الناس في التجويد ثلاثة أقسام :
الأول : قسم من الناس وبعض حملة القرآن غافل عن قراءة القرآن بالتجويد مهمل لأحكام التجويد لا يتعلمها بعض ممن يحمل القرآن وهناك الكثير منهم لا يهتم بها بل بعضهم يلمز من يتعلمها ويخطئه ظانا أن عدم ذكر مؤلفي كتب الفقه أحكام التجويد بالتفصيل كما هو في كتب التجويد لأنهم يرون أنه ليس من الإسلام ، بل بعضهم يقول ببدعية قراءة القرآن بالتجويد ملتبسا عليه الأمر بالبدع التي أحدثها بعض القراء في القراءة ونسبوها للتجويد والتي حذر منها أئمة القراءات وعلماء الأمة.
الثاني : في المقابل تجد البعض يشدد في مسألة تطبيق أحاكم التجويد متأثرين بعامة قول علماء القراءات بوجوب التجويد ويزيدون عليهم أشياء لم يقولوا بها حتى أن بعضهم يحذر من الصلاة وراء فلان لأنه لا يقرأ بأحكام التجويد – يعنون التجويد عموما سواء كان مستحبا أو واجبا وبدون تفريق - ويفتخرون بالإمام الذي يصلي بالأحكام ، ويخرجون من المسجد أثناء صلاة التراويح إذا كان الإمام ممن لا يعرف أحكام التجويد ويذهبون إلى مساجد أخرى أئمتها يحسنون القراءة بتلك الأحكام .
الثالث : وقسم وسط لزم العدل وعمل بقول العلماء وأئمة القراءات في حكم التجويد الموافق للدليل فلم يلتبس عليهم الأمر وهو أن التجويد ينقسم إلى قسمين :
1- قسم واجب وهو الذي ينص على المحافظة على المعنى وتركه يؤدي لتغيير المعنى وأيضا المحافظة على حروف القرآن وتركه يؤدي لزيادة حرف أو إنقاص حرف أو إبدال حرف مكان آخر .
2- قسم مستحب وهو سائر أحكام التجويد التي لم يشملها القسم الأول .
فمن ترك التجويد الواجب من الأئمة فيفتح عليه وينبه ويعلم فإن أصر على الخطأ يعزل ويؤتى بغيره إن أمكن وإلا تركت الصلاة خلفه ، وأما من ترك التجويد المستحب فلا يفتح عليه ويستحب تنبيهه وتعليمه ولا يعزل ولا يترك الصلاة خلفه ، ومن ترك الصلاة خلفه فهو مخطئ . والعلماء قليلا ما يذكرون أحكام التجويد في كتبهم وفتاواهم لمعرفتهم أن هذا الباب قد قام به أئمة القراءات على أحسن وجه وكفوهم المؤنة ولأن هذا العلم يؤخذ بالتلقي والمشافهة مباشرة وما كتب التجويد إلا للتقريب ولا تغني عن التلقي والمشافهة لأن طريقة تطبيق الأحكام عمليا لا يمكن معرفتها من الكتب فقط لا بد من شيخ يؤخذ عنه الطريقة عمليا فالإمالة مثلا يستحيل معرفتها من الكتب لعدم إمكان وصفها كتابته لأن الحروف والكلمات لا تفي في وصف الصوت الصادر عند الإمالة ، ولهذا فالمصطلحات التي في كتب التجويد لم تكن معروفة من قبل أن يضعها أئمة القراءات لأن أصل هذا العلم يؤخذ بالتلقي مشافهة كما أخذه جبريل عليه السلام عن رب العزة وأخذه النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل مشافهة وعن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الصحابة رضي الله عنهم وعن الصحابة أخذ التابعون وأئمة القراءات وعندما وجد أئمة القراءات أن اللسان العجمي بدأ يدخل على العرب وضعوا كتب التجويد ووضعوا المصطلحات التي تقرب للطالب هذا العلم . وإن وضع أئمة القراءات مصطلحات التجويد لا يعني أن النبي والصحابة لم يكونوا يقرءون به ، كما أن وضع أئمة النحو مصطلحات النحو لا يعني أن العرب لم يكونوا يتكلمون به. فمصطلحات التجوي وأحكامه وضعها معلمي القرآن لحفظ القرآن وبيان الطريقة التي كان النبي والصحابة يقرءون بها القرآن ، وذلك لما دخلت العجمة على العرب وإلا فالصحابة رضي الله عنهم هم القراء الكبار ، وما أخذ القرآن وطريقة قراءته علماء القراءات رحمهم الله إلا عن الصحابة رضي الله عنهم . ولي بعض التنبيهات :
الأول : أن العلماء الذين يقولون أن التجويد ليس بواجب هم يعنون القسم الثاني وليس الأول لأن القسم الأول يرونه من ضرورات اللغة العربية ولا يرون فيه خلافا .
الثاني : أن علماء التجويد ليسوا في الحكم على التجويد على إجماع بل هناك خلاف فمعظمهم يقولون أن تعلم التجويد فرض كفاية والعمل به فرض عين – أي القراءة به واجب على كل مسلم ومسلمة فمن سمع قارئا يقرأ القرآن صحيحا فحفظه كما سمعه وأداه كما سمعه فلا يجب عليه تعلم التجويد - .
الثالث : أن علماء التجويد الذين يرون وجوب التجويد – على خلاف بينهم في حكم تعلمه والذين يرون وجوب التعلم من باب أن ما لا يحصل الواجب إلا به فهو واجب - لأنهم يروا أن من قرأ بخلاف ما قرأ به النبي صلى الله عليه وسلم من أوجه القراءة قد أتى بقرآن لم يأتي به النبي صلى الله عليه وسلم . وهذا له حظ من النظر وإن كان الصواب أنه ليس على إطلاقه .
الرابع : أن من التجويد ما يعتبر العلماء تركه كفرا وهو أن يتعمد القارئ للقرآن تغيير المعنى بدون تأويل ولا إكراه ولا جهل ولا نسيان كتعمد الوقف على { لا تقربوا الصلاة } والابتداء بلفظ {يد الله مغلولة } وترك تشديد الياء من إيَّاك في قوله تعالى {إياك نعبد} لأن الإيَا ضوء الشمس ، وأمثال ذلك . وهذا يدخل في القسم الأول من أقسام التجويد .
الخامس : أن ما كان من الأمور المنكرة التي أنكرها العلماء كالتنطع والمبالغة في بعض الأحكام حتى يخرج عن القراءة الصحيحة التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم لا يعتبر من التجويد ولا يدخل في قسميه .
السادس : قول العلامة العثيمين رحمه الله وغيره أن التجويد ليس بواجب وإنما هو سنة – مستحب – فيعنون القسم الثاني من أقسام التجويد بدليل تصريحهم بوجوب القسم الأول ولو جمعنا كلام أهل العلم في هذه المسألة لبلغت كتابا كاملا ولكني سأكتفي بذكر ثلاث فتاوى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله وهي:
1- سئل عن حكم التجويد هل هو واجب ؟ فأجاب : التجويد في القرآن ليس بواجب, وإنما هو من باب تحسين الصوت بالقرآن, فإذا أمكن أن تؤدي القرآن بالتجويد بدون تكلف ولا تنطع فهذا خير, وأما أولئك القوم الذين يتكلفون وتجده يكاد ينجرح حلقه إذا أراد أن ينطق بالحاء أو الهاء أو غيرها من الحروف الحلقية فلا شك أن هذا خلاف السنة, لكن المراد بالتجويد المعتدل. والصواب: أنه ليس بواجب وإنما هو سنة, وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن الذين يعتنون بالتجويد ويتكلفونه يكون هذا سبباً لعدم تدبرهم القرآن؛ لأن الإنسان حينئذٍ ليس له هم إلا إصلاح اللفظ فقط, وصدق رحمه الله, ذكر هذا في الفتاوي وقال: إنه لا ينبغي التقعر في التجويد وإنه يتكلف في التجويد. - وبعض الإخوة يقولون: قرأنا للإمام الذهبي رحمه الله يقول: إن التجويد مضيعة للوقت ؟ - لا أدري عن هذا والله! لكن إن صح عنه فمراده أن الإنسان لا ينشغل به كثيراً ويدع الاهتمام بالمعاني. "لقاء الباب المفتوح" (115/15)(شريط رقم : 115 الوجه ب).
2- وسئل ما حكم القراءة السريعة على المريض بحيث تكون الآيات متصلة لا تقطع ؟ فأجاب : لا يجوز لأي إنسان سواء يقرأ لنفسه أو على المرضى أن يقرأ القرآن إلا مبيناً حروفه؛ لأنه إذا لم يبين حروفه فقد افترى على الله كذباً: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً}[الأنعام:93]؟ الجواب : لا أحد . فإذا قرأ مثلاً: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] وصار يتمتم بها هل يقال: إنه قرأها؟ لا، وإن قال: إني قرأتها، فمعناه أنه افترى على الله كذباً؛ فإن الله لم ينزلها هكذا، فتحرم القراءة التي يكون فيها إسقاط حرف من الحروف، حتى ولو كان الحرف مشدداً فأهمل الشدة فإن هذا حرام، لو قال: {الحمد لله ربِ العالمين} هذا حرام، لماذا؟ هل أنزله الله هكذا، ربِ العالمين؟ إذاً.. افترى على الله كذباً، فالمسألة خطيرة يا إخواني. نسمع بعض القراء الذين يحبون أن يحفظوا القرآن ويكملوه يفعلون هذا، يهذونه هذ الشعر، ثم يريد أن يصل إلى آخر السورة أو إلى آخر الجزء ولا يهمه أقام الحروف أو لا، وهذا محرم، فالواجب إبانة الحروف. أما التجويد فليس بواجب، التجويد تحسين اللفظ، إن حسنه الإنسان فهذا خير، وإن لم يحسنه فلا، والإنسان مطلوبٌ أن يحسن قراءته بالقرآن كما قال أبو موسى -رضي الله عنه- حين أخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه استمع إلى قراءته، فقال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود) لأن الله أعطى داود صوتاً رخيماً عظيماً، حتى إن الجبال تسبح معه، والطيور تقف صواف تستمع إلى قراءته من حسنها وجمالها، قال: (أسمعتني يا رسول الله؟ قال: نعم، قال: لو علمت أنك تسمعني لحبرته لك تحبيراً) أي: حسنته أكثر، فدل هذا على أنه ينبغي للإنسان أن يحسن صوته بالقرآن، أما أن التجويد يجب فلا، المقصود إقامة الحروف كما هي بحركاتها وسكناتها، والتجويد ما هو إلا تحسين، على أن بعض المجودين يغالون ويزيدون، أحياناً يزيد في المد وأحياناً في الغنة، حتى إنك تتعجب كيف نزل القرآن هكذا؟!! "لقاء الباب المفتوح"(163/26) (شريط 163 وجه ب) .
3- وسئل : نعم أيضاً سؤاله الخامس سؤال المستمع من سلطنة عمان يقول هل تجوز الصلاة خلف من يخطأ في تشكيل الفاتحة مثل أن يفتح اللام في قوله تعالى {مالِك يوم الدين} فيقول (مالَك يوم الدين) أو يكسر الباء في قوله تعالى {إياك نعبُد} فيقول (إياك نعبِد) بالإضافة إلى خطئه في القراءة بعد الفاتحة وعدم القراءة بالتجويد مع العلم أنني لم أتمكن أيضاً من المداومة على الجماعة إن لم أصلي خلف هؤلاء؟ فأجاب : هؤلاء لا يجوز أن ينصبوا أئمة في المساجد ويجب على ولاة الأمور أحد أمرين إما أن يعلم هؤلاء حتى يقيموا كلام الله وإما أن يستبدلوا بغيرهم وأما إبقاؤهم أئمة للمسلمين وهم يخطئون هذا الخطأ الذي بعضه يغير المعنى وبعضه لا يغيره ولكنه يغير اللفظ فإنه لا يجوز إبقاؤهم وأما بالنسبة لصلاتك خلفهم فما كان من الحركات يغير المعنى ولا يقيمه هذا الإمام فصل مع غيره لا تصل خلفه لأنه يخل بركن من أركان الصلاة وأما إذا كان تغييره الحركة لا يغير المعنى فإنه لا حرج عليك أن تصلي خلفه ولكن كما قلنا أولاً لا يجوز إبقاء هؤلاء أئمة للمسلمين. "فتاوى نور على الدرب"(90)(شريط رقم : 27 الوجه ب) .
وفي الأخير أعتذر لضيق الوقت عن ذكر أقوال أئمة القراءات والفقهاء وأدلة كل فريق ومناقشتها وإن كان هذا المنتظر من العنوان عند البعض .
هذا ما جادت به القريحة فما كان صوابا فمن الله وما كان خطأ فمن نفسي والشيطان .
الأول : قسم من الناس وبعض حملة القرآن غافل عن قراءة القرآن بالتجويد مهمل لأحكام التجويد لا يتعلمها بعض ممن يحمل القرآن وهناك الكثير منهم لا يهتم بها بل بعضهم يلمز من يتعلمها ويخطئه ظانا أن عدم ذكر مؤلفي كتب الفقه أحكام التجويد بالتفصيل كما هو في كتب التجويد لأنهم يرون أنه ليس من الإسلام ، بل بعضهم يقول ببدعية قراءة القرآن بالتجويد ملتبسا عليه الأمر بالبدع التي أحدثها بعض القراء في القراءة ونسبوها للتجويد والتي حذر منها أئمة القراءات وعلماء الأمة.
الثاني : في المقابل تجد البعض يشدد في مسألة تطبيق أحاكم التجويد متأثرين بعامة قول علماء القراءات بوجوب التجويد ويزيدون عليهم أشياء لم يقولوا بها حتى أن بعضهم يحذر من الصلاة وراء فلان لأنه لا يقرأ بأحكام التجويد – يعنون التجويد عموما سواء كان مستحبا أو واجبا وبدون تفريق - ويفتخرون بالإمام الذي يصلي بالأحكام ، ويخرجون من المسجد أثناء صلاة التراويح إذا كان الإمام ممن لا يعرف أحكام التجويد ويذهبون إلى مساجد أخرى أئمتها يحسنون القراءة بتلك الأحكام .
الثالث : وقسم وسط لزم العدل وعمل بقول العلماء وأئمة القراءات في حكم التجويد الموافق للدليل فلم يلتبس عليهم الأمر وهو أن التجويد ينقسم إلى قسمين :
1- قسم واجب وهو الذي ينص على المحافظة على المعنى وتركه يؤدي لتغيير المعنى وأيضا المحافظة على حروف القرآن وتركه يؤدي لزيادة حرف أو إنقاص حرف أو إبدال حرف مكان آخر .
2- قسم مستحب وهو سائر أحكام التجويد التي لم يشملها القسم الأول .
فمن ترك التجويد الواجب من الأئمة فيفتح عليه وينبه ويعلم فإن أصر على الخطأ يعزل ويؤتى بغيره إن أمكن وإلا تركت الصلاة خلفه ، وأما من ترك التجويد المستحب فلا يفتح عليه ويستحب تنبيهه وتعليمه ولا يعزل ولا يترك الصلاة خلفه ، ومن ترك الصلاة خلفه فهو مخطئ . والعلماء قليلا ما يذكرون أحكام التجويد في كتبهم وفتاواهم لمعرفتهم أن هذا الباب قد قام به أئمة القراءات على أحسن وجه وكفوهم المؤنة ولأن هذا العلم يؤخذ بالتلقي والمشافهة مباشرة وما كتب التجويد إلا للتقريب ولا تغني عن التلقي والمشافهة لأن طريقة تطبيق الأحكام عمليا لا يمكن معرفتها من الكتب فقط لا بد من شيخ يؤخذ عنه الطريقة عمليا فالإمالة مثلا يستحيل معرفتها من الكتب لعدم إمكان وصفها كتابته لأن الحروف والكلمات لا تفي في وصف الصوت الصادر عند الإمالة ، ولهذا فالمصطلحات التي في كتب التجويد لم تكن معروفة من قبل أن يضعها أئمة القراءات لأن أصل هذا العلم يؤخذ بالتلقي مشافهة كما أخذه جبريل عليه السلام عن رب العزة وأخذه النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل مشافهة وعن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الصحابة رضي الله عنهم وعن الصحابة أخذ التابعون وأئمة القراءات وعندما وجد أئمة القراءات أن اللسان العجمي بدأ يدخل على العرب وضعوا كتب التجويد ووضعوا المصطلحات التي تقرب للطالب هذا العلم . وإن وضع أئمة القراءات مصطلحات التجويد لا يعني أن النبي والصحابة لم يكونوا يقرءون به ، كما أن وضع أئمة النحو مصطلحات النحو لا يعني أن العرب لم يكونوا يتكلمون به. فمصطلحات التجوي وأحكامه وضعها معلمي القرآن لحفظ القرآن وبيان الطريقة التي كان النبي والصحابة يقرءون بها القرآن ، وذلك لما دخلت العجمة على العرب وإلا فالصحابة رضي الله عنهم هم القراء الكبار ، وما أخذ القرآن وطريقة قراءته علماء القراءات رحمهم الله إلا عن الصحابة رضي الله عنهم . ولي بعض التنبيهات :
الأول : أن العلماء الذين يقولون أن التجويد ليس بواجب هم يعنون القسم الثاني وليس الأول لأن القسم الأول يرونه من ضرورات اللغة العربية ولا يرون فيه خلافا .
الثاني : أن علماء التجويد ليسوا في الحكم على التجويد على إجماع بل هناك خلاف فمعظمهم يقولون أن تعلم التجويد فرض كفاية والعمل به فرض عين – أي القراءة به واجب على كل مسلم ومسلمة فمن سمع قارئا يقرأ القرآن صحيحا فحفظه كما سمعه وأداه كما سمعه فلا يجب عليه تعلم التجويد - .
الثالث : أن علماء التجويد الذين يرون وجوب التجويد – على خلاف بينهم في حكم تعلمه والذين يرون وجوب التعلم من باب أن ما لا يحصل الواجب إلا به فهو واجب - لأنهم يروا أن من قرأ بخلاف ما قرأ به النبي صلى الله عليه وسلم من أوجه القراءة قد أتى بقرآن لم يأتي به النبي صلى الله عليه وسلم . وهذا له حظ من النظر وإن كان الصواب أنه ليس على إطلاقه .
الرابع : أن من التجويد ما يعتبر العلماء تركه كفرا وهو أن يتعمد القارئ للقرآن تغيير المعنى بدون تأويل ولا إكراه ولا جهل ولا نسيان كتعمد الوقف على { لا تقربوا الصلاة } والابتداء بلفظ {يد الله مغلولة } وترك تشديد الياء من إيَّاك في قوله تعالى {إياك نعبد} لأن الإيَا ضوء الشمس ، وأمثال ذلك . وهذا يدخل في القسم الأول من أقسام التجويد .
الخامس : أن ما كان من الأمور المنكرة التي أنكرها العلماء كالتنطع والمبالغة في بعض الأحكام حتى يخرج عن القراءة الصحيحة التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم لا يعتبر من التجويد ولا يدخل في قسميه .
السادس : قول العلامة العثيمين رحمه الله وغيره أن التجويد ليس بواجب وإنما هو سنة – مستحب – فيعنون القسم الثاني من أقسام التجويد بدليل تصريحهم بوجوب القسم الأول ولو جمعنا كلام أهل العلم في هذه المسألة لبلغت كتابا كاملا ولكني سأكتفي بذكر ثلاث فتاوى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله وهي:
1- سئل عن حكم التجويد هل هو واجب ؟ فأجاب : التجويد في القرآن ليس بواجب, وإنما هو من باب تحسين الصوت بالقرآن, فإذا أمكن أن تؤدي القرآن بالتجويد بدون تكلف ولا تنطع فهذا خير, وأما أولئك القوم الذين يتكلفون وتجده يكاد ينجرح حلقه إذا أراد أن ينطق بالحاء أو الهاء أو غيرها من الحروف الحلقية فلا شك أن هذا خلاف السنة, لكن المراد بالتجويد المعتدل. والصواب: أنه ليس بواجب وإنما هو سنة, وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن الذين يعتنون بالتجويد ويتكلفونه يكون هذا سبباً لعدم تدبرهم القرآن؛ لأن الإنسان حينئذٍ ليس له هم إلا إصلاح اللفظ فقط, وصدق رحمه الله, ذكر هذا في الفتاوي وقال: إنه لا ينبغي التقعر في التجويد وإنه يتكلف في التجويد. - وبعض الإخوة يقولون: قرأنا للإمام الذهبي رحمه الله يقول: إن التجويد مضيعة للوقت ؟ - لا أدري عن هذا والله! لكن إن صح عنه فمراده أن الإنسان لا ينشغل به كثيراً ويدع الاهتمام بالمعاني. "لقاء الباب المفتوح" (115/15)(شريط رقم : 115 الوجه ب).
2- وسئل ما حكم القراءة السريعة على المريض بحيث تكون الآيات متصلة لا تقطع ؟ فأجاب : لا يجوز لأي إنسان سواء يقرأ لنفسه أو على المرضى أن يقرأ القرآن إلا مبيناً حروفه؛ لأنه إذا لم يبين حروفه فقد افترى على الله كذباً: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً}[الأنعام:93]؟ الجواب : لا أحد . فإذا قرأ مثلاً: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] وصار يتمتم بها هل يقال: إنه قرأها؟ لا، وإن قال: إني قرأتها، فمعناه أنه افترى على الله كذباً؛ فإن الله لم ينزلها هكذا، فتحرم القراءة التي يكون فيها إسقاط حرف من الحروف، حتى ولو كان الحرف مشدداً فأهمل الشدة فإن هذا حرام، لو قال: {الحمد لله ربِ العالمين} هذا حرام، لماذا؟ هل أنزله الله هكذا، ربِ العالمين؟ إذاً.. افترى على الله كذباً، فالمسألة خطيرة يا إخواني. نسمع بعض القراء الذين يحبون أن يحفظوا القرآن ويكملوه يفعلون هذا، يهذونه هذ الشعر، ثم يريد أن يصل إلى آخر السورة أو إلى آخر الجزء ولا يهمه أقام الحروف أو لا، وهذا محرم، فالواجب إبانة الحروف. أما التجويد فليس بواجب، التجويد تحسين اللفظ، إن حسنه الإنسان فهذا خير، وإن لم يحسنه فلا، والإنسان مطلوبٌ أن يحسن قراءته بالقرآن كما قال أبو موسى -رضي الله عنه- حين أخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه استمع إلى قراءته، فقال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود) لأن الله أعطى داود صوتاً رخيماً عظيماً، حتى إن الجبال تسبح معه، والطيور تقف صواف تستمع إلى قراءته من حسنها وجمالها، قال: (أسمعتني يا رسول الله؟ قال: نعم، قال: لو علمت أنك تسمعني لحبرته لك تحبيراً) أي: حسنته أكثر، فدل هذا على أنه ينبغي للإنسان أن يحسن صوته بالقرآن، أما أن التجويد يجب فلا، المقصود إقامة الحروف كما هي بحركاتها وسكناتها، والتجويد ما هو إلا تحسين، على أن بعض المجودين يغالون ويزيدون، أحياناً يزيد في المد وأحياناً في الغنة، حتى إنك تتعجب كيف نزل القرآن هكذا؟!! "لقاء الباب المفتوح"(163/26) (شريط 163 وجه ب) .
3- وسئل : نعم أيضاً سؤاله الخامس سؤال المستمع من سلطنة عمان يقول هل تجوز الصلاة خلف من يخطأ في تشكيل الفاتحة مثل أن يفتح اللام في قوله تعالى {مالِك يوم الدين} فيقول (مالَك يوم الدين) أو يكسر الباء في قوله تعالى {إياك نعبُد} فيقول (إياك نعبِد) بالإضافة إلى خطئه في القراءة بعد الفاتحة وعدم القراءة بالتجويد مع العلم أنني لم أتمكن أيضاً من المداومة على الجماعة إن لم أصلي خلف هؤلاء؟ فأجاب : هؤلاء لا يجوز أن ينصبوا أئمة في المساجد ويجب على ولاة الأمور أحد أمرين إما أن يعلم هؤلاء حتى يقيموا كلام الله وإما أن يستبدلوا بغيرهم وأما إبقاؤهم أئمة للمسلمين وهم يخطئون هذا الخطأ الذي بعضه يغير المعنى وبعضه لا يغيره ولكنه يغير اللفظ فإنه لا يجوز إبقاؤهم وأما بالنسبة لصلاتك خلفهم فما كان من الحركات يغير المعنى ولا يقيمه هذا الإمام فصل مع غيره لا تصل خلفه لأنه يخل بركن من أركان الصلاة وأما إذا كان تغييره الحركة لا يغير المعنى فإنه لا حرج عليك أن تصلي خلفه ولكن كما قلنا أولاً لا يجوز إبقاء هؤلاء أئمة للمسلمين. "فتاوى نور على الدرب"(90)(شريط رقم : 27 الوجه ب) .
وفي الأخير أعتذر لضيق الوقت عن ذكر أقوال أئمة القراءات والفقهاء وأدلة كل فريق ومناقشتها وإن كان هذا المنتظر من العنوان عند البعض .
هذا ما جادت به القريحة فما كان صوابا فمن الله وما كان خطأ فمن نفسي والشيطان .