بسمِ الله الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
أمَّا بعدُ ..
فقد قالَ العلَّامةُ اللغويُّ أبو أحمدَ الحسنُ العسكريُّ ( ت 382 ) في كتابِه ( شَرحُ ما يَـقَـعُ فيهِ التَّصحيفُ والتحريف ـ ص : 10 ) :
« باب : ما جاء في قُبح التَّصحيف وبَشاعَته ، وذمِّ المصحفيِّين ، والنَّهيِ عنِ الحملِ عنهُم »
* وأخبرَنا ابنُ عمَّارٍ قالَ :
انصرفْتُ مِن مَجلسِ عبدِ الله بنِ عُمرَ بنِ محمَّدِ بنِ أبانَ القُرشيِّ المحدِّثِ المعروفِ بمُشكدانَه ، في سنةِ ستٍّ وثلاثينَ ومِئتَينِ ، فمررْتُ بمحمَّدِ بنِ عبَّادِ بنِ مُوسَى فقالَ : مِن أينَ أقبلْتَ ؟ فقُلتُ : مِن عندِ أبي عبدِ الرَّحمنِ مُشكدانَه . فقالَ : ذَلكَ الذي يُصحِّفُ على جِبريلَ ؟! يُريدُ قِراءتَه : ( وَلَا يَغوثَ و يَعوقَ وبِـشْـرَا ) ـ مكانَ : ونَسرَا ـ وكانَت قد حُكِيت عنهُ .
* و ... حدَّثني إسماعيلُ بنُ محمَّدِ البِشريِّ : سمعتُ عُثمانَ بنَ أبي شيبةَ يقرأُ : ( جَعَل السَّفِينةَ في رِجْلِ أخيهِ ) ... قالَ : وقَرأَ : ( مِن الخَوارِجِ مُكلِّبينَ ) .
* و يَروِي أعداءُ حَمزةَ الزَّيَّات أنَّه كان يتعلَّمُ القُرآنَ مِن المصحَفِ ، فقرأَ يومًا وأبوهُ يَسمَعُ : ( الـم . ذَلِكَ الكِتابُ لَا زَيتَ فيه ) فقالَ أبوهُ : دَعِ المصحَفَ ، وتَلقَّنْ مِن أفواهِ الرِّجالِ .
* وحُكي عَن آخرَ أنَّه قرأَ مِن مصحفٍ : ( ض . والقُرآنِ ذِي الذِّكرِ ) .
* فَـلهَذا وأشباهِه قيلَ : « لَا تَأخُذوا القُرآنَ مِن مُصحَفِيٍّ ، و لا العِلمَ مِن صُحُفيٍّ » اهـ
قلتُ :
وهذهِ الأمثلةُ المذكورةُ غالبُها مما وقعَ قبلَ نَقطِ المصحَفِ وإعجامِه وشكلِه ، والتَّصحيفُ في القُرآنِ الكريمِ قليلٌ بالنِّسبةِ لما وَقعَ مِن التَّصحيفِ في غيرِه ، لأنَّ القُرآنَ الكريمَ إنَّما أُخِذَ عن طَريقِ التَّلقِّي مِن أفواهِ الرِّجالِ ، و بذلكَ حُفِظَ مِن التَّحريِف والتَّصحيفِ ، واللهُ تعالى يَقولُ : ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَـحَافِظُونَ ﴾ .
وفي ذَلكَ يَقولُ أَبو حَيَّان الأندلسيُّ :
مَـنْ يَـأخُذِ العِلْمَ عَـنْ شَـيـخٍ مُـشافَـهَـةً يَـكُـنْ مِـنَ الزَّيـغِ و التَّـحْريفِ فِي حَـرَمِ
و مَـنْ يَـكُنْ آخِـذًا لِلْعِلْمِ عَـنْ صُـحُـفٍ فَـعِـلْـمُـهُ عِـنْـدَ أَهْــلِ العِلْـمِ كَالعَــدَمِ
*******