إرشاد الفحول
إلى فوائد وعبر من تفسير قول الله جل وعز{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ}
إلى فوائد وعبر من تفسير قول الله جل وعز{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ}
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجميعن
أمابعد: فإنه لمّا كان كتاب الله جل وعز شفاء لما في الصدور ،والعمل بأحكامه منجاة يوم البعث والنشور ،والدعوة إليه منهج السلف خير العصور ، وهجرانه وعدم العمل به ويل وثبور ، أحببت أن أذكّر بتفسير آية من كتاب الله طالما جال في نفسي أن أجمع كلام أئمة التفسير في معناها ،لعلي أكون قد قربت شيأً أنتفع به وإخواني ولعلي ألقى ما سوّدت ودونت وجمعت عند ربّي جل وعز، طالباً منه المدد والعون وسائله أن يجعل عملي له خالصاً ولنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم متبعاً
إن ربي سميع الدعاء.
قال الله جل وعز{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)}(1)
قال الإمام البخاري رحمه الله [4647]: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا رَوْحٌ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ يُحَدِّثُ ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : كُنْتُ أُصَلِّي فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَانِي فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَ أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} ثمَّ قَالَ لأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيَخْرُجَ فَذَكَرْتُ لَه.
قال الحافظ أبو جعفر الطبري رحمه الله :ما يُبِين عن أن المعني بالآية هم الذين يدعوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما فيه حياتهم بإجابتهم إليه من الحق بعد إسلامهم ؛ لأن أبَيًّا لا شك أنه كان مسلمًا في الوقت الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا في هذين الخبرين(2) اهـ
وقال رحمه الله :وأولى الأقوال بالصواب عندي في ذلك أن يقال : إن ذلك خبر من الله عز وجل أنه أملك لقلوب عباده منهم ، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء ، حتى لا يقدر ذو قلب أن يدرك به شيئا من إيمان أو كفر ، أو أن يعي به شيئا ، أو أن يفهم إلا بإذنه ومشيئته . وذلك أن الحول بين الشيء والشيء إنما هو الحجز بينهما ، وإذا حجز جل ثناؤه بين عبد وقلبه في شيء أن يدركه أو يفهمه، لم يكن للعبد إلى إدراك ما قد منع الله قلبه إدراكه سبيل ، وإذا كان ذلك معناه ، دخل في ذلك قول من قال : يحول بين المؤمن والكفر وبين الكافر والإيمان ، وقول من قال : يحول بينه وبين عقله ، وقول من قال: يحول بينه وبين قلبه حتى لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه ؛ لأن الله عز وجل إذا حال بين عبد وقلبه لم يفهم العبد بقلبه الذي قد حيل بينه وبينه ما منع إدراكه به على ما بينت . غير أنه ينبغي أن يقال : إن الله عم بقوله : {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه}(3)الخبر عن أنه يحول بين العبد وقلبه، ولم يخصص من المعاني التي ذكرنا شيئا دون شيء ، والكلام محتمل كل هذه المعاني ، فالخبر على العموم حتى يخصه ما يجب التسليم له(4) اهـ
وقال الإمام البغوي رحمه الله : قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ }(5) يقول أجيبوهما بالطاعة، { إِذَا دَعَاكُمْ } الرسول صلى الله عليه وسلم، { لِمَا يُحْيِيكُمْ} أي: إلى ما يحييكم(6) اهـ
وقال العلامة القرطبي رحمه الله :هذا الخطاب للمؤمنين المصدقين بلا خلاف.
والاستجابة : الإجابة. و {يُحْيِيكُمْ} أصله يحييكم ، حذفت الضمة من الياء لثقلها. ولا يجوز الإدغام. قال أبو عبيدة : معنى {اسْتَجِيبُوا} أجيبوا ؛ ولكن عرف الكلام أن يتعدى استجاب بلام ، ويتعدى أجاب دون لام. قال الله تعالى: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ}(7).
وقد يتعدى استجاب بغير لام ؛ والشاهد له قول الشاعر :
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب
تقول : أجابه وأجاب عن سؤاله. والمصدر الإجابة. والاسم الجابة ؛ بمنزلة الطاقة والطاعة. تقول : أساء سمعا فأساء جابة. هكذا يتكلم بهذا الحرف. والمجاوبة والتجاوب : التحاور. وتقول : إنه لحسن الجيبة "بالكسر" أي الجواب. {لِمَا يُحْيِيكُمْ} متعلق بقوله : {اسْتَجِيبُوا}.
المعنى : استجيبوا لما يحييكم إذا دعاكم.
وقيل : اللام بمعنى إلى ، أي إلى ما يحييكم ، أي يحيي دينكم ويعلمكم.
وقيل : أي إلى ما يحيي به قلوبكم فتوحدوه ، وهذا إحياء مستعار ؛ لأنه من موت الكفر والجهل.
وقال مجاهد والجمهور : المعنى استجيبوا للطاعة وما تضمنه القرآن من أوامر ونواهي ؛ ففيه الحياة الأبدية ، والنعمة السرمدية ، وقيل : المراد بقوله {لِمَا يُحْيِيكُمْ} الجهاد ، فإنه سبب الحياة في الظاهر ، لأن العدو إذا لميُغز غزا ؛ وفي غزوه الموت ، والموت في الجهاد الحياة الأبدية ؛ قال الله عز وجل : {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ}( .
والصحيح العموم كما قال الجمهور(9) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله :فتضمنت هذه الآية أموراً :
أحدها :إن الحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله ورسوله، فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له وإن كانت له حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله والرسول ظاهراً وباطناً .
فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا، وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسول فان كان ما دعا اليه ففيه الحياة فمن فاته جزء منه فاته جزء من الحياة وفيه من الحياة بحسب ما استجاب للرسول .
قال مجاهد: {لِمَا يُحْيِيكُمْ}يعني للحق .
وقال قتادة: هو هذا القرآن فيه الحياة والثقة والنجاة والعصمة في الدنيا والآخرة .
وقال السدى: هو الاسلام أحياهم به بعد موتهم بالكفر .
وقال ابن اسحق وعروة بن الزبير واللفظ له: {لِمَا يُحْيِيكُمْ} يعنى للحرب التي أعزكم الله بها بعد الذل وقواكم بعد الضعف ومنعكم بها من عدوكم بعد القهر منهم لكم .
وهذه كل عبارات عن حقيقة واحدة وهى القيام بما جاء به الرسول ظاهراً وباطناً .
قال الواحدى: والأكثرون على أن معنى قوله {لِمَا يُحْيِيكُمْ} هو الجهاد وهو قول ابن اسحق واختيار أكثر أهل المعاني .
قال الفراء: إذا دعاكم إلي إحياء أمركم بجهاد عدوكم يريد أن أمرهم إنما يقوى بالحرب والجهاد فلو تركوا الجهاد ضعف أمرهم واجترأ عليهم عدوهم .
قلت :الجهاد من أعظم ما يحيهم به في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة أما في الدنيا فإن قوتهم وقهرهم لعدوهم بالجهاد وأما في البرزخ فقد قال تعالى {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}(10) وأما في الآخرة فإن حظ المجاهدين والشهداء من حياتها ونعيمها أعظم من حظ غيرهم .
ولهذا قال ابن قتيبة {لِمَا يُحْيِيكُمْ} يعني الشهادة .
وقال بعض المفسرين {لِمَا يُحْيِيكُمْ} يعني: الجنة فإنهما دار الحيوان فوفيها الحياة الدائمة الطيبة. حكاه أبو علي الجرجاني .
والآية تتناول هذا كله ،فإن الإيمان والإسلام والقرآن والجهاد يحي القلوب الحياة الطيبة ،وكمال الحياة في الجنة ، والرسول داع الي الإيمان وإلى الجنة فهو داع إلى الحياة في الدنيا والآخرة .
والإنسان مضطر إلى نوعين من الحياة.
حياة بدنه: التي بها يدرك النافع والضار ويؤثر ما ينفعه على ما يضره ومتي نقصت فيه هذه الحياة ناله من الألم والضعف بحسب ذلك ولذلك كانت حياة المريض والمحزون وصاحب الهم والغم والخوف والفقر والذل دون حياة من هو معافى من ذلك.
وحياة قلبه وروحه: التي بها يميز بين الحق والباطل ،والغى والرشاد ،والهوى والضلال، فيختار الحق علي ضده ؛ فتفيده هذه الحياة قوة التميز بين النافع والضار في العلوم، والإرادات ،والأعمال ،وتفيده قوة الإيمان والإرادة والحب للحق ،وقوة البغض والكراهة للباطل ،فشعوره وتمييزه وحبه ونفرته بحسب نصيبه من هذه الحياة كما أن البدن الحي يكون شعوره واحساسه بالنافع والمؤلم أتم، ويكون ميله إلي النافع ونفرته عن المؤلم أعظم فهذا بحسب حياة البدن وذاك بحساب حياة القلب .
فإذا بطلت حياته بطل تمييزه ،وإن كان له نوع تمييز لم يكن فيه قوة يؤثر بها النافع على الضار، كما أن الإنسان لا حياة له حتي ينفخ فيه الملك الذي هو رسول الله من روحه ؛فيصير حياً بذلك النفخ ،وإن كان قبل ذلك من جملة الأموات .
فكذلك لا حياة لروحه وقلبه حتى ينفخ فيه الرسول صلى الله عليه وسلم من الروح الذي ألقى اليه قال تعالى {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}(11)وقال {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}(12) وقال {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا}(13) فأخبر أن وحيه روح ونور فالحياة والاستنارة موقوفة على نفخ الرسول الملكي فمن أصابه نفخ الرسول الملكي ونفخ الرسول البشري حصلت له الحياتان.
ومن حصل له نفخ الملك دون نفخ الرسول حصلت له إحدى الحياتين وفاتته الأخرى.
وقوله :{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}.
المشهور في الآية :أنه يحول بين المؤمن وبين الكفر، وبين الكافر وبين الإيمان ،ويحول بين أهل طاعته وبين معصيته، وبين أهل معصيته وبين طاعته .وهذا قول ابن عباس وجمهور المفسرين .
وفي الآية قول آخر: إنه سبحانه قريب من قلبه لا تخفى عليه خافيه ،فهو بينه وبين قلبه، ذكره الواحدي عن قتادة. وكأن هذا أنسب بالسياق، لأن الاستجابة أصلها بالقلب فلا تنفع الاستجابة بالبدن دون القلب، فان الله سبحانه بين العبد وبين قلبه ،فيعلم هل استجاب له قلبه ،وهل أضمر ذلك أو أضمر خلافه؟
وعلي القول الأول فوجه المناسبة :إنكم إن تثاقلتم عن الاستجابة و أبطأتم عنها؛ فلا تأمنوا أن الله يحول بينكم وبين قلوبكم، فلا يمكنكم بعد ذلك من الاستجابة ،وعقوبة لكم على تركها بعد وضوح الحق واستبانتة ،فيكون كقوله {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ }(14) وقوله:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ }(15)
وقوله {فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ}(16) ففي الآية تحذير عن ترك الاستجابة بالقلب ،وإن استجاب بالجوارح. وفي الآية سر آخر؛ وهو أنه جمع لهم بين الشرع والأمر به وهو الاستجابة،وبين القدر والإيمان به. كقوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (2 وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)}(17) والله أعلم (1اهـ
وقال رحمه الله :أي: إن تركتم الاستجابة لله ورسوله عاقبكم بأن يحول بينكم وبين قلوبكم فلا تقدرون على الاستجابة بعد ذلك ويشبه هذا أن لم يكن بعينه (19)اهـ
وقال رحمه الله : وتأمل كيف أخبر عن حيلولته بين المرى وقلبه بعد أمره بالاستجابة له ولرسوله، كيف تجد في ضمن هذا الأمر ،والخبر أن من ترك الإستجابة له ولرسوله؛ حال بينه وبين قلبه عقوبة له على ترك الاستجابة، فإنه سبحانه يعاقب القلوب بانتزاعاها عن هداها ثانياً،كما زاغت هي عنه أولاً.قال تعالى{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}(20)-(21) اهـ
وقال العلامة السعدي رحمه الله :يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان منهم وهو الاستجابة للّه وللرسول، أي: الانقياد لما أمرا به والمبادرة إلى ذلك والدعوة إليه، والاجتناب لما نهيا عنه، والانكفاف عنه والنهي عنه.
وقوله: { إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } وصف ملازم لكل ما دعا اللّه ورسوله إليه، وبيان لفائدته وحكمته، فإن حياة القلب والروح بعبودية اللّه تعالى ولزوم طاعته وطاعة رسوله على الدوام.
ثم حذر عن عدم الاستجابة للّه وللرسول فقال: { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } فإياكم أن تردوا أمر اللّه أول ما يأتيكم، فيحال بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك، وتختلف قلوبكم، فإن اللّه يحول بين المرء وقلبه، يقلب القلوب حيث شاء ويصرفها أنى شاء.
فليكثر العبد من قول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب، اصرف قلبي إلى طاعتك.
{ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } أي: تجمعون ليوم لا ريب فيه، فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بعصيانه.
{ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً }(22) بل تصيب فاعل الظلم وغيره،وذلك إذا ظهر الظلم فلم يغير، فإن عقوبته تعم الفاعل وغيره،وتقوى هذه الفتنة بالنهي عن المنكر، وقمع أهل الشر والفساد، وأن لا يمكنوا من المعاصي والظلم مهما أمكن.
{ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } لمن تعرض لمساخطه، وجانب رضاه (23) اهـ
وقال العلامة عبد العزيز بن باز :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } فأخبر سبحانه أن الاستجابة لله وللرسول هي الحياة , وأن من لم يستجب لله وللرسول فهو ميت مع الأموات(24) اهـ
وقال رحمه الله :فأرشد الله سبحانه العباد في هذه الآيات الكريمات إلى أن الحياة الطيبة والراحة والطمأنينة والعزة الكاملة إنما تحصل لمن استجاب لله ولرسوله واستقام على ذلك قولا وعملا , وأما من أعرض عن كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام واشتغل عنهما بغيرهما فإنه لا يزال في العذاب والشقاء , في الهموم والغموم والمعيشة الضنك , وإن ملك الدنيا بأسرها , ثم ينقل إلى ما هو أشد وأفظع وهو عذاب النار , عياذا بالله من ذلك , كما قال تعالى : { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ (54) فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)}(25)
وقال تعالى : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى }(26) { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى }(27) وقال عز من قائل : { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }(2 وقال سبحانه وتعالى : { إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ }(29) { وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ }(30)
قال بعض المفسرين : إن هذه الآية تعم أحوال الأبرار والفجار في الدنيا والآخرة , فالمؤمن في نعيم في دنياه وقبره وآخرته , وإن أصابه في الدنيا ما أصابه من أنواع المصائب كالفقر والمرض ونحوها , والفاجر في جحيم في دنياه وقبره وآخرته وان أدرك ما أدرك من نعيم الدنيا , وما ذاك إلا لأن النعيم في الحقيقة هو نعيم القلب وراحته وطمأنينته . فالمؤمن - بإيمانه بالله واعتماده عليه واستغنائه به وقيامه بحقه , وتصديقه بوعده - مطمئن القلب منشرح الصدر , مرتاح الضمير . والفاجر - لمرض قلبه وجهله وشكه وإعراضه عن الله , وتشعب قلبه في مطالب الدنيا وشهواتها - في عذاب وقلق وتعب دائم , ولكن سكرة الهوى والشهوات تعمي العقول عن التفكير في ذلك والإحساس به .
فيا معشر المسلمين : انتبهوا لما خلقتم له من عبادة الله وطاعته وتفقهوا في ذلك واستقيموا عليه حتى تلقوا ربكم عز وجل , فتفوزوا بالنعيم المقيم وتسلموا من عذاب الجحيم (31) اهـ
وقال العلامة الشنقيطي رحمه الله :هذه الآية تدل بظاهرها على أن الاستجابة للرسول التي هي طاعته لا تجب إلا إذا دعانا لما يحيينا ونظيرها قوله تعالى: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ}(32) وقد جاء في آيات أخر ما يدل على وجوب اتباعه مطلقا من غير قيد كقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(33).
وقوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}(34).
وقوله: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}(35).
والظاهر أن وجه الجمع والله تعالى أعلم أن آيات الإطلاق مبينة أنه صلى الله عليه وسلم لا يدعونا إلا لما يحيينا من خيري الدنيا والآخرة فالشرط المذكور في قوله إذا دعاكم متوفر في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمكان عصمته كما دل عليه قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) }(36).
والحاصل أن الآية إذا دعاكم لما يحييكم مبينة أنه لا طاعة إلا لما يدعو إلى ما يرضي الله وأن الآيات الأخر بينت أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدعو أبداً إلاّ إلى ذلك صلوات الله عليه وسلامه(37) اهـ
وقال العلامة ربيع بن هادي حفظه الله :ووجه الاستدلال أن هذا أمر لكل مؤمن بلغته دعوة الرسول إلى يوم القيامة ، ودعوته نوعان : مواجهة ونوع بواسطة المبلغ وهو مأمور بإجابة الدعوتين في الحالتين وقد علم أن حياته في تلك الدعوة والاستجابة لها ، ومن الممتنع أن يأمره الله تعالى بالإجابة لما لا يفيد علماً أو يحييه بما لا يفيد علماً أو يتوعده على ترك الاستجابة لما لا يفيد علماً بأنه إن لم يفعل عاقبه وحال بينه وبين قلبه(3اهـ
وقال حفظه الله :فطاعة الله ورسوله فيهما السعادة في الدنيا والآخرة ,والتولي عن طاعتهما استكباراً وعناداً كفر بالله يوجب غضب الله وعداوته وعذابه الأبدي في نار أعدَّها الله للكافرين عياذاً بالله تعالى.
والآيات في وجوب طاعة رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - كثيرة جداً بلغت بضعةً وثلاثين آية كما قال الإمام أحمد -رحمه الله- منها ما سلف .
ومنها قوله تعالى-بعد تحريم الخمر والميسر وأن الشيطان إنما يريد بتعاطيهما إلقاء العداوة والبغضاء بين المؤمنين بالله والصَّدِّ عن ذكر الله وعن الصلاة- قال تعالى : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (12)}(39).
ففي هذه الآية أمر بطاعة الله ورسوله والانقياد لهما وتحذير من مخالفتهما ووعيد شديد لمن يتولى عن طاعتهما .
وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22)} (40) .
ففي هذه الآيات ذم شديد لمن لا يطيع الله ورسوله ويَدَّعِي السمع والطاعة وهو كاذب وتحذير شديد من مشابهة هذا الصنف من الصم البكم الذين لا يعقلون .
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) } (41)
يأمر الله سبحانه في هاتين الآيتين الجامعتين هذه الأمة بالإستجابة لما يدعو إليه الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - من الحياة الحقيقية وإلى ما يسعدها السعادة الأبدية من العلم النافع والأعمال الصالحة ومن العقائد الصحيحة والأخلاق العالية من الصدق والبر والإحسان والعدل والبعد عن الظلم والفواحش والكذب والأمور التي تُوقِعُ في الفتن العامة المهلكة والموقعة في الضلال والشقاء في الدنيا والآخرة .
فيا ويح قوم يسمعون مثل هذه التوجيهات الربَّانية التي تدعو إلى كل خير وسعادة وتحذر من كل شر ومن كل أسباب الشقاء فلا يفقهون ولا يعملون .
ويا سعادة أقوام يفقهونها ويعملون بها .
اللهم اجعلنا منهم بمنك وفضلك وكرمك(41)اهـ
وقال العلامة عبد العزيز الراجحي حفظه الله :فطاعة الله ورسوله والاستجابة لله ولرسوله سبب للحياة الحقيقية، حياة الإيمان والهدى والرشاد والعزة والسعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، وقد أخبر الله -تعالى- أن ما عند الله من الثواب في الآخرة خير وأبقى للمؤمنين الذين من صفاتهم الاستجابة لربهم، وذلك باتباع رسله وطاعة أمره واجتناب نهيه، مع توكلهم على الله وبعدهم عن الكبائر والفواحش، وإقامتهم للصلاة، وإحسانهم إلى خلق الله بالمال والعفو والحلم وكظم الغيظ عند الغضب، فقال -تعالى-: {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}(42) -(43).
وقال العلامة عبيد بن سليمان الجابري حفظه الله :وهذه الآية تتضمن أمورا ثلاثة:
أولها: دعوة أهل الإيمان إلى إجابة رسول الله وهو لا يدعوهم إلا لما فيه صلاحهم.
الأمر الثاني: تنبيه العباد إلى شدة خوف الله جلّ وعلا: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}
لا تأمن الله فتغتر بما أنت فيه من خير وهداية، اسأل الله العافية والمزيد من فضله.
والأمر الثالث: {وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}
ما دام ثمة حشر فلابد من إحصاء الأعمال والمجازاة عليها، وهذا يدل على وجوب مراقبة الله لأنه ما دام أنه يحشر ويجازي فعلمه محيط بكل شيء، لكل عمل سواء كان ذلكم العمل دقيقا أو جليلا أو صغيرا أو كبيرا، وفي الحديث القدسي يقول جل وعلا في الأعمال:(أحصيها لكم ثم أوفّيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه)، وفي الكتاب العزيز يقول جل وعلا:{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً}(44) ، ماذا بعد ذلك؟ {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً}(45) اهـ
وقال رحمه الله :يَنْبَنِي هذا الدين على ثلاثة أمور يتحقق للعبد باستكمالها نمام الانقياد لله ولرسوله وتمام الاستجابة لله ولرسوله ، فما أظن مسلماً ولا مسلمة إلا وقد عرف ووعى قول الحق جل ذكره { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ }.
وكأن قائلاً يقول :بما تتحقق به هذه الاستجابة التي دعانا الله إليها ؟
فالجواب: هذه الثلاثة الأمور أيها المسلم ويا أيها المسلمة بها تتحقق الإجابة الصحيحة السديدة والانقياد التام لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فيصبح المسلم يرى كل صعبة وشاقة في سبيل نيله مرضات الله وحصوله على ما يرفع عند مولاه درجاته وتضاعف له به الحسنات وتمحى به عنه السيئات هذه الثلاثة الأمور هي :
أولاً : فعل ما أمر الله به ورسوله.
وثانيها: ترك ما نهى الله عنه ورسوله.
وثالثها: تصديق خبر الله ورسوله.
ويجب أن تعلموا يا بنيا من المسلمين والمسلمات أن فعل الأوامر وترك النواهي لابد فيه من قيد الامتثال فإن المنافق ذا النفاق الأعتقادي يمكن أن يفعل أوامر ويجتنب نواهي لكن يمتاز المؤمن الصادق بأن يكون الباعث له على فعل المأمورات واجتناب المنهيات هو طلب القربى عند الله عز وجل فهو كما يخلص النية ويصدق العزيمة يتقصد أيضاً تجريد المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم.
الحقيقة الرابعة : الإيمان الذي عندنا شرعاً وأعني أهل السنة وهو القول باللسان والاعتقاد بالقلب والعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية لا يقوم إلا على ستة أركان أظن أن أبناءنا وبناتنا في المرحلة الابتدائية يحفظون ذلك ولكني أعيدها لأقرر ما ستسمعون ، فأركان الإيمان التي هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر سادسها الإيمان بالقدر خيره وشره ، وهذا الإيمان أعني الإيمان بالقدر كما علمتم أنه أحد أركان الإيمان التي لا يكون العبد مؤمن حتى يستكملها يتضمن أربعة أمور :
الأول : الكتابة كتابة المقادير فإن الله سبحانه وتعالى علم كل شيء وكتب ذلك في اللوح المحفوظ ، فالعلم هو المرتبة الأولى والكتابة .
المرتبة الثانية :فذلك مفروغ منه قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، يا أيها المسلمون والمسلمات فمما صح في ذلكم عن نبينا صلى الله عليه وسلم ( أن الله أول ما خلق القلم قال له أكتب قال وماذا أكتب ؟ قال أكتب ما هو كائن إلى قيام الساعة)(46).
والمرتبة الثالثة :مرتبة المشيئة فما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن فعلمه سبحانه وتعالى أحاط بكل شيء ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون ، وكتابته المقادير أحصى ذلك في اللوح المحفوظ ومشيئته النافذة شاملة لكل شيء فما شاء كان وما لم يشاء لم يكن .
والمرتبة الرابعة :مرتبة الخلق فإن الله خالق كل شيء من إنس وجن وملائكة ومن ذلكم أعمال العباد ، فإذا تقرر هذا يا بنيا من المسلمين والمسلمات فل أنتقل بكم إلى موضوع الحديث الصبر على أقدار الله وآثاره الحميدة إن الذي أدرك منكم تقريرنا لما قرره أئمة السنة والجماعة في القدر يدرك أن موضوع الحديث هو من أصول دين الإسلام لإن المصيبة حتماً كائنه واقعه وإنما يكون العبد عند الله سبحانه وتعالى أعني من حيث الأجر والوزر يكون بتلقيه هذه المصيبة(47) اهـ
وقال الشيخ محمد الإمام حفظه الله :إن من الشر العظيم أن يُدعى المسلم إلى الحق فيتأخر عن قبوله والقيام به متجاهلاً خطر التأخر. قال الله :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } .
فقوله سبحانه :{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } بعد أمره سبحانه بالاستجابة له ولرسوله فيها تهديد ووعيد منه سبحانه للذي لم يستجب له بأنه سبحانه سيحول بين العبد وقلبه وهذه العقوبة أخطر من عقوبة البدن. فلا يأمن المسلم أن يزيغ الله قلبه لأنه سبحانه يعلم ماذا في قلب العبد فإذا كان في قلب العبد النفرة من الحق فالله قادر على الحيلولة بين العبد وقلبه فلا يستجيب مرة ثانية بل قد يطبع الله عليه فيزداد بعداً عن الله(4 اهـ
أسأل الله العلي القدير أن ينفعني وإخواني أهل السنة بما كتبت وجمعت وأن يرزقني الإخلاص في القول والعمل وأن يجعل عملي هذا صالحاً، ولوجهه خالصا، وأن لا يجعل لأحد سواه فيه حظاً، إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
جمع وترتيب
أبو المقداد ربيع بن علي الليبي
عفا الله عنه
حرر ليلة الأحد 5من شهر الله المحرم 1432هــ
ثم أضفت عليه وزدت ليلة الإثنين 21 من شهر الله المحرم 1432هـ
وقال رحمه الله :وأولى الأقوال بالصواب عندي في ذلك أن يقال : إن ذلك خبر من الله عز وجل أنه أملك لقلوب عباده منهم ، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء ، حتى لا يقدر ذو قلب أن يدرك به شيئا من إيمان أو كفر ، أو أن يعي به شيئا ، أو أن يفهم إلا بإذنه ومشيئته . وذلك أن الحول بين الشيء والشيء إنما هو الحجز بينهما ، وإذا حجز جل ثناؤه بين عبد وقلبه في شيء أن يدركه أو يفهمه، لم يكن للعبد إلى إدراك ما قد منع الله قلبه إدراكه سبيل ، وإذا كان ذلك معناه ، دخل في ذلك قول من قال : يحول بين المؤمن والكفر وبين الكافر والإيمان ، وقول من قال : يحول بينه وبين عقله ، وقول من قال: يحول بينه وبين قلبه حتى لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه ؛ لأن الله عز وجل إذا حال بين عبد وقلبه لم يفهم العبد بقلبه الذي قد حيل بينه وبينه ما منع إدراكه به على ما بينت . غير أنه ينبغي أن يقال : إن الله عم بقوله : {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه}(3)الخبر عن أنه يحول بين العبد وقلبه، ولم يخصص من المعاني التي ذكرنا شيئا دون شيء ، والكلام محتمل كل هذه المعاني ، فالخبر على العموم حتى يخصه ما يجب التسليم له(4) اهـ
وقال الإمام البغوي رحمه الله : قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ }(5) يقول أجيبوهما بالطاعة، { إِذَا دَعَاكُمْ } الرسول صلى الله عليه وسلم، { لِمَا يُحْيِيكُمْ} أي: إلى ما يحييكم(6) اهـ
وقال العلامة القرطبي رحمه الله :هذا الخطاب للمؤمنين المصدقين بلا خلاف.
والاستجابة : الإجابة. و {يُحْيِيكُمْ} أصله يحييكم ، حذفت الضمة من الياء لثقلها. ولا يجوز الإدغام. قال أبو عبيدة : معنى {اسْتَجِيبُوا} أجيبوا ؛ ولكن عرف الكلام أن يتعدى استجاب بلام ، ويتعدى أجاب دون لام. قال الله تعالى: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ}(7).
وقد يتعدى استجاب بغير لام ؛ والشاهد له قول الشاعر :
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب
تقول : أجابه وأجاب عن سؤاله. والمصدر الإجابة. والاسم الجابة ؛ بمنزلة الطاقة والطاعة. تقول : أساء سمعا فأساء جابة. هكذا يتكلم بهذا الحرف. والمجاوبة والتجاوب : التحاور. وتقول : إنه لحسن الجيبة "بالكسر" أي الجواب. {لِمَا يُحْيِيكُمْ} متعلق بقوله : {اسْتَجِيبُوا}.
المعنى : استجيبوا لما يحييكم إذا دعاكم.
وقيل : اللام بمعنى إلى ، أي إلى ما يحييكم ، أي يحيي دينكم ويعلمكم.
وقيل : أي إلى ما يحيي به قلوبكم فتوحدوه ، وهذا إحياء مستعار ؛ لأنه من موت الكفر والجهل.
وقال مجاهد والجمهور : المعنى استجيبوا للطاعة وما تضمنه القرآن من أوامر ونواهي ؛ ففيه الحياة الأبدية ، والنعمة السرمدية ، وقيل : المراد بقوله {لِمَا يُحْيِيكُمْ} الجهاد ، فإنه سبب الحياة في الظاهر ، لأن العدو إذا لميُغز غزا ؛ وفي غزوه الموت ، والموت في الجهاد الحياة الأبدية ؛ قال الله عز وجل : {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ}( .
والصحيح العموم كما قال الجمهور(9) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله :فتضمنت هذه الآية أموراً :
أحدها :إن الحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله ورسوله، فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له وإن كانت له حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله والرسول ظاهراً وباطناً .
فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا، وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسول فان كان ما دعا اليه ففيه الحياة فمن فاته جزء منه فاته جزء من الحياة وفيه من الحياة بحسب ما استجاب للرسول .
قال مجاهد: {لِمَا يُحْيِيكُمْ}يعني للحق .
وقال قتادة: هو هذا القرآن فيه الحياة والثقة والنجاة والعصمة في الدنيا والآخرة .
وقال السدى: هو الاسلام أحياهم به بعد موتهم بالكفر .
وقال ابن اسحق وعروة بن الزبير واللفظ له: {لِمَا يُحْيِيكُمْ} يعنى للحرب التي أعزكم الله بها بعد الذل وقواكم بعد الضعف ومنعكم بها من عدوكم بعد القهر منهم لكم .
وهذه كل عبارات عن حقيقة واحدة وهى القيام بما جاء به الرسول ظاهراً وباطناً .
قال الواحدى: والأكثرون على أن معنى قوله {لِمَا يُحْيِيكُمْ} هو الجهاد وهو قول ابن اسحق واختيار أكثر أهل المعاني .
قال الفراء: إذا دعاكم إلي إحياء أمركم بجهاد عدوكم يريد أن أمرهم إنما يقوى بالحرب والجهاد فلو تركوا الجهاد ضعف أمرهم واجترأ عليهم عدوهم .
قلت :الجهاد من أعظم ما يحيهم به في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة أما في الدنيا فإن قوتهم وقهرهم لعدوهم بالجهاد وأما في البرزخ فقد قال تعالى {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}(10) وأما في الآخرة فإن حظ المجاهدين والشهداء من حياتها ونعيمها أعظم من حظ غيرهم .
ولهذا قال ابن قتيبة {لِمَا يُحْيِيكُمْ} يعني الشهادة .
وقال بعض المفسرين {لِمَا يُحْيِيكُمْ} يعني: الجنة فإنهما دار الحيوان فوفيها الحياة الدائمة الطيبة. حكاه أبو علي الجرجاني .
والآية تتناول هذا كله ،فإن الإيمان والإسلام والقرآن والجهاد يحي القلوب الحياة الطيبة ،وكمال الحياة في الجنة ، والرسول داع الي الإيمان وإلى الجنة فهو داع إلى الحياة في الدنيا والآخرة .
والإنسان مضطر إلى نوعين من الحياة.
حياة بدنه: التي بها يدرك النافع والضار ويؤثر ما ينفعه على ما يضره ومتي نقصت فيه هذه الحياة ناله من الألم والضعف بحسب ذلك ولذلك كانت حياة المريض والمحزون وصاحب الهم والغم والخوف والفقر والذل دون حياة من هو معافى من ذلك.
وحياة قلبه وروحه: التي بها يميز بين الحق والباطل ،والغى والرشاد ،والهوى والضلال، فيختار الحق علي ضده ؛ فتفيده هذه الحياة قوة التميز بين النافع والضار في العلوم، والإرادات ،والأعمال ،وتفيده قوة الإيمان والإرادة والحب للحق ،وقوة البغض والكراهة للباطل ،فشعوره وتمييزه وحبه ونفرته بحسب نصيبه من هذه الحياة كما أن البدن الحي يكون شعوره واحساسه بالنافع والمؤلم أتم، ويكون ميله إلي النافع ونفرته عن المؤلم أعظم فهذا بحسب حياة البدن وذاك بحساب حياة القلب .
فإذا بطلت حياته بطل تمييزه ،وإن كان له نوع تمييز لم يكن فيه قوة يؤثر بها النافع على الضار، كما أن الإنسان لا حياة له حتي ينفخ فيه الملك الذي هو رسول الله من روحه ؛فيصير حياً بذلك النفخ ،وإن كان قبل ذلك من جملة الأموات .
فكذلك لا حياة لروحه وقلبه حتى ينفخ فيه الرسول صلى الله عليه وسلم من الروح الذي ألقى اليه قال تعالى {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}(11)وقال {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}(12) وقال {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا}(13) فأخبر أن وحيه روح ونور فالحياة والاستنارة موقوفة على نفخ الرسول الملكي فمن أصابه نفخ الرسول الملكي ونفخ الرسول البشري حصلت له الحياتان.
ومن حصل له نفخ الملك دون نفخ الرسول حصلت له إحدى الحياتين وفاتته الأخرى.
وقوله :{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}.
المشهور في الآية :أنه يحول بين المؤمن وبين الكفر، وبين الكافر وبين الإيمان ،ويحول بين أهل طاعته وبين معصيته، وبين أهل معصيته وبين طاعته .وهذا قول ابن عباس وجمهور المفسرين .
وفي الآية قول آخر: إنه سبحانه قريب من قلبه لا تخفى عليه خافيه ،فهو بينه وبين قلبه، ذكره الواحدي عن قتادة. وكأن هذا أنسب بالسياق، لأن الاستجابة أصلها بالقلب فلا تنفع الاستجابة بالبدن دون القلب، فان الله سبحانه بين العبد وبين قلبه ،فيعلم هل استجاب له قلبه ،وهل أضمر ذلك أو أضمر خلافه؟
وعلي القول الأول فوجه المناسبة :إنكم إن تثاقلتم عن الاستجابة و أبطأتم عنها؛ فلا تأمنوا أن الله يحول بينكم وبين قلوبكم، فلا يمكنكم بعد ذلك من الاستجابة ،وعقوبة لكم على تركها بعد وضوح الحق واستبانتة ،فيكون كقوله {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ }(14) وقوله:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ }(15)
وقوله {فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ}(16) ففي الآية تحذير عن ترك الاستجابة بالقلب ،وإن استجاب بالجوارح. وفي الآية سر آخر؛ وهو أنه جمع لهم بين الشرع والأمر به وهو الاستجابة،وبين القدر والإيمان به. كقوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (2 وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)}(17) والله أعلم (1اهـ
وقال رحمه الله :أي: إن تركتم الاستجابة لله ورسوله عاقبكم بأن يحول بينكم وبين قلوبكم فلا تقدرون على الاستجابة بعد ذلك ويشبه هذا أن لم يكن بعينه (19)اهـ
وقال رحمه الله : وتأمل كيف أخبر عن حيلولته بين المرى وقلبه بعد أمره بالاستجابة له ولرسوله، كيف تجد في ضمن هذا الأمر ،والخبر أن من ترك الإستجابة له ولرسوله؛ حال بينه وبين قلبه عقوبة له على ترك الاستجابة، فإنه سبحانه يعاقب القلوب بانتزاعاها عن هداها ثانياً،كما زاغت هي عنه أولاً.قال تعالى{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}(20)-(21) اهـ
وقال العلامة السعدي رحمه الله :يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان منهم وهو الاستجابة للّه وللرسول، أي: الانقياد لما أمرا به والمبادرة إلى ذلك والدعوة إليه، والاجتناب لما نهيا عنه، والانكفاف عنه والنهي عنه.
وقوله: { إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } وصف ملازم لكل ما دعا اللّه ورسوله إليه، وبيان لفائدته وحكمته، فإن حياة القلب والروح بعبودية اللّه تعالى ولزوم طاعته وطاعة رسوله على الدوام.
ثم حذر عن عدم الاستجابة للّه وللرسول فقال: { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } فإياكم أن تردوا أمر اللّه أول ما يأتيكم، فيحال بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك، وتختلف قلوبكم، فإن اللّه يحول بين المرء وقلبه، يقلب القلوب حيث شاء ويصرفها أنى شاء.
فليكثر العبد من قول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب، اصرف قلبي إلى طاعتك.
{ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } أي: تجمعون ليوم لا ريب فيه، فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بعصيانه.
{ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً }(22) بل تصيب فاعل الظلم وغيره،وذلك إذا ظهر الظلم فلم يغير، فإن عقوبته تعم الفاعل وغيره،وتقوى هذه الفتنة بالنهي عن المنكر، وقمع أهل الشر والفساد، وأن لا يمكنوا من المعاصي والظلم مهما أمكن.
{ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } لمن تعرض لمساخطه، وجانب رضاه (23) اهـ
وقال العلامة عبد العزيز بن باز :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } فأخبر سبحانه أن الاستجابة لله وللرسول هي الحياة , وأن من لم يستجب لله وللرسول فهو ميت مع الأموات(24) اهـ
وقال رحمه الله :فأرشد الله سبحانه العباد في هذه الآيات الكريمات إلى أن الحياة الطيبة والراحة والطمأنينة والعزة الكاملة إنما تحصل لمن استجاب لله ولرسوله واستقام على ذلك قولا وعملا , وأما من أعرض عن كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام واشتغل عنهما بغيرهما فإنه لا يزال في العذاب والشقاء , في الهموم والغموم والمعيشة الضنك , وإن ملك الدنيا بأسرها , ثم ينقل إلى ما هو أشد وأفظع وهو عذاب النار , عياذا بالله من ذلك , كما قال تعالى : { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ (54) فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)}(25)
وقال تعالى : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى }(26) { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى }(27) وقال عز من قائل : { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }(2 وقال سبحانه وتعالى : { إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ }(29) { وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ }(30)
قال بعض المفسرين : إن هذه الآية تعم أحوال الأبرار والفجار في الدنيا والآخرة , فالمؤمن في نعيم في دنياه وقبره وآخرته , وإن أصابه في الدنيا ما أصابه من أنواع المصائب كالفقر والمرض ونحوها , والفاجر في جحيم في دنياه وقبره وآخرته وان أدرك ما أدرك من نعيم الدنيا , وما ذاك إلا لأن النعيم في الحقيقة هو نعيم القلب وراحته وطمأنينته . فالمؤمن - بإيمانه بالله واعتماده عليه واستغنائه به وقيامه بحقه , وتصديقه بوعده - مطمئن القلب منشرح الصدر , مرتاح الضمير . والفاجر - لمرض قلبه وجهله وشكه وإعراضه عن الله , وتشعب قلبه في مطالب الدنيا وشهواتها - في عذاب وقلق وتعب دائم , ولكن سكرة الهوى والشهوات تعمي العقول عن التفكير في ذلك والإحساس به .
فيا معشر المسلمين : انتبهوا لما خلقتم له من عبادة الله وطاعته وتفقهوا في ذلك واستقيموا عليه حتى تلقوا ربكم عز وجل , فتفوزوا بالنعيم المقيم وتسلموا من عذاب الجحيم (31) اهـ
وقال العلامة الشنقيطي رحمه الله :هذه الآية تدل بظاهرها على أن الاستجابة للرسول التي هي طاعته لا تجب إلا إذا دعانا لما يحيينا ونظيرها قوله تعالى: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ}(32) وقد جاء في آيات أخر ما يدل على وجوب اتباعه مطلقا من غير قيد كقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(33).
وقوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}(34).
وقوله: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}(35).
والظاهر أن وجه الجمع والله تعالى أعلم أن آيات الإطلاق مبينة أنه صلى الله عليه وسلم لا يدعونا إلا لما يحيينا من خيري الدنيا والآخرة فالشرط المذكور في قوله إذا دعاكم متوفر في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمكان عصمته كما دل عليه قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) }(36).
والحاصل أن الآية إذا دعاكم لما يحييكم مبينة أنه لا طاعة إلا لما يدعو إلى ما يرضي الله وأن الآيات الأخر بينت أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدعو أبداً إلاّ إلى ذلك صلوات الله عليه وسلامه(37) اهـ
وقال العلامة ربيع بن هادي حفظه الله :ووجه الاستدلال أن هذا أمر لكل مؤمن بلغته دعوة الرسول إلى يوم القيامة ، ودعوته نوعان : مواجهة ونوع بواسطة المبلغ وهو مأمور بإجابة الدعوتين في الحالتين وقد علم أن حياته في تلك الدعوة والاستجابة لها ، ومن الممتنع أن يأمره الله تعالى بالإجابة لما لا يفيد علماً أو يحييه بما لا يفيد علماً أو يتوعده على ترك الاستجابة لما لا يفيد علماً بأنه إن لم يفعل عاقبه وحال بينه وبين قلبه(3اهـ
وقال حفظه الله :فطاعة الله ورسوله فيهما السعادة في الدنيا والآخرة ,والتولي عن طاعتهما استكباراً وعناداً كفر بالله يوجب غضب الله وعداوته وعذابه الأبدي في نار أعدَّها الله للكافرين عياذاً بالله تعالى.
والآيات في وجوب طاعة رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - كثيرة جداً بلغت بضعةً وثلاثين آية كما قال الإمام أحمد -رحمه الله- منها ما سلف .
ومنها قوله تعالى-بعد تحريم الخمر والميسر وأن الشيطان إنما يريد بتعاطيهما إلقاء العداوة والبغضاء بين المؤمنين بالله والصَّدِّ عن ذكر الله وعن الصلاة- قال تعالى : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (12)}(39).
ففي هذه الآية أمر بطاعة الله ورسوله والانقياد لهما وتحذير من مخالفتهما ووعيد شديد لمن يتولى عن طاعتهما .
وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22)} (40) .
ففي هذه الآيات ذم شديد لمن لا يطيع الله ورسوله ويَدَّعِي السمع والطاعة وهو كاذب وتحذير شديد من مشابهة هذا الصنف من الصم البكم الذين لا يعقلون .
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) } (41)
يأمر الله سبحانه في هاتين الآيتين الجامعتين هذه الأمة بالإستجابة لما يدعو إليه الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - من الحياة الحقيقية وإلى ما يسعدها السعادة الأبدية من العلم النافع والأعمال الصالحة ومن العقائد الصحيحة والأخلاق العالية من الصدق والبر والإحسان والعدل والبعد عن الظلم والفواحش والكذب والأمور التي تُوقِعُ في الفتن العامة المهلكة والموقعة في الضلال والشقاء في الدنيا والآخرة .
فيا ويح قوم يسمعون مثل هذه التوجيهات الربَّانية التي تدعو إلى كل خير وسعادة وتحذر من كل شر ومن كل أسباب الشقاء فلا يفقهون ولا يعملون .
ويا سعادة أقوام يفقهونها ويعملون بها .
اللهم اجعلنا منهم بمنك وفضلك وكرمك(41)اهـ
وقال العلامة عبد العزيز الراجحي حفظه الله :فطاعة الله ورسوله والاستجابة لله ولرسوله سبب للحياة الحقيقية، حياة الإيمان والهدى والرشاد والعزة والسعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، وقد أخبر الله -تعالى- أن ما عند الله من الثواب في الآخرة خير وأبقى للمؤمنين الذين من صفاتهم الاستجابة لربهم، وذلك باتباع رسله وطاعة أمره واجتناب نهيه، مع توكلهم على الله وبعدهم عن الكبائر والفواحش، وإقامتهم للصلاة، وإحسانهم إلى خلق الله بالمال والعفو والحلم وكظم الغيظ عند الغضب، فقال -تعالى-: {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}(42) -(43).
وقال العلامة عبيد بن سليمان الجابري حفظه الله :وهذه الآية تتضمن أمورا ثلاثة:
أولها: دعوة أهل الإيمان إلى إجابة رسول الله وهو لا يدعوهم إلا لما فيه صلاحهم.
الأمر الثاني: تنبيه العباد إلى شدة خوف الله جلّ وعلا: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}
لا تأمن الله فتغتر بما أنت فيه من خير وهداية، اسأل الله العافية والمزيد من فضله.
والأمر الثالث: {وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}
ما دام ثمة حشر فلابد من إحصاء الأعمال والمجازاة عليها، وهذا يدل على وجوب مراقبة الله لأنه ما دام أنه يحشر ويجازي فعلمه محيط بكل شيء، لكل عمل سواء كان ذلكم العمل دقيقا أو جليلا أو صغيرا أو كبيرا، وفي الحديث القدسي يقول جل وعلا في الأعمال:(أحصيها لكم ثم أوفّيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه)، وفي الكتاب العزيز يقول جل وعلا:{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً}(44) ، ماذا بعد ذلك؟ {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً}(45) اهـ
وقال رحمه الله :يَنْبَنِي هذا الدين على ثلاثة أمور يتحقق للعبد باستكمالها نمام الانقياد لله ولرسوله وتمام الاستجابة لله ولرسوله ، فما أظن مسلماً ولا مسلمة إلا وقد عرف ووعى قول الحق جل ذكره { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ }.
وكأن قائلاً يقول :بما تتحقق به هذه الاستجابة التي دعانا الله إليها ؟
فالجواب: هذه الثلاثة الأمور أيها المسلم ويا أيها المسلمة بها تتحقق الإجابة الصحيحة السديدة والانقياد التام لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فيصبح المسلم يرى كل صعبة وشاقة في سبيل نيله مرضات الله وحصوله على ما يرفع عند مولاه درجاته وتضاعف له به الحسنات وتمحى به عنه السيئات هذه الثلاثة الأمور هي :
أولاً : فعل ما أمر الله به ورسوله.
وثانيها: ترك ما نهى الله عنه ورسوله.
وثالثها: تصديق خبر الله ورسوله.
ويجب أن تعلموا يا بنيا من المسلمين والمسلمات أن فعل الأوامر وترك النواهي لابد فيه من قيد الامتثال فإن المنافق ذا النفاق الأعتقادي يمكن أن يفعل أوامر ويجتنب نواهي لكن يمتاز المؤمن الصادق بأن يكون الباعث له على فعل المأمورات واجتناب المنهيات هو طلب القربى عند الله عز وجل فهو كما يخلص النية ويصدق العزيمة يتقصد أيضاً تجريد المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم.
الحقيقة الرابعة : الإيمان الذي عندنا شرعاً وأعني أهل السنة وهو القول باللسان والاعتقاد بالقلب والعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية لا يقوم إلا على ستة أركان أظن أن أبناءنا وبناتنا في المرحلة الابتدائية يحفظون ذلك ولكني أعيدها لأقرر ما ستسمعون ، فأركان الإيمان التي هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر سادسها الإيمان بالقدر خيره وشره ، وهذا الإيمان أعني الإيمان بالقدر كما علمتم أنه أحد أركان الإيمان التي لا يكون العبد مؤمن حتى يستكملها يتضمن أربعة أمور :
الأول : الكتابة كتابة المقادير فإن الله سبحانه وتعالى علم كل شيء وكتب ذلك في اللوح المحفوظ ، فالعلم هو المرتبة الأولى والكتابة .
المرتبة الثانية :فذلك مفروغ منه قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، يا أيها المسلمون والمسلمات فمما صح في ذلكم عن نبينا صلى الله عليه وسلم ( أن الله أول ما خلق القلم قال له أكتب قال وماذا أكتب ؟ قال أكتب ما هو كائن إلى قيام الساعة)(46).
والمرتبة الثالثة :مرتبة المشيئة فما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن فعلمه سبحانه وتعالى أحاط بكل شيء ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون ، وكتابته المقادير أحصى ذلك في اللوح المحفوظ ومشيئته النافذة شاملة لكل شيء فما شاء كان وما لم يشاء لم يكن .
والمرتبة الرابعة :مرتبة الخلق فإن الله خالق كل شيء من إنس وجن وملائكة ومن ذلكم أعمال العباد ، فإذا تقرر هذا يا بنيا من المسلمين والمسلمات فل أنتقل بكم إلى موضوع الحديث الصبر على أقدار الله وآثاره الحميدة إن الذي أدرك منكم تقريرنا لما قرره أئمة السنة والجماعة في القدر يدرك أن موضوع الحديث هو من أصول دين الإسلام لإن المصيبة حتماً كائنه واقعه وإنما يكون العبد عند الله سبحانه وتعالى أعني من حيث الأجر والوزر يكون بتلقيه هذه المصيبة(47) اهـ
وقال الشيخ محمد الإمام حفظه الله :إن من الشر العظيم أن يُدعى المسلم إلى الحق فيتأخر عن قبوله والقيام به متجاهلاً خطر التأخر. قال الله :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } .
فقوله سبحانه :{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } بعد أمره سبحانه بالاستجابة له ولرسوله فيها تهديد ووعيد منه سبحانه للذي لم يستجب له بأنه سبحانه سيحول بين العبد وقلبه وهذه العقوبة أخطر من عقوبة البدن. فلا يأمن المسلم أن يزيغ الله قلبه لأنه سبحانه يعلم ماذا في قلب العبد فإذا كان في قلب العبد النفرة من الحق فالله قادر على الحيلولة بين العبد وقلبه فلا يستجيب مرة ثانية بل قد يطبع الله عليه فيزداد بعداً عن الله(4 اهـ
أسأل الله العلي القدير أن ينفعني وإخواني أهل السنة بما كتبت وجمعت وأن يرزقني الإخلاص في القول والعمل وأن يجعل عملي هذا صالحاً، ولوجهه خالصا، وأن لا يجعل لأحد سواه فيه حظاً، إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
جمع وترتيب
أبو المقداد ربيع بن علي الليبي
عفا الله عنه
حرر ليلة الأحد 5من شهر الله المحرم 1432هــ
ثم أضفت عليه وزدت ليلة الإثنين 21 من شهر الله المحرم 1432هـ
(1):سورة الأنفال الآية[2].
(2):"جامع البيان "[13/467] ط/مؤسسة الرسالة .
(3):سورة الأنفال الآية [24].
(4):"جامع البيان "[13/472] ط/مؤسسة الرسالة .
(5):سورة الأنفال الآية [24].
(6):"معالم التنزيل"[3/344]ط/دار طيبة .
(7):سورة الأحقاف الآية[31].
(:سورة آل عمران الآية[169].
(9):"الجامع لأحكام القرآن"[7/389]ط/دار عالم الكتب.
(10):سورة آل عمران الآية[169].
(11):سورة النحل الآية [2].
(12):سورة غافر الآية[15].
(13):سورة الشورى الآية [52].
(14):سورة الأنعام الآية [110].
(15):سورة الصف الآية[5].
(16):سورة الأعراف الآية[101].
(17):سورة التكوير الآية [28-29].
(1:"الفوائد"صـ78-90-130.
(19):"شفاء العليل"[3/336]ط/الصميعي.
(20):سورة الصف الآية[5].
(21):"الكلام في مسألة السماع"صـ100-101.
(22):سورة الأنفال الآية[29].
(23):"تيسير الكريم الرحمن"صـ318 ط/مؤسسة الرسالة.
(24):"مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله"[1/236].
(25):سورة التوبة الآية [54-55].
(26):سورة طه الآية [123].
(27):سورة طه الآية [125].
(2سورة السجدة الآية [21].
(29):سورة الإنفطارالآية [13].
(30):سورة الإنفطارالآية[14].
(31):"مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله"[2/158]
(32):سورة الممتحنة الآية[12].
(33):سورة الحشر الآية [7].
(34):سورة أل عمران الآية[31].
(35):سورة النساء الآية[80].
(36):سورة النجم الآية[2-3].
(37):"دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب"صـ103ط/مكتبة ابن تيمية .
(3:"حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام"صـ158ط/المنهاج.
(39):سورة التغابن الآية[12].
(40):سورة الأنفال الآية[20-22].
(41):محاضرة بعنوان"مكانة الرسول - صلى الله عليه وسلم -وحقوقه".
(41):سورة الأنفال الآية[24-25].
(42):سورة الشوري الآية[36-38].
(43):"الإيضاح والتبيين لبعض صفات المؤمنين".
(44):سورة الإسراء الآية [12].
(45):سورة الإسراء الآية [13].
(46):قال الإمام أبو داود رحمه الله : حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ الْهُذَلِىُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ رَبَاحٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِى عَبْلَةَ عَنْ أَبِى حَفْصَةَ قَالَ قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لاِبْنِهِ يَا بُنَىَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ (إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ. قَالَ رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ قَالَ اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ). يَا بُنَىَّ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ (مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّى ) وأخرجه الترمذي وغيره وقال العلامة الألباني رحمه الله (صحيح) أنظر حديث رقم :[2018] في "صحيح الجامع" .
(47):محاضرة بعنوان"الصبر على أقدار الله وآثاره الحميدة على الفرد والجماعة".
(4:"تحذير البشر من أصول الشر".
(2):"جامع البيان "[13/467] ط/مؤسسة الرسالة .
(3):سورة الأنفال الآية [24].
(4):"جامع البيان "[13/472] ط/مؤسسة الرسالة .
(5):سورة الأنفال الآية [24].
(6):"معالم التنزيل"[3/344]ط/دار طيبة .
(7):سورة الأحقاف الآية[31].
(:سورة آل عمران الآية[169].
(9):"الجامع لأحكام القرآن"[7/389]ط/دار عالم الكتب.
(10):سورة آل عمران الآية[169].
(11):سورة النحل الآية [2].
(12):سورة غافر الآية[15].
(13):سورة الشورى الآية [52].
(14):سورة الأنعام الآية [110].
(15):سورة الصف الآية[5].
(16):سورة الأعراف الآية[101].
(17):سورة التكوير الآية [28-29].
(1:"الفوائد"صـ78-90-130.
(19):"شفاء العليل"[3/336]ط/الصميعي.
(20):سورة الصف الآية[5].
(21):"الكلام في مسألة السماع"صـ100-101.
(22):سورة الأنفال الآية[29].
(23):"تيسير الكريم الرحمن"صـ318 ط/مؤسسة الرسالة.
(24):"مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله"[1/236].
(25):سورة التوبة الآية [54-55].
(26):سورة طه الآية [123].
(27):سورة طه الآية [125].
(2سورة السجدة الآية [21].
(29):سورة الإنفطارالآية [13].
(30):سورة الإنفطارالآية[14].
(31):"مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله"[2/158]
(32):سورة الممتحنة الآية[12].
(33):سورة الحشر الآية [7].
(34):سورة أل عمران الآية[31].
(35):سورة النساء الآية[80].
(36):سورة النجم الآية[2-3].
(37):"دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب"صـ103ط/مكتبة ابن تيمية .
(3:"حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام"صـ158ط/المنهاج.
(39):سورة التغابن الآية[12].
(40):سورة الأنفال الآية[20-22].
(41):محاضرة بعنوان"مكانة الرسول - صلى الله عليه وسلم -وحقوقه".
(41):سورة الأنفال الآية[24-25].
(42):سورة الشوري الآية[36-38].
(43):"الإيضاح والتبيين لبعض صفات المؤمنين".
(44):سورة الإسراء الآية [12].
(45):سورة الإسراء الآية [13].
(46):قال الإمام أبو داود رحمه الله : حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ الْهُذَلِىُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ رَبَاحٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِى عَبْلَةَ عَنْ أَبِى حَفْصَةَ قَالَ قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لاِبْنِهِ يَا بُنَىَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ (إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ. قَالَ رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ قَالَ اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ). يَا بُنَىَّ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ (مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّى ) وأخرجه الترمذي وغيره وقال العلامة الألباني رحمه الله (صحيح) أنظر حديث رقم :[2018] في "صحيح الجامع" .
(47):محاضرة بعنوان"الصبر على أقدار الله وآثاره الحميدة على الفرد والجماعة".
(4:"تحذير البشر من أصول الشر".