ) قال : يكتب بسم الله ..وهو ضعيف ، لأنه من طريق محمد بن الزبير .
5- (10/ 544) وقد أخرجه ابن سعد في الطبقات عن إبراهيم النخعي : لا تقولوا مصيحف ولا مسيـجـد ، بل عظموا ما عظم الله .
والحمد لله رب العالمين .
وكتب : أبو بكر يوسف لعويسي
18 جمادي الثانية : 1432هـ
كذلك نريد أن نعرف حكم ظاهرة انتشرت بين الشباب خاصة في المساجد في جميع الأوقات، وخاصة يوم الجمعة ، وفي قيام رمضان حيث يكثر الإقبال على المساجد وهي : أن كثيرا من الشباب يدخل المسجد فيأخذ مصحفا ثم يضعه على الأرض يحجز المكان به لنفسه ثم يصلي تحية المسجد ثم يقرأ فيه ، وآخر إذا أراد أن يتوضأ جعل مصحفا في مكان على الأرض يحجزه به، فيذهب يتوضأ ثم يرجع فيأخذ المصحف ، فما حكم وضع المصحف على الأرض؟ أو على القدمين ومفصل الكعبين بين الساقين والقدمين ، أو يعضه بعض الأحيان وهو متربع على عورته، في حجره مباشرة فما حكم ذلك؟.
قلت:هذه حالات أقل ما يقال عنها أنها سوء أدب مع كتاب الله تعالى وتقدس، فينبغي أن يرفع كلامه وأن يعظم ،فهو الذي يعلو ولا يعلى عليه، وهو كلامه .
وقد اختلف العلماء في وضع المصحف على الأرض ،حتى قالت طائفة منهم أنه إن وضعه على سبيل الاستخفاف به فهو ردة عن الإسلام .
قال العدوي في حاشيته على الخرشي (8/62-63): ومما يرتد به ، وضعه بالأرض مع قصد الاستخفاف .
وذهب بعضهم إلى جواز ذلك طائفة منهم إذا دعت الحاجة،والضرورة ،كما ذكر ذلك ابن مفلح في الآداب الشرعية (2/343) وابن عبد الهادي في مغني ذوي الأفهام (ص25) جازما به.
واستحب كثير من أهل العلم رفع المصحف عن الأرض ووضعه على شيء مرتفع ولا يوضع فوقه شيئا .لأن وضعه لغير حاجة (مثل السجود) فيه امتهان لكتاب الله قصد أم لم يقصد ، فالواجب تعظيم القرآن الكريم فإنه يعلو ولا يعلى عليه .وعلى هذا جاءت الآثار.وليس من الحاجة ، ولا الضرورة أن يحجز به المكان .
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظم التوراة ويرفعها من الأرض وقد أوتيت بين يديه ..
فقد أخرج أبو داود : في تعظيم المصحف وتوقيره ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : أتى نفر من اليهود فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القف * فأتاهم في بيت المدراس* فقالوا : يا أبا القاسم : إن رجلا منا زنى بامرأة فاحكم – فوضعوا لرسول الله وسادة فجلس عليها ثم قال : << إيتوني بالتوراة >> فأتي بها ، فنزع الوسادة
من تحته فوضع التوراة عليها، ثم قال: << آمنت بك وبمن أنزلك >> ثم قال: << إيتوني بأعلمكم>> فأتي بفتى شاب ..>> ثم ذكر تمام قصة الرجم (1).
ووجه الشاهد منه هو: إذا كانت التوراة محرفة، ومبدلة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك ، ومع ذلك رفعها من الأرض، ووضع الوسادة لها تعظيما لها ، فالقرآن المحفوظ من التبديل والتغيير من باب أولى وأولى .
وعن عائشة رضي الله عنها في حديث طويل قالت (2): <<.. القرآن أفضل من كل شيء دون الله، وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه فمن وقّر القرآن فقد وقّر الله، ومن لم يوقر القرآن فقد استخف بحق الله وحرمة القرآن عند الله كحرمة الوالد على ولده، والقرآن شافع ومشفع..>> .
أخرج عبد الله ابن أبي داود:(3) قال حدثنا أبو الطاهر قال : أنبأنا ابن وهب ، اخبرني سفيان الثوري ، عن محمد بن الزبير عن عمر بن عبد العزيز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى كتابا من ذكر الله في الأرض فقال :<< من صنع هذا؟ >> فقيل له هشام، فقال: << لعن الله من فعل هذا ، لا تضعوا ذكر الله في غير موضعه >>.
وقال ابن أبي داود عن محمد بن الزبير : ورأى عمر بن عبد العزيز ابنا له يكتب في حائط فضربه .(4).
وفي مصنف ابن أي شيبة (5) عن مجاهد أنه كره أن يقول : مصيحف. وعن عمرو بن المغيرة ، عن إبراهيم قال : كان يقال: عظموا المصاحف.
وقال القرطبي في التذكار في أفضل الأذكار (ص 177) ومنها : أنه يضعه في حجره إذا قرأه أو على شيء بين يديه ، ولا يضعه على الأرض .
قلت :وقوله في حجره ، لا يليق أن يباشر به عورته ، والأفضل من ذلك أن يحمله في يده إن عجز أن يحمله عن ظهر قلب ، أو يضعه على شيء أمامه ولا يضعه على الأرض.
الهوامش :
1- حديث حسـن ، صحيح أبي داود (ح3739) أنـظـر الإرواء(5/95).
*- وقوله الـقف ، معناه واد بالمدينة ، والمدراس هو : المكان الذي يدرسون فيه .
2- أنظر له كنز العمال للتقي الهندي (1/360-361) المطبوع بهامش مسند الإمام أحمد قال: أبو نصر السجزي في الإبانة : هذا أحسن الحديث وأعذبه ، وليس في إسناده إلى مقبول ثقة .
3- في كتابه المصاحف (ص217 ) قلت : وهذا لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسنده ضعيف جدا، فيه محمد بن الزبير الحنظلي متروك كما في تقريب التهذيب (2/47 وفيه علة ثانية وهي الإرسال .
4- أخرجه في العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد (1/ 216)برقم (244 ) : حدثني أبي قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن محمد بن الزبير قال رأيت عمر بن عبد العزيز رأى ابنا له كتب في الحائط ذكر الله فضربه . وفي مصنف ابن أبي شيبة (2/46) برقم (4623 ) قال : يكتب بسم الله ..وهو ضعيف ، لأنه من طريق محمد بن الزبير .
5- (10/ 544) وقد أخرجه ابن سعد في الطبقات عن إبراهيم النخعي : لا تقولوا مصيحف ولا مسيـجـد ، بل عظموا ما عظم الله .
والحمد لله رب العالمين .
وكتب : أبو بكر يوسف لعويسي
18 جمادي الثانية : 1432هـ
تعليق