بسم الله والصلاة على رسول الله
اما بعد ....فقد وجدت كلاما نفيسا لابن القيم_وما اكثر كلامه النفيس رحمة الله تعالى_في تفسير قوله تعالى {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }النور3 فلم احب ان استاثر به لنفسي ،ولكن احببت ان يطلع عليه اخواني في هذه الشبكة المباركة ،لتعم الفائدة .
يقول رحمة الله تعالى :(
لما كانت هذه حال الزنا كان قريبا للشرك في كتاب الله تعالى قال الله تعالى : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين [ النور : 3 ]
والصواب : القول بأن هذه الآية محكمة يعمل بها لم ينسخها شيء وهي مشتملة على خبر وتحريم ولم يأت من ادعى نسخها بحجة ألبتة والذي أشكل منها على كثير من الناس واضح بحمد الله تعالى فإنهم أشكل عليهم قوله : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة هل هو خبر أو نهي أو إباحة فإن كان خبرا فقد رأينا كثيرا من الزناة ينكح عفيفة وإن كان نهيا فيكون قد نهى الزاني أن يتزوج إلا بزانية أو مشركة فيكون نهيا له عن نكاح المؤمنات العفائف وإباحة له في نكاح المشركات والزواني والله سبحانه لم يرد ذلك قطعا فلما أشكل عليهم ذلك طلبوا للآية وجها يصح حملها عليه فقال بعضهم : المراد من النكاح الوطء والزنا فكأنه قال : الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة
وهذا فاسد فإنه لا فائدة فيه ويصان كلام الله تعالى عن حمله على مثل ذلك فإنه من المعلوم أن الزاني لا يزنى إلا بزانية فأى فائدة في الإخبار بذلك ولما رأى الجمهور فساد هذا التأويل أعرضوا عنه
ثم قالت طائفة : هذا عام اللفظ خاص المعنى والمراد به رجل واحد وامرأة واحدة وهي
عناق البغي وصاحبها فإنه أسلم واستأذن رسول الله في نكاحها فنزلت هذه الآية
وهذا أيضا فاسد فإن هذه الصورة المعينة وإن كانت سبب النزول فالقرآن لا يقتصر به على محال أسبابه ولو كان كذلك لبطل الاستدلال به على غيرها
وقالت طائفة : بل الآية منسوخة بقوله : وأنكحوا الأيامى منكم [ النور : 32 ] وهذا أفسد من الكل فإنه لا تعارض بين هاتين الآيتين ولا تناقض إحداهما الأخرى بل أمر سبحانه بإنكاح الأيامي وحرم نكاح الزانية كما حرم نكاح المعتدة والمحرمة وذوات المحارم فأين الناسخ والمنسوخ في هذا
فإن قيل : فما وجه الآية قيل : وجهها والله أعلم أن المتزوج أمر أن يتزوج المحصنة العفيفة وإنما أبيح له نكاح المرأة بهذا الشرط كما ذكر ذلك سبحانه في سورتي النساء والمائدة والحكم المعلق على الشرط ينتفي عند انتفائه والإباحة قد علقت على شرط الإحصان فإذا انتفى الإحصان انتفت الإباحة المشروطة به فالمتزوج إما أن يلتزم حكم الله وشرعه الذي شرعه على لسان رسوله أو لا يلتزمه فإن لم يلتزمه فهو مشرك لا يرضى بنكاحه إلا من هو مشرك مثله وإن التزمه وخالفه ونكح ما حرم عليه لم يصح النكاح فيكون زانيا فظهر معنى قوله : لا ينكح إلا زانية أو مشركة [ النور : 3 ] وتبين غاية البيان وكذلك حكم المرأة
وكما أن هذا الحكم هو موجب القرآن وصريحه فهو موجب الفطرة ومقتضى العقل فإن الله سبحانه حرم على عبده أن يكون قرنانا ديوثا زوج بغى فإن الله تعالى فطر الناس على استقباح ذلك واستهجانه ولهذا إذا بالغوا في سب الرجل قالوا : زوج قحبة فحرم الله على المسلم أن يكون كذلك
فظهرت حكمة التحريم وبان معنى الآية والله الموفق
ومما يوضح التحريم وأنه هو الذي يليق بهذه الشريعة الكاملة : أن هذه الجناية من المرأة تعود بفساد فراش الزوج وفساد النسب الذي جعله الله تعالى بين الناس لتمام مصالحهم
وعده من جملة نعمه عليهم فالزنا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب فمن محاسن الشريعة : تحريم نكاح الزانية حتى تتوب وتستبرأ
وأيضا فإن الزانية خبيثة كما تقدم بيانه والله سبحانه جعل النكاح سببا للمودة والرحمة والمودة وخالص الحب فكيف تكون الخبيثة مودودة للطيب زوجا له والزوج سمى زوجا من الازدواج وهو الاشتباه فالزوجان الإثنان المتشابهان والمنافرة ثابتة بين الطيب والخبيث شرعا وقدرا فلا يحصل معها الازدواج والتراحم والتواد فلقد أحسن كل الإحسان من ذهب إلى هذا المذهب ومنع الرجل أن يكون زوج قحبة
فأين هذا من قول من جوز أن يتزوجها ويطأها الليلة وقد وطئها الزاني البارحة وقال : ماء الزاني لا حرمة له فهب أن الأمر كذلك فماء الزوج له حرمة فكيف يجوز اجتماعه مع ماء الزاني في رحم واحد
والمقصود : أن الله سبحانه سمى الزواني والزناة خبيثين وخبيثات وجنس هذا الفعل قد شرعت فيه الطهارة وإن كان حلالا وسمي فاعله جنبا لبعده عن قراءة القرآن وعن الصلاة وعن المساجد فمنع من ذلك كله حتى يتطهر بالماء فكذلك إذا كان حراما يبعد القلب عن الله تعالى وعن الدار الآخرة بل يحول بينه وبين الإيمان حتى يحدث طهرا كاملا بالتوبة وطهرا لبدنه بالماء وقول اللوطية : أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون [ ] من جنس قوله سبحانه في أصحاب الأخدود : وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد [ ] وقوله تعالى : قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل [ ]
وهكذا المشرك إنما ينقم على الموحد تجريده للتوحيد وأنه لا يشوبه بالإشراك وهكذا المبتدع : إنما ينقم على السني تجريده متابعة الرسول وأنه لم يشبها بآراء الرجال ولا بشيء مما خالفها فصبر الموحد المتبع للرسول على ما ينقمه عليه أهل الشرك والبدعة خير له وأنفع وأسهل عليه من صبره على ما ينقمه الله ورسوله عليه من موافقة أهل الشرك والبدعة
إذا لم يكن بد من الصبر فاصطبر ... على الحق ذاك الصبر تحمد عقباه )انتهى كلامه رحمه الله .
المصدر :اغاثة اللهفان ص65،66،67هذا وصلى الله وسلم على رسولنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين.
يقول رحمة الله تعالى :(
لما كانت هذه حال الزنا كان قريبا للشرك في كتاب الله تعالى قال الله تعالى : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين [ النور : 3 ]
والصواب : القول بأن هذه الآية محكمة يعمل بها لم ينسخها شيء وهي مشتملة على خبر وتحريم ولم يأت من ادعى نسخها بحجة ألبتة والذي أشكل منها على كثير من الناس واضح بحمد الله تعالى فإنهم أشكل عليهم قوله : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة هل هو خبر أو نهي أو إباحة فإن كان خبرا فقد رأينا كثيرا من الزناة ينكح عفيفة وإن كان نهيا فيكون قد نهى الزاني أن يتزوج إلا بزانية أو مشركة فيكون نهيا له عن نكاح المؤمنات العفائف وإباحة له في نكاح المشركات والزواني والله سبحانه لم يرد ذلك قطعا فلما أشكل عليهم ذلك طلبوا للآية وجها يصح حملها عليه فقال بعضهم : المراد من النكاح الوطء والزنا فكأنه قال : الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة
وهذا فاسد فإنه لا فائدة فيه ويصان كلام الله تعالى عن حمله على مثل ذلك فإنه من المعلوم أن الزاني لا يزنى إلا بزانية فأى فائدة في الإخبار بذلك ولما رأى الجمهور فساد هذا التأويل أعرضوا عنه
ثم قالت طائفة : هذا عام اللفظ خاص المعنى والمراد به رجل واحد وامرأة واحدة وهي
عناق البغي وصاحبها فإنه أسلم واستأذن رسول الله في نكاحها فنزلت هذه الآية
وهذا أيضا فاسد فإن هذه الصورة المعينة وإن كانت سبب النزول فالقرآن لا يقتصر به على محال أسبابه ولو كان كذلك لبطل الاستدلال به على غيرها
وقالت طائفة : بل الآية منسوخة بقوله : وأنكحوا الأيامى منكم [ النور : 32 ] وهذا أفسد من الكل فإنه لا تعارض بين هاتين الآيتين ولا تناقض إحداهما الأخرى بل أمر سبحانه بإنكاح الأيامي وحرم نكاح الزانية كما حرم نكاح المعتدة والمحرمة وذوات المحارم فأين الناسخ والمنسوخ في هذا
فإن قيل : فما وجه الآية قيل : وجهها والله أعلم أن المتزوج أمر أن يتزوج المحصنة العفيفة وإنما أبيح له نكاح المرأة بهذا الشرط كما ذكر ذلك سبحانه في سورتي النساء والمائدة والحكم المعلق على الشرط ينتفي عند انتفائه والإباحة قد علقت على شرط الإحصان فإذا انتفى الإحصان انتفت الإباحة المشروطة به فالمتزوج إما أن يلتزم حكم الله وشرعه الذي شرعه على لسان رسوله أو لا يلتزمه فإن لم يلتزمه فهو مشرك لا يرضى بنكاحه إلا من هو مشرك مثله وإن التزمه وخالفه ونكح ما حرم عليه لم يصح النكاح فيكون زانيا فظهر معنى قوله : لا ينكح إلا زانية أو مشركة [ النور : 3 ] وتبين غاية البيان وكذلك حكم المرأة
وكما أن هذا الحكم هو موجب القرآن وصريحه فهو موجب الفطرة ومقتضى العقل فإن الله سبحانه حرم على عبده أن يكون قرنانا ديوثا زوج بغى فإن الله تعالى فطر الناس على استقباح ذلك واستهجانه ولهذا إذا بالغوا في سب الرجل قالوا : زوج قحبة فحرم الله على المسلم أن يكون كذلك
فظهرت حكمة التحريم وبان معنى الآية والله الموفق
ومما يوضح التحريم وأنه هو الذي يليق بهذه الشريعة الكاملة : أن هذه الجناية من المرأة تعود بفساد فراش الزوج وفساد النسب الذي جعله الله تعالى بين الناس لتمام مصالحهم
وعده من جملة نعمه عليهم فالزنا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب فمن محاسن الشريعة : تحريم نكاح الزانية حتى تتوب وتستبرأ
وأيضا فإن الزانية خبيثة كما تقدم بيانه والله سبحانه جعل النكاح سببا للمودة والرحمة والمودة وخالص الحب فكيف تكون الخبيثة مودودة للطيب زوجا له والزوج سمى زوجا من الازدواج وهو الاشتباه فالزوجان الإثنان المتشابهان والمنافرة ثابتة بين الطيب والخبيث شرعا وقدرا فلا يحصل معها الازدواج والتراحم والتواد فلقد أحسن كل الإحسان من ذهب إلى هذا المذهب ومنع الرجل أن يكون زوج قحبة
فأين هذا من قول من جوز أن يتزوجها ويطأها الليلة وقد وطئها الزاني البارحة وقال : ماء الزاني لا حرمة له فهب أن الأمر كذلك فماء الزوج له حرمة فكيف يجوز اجتماعه مع ماء الزاني في رحم واحد
والمقصود : أن الله سبحانه سمى الزواني والزناة خبيثين وخبيثات وجنس هذا الفعل قد شرعت فيه الطهارة وإن كان حلالا وسمي فاعله جنبا لبعده عن قراءة القرآن وعن الصلاة وعن المساجد فمنع من ذلك كله حتى يتطهر بالماء فكذلك إذا كان حراما يبعد القلب عن الله تعالى وعن الدار الآخرة بل يحول بينه وبين الإيمان حتى يحدث طهرا كاملا بالتوبة وطهرا لبدنه بالماء وقول اللوطية : أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون [ ] من جنس قوله سبحانه في أصحاب الأخدود : وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد [ ] وقوله تعالى : قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل [ ]
وهكذا المشرك إنما ينقم على الموحد تجريده للتوحيد وأنه لا يشوبه بالإشراك وهكذا المبتدع : إنما ينقم على السني تجريده متابعة الرسول وأنه لم يشبها بآراء الرجال ولا بشيء مما خالفها فصبر الموحد المتبع للرسول على ما ينقمه عليه أهل الشرك والبدعة خير له وأنفع وأسهل عليه من صبره على ما ينقمه الله ورسوله عليه من موافقة أهل الشرك والبدعة
إذا لم يكن بد من الصبر فاصطبر ... على الحق ذاك الصبر تحمد عقباه )انتهى كلامه رحمه الله .
المصدر :اغاثة اللهفان ص65،66،67هذا وصلى الله وسلم على رسولنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين.