إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

:: جمع لبعض تفاسير أهل العلم " آية آية من حزب المفصل من القرآن الكريم " ::

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • :: جمع لبعض تفاسير أهل العلم " آية آية من حزب المفصل من القرآن الكريم " ::


    أبدأ بسم الله مستعينة بنقل لبعض تفاسيرأهل العلم لآية تلو آية بإذن الله تعالى من تفسيرحزب المفصل من كلام الله عز وجل , راجية المولى عز وجل أن يتم علينا نعمه برحمته ومنه وفضله إنه جواد كريم.


    بسم الله الرحمن الرحيم


    قال الله تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )

    قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله فى مقدمة تفسير هذه السورة :

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد.

    فإننا نبدأ بتفسير سور المفصل التي تبتدىء من سورة ( ق) عند بعض العلماء، أو من سورة الحجرات عند آخرين.

    وسنتكلم على سورة الحجرات لما فيها من الآداب العظيمة النافعة التي ابتدأها الله بقوله تبارك وتعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم ) ا . هـ



    قال الإمام أبو عبد الله محمد بن احمد الأنصارى القرطبى رحمه الله :

    فيه ثلاث مسائل:

    الأولى: قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } قال العلماء : كان في العربي جفاء وسوء أدب في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم وتلقيب الناس.

    فالسورة في الأمر بمكارم الأخلاق ورعاية الآداب. وقرأ الضحاك ويعقوب الحضرمي {لا تَقَدَّموا} بفتح التاء والدال من التقدم. الباقون {تُقدِموا}بضم التاء وكسر الدال من التقديم. ومعناهما ظاهر، أي لا تقدموا قولا ولا فعلا بين يدي الله وقول رسوله وفعله فيما سبيله أن تأخذوه عنه من أمر الدين والدنيا, ومن قدم قوله أو فعله على الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قدمه على الله تعالى، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يأمر عن أمر الله عز وجل.

    الثانية: واختلف في سبب نزولها على أقوال ستة :

    الأول : ما ذكره الواحدي من حديث ابن جريج قال : حدثني ابن أبي مليكة أن عبدالله بن الزبير أخبره أنه قدم ركب من بني تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر : أمر القعقاع بن معبد. وقال عمر : أمر الأقرع بن حابس. فقال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي. وقال عمر : ما أردت خلافك. فتماديا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزل في ذلك{ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله - إلى قوله - ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم } . رواه البخاري عن الحسن بن محمد بن الصباح، ذكره المهدوي أيضا.

    الثاني : ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يستخلف على المدينة رجلا إذا مضى إلى خيبر، فأشار عليه عمر برجل آخر، فنزل{ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } . ذكره المهدوي أيضا.

    الثالث : ما ذكره الماوردي عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم أنفذ أربعة وعشرين رجلا من أصحابه إلى بني عامر فقتلوهم، إلا ثلاثة تأخروا عنهم فسلموا وانكفؤوا إلى المدينة، فلقوا رجلين من بني سليم فسألوهما عن نسبهما فقالا : من بني عامر، لأنهم أعز من بني سليم فقتلوهما، فجاء نفر من بني سليم إلى رسول الله صلى فقالوا : ان بيننا وبينك عهدا، وقد قتل منا رجلان، فوداهما النبي صلى الله عليه وسلم بمائة بعير، ونزلت عليه هذه الآية في قتلهم الرجلين.

    وقال قتادة : إن ناسا كانوا يقولون لو أنزل فيّ كذا، لو أنزل فيّ كذا؟ فنزلت هذه الآية.

    ابن عباس : نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه.

    مجاهد : لا تفتاتوا على الله ورسوله حتى يقضي الله على لسان رسوله، ذكره البخاري أيضا.

    الحسن : نزلت في قوم ذبحوا قبل أن يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهم أن يعيدوا الذبح.

    ابن جريج : لا تقدموا أعمال الطاعات قبل وقتها الذي أمر الله تعالى به ورسوله صلى الله عليه وسلم.

    قلت : هذه الأقوال الخمسة المتأخرة ذكرها القاضي أبو بكر بن العربي، وسردها قبله الماوردي.

    قال القاضي : وهي كلها صحيحة تدخل تحت العموم، فالله أعلم ما كان السبب المثير للآية منها، ولعلها نزلت دون سبب، والله أعلم.

    قال القاضي : إذا قلنا إنها نزلت في تقديم الطاعات على أوقاتها فهو صحيح، لأن كل عبادة مؤقتة بميقات لا يجوز تقديمها عليه كالصلاة والصوم والحج، وذلك بين, إلا أن العلماء اختلفوا في الزكاة، لما كانت عبادة مالية وكانت مطلوبة لمعنى مفهوم، وهو سد خلة الفقير، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استعجل من العباس صدقة عامين، ولما جاء من جمع صدقة الفطر قبل يوم الفطر حتى تعطى لمستحقيها يوم الوجوب وهو يوم الفطر، فاقتضى ذلك كله جواز تقديمها العام والاثنين, فإن جاء رأس العام والنصاب بحاله وقعت موقعها, وإن جاء رأس العام وقد تغير النصاب تبين أنها صدقة تطوع.

    وقال أشهب : لا يجوز تقديمها على الحول لحظة كالصلاة، وكأنه طرد الأصل في العبادات فرأى أنها إحدى دعائم الإسلام فوفاها حقها في النظام وحسن الترتيب.

    ورأى سائر علمائنا أن التقديم اليسير فيها جائز، لأنه معفو عنه في الشرع بخلاف الكثير.

    وما قاله أشهب أصح، فإن مفارقة اليسير الكثير في أصول الشريعة صحيح، ولكنه لمعان تختص باليسير دون الكثير, فأما في مسألتنا فاليوم فيه كالشهر، والشهر كالسنة.

    فإما تقديم كلي كما قال أبو حنيفة والشافعي، وإما حفظ العبادة على ميقاتها كما قال أشهب.

    الثالثة: قوله تعالى {لا تقدموا بين يدي الله} أصل في ترك التعرض لأقوال النبي صلى الله عليه وسلم، وإيجاب اتباعه والاقتداء به، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه : (مروا أبا بكر فليصل بالناس), فقالت عائشة لحفصة رضي الله عنهما : قولي له إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقم مقامك لا يُسْمع الناس من البكاء، فَمُرْ عمر فليصل بالناس, فقال صلى الله عليه وسلم : (إنكن لأنتن صواحب يوسف, مروا أبا بكر فليصل بالناس). فمعنى قول (صواحب يوسف) الفتنة بالرد عن الجائز إلى غير الجائز. وربما احتج بُغَاةُ القياس بهذه الآية. وهو باطل منهم، فإن ما قامت دلالته فليس في فعله تقديم بين يديه. وقد قامت دلالة الكتاب والسنة على وجوب القول بالقياس في فروع الشرع، فليس إذاً تقدمٌ بين يديه.

    { واتقوا الله } يعني في التقدم المنهي عنه.

    { إن الله سميع } لقولكم { عليم } بفعلكم.

    قال الإمام الجليل الحافظ عماد الدين أبى الفداء إسماعيل بن كثير رحمه الله :

    هذه آيات أدّب اللّه تعالى بها عباده المؤمنين، فيما يعاملون به الرسول صلى اللّه عليه وسلم من التوقير والاحترام، والتبجيل والإعظام، فقال تبارك وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدّموا بين يدي اللّه ورسوله} أي لا تسرعوا في الأشياء بين يديه أي قبله، بل كونوا تبعاً له في جميع الأمور.

    قال ابن عباس: نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه ""وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن المراد من الآية الكريمة {لا تقدموا بين يدي اللّه ورسوله} لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة .

    والقول الآخر هو رواية العوفي عنه وهو الأقوى والأرجح""،

    وقال مجاهد: لا تفتاتوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بشيء حتى يقضي اللّه تعالى على لسانه، وقال الضحّاك: لا تقضوا أمراً دون اللّه ورسوله من شرائع دينكم، وقال الحسن البصري: لا تدعوا قبل الإمام، وقال قتادة: ذكر لنا أن ناساً كانوا يقولون: لو أنزل في كذا وكذا، لو صح كذا، فكره اللّه تعالى ذلك، {واتقوا اللّه} فيما أمركم به {إن اللّه سميع} أي لأقوالكم {عليم} بنياتكم.

    قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدى رحمه الله :

    هذا متضمن للأدب، مع الله تعالى، ومع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتعظيم له ، واحترامه، وإكرامه، فأمر ‏[‏الله‏]‏ عباده المؤمنين، بما يقتضيه الإيمان، بالله وبرسوله، من امتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه، وأن يكونوا ماشين، خلف أوامر الله، متبعين لسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في جميع أمورهم، و ‏[‏أن‏]‏ لا يتقدموا بين يدي الله ورسوله، ولا يقولوا، حتى يقول، ولا يأمروا، حتى يأمر، فإن هذا، حقيقة الأدب الواجب، مع الله ورسوله، وهو عنوان سعادة العبد وفلاحه، وبفواته، تفوته السعادة الأبدية، والنعيم السرمدي، وفي هذا، النهي ‏[‏الشديد‏]‏ عن تقديم قول غير الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على قوله، فإنه متى استبانت سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجب اتباعها، وتقديمها على غيرها، كائنا ما كان ثم أمر الله بتقواه عمومًا، وهي كما قال طلق بن حبيب‏:‏ أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخشى عقاب الله‏.‏

    وقوله ( إن الله سميع ) أى : لجميع الأصوات فى حميع الأوقات , فى خفى المواضع والجهات .

    وقوله‏:‏ ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏ بالظواهر والبواطن، والسوابق واللواحق، والواجبات والمستحيلات والممكنات وفي ذكر الاسمين الكريمين ـ بعد النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله، والأمر بتقواه ـ حث على امتثال تلك الأوامر الحسنة، والآداب المستحسنة، وترهيب عن عدم الامتثال‏.‏

    قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

    إعلم أن الله تعالى إذا ابتدأ الخطاب بقوله: { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم } فإنه كما قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : إما خير تُؤمر به، وإما شر تنهى عنه، فأرعه سمعك، واستمع إليه لما فيه من الخير، وإذا صدَّر الله الخطاب بـ{يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم } دل ذلك على أن التزام ما خوطب به من مقتضيات الإيمان، وأن مخالفته نقص في الإيمان.

    يقول الله عز وجل: {لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم } قيل: معنى {لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم } أي: لا تتقدموا بين يدي الله ورسوله، والمراد: لا تسبقوا الله ورسوله بقولٍ أو بفعل.

    وقيل: المعنى لا تقدموا شيئاً بين يدي الله ورسوله. وكلاهما يصبان في مصب واحد، والمعنى: لا تسبقوا الله ورسوله بقولٍ ولا فعلٍ، وقد وقع لذلك أمثلة، فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : « لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين » لأن الذي يتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين كأنه تقدم بين يدي الله ورسوله، فبدأ بالصوم قبل أن يحين وقته، ولهذا قال عمار بن ياسر رضي الله عنهما : « من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم » .


    ومن التقدُّم بين يدي الله ورسوله البدع بجميع أنواعها، فإنها تقدم بين يدي الله ورسوله؛ بل هي أشد التقدم؛ لأن النبي
    صلى الله عليه وسلم قال : « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، وإياكم ومحدثات الأمور ». وأخبر بأن « كل بدعة ضلالة » .

    وصدق - عليه الصلاة والسلام - فإن حقيقة حال المبتدع أنه يستدرك على الله ورسوله ما فات، مما يدعي أنه شرع، كأنه يقول: إن الشريعة لم تكمل، وأنه كملها بما أتى به من البدعة، وهذا معارض تماماً لقوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم }.

    فيقال لهذا الرجل الذي ابتدع: أهذا الذي فعلته كمال في الدين؟ إن قال: نعم، فإن قوله هذا يتضمن أو يستلزم تكذيب قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم

    وإن قال: ليس كمالاً في الدين، قلنا: إذن هو نقص؛ لأن الله يقول: { فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون } فالبدعة كما أنها ضلالة في نفسها فهي في الحقيقة تتضمن الطعن في دين الله، وأنه ناقص، وأن هذا المبتدع كمله بما ادعى أنه من شريعة الله - عز وجل - فالمبتدعون كلهم تقدموا بين يدي الله ورسوله، ولم يبالوا بهذا النهي حتى وإن حسن قصدهم؛ فإن فعلهم ضلالة، وقد يُثاب على حسن قصده، ولكنه يؤزر على سوء فعله، ولهذا يجب على كل مبتدع علم أنه على بدعة أن يتوب منها، ويرجع إلى الله - عز وجل - ويلتزم سنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده .

    والبدعة أنواع كثيرة: بدع في العقيدة، وبدع في الأقوال، وبدع في الأفعال.

    أما البدع في العقيدة ، فإنها تدور على شيئين:

    إما تمثيل، وإما تعطيل.

    فالتمثيل أن يثبت لله تعالى الصفات، لكن على وجه المماثلة، فإن هذا بدعة؛ لأنه لم يكن من طريق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وخلفائه الراشدين، فيكون بدعة، فمثلاً يثبت أن لله وجهاً ويجعله مماثلاً لأوجه المخلوقين، أو أن لله يداً ويجعلها مماثلة لأيدي المخلوقين، وهلم جرا، فهؤلاء مبتدعة بلا شك، وبدعتهم تكذيب لقوله تعالى: { ليس كمثله شيء } ولقوله: { ولم يكن له كفواً أحد }. ولقوله تعالى: { هل تعلم له سمياً } .

    أما التعطيل فهو أن ينكر ما وصف الله تعالى به نفسه، فإن كان إنكار جحد وتكذيب، فهو كفر، وإن كان إنكار تأويل فهو تحريف وليس بكفر إذا كان اللفظ يحتمله، فإن كان لا يحتمله فلا فرق بينه وبين إنكار التكذيب، فمثلاً إذا قال إنسان: إن الله سبحانه وتعالى قال: { بل يداه مبسوطتان } والمراد باليدين النعمة نعمة الدين ونعمة الدنيا، أو نعمة الدنيا ونعمة الآخرة، فهذا تحريف؛ لأن النعمة ليست واحدة، ولا ألف ولا ملايين، { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } فليست النعمة اثنتين لا بالجنس ولا بالنوع، فيكون هذا تحريفاً وبدعة، لأنه على خلاف ما تلقاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه، والأئمة الهداة من بعدهم.


    أما البدعة في الأقوال : فمثل أولئك الذين يبتدعون تسبيحات أو تهليلات أو تكبيرات، لم ترد بها السنة، أو يبتدعون أدعية لم ترد بها السنة، وليست من الأدعية المباحة.


    وأما بدع الأفعال : فمثل الذين يصفقون عند الذكر، أو يهزون رؤوسهم عند التلاوة تعبداً، أو ما أشبه ذلك من أنواع البدع، وكذلك الذين يتمسحون بالكعبة في غير الحجر الأسود والركن اليماني، وكذلك الذين يتمسَّحون بحجرة النبي صلى الله عليه وسلم، حجرة قبره الشريف، وكذلك الذين يتمسَّحون بالمنبر الذي يقال إنه منبر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي، وكذلك الذين يتمسحون بجدران مقبرة البقيع أو بغير ذلك.


    والبدع كثيرة: العقدية والقولية والفعلية، وكلها من التقدم بين يدي الله ورسوله، وكلها معصية لله ورسوله، فإن الله يقول: { لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم } والنبي - عليه الصلاة والسلام - يقول: «إياكم ومحدثات الأمور» .

    ومن البدع ما يُصنع في رجب، كصلاة الرغائب التي تُصلَّى ليلة أول جمعة من شهر رجب، وهي صلاة ألف ركعة يتعبدون لله بذلك، وهذا بدعة لا تزيدهم من الله إلا بعداً؛ لأن كل من تقرَّب إلى الله بما لم يشرعه فإنه مبتدع ظالم، لا يقبل الله منه تعبده، لما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» . ومن التقدم بين يدي الله تعالى ورسوله أن يقول الإنسان قولاً يُحكم به بين عباد الله أو في عباد الله، وليس من شريعة الله، مثل أن يقول: هذا حرام، أو هذا حلال، أو هذا واجب، أو هذا مستحب بدون دليل، فإن هذا من التقدم بين يدي الله ورسوله، وعلى من قال قولاً وتبين له أنه أخطأ فيه أن يرجع إلى الحق حتى لو شاع القول بين الناس وانتشر وعَمِلَ به مَن عمل من الناس، فالواجب عليه أن يرجع وأن يُعلن رجوعه أيضاً، كما أعلن مخالفته التي قد يكون معذوراً فيها إذا كانت صادرة عن اجتهاد ، فالواجب الرجوع إلى الحق، فإن تمادى الإنسان في مخالفة الحق فقد تقدم بين يدي الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    { واتقوا الله } هذا تعميم بعد تخصيص؛ لأن التقدم بين يدي الله ورسوله مخالف للتقوى، لكن نص عليه وقدمه لأهميته، ومعنى { واتقوا الله } أي اتخذوا وقاية من عذاب الله - عز وجل - وهذا لا يتحقق إلا إذا قام الإنسان بفعل الأوامر وترك النواهي، بفعل الأوامر تقرُّباً إلى الله تعالى، ومحبة لثوابه، وترك النواهي خوفاً من عذاب الله - عز وجل - ، ومن الناس من إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم، وتصاعد في نفسه وعز في نفسه، وأوغل في الإثم، وانتفخت أوداجه، وقال: أمثلي يُقال له: اتق الله! وما علم المسكين أن الله خاطب من هو أشرف منه ومن هو أتقى عباد الله لله، فأمره بالتقوى، قال الله تبارك وتعالى: { يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليماً حكيماً }.

    وقال الله تعالى: {واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه }. ومن الذي لا يستحق أن يُؤمر بتقوى الله؟ فكل واحد منَّا يستحق أن يؤمر بتقوى الله - عز وجل - والواجب أنه إذا قيل له: اتق الله , أن يزداد خوفاً من الله ، وأن يراجع نفسه ، وأن ينظر ماذا أمر به ، إنه لم يؤمر أن يتقي فلاناً وفلاناً، إنما أمر أن يتقي الله عز وجل، وإذا فسرنا التقوى بأنها اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره، تقرباً إليه ومحبة لثوابه، وترك نواهيه خوفاً من عقابه، فإن أي إنسان يترك واجباً فإنه لم يتق الله، وقد نقص من تقواه بقدر ما حصل منه من المخالفة، فالتقوى مخالفتها تختلف،فقد تكون مخالفتها كفراًًً وقد تكون دون ذلك، فترك الصلاة مثلاً ترتفع به التقوى نهائياً؛ لأن تارك الصلاة كافر، كما دلَّ على ذلك كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، حتى إن بعض العلماء حكى إجماع الصحابة على أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة، ومنهم التابعي المشهور عبدالله بن شقيق - رحمه الله - حيث قال: ( كان أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ) .

    وكذلك نقل إجماعهم إسحاق بن راهويه، ولم يصح عن أي صحابي أنه قال عن تارك الصلاة: إن تارك الصلاة في الجنة، أو إنه مؤمن، أو ما أشبه ذلك، والزاني لم يتق الله؛ لأنه زنا فخالف أمر الله وعصاه، والسارق لم يتق الله، وشارب الخمر لم يتق الله، والعاق لوالديه لم يتق الله، والقاطع لرحمه لم يتق الله، والأمثلة على هذا كثيرة، فقوله تعالى: { واتقوا الله } كلمة عامة شاملة تشمل كل الشريعة { إن الله سميع عليم } هذه الجملة تحذير لنا أن نقع فيما نهانا عنه من التقدُّم بين يدي الله ورسوله، أو أن نخالف ما أمر به من تقواه { سميع } أي سميع لما تقولون { عليم } أي عليم بما تقولون وما تفعلون؛ لأن العلم أشمل وأعم، إذ إن السمع يتعلق بالمسموعات، والعلم يتعلق بالمعلومات، والله تعالى محيط بكل شيء علماً، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، يقول العلماء - رحمهم الله -: إن السمع الذي اتصف به ربنا - عز وجل - ينقسم إلى قسمين: سمع إدراك وسمع إجابة، فسمع الإدراك معناه أن الله يسمع كل صوت خفي أو ظهر، حتى إنه - عز وجل - يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: { قد سمع الله قول التى تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركمآ إن الله سميع بصير }. قالت عائشة - رضي الله عنها -: ( الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد كنت في الحجرة - أي حجرة النبي صلى الله عليه وسلم - والمرأة تجادله وهو يحاورها وإنه ليخفى عليَّ بعض حديثها ) .

    والله - عز وجل - أخبر بأنه سمع كل ما جرى بين هذه المرأة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا سمع إدراك .

    ثم إن سمع الإدراك قد يُراد به :

    بيان الإحاطة والشمول، وقد يراد به التهديد، وقد يُراد به التأييد.

    فهذه ثلاثة أنواع.

    الأول: يراد به بيان الإحاطة والشمول مثل هذه الآية.

    الثاني: يُراد به التهديد مثل قوله تعالى: {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأَنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق }. وانظر كيف قال: { سنكتب ما قالوا} حين وصفوا الله تعالى بالنقص ، قبل أن يقول : { وقتلهم الأَنبياء} مما يدلّ على أن وصف الله بالنقص أعظم من قتل الأنبياء.

    الثالث: سمع يُراد به التأييد، ومنه قوله - تبارك وتعالى - لموسى وهارون : { لا تخافآ إننى معكمآ أسمع وأرى }، فالمراد بالسمع هنا التأييد يعني: أسمعك وأؤيدك ، يعني أسمع ما تقولان وما يُقال لكما.

    أما سمع الإجابة فمعناه : أن الله يستجيب لمن دعاه، ومنه قول إبراهيم : {إن ربي لسميع الدعاء }. أي مجيب الدعاء، ومنه قول المصلي: ( سمع الله لمن حمده ) يعني استجاب لمن حمده فأثابه، ولا أدري أنحن ندرك معنى ما نقوله في صلاتنا أو أننا نقوله تعبداً ولا ندري ما المعنى؟! عندما نقول: الله أكبر، تكبيرة الإحرام يعني أن الله أكبر من كل شيء - عز وجل - ولا نحيط بذلك ؛ لأنه أعظم من أن تحيط به عقولنا.

    وعندما نقول: سمع الله لمن حمده. يعني استجاب الله لمن حمده ، وليس المعنى أنه يسمعه فقط ، لأن الله يسمع من حمده ومن لا يحمده إذا تكلم ، لكن المراد أنه يستجيب لمن حمده بالثواب ، فهذا السمع يقتضي الاستجابة لمن دعاه .

    أما قوله تعالى: { عليم } فالمراد أنه ذو علم واسع، قال الله تعالى: { لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما }. فعندما تؤمن بأن الله سميع ، وأن الله عليم ، هل يمكن وأنت في عقلك الراشد أن تقول ما لا يرضيه ؟ لا ، لأنه يسمع ، فلا ينبغي لك أن تُسمِع الله ما لا يرضاه منك ، أسمِعْهُ ما يحبه ويرضاه إذا كنت مؤمناً حقًّا بأن الله سميع، وأعتقد لو أن أباك نهاك عن قول من الأقوال فهل تتجرأ أن تسمعه ما لا يرضاه أو أن تسمعه ما نهاك عنه؟

    فالله أعظم وأجلّ، فاحذر أن تسمع الله ما لا يرضاه منك، وإذا آمنت بأنه بكل شيء عليم وهذا أعم من السمع؛ لأنه يشمل القول والفعل وحديث النفس حتى ما توسوس به نفسك يعلمه - عز وجل - إذا علمت ذلك هل يمكن أن تفعل شيئاً لا يُرضيه؟

    لا، لأنه ليس المقصود من إخبار الله لنا بأنه عليم بكل شيء، أن نعلم هذا وأن نعتقده فقط. بل المقصود هذا، والمقصود شيء آخر، وهو الثمرة والنتيجة التي تترتب على أنه بكل شيء عليم، فإذا علمنا بأنه بكل شيء عليم فهل نقول بما لا يرضى؟

    لا، لأنه سوف يعلمه، وإذا علمنا بأنه على كل شيء عليم هل نعتقد ما لا يرضى؟

    لا، لأننا نعلم أنه يعلم ما في قلوبنا، قال الله تعالى: { واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه }. وقال تعالى: { واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه}، يحول بينك وبين قلبك ، فيجب علينا إذا مر بنا اسم من أسماء الله تعالى ، أو صفة من صفات الله أن نؤمن بهذا الاسم ، وهذه الصفة، وأن نقوم بما هو الثمرة من الإيمان بهذا الاسم ، أو الصفة .

    وما تضمنته الآية الكريمة من أدب عظيم وجه الله تعالى عباده إليه.

    وهذا هو الأدب الأول .

    إنتهى تفسير أول آية من سورة الحجرات

  • #2
    الآية رقم ( 2 ) من سورة الحجرات

    قال الله تعالى : (
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ).

    قال الإمام أبو عبد الله محمد بن احمد الأنصارى القرطبى رحمه الله :

    فيه ست مسائل :
    الأولى: قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } روى البخاري والترمذي عن ابن أبي مليكة قال : حدثني عبدالله بن الزبير أن الأقرع بن حابس قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر : يا رسول الله استعمله على قومه، فقال عمر : لا تستعمله يا رسول الله، فتكلما عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى ارتفعت أصواتهما، فقال أبو بكر لعمر : ما أردت إلا خلافي. فقال عمر : ما أردت خلافك، قال : فنزلت هذه الآية{ يا أيها لذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي }
    قال : فكان عمر بعد ذلك إذا تكلم عند النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمع كلامه حتى يستفهمه. قال : وما ذكر ابن الزبير جده يعني أبا بكر. قال : هذا حديث غريب حسن. وقد رواه بعضهم عن ابن أبي مليكة مرسلا، لم يذكر فيه عن عبدالله بن الزبير.
    قلت : هو البخاري، قال : عن ابن أبي مليكة كاد الخيِّران أن يهلكا أبو بكر وعمر، رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل آخر، فقال نافع : لا أحفظ اسمه، فقال أبو بكر لعمر : ما أردت إلا خلافي. فقال : ما أردت خلافك. فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } الآية.
    فقال ابن الزبير : فما كان عمر يُسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه. ولم يذكر ذلك عن أبيه، يعني أبا بكر الصديق.
    وذكر المهدوي عن علي رضي الله عنه : نزل قوله {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} فينا لما ارتفعت أصواتنا أنا وجعفر وزيد بن حارثة، نتنازع ابنة حمزة لما جاء بها زيد من مكة، فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لجعفر، لأن خالتها عنده. وقد تقدم هذا الحديث في [آل عمران].
    وفي الصحيحين عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس فقال رجل : يا رسول الله، أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده جالسا في بيته منكسا رأسه، فقال له : ما شأنك؟ فقال : شر ! كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم فقد حبط عمله وهو من أهل النار. فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قال كذا وكذا. فقال موسى : فرجع إليه المرة الآخرة ببشارة عظيمة، فقال : (اذهب إليه فقل له إنك لست من أهل النار ولكنك من أهل الجنة) لفظ البخاري.
    وثابت هذا هو ثابت بن قيس بن شماس الخزرجي يكنى أبا محمد بابنه محمد. وقيل : أبا عبدالرحمن. قتل له يوم الحرة ثلاثة من الولد : محمد، ويحيى، وعبدالله. وكان خطيبا بليغا معروفا بذلك، كان يقال له خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يقال لحسان شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما قدم وفد تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبوا المفاخرة قام خطيبهم فافتخر، ثم قام ثابت بن قيس فخطب خطبة بليغة جزلة فغلبهم، وقام شاعرهم وهوالأقرع بن حابس فأنشد :
    أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا ** إذا خلفونا عند ذكر المكارم
    وإنا رؤوس الناس من كل معشر ** وأن ليس في أرض الحجاز كدارم
    وإن لنا المرباع في كل غارة ** تكون بنجد أو بأرض التهائم
    فقام حسان فقال :
    بني دارم لا تفخروا إن فخركم ** يعود وبالا عند ذكر المكارم
    هبلتم علينا تفخرون وأنتم ** لنا خول من بين ظئر وخادم
    في أبيات لهما.
    فقالوا : خطيبهم أخطب من خطيبنا، وشاعرهم أشعر من شاعرنا، فارتفعت أصواتهم فأنزل الله تعالى {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول}.
    وقال عطاء الخراساني : حدثتني ابنة ثابت بن قيس قالت : لما نزلت {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } الآية، دخل أبوها بيته وأغلق عليه بابه، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه يسأله ما خبره، فقال : أنا رجل شديد الصوت، أخاف أن يكون حبط عملي. فقال عليه السلام : (لست منهم بل تعيش بخير وتموت بخير). قال : ثم أنزل الله {إن الله لا يحب كل مختال فخور} [ لقمان : 18] فأغلق بابه وطفق يبكي، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فأخبره، فقال : يا رسول الله، إني أحب الجمال وأحب أن أسود قومي. فقال : (لست منهم بل تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة). قالت : فلما كان يوم اليمامة خرج مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة فلما التقوا انكشفوا، فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيقة : ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حفر كل واحد منهما له حفرة فثبتا وقاتلا حتى قتلا، وعلى ثابت يومئذ درع له نفيسة، فمر به رجل من المسلمين فأخذها، فبينا رجل من المسلمين نائم أتاه ثابت في منامه فقال له : أوصيك بوصية، فإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه، إني لما قتلت أمس مر بي رجل من المسلمين فأخذ درعي ومنزله في أقصى الناس، وعند خبائه فرس يستن في طوله، وقد كفأ على الدرع برمة، وفوق البرمة رحل، فأت خالدا فمره أن يبعث إلى درعي فيأخذها، وإذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني أبا بكر - فقل له : إن علي من الدين كذا وكذا، وفلان من رقيقي عتيق وفلان، فأتى الرجل خالدا فأخبره، فبعث إلى الدرع فأتى بها وحدث أبا بكر برؤياه فأجاز وصيته. قال : ولا نعلم أحدا أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت، رحمه الله، ذكره أبو عمر في الاستيعاب.
    الثانية: قوله تعالى {ولا تجهروا له بالقول} أي لا تخاطبوه : يا محمد، ويا أحمد. ولكن : يا نبي الله، ويا رسول الله، توقيرا له.
    وقيل : كان المنافقون يرفعون أصواتهم عند النبي صلى الله عليه وسلم، ليقتدي بهم ضعفة المسلمين فنهي المسلمون عن ذلك.
    وقيل{لا تجهروا له} أي لا تجهروا عليه، كما يقال : سقط لفيه، أي على فيه .
    { كجهر بعضكم لبعض } الكاف كاف التشبيه في محل النصب، أي لا تجهروا له جهرا مثل جهر بعضكم لبعض. وفي هذا دليل على أنهم لم ينهوا عن الجهر مطلقا حتى لا يسوغ لهم إلا أن يكلموه بالهمس والمخافتة، وإنما نهوا عن جهر مخصوص مقيد بصفة، أعني الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه منهم فيما بينهم، وهو الخلو من مراعاة أبهة النبوة وجلالة مقدارها وانحطاط سائر الرتب وإن جلت عن رتبتها.
    { أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون } أي من أجل أن تحبط، أي تبطل، هذا قول البصريين. وقال الكوفيون : أي لئلا تحبط أعمالكم.
    الثالثة: معنى الآية الأمر بتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيره، وخفض الصوت بحضرته وعند مخاطبته، أي إذا نطق ونطقتم فعليكم ألا تبلغوا بأصواتكم وراء الحد الذي يبلغه بصوته، وأن تغضوا منها بحيث يكون كلامه غالبا لكلامكم، وجهره باهرا لجهركم، حتى تكون مزيته عليكم لائحة، وسابقته واضحة، وامتيازه عن جمهوركم كشية الأبلق. لا أن تغمروا صوته بلغطكم، وتبهروا منطقه بصخبكم.
    وفي قراءة ابن مسعود {لا ترفعوا بأصواتكم}. وقد كره بعض العلماء رفع الصوت عند قبره عليه السلام. وكره بعض العلماء رفع الصوت في مجالس العلماء تشريفا لهم، إذ هم ورثة الأنبياء.
    الرابعة: قال القاضي أبو بكر بن العربي : حرمة النبي صلى الله عليه وسلم ميتا كحرمته حيا، وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثال كلامه المسموع من لفظه، فإذا قرئ كلامه، وجب على كل حاضر ألا يرفع صوته عليه، ولا يعرض عنه، كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفظه به. وقد نبه الله سبحانه على دوام الحرمة المذكورة على مرور الأزمنة بقوله تعالى {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} [الأعراف : 204]. وكلامه صلى الله عليه وسلم من الوحي، وله من الحكمة مثل ما للقرآن، إلا معاني مستثناة، بيانها في كتب الفقه.
    الخامسة: ليس الغرض برفع الصوت ولا الجهر ما يقصد به الاستخفاف والاستهانة، لأن ذلك كفر والمخاطبون مؤمنون. وإنما الغرض صوت هو في نفسه والمسموع من جَرْسِه غير مناسب لما يهاب به العظماء ويوقر الكبراء، فيتكلف الغض منه ورده إلى حد يميل به إلى ما يستبين فيه المأمور به من التعزير والتوقير.
    ولم يتناول النهي أيضا رفع الصوت الذي يتأذى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما كان منهم في حرب أو مجادلة معاند أو إرهاب عدو أو ما أشبه ذلك، ففي الحديث أنه قال عليه السلام للعباس بن عبدالمطلب لما انهزم الناس يوم حنين : (اصرخ بالناس)، وكان العباس أجهر الناس صوتا. يروى أن غارة أتتهم يوما فصاح العباس : يا صاحباه ! فأسقطت الحوامل لشدة صوته، وفيه يقول نابغة بني جعدة :
    زجر أبي عروة السباع إذا ** أشفق أن يختلطن بالغنم
    زعمت الرواة أنه كان يزجر السباع عن الغنم فيفتق مرارة السبع في جوفه.
    السادسة: قال الزجاج {أن تحبط أعمالكم} التقدير لأن تحبط، أي فتحبط أعمالكم، فاللام المقدرة لام الصيرورة وليس قوله {أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} بموجب أن يكفر الإنسان وهو لا يعلم، فكما لا يكون الكافر مؤمنا إلا باختياره الإيمان على الكفر، كذلك لا يكون المؤمن كافرا من حيث لا يقصد إلى الكفر ولا يختاره بإجماع. كذلك لا يكون الكافر كافرا من حيث لا يعلم.

    قال الإمام الجليل الحافظ عماد الدين أبى الفداء إسماعيل بن كثير رحمه الله :

    وقوله تعالى: {
    يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} هذا أدب ثان أدّب اللّه تعالى به المؤمنين، أن لا يرفعوا أصواتهم بين يدي النبي صلى اللّه عليه وسلم فوق صوته، وقد روي أنها نزلت في الشيخين أبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما.
    روى البخاري عن ابن أبي مليكة قال: كاد الخّيران أن يهلكا أبو بكر وعمر رضي اللّه عنهما، رفعا أصواتهما عند النبي صلى اللّه عليه وسلم، حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس رضي اللّه عنه أخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل آخر، قال نافع: لا أحفظ اسمه، فقال أبو بكر لعمر رضي اللّه عنهما: ما أردت إلا خلافي، قال: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل اللّه تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} قال ابن الزبير: (فما كان عمر رضي اللّه عنه يسمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه) ""أخرجه البخاري في صحيحه"".
    وفي رواية أخرى له قال: قدم ركب من بني تميم على النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال أبو بكر رضي اللّه عنه: أمّر القعقاع بن معبد ، وقال عمر رضي اللّه عنه: بل أمّر الأقرع بن حابس ، فقال أبو بكر رضي اللّه عنه: ما أردت إلا خلافي، فقال عمر رضي اللّه عنه: ما أردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما: فنزلت في ذلك: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي اللّه ورسوله} حتى انقضت الآية {ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم} الآية، أخرجه البخاري.
    وروى الحافظ البزار، عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه قال: (لما نزلت هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} قلت: يا رسول اللّه واللّه لا أكلمك إلا كأخي السرار).
    وروى البخاري، عن أنَس بن مالك رضي اللّه عنه: أن النبي صلى اللّه عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس رضي اللّه عنه، فقال رجل: يا رسول اللّه أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده في بيته منكساً رأسه، فقال له: ما شأنك؟ فقال: شر، كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى اللّه عليه وسلم فقد حبط عمله فهو من أهل النار، فأتى الرجل النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبره أنه قال: كذا وكذا، قال موسى: فرجع إليه المرة الآخرة ببشارة عظيمة، فقال: (اذهب إليه فقل له: إنك لست من أهل النار، ولكنك من أهل الجنة) ""أخرجه البخاري في صحيحه"".
    وروى الإمام أحمد، عن أنَس بن مالك رضي اللّه عنه قال: لما نزلت هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي - إلى قوله - وأنتم لا تشعرون}، وكان ثابت بن قيس بن الشماس رفيع الصوت، فقال: أنا الذي كنت أرفع صوتي على صوت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أنا من أهل النار، حبط عملي، وجلس في أهله حزيناً، ففقده رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فانطلق بعض القوم إليه، فقالوا له: تفَقَّدك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، مالك؟ قال: أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى اللّه عليه وسلم وأجهر له بالقول، حبط عملي أنا من أهل النار، فأتوا النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبروه بما قال، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (لا، بل هو من أهل الجنة).
    قال أنَس رضي اللّه عنه: فكنا نراه يمشي بين أظهرنا، ونحن نعلم أنه من أهل الجنة، فلما كان يوم اليمامة كان فينا بعض الانكشاف، فجاء ثابت بن قيس بن شماس، وقد تحنط ولبس كفنه، فقال: بئسما تعوّدون أقرانكم، فقاتلهم حتى قتل رضي اللّه عنه ""أخرجه الإمام أحمد"".
    وفي رواية: فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم: (أما ترضى أن تعيش حميداً، وتقتل شهيداً، وتدخل الجنة؟) فقال: رضيت ببشرى اللّه تعالى ورسوله صلى اللّه عليه وسلم، ولا أرفع صوتي أبداً على صوت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال: وأنزل اللّه تعالى: {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول اللّه أولئك الذين امتحن اللّه قلوبهم للتقوى} ""ذكر هذه الرواية ابن جرير رحمه اللّه تعالى""الآية.
    وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين، كذلك فقد نهى اللّه عزَّ وجلَّ عن رفع الأصوات بحضرة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنه سمع صوت رجلين في مسجد النبي صلى اللّه عليه وسلم قد ارتفعت أصواتهما فجاء، فقال: أتدريان أين أنتما؟ ثم قال: من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، فقال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً.
    وقال العلماء: يكره رفع الصوت عند قبره صلى اللّه عليه وسلم كما كان يكره في حياته عليه الصلاة والسلام، لأنه محترم حياً، وفي قبره صلى اللّه عليه وسلم دائماً، ثم نهى عن الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبه ممن عداه، بل يخاطب بسكينة ووقار وتعظيم، ولهذا قال تبارك وتعالى: {ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض}، كما قال تعالى: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً}.
    وقوله عزَّ وجلَّ: {أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} أي إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده، خشية أن يغضب من ذلك، فيغضب اللّه تعالى لغضبه، فيحبط عمل من أغضبه وهو لا يدري، كما جاء في الصحيح: (إن الرجل ليتكلم الكلمة من رضوان اللّه تعالى لا يلقي لها بالاً يكتب له بها الجنة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط اللّه تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض) ""رواه مسلم وأخرجه أحمد والترمذي والنسائي بنحوه"" .

    قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدى رحمه الله :

    ثم قال تعالى: {
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ } وهذا أدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في خطابه، أي: لا يرفع المخاطب له، صوته معه، فوق صوته، ولا يجهر له بالقول، بل يغض الصوت، ويخاطبه بأدب ولين، وتعظيم وتكريم، وإجلال وإعظام، ولا يكون الرسول كأحدهم، بل يميزوه في خطابهم، كما تميز عن غيره، في وجوب حقه على الأمة، ووجوب الإيمان به، والحب الذي لا يتم الإيمان إلا به، فإن في عدم القيام بذلك، محذورًا، وخشية أن يحبط عمل العبد وهو لا يشعر، كما أن الأدب معه، من أسباب [حصول الثواب و] قبول الأعمال.

    قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

    أما الأدب الثاني ففي قوله تعالى: {
    يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون }، الآية الأولى فيها النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله في أي شيء، سواء من الأقوال أو الأفعال أو غيرها، أما هذه الآية فهي في رفع الصوت وإن لم يكن هناك تقدم في الأحكام من تحليل أو تحريم أو إيجاب، يقول الله - عز وجل - : { لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } فإذا خاطبك النبي صلى الله عليه وسلم بصوت فاخفض صوتك عن صوته، وإذا رفع صوته فارفع صوتك لكن لابد أن يكون دون صوت الرسول - عليه الصلاة والسلام - ولهذا قال: { لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } .
    { ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض } يعني لا تنادونه بصوت مرتفع، كما ينادي بعضكم بعضاً، بل يكون جهراً بأدب وتشريف وتعظيم، يليق به صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا كقوله: { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً}. يعني إذا دعاكم لشيء فلا تجعلوا دعاءه كدعاء بعضكم لبعض، إن شئتم أجبتم وإن شئتم فلا تجيبوا، بل يجب عليكم الإجابة، كما قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} وهنا قال: { ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون بعضكم لبعض } .
    كذلك أيضاً لا تنادونه بما تتنادون به، فلا تقولون: يا محمد، ولكن قولوا: يا رسول الله، يا نبي الله، وما أشبه ذلك.
    { أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون } يعني كراهة أن تحبط أعمالكم، والمعنى إنما نهيناكم عن رفع الصوت فوق صوته، وعن الجهر له بالقول كجهر بعضكم لبعض كراهة أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون، ففي هذا دليل على أن الذي يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، أو يجهر له بالقول كجهره لبعض الناس، قد يحبط عمله من حيث لا يشعر؛ لأن هذا قد يجعل في قلب المرء استهانة بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والاستهانة بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ردَّة عن الإسلام توجب حبوط العمل، ولما نزلت هذه الآية كان ثابت بن قيس بن شماس - رضي الله عنه - جهوري الصوت، وكان من خطباء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلما نزلت هذه الآية تغيَّب في بيته وصار لا يحضر مجالس النبي صلى الله عليه وسلم، فافتقده الرسول صلى الله عليه وسلم وسأل عنه فأخبروه أنه في بيته منذ نزلت الآية، فأرسل إليه رسولاً يسأله، فقال: إن الله تعالى يقول: { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون } .
    وإنه قد حبط عمله، وإنه من أهل النار، فدعاه الرسول صلى الله عليه وسلم فحضر، وأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة، وقال: « أما ترضى أن تعيش حميداً، وتُقتل شهيداً، وتدخل الجنة؟ » قال : بلى رضيت، فقُتل - رضي الله عنه - شهيداً في وقعة اليمامة، وعاش حميداً، وسيدخل الجنة بشهادة الرسول - عليه الصلاة والسلام - ولذلك كان ثابت - رضي الله عنه - ممن يُشهد له بأنه من أهل الجنة بعينه؛ لأن كل إنسان يشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه في الجنة فهو في الجنة، وكل إنسان يشهد له بأنه في النار فهو في النار، وأما من لم يشهد له الرسول صلى الله عليه وسلم فنشهد له بالعموم، فنقول: كل مؤمن في الجنة، وكل كافر في النار، ولا نشهد لشخص معين بأنه من أهل النار، أو من أهل الجنة إلا من شهد له الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
    ففي هذه الآية الكريمة بيان تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يجوز للإنسان أن يجهر له بالقول كجهره لسائر الناس، وأنه لا يجوز له أن يرفع صوته على صوت الرسول - عليه الصلاة والسلام - ولما نزلت هذه الآية تأدَّب الصحابة - رضي الله عنهم - بذلك حتى كان بعضهم يكلمه مسارَّة ولا يفهم الرسول صلى الله عليه وسلم ما يقول من إسراره، حتى يستثبته مرة أخرى ، وفي هذه الآية دليل على أن كل من استهان بأمر الرسول - عليه الصلاة والسلام - فإن عمله حابط؛ لأن الاستهانة بالرسول - عليه الصلاة والسلام - ردَّة، والاستهزاء به ردَّة كما قال الله تعالى في المنافقين الذين كانوا يستهزئون برسول الله صلى الله عليه وسلم : { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب} وكانوا يقولون: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء - يعنون الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه - أرغب بطوناً - يعني أوسع - ولا أجبن عند اللقاء، ولا أكذب ألسناً، فأنزل الله هذه الآية، ولما سألهم الرسول - عليه الصلاة والسلام - عن ذلك قالوا: إنما كنا نخوض ونلعب، يعني نتكلم بكلام لا نريده ، ولكن لنقطع به عنا عناء الطريق ، فأنزل الله هذه الآية. { قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}.
    ولهذا كان الصحيح أن من سب الرسول - عليه الصلاة والسلام - كان كافراً مرتدًّا، فإن تاب قبلنا توبته لكننا لا نرفع عنه القتل، بل نقتله أخذاً بحقرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا قتلناه بعد توبته النصوح الصادقة صلينا عليه كسائر المسلمين الذين يتوبون من الكفر أو من المعاصي.

    إنتهى تفسير الآية الثانية من سورة الحجرات

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو محمد فريد القبائلي; الساعة 13-Jan-2014, 11:39 PM.

    تعليق


    • #3
      الآيه رقم ( 3 ) من سورة الحجرات

      قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ }

      قال الإمام أبو عبد الله محمد بن احمد الأنصارى القرطبى رحمه الله :

      قوله تعالى { إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله } أي يخفضون أصواتهم عنده إذا تكلموا إجلالا له ، أو كلموا غيره بين يديه إجلالا له . قال أبو هريرة : لما نزلت { لا ترفعوا أصواتكم } قال أبو بكر رضي الله عنه : والله لا أرفع صوتي إلا كأخي السرار.

      وذكر سنيد قال : حدثنا عباد بن العوام عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة قال : لما نزلت { لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } قال أبو بكر : والذي بعثك بالحق لا أكلمك بعد هذا إلا كأخي السرار.

      وقال عبدالله بن الزبير : لما نزلت { لا ترفعوا أصواتكم } ما حدث عمر عند النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فسمع كلامه حتى يستفهمه مما يخفض، فنزلت { إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى } .

      قال الفراء : أي أخلصها للتقوى. وقال الأخفش : أي اختصها للتقوى. وقال ابن عباس: { امتحن الله قلوبهم للتقوى } طهرهم من كل قبيح، وجعل في قلوبهم الخوف من الله والتقوى. وقال عمر رضي الله عنه : أذهب عن قلوبهم الشهوات. والامتحان افتعال من محنت الأديم محنا حتى أوسعته. فمعنى أمتحن الله قلوبهم للتقوى وسعها وشرحها للتقوى. وعلى الأقوال المتقدمه : امتحن قلوبهم فأخلصها، كقولك : امتحنت الفضة أي اختبرتها حتى خلصت. ففي الكلام حذف يدل عليه الكلام، وهو الإخلاص. وقال أبو عمرو : كل شيء جهدته فقد محنته , وأنشد :

      أتت رذايا باديا كلالها ** قد محنت واضطربت آطالها
      {لهم مغفرة وأجر عظيم}.

      قال الإمام الجليل الحافظ عماد الدين أبى الفداء إسماعيل بن كثير رحمه الله :

      ثم ندب اللّه تعالى إلى خفض الصوت عنده وحث على ذلك ورشد إليه ورغب فيه ، فقال: { إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول اللّه أولئك الذين امتحن اللّه قلوبهم للتقوى } أي أخلصها لها وجعلها أهلاً ومحلاً { لهم مغفرة وأجر عظيم } .

      وعن مجاهد قال: كُتِب إلى عمر، يا أمير المؤمنين رجل لا يشتهي المعصية ولا يعمل بها أفضل، أم رجل يشتهي المعصية ولا يعمل بها؟ فكتب عمر رضي اللّه عنه: إن الذين يشتهون المعصية ولا يعملون بها { أولئك الذين امتحن اللّه قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم } ""أخرجه أحمد في كتاب الزهد"".

      قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدى رحمه الله :

      ثم مدح من غض صوته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن الله امتحن قلوبهم للتقوى ، أي: ابتلاها واختبرها ، فظهرت نتيجة ذلك، بأن صلحت قلوبهم للتقوى، ثم وعدهم المغفرة لذنوبهم، المتضمنة لزوال الشر والمكروه، والأجر العظيم، الذي لا يعلم وصفه إلا الله تعالى، وفي الأجر العظيم وجود المحبوب , وفي هذا، دليل على أن الله يمتحن القلوب، بالأمر والنهي والمحن، فمن لازم أمر الله، واتبع رضاه، وسارع إلى ذلك، وقدمه على هواه، تمحض وتمحص للتقوى، وصار قلبه صالحًا لها ومن لم يكن كذلك، علم أنه لا يصلح للتقوى .


      قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

      ثم أثنى الله تعالى على الذين يغضون أصواتهم عند الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: { إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم }

      لما نهى عن رفع الصوت فوق صوته، وعن الجهر له بالقول كجهر بعضنا لبعض، أثنى على الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله ، أي يخفضونها ويتكلمون بأدب، فلا إزعاج ولا صخب، ولا رفع صوت، لكن يتكلمون بأدب وغض، قال الله تعالى: { أولـئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى } أعاد الإشارة { أولـئك } تعظيماً لشأنهم ورفعة لمنزلتهم، لأن { أولـئك } من أسماء الإشارة الدالة على البعد، وذلك لعلو منزلتهم ،فأتى باسم الإشارة بياناً لرفعة منزلتهم وعلوها.

      { امتحن الله قلوبهم }. قال العلماء: معناها أخلصها للتقوى ، فكانت قلوبهم مملوءة بتقوى الله - عز وجل - ولهذا تأدَّبوا بآداب الله تعالى التي وجه لها فغضوا أصواتهم عند الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخبر عن ثوابهم: { لهم مغفرة وأجر عظيم } ، مغفرة من الله لذنوبهم، وأجر عظيم على أعمالهم الصالحة .

      وفي هذه الآية إشارة إلى أن الصلاح صلاح القلب، لقوله: { امتحن الله قلوبهم للتقوى }.

      وكما قال النبي - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح: « التقوى هاهنا » وأشار إلى صدره الذي هو محل القلب ثلاث مرات: « التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا » ولا شك أن التقوى تقوى القلب ، أما تقوى الجوارح وهي إصلاح ظاهر العمل ، فهذا يقع حتى من المنافقين: { وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم } لكن الكلام على تقوى القلب التي هي بها الصلاح .

      نسأل الله تعالى أن يرزقنا ذلك. وبعض الناس يفعل المعاصي كإسبال الثوب مثلاً ، أو حلق اللحية ، أو شرب الدخان، وتنهاه وتخوِّفه من عقاب الله ، فيقول : التقوى هاهنا ، كأنه يزكي نفسه ، وهو قائم بمعصية الله ، فنقول له بكل سهولة : لو كان ما هنا متقياً لكانت الجوارح متقية ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب » .

      تم تفسير الآية رقم ( 3 ) من سورة الحجرات


      التعديل الأخير تم بواسطة أبو محمد فريد القبائلي; الساعة 14-Jan-2014, 07:33 PM.

      تعليق


      • #4
        تفسيرالآية رقم ( 4 ) من سورة الحجرات

        قال الله تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ }
        [الحجرات : 4]

        قال الإمام أبو عبد الله محمد بن احمد الأنصارى القرطبى رحمه الله :

        قوله تعالى
        {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ} قال مجاهد وغيره : نزلت في أعراب بني تميم، قدم الوفد منهم على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فدخلوا المسجد ونادوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من وراء حجرته أن اخرج إلينا، فإن مدحنا زين وذمنا شين , وكانوا سبعين رجلا قدّموا الفداء ذراري لهم، وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نام للقائلة.
        وروي أن الذي نادي الأقرع بن حابس، وأنه القائل : إن مدحي زين وإن ذمي شين، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (ذاك الله) ذكره الترمذي عن البراء بن عازب أيضا.
        وروى زيد بن أرقم فقال : أتى أناس النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى هذا الرجل، فإن يكن نبيا فنحن أسعد الناس باتباعه، وإن يكن ملكا نعش في جنابه , فأتوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فجعلوا ينادونه وهو في حجرته : يا محمد، يا محمد، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
        قيل : إنهم كانوا من بني تميم. قال مقاتل كانوا تسعة عشر : قيس بن عاصم، والزبرقان بن بدر، والأقرع بن حابس، وسويد بن هاشم، وخالد بن مالك، وعطاء بن حابس، والقعقاع بن معبد، ووكيع بن وكيع، وعيينة بن حصن وهو الأحمق المطاع، وكان من الجرارين يجر عشرة آلاف قناة، أي يتبعه، وكان اسمه حذيفة وسمي عيينة لشتر كان في عينيه ذكر عبدالرزاق في عيينة هذا : أنه الذي نزل فيه {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا} [الكهف: 28].
        وقد مضى في آخر [الأعراف] من قول لعمر رضي الله عنه ما فيه كفاية، ذكره البخاري, وروي أنهم وفدوا وقت الظهيرة ورسول الله صلى الله عليه وسلم راقد، فجعلوا ينادونه : يا محمد يا محمد، أخرج إلينا، فاستيقظ وخرج، ونزلت, وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (هم جفاة بني تميم لولا أنهم من أشد الناس قتالا للأعور الدجال لدعوت الله عليهم أن يهلكهم), والحجرات جمع الحجرة، كالغرفات جمع غرفة، والظلمات جمع ظلمة , وقيل : الحجرات جمع الحجر، والحجر جمع حجرة، فهو جمع الجمع. وفيه لغتان : ضم الجيم وفتحها, قال :
        ولما رأونا باديا ركباتنا ** على موطن لا نخلط الجد بالهزل
        والحجرة : الرقعة من الأرض المحجورة بحائط يحوط عليها, وحظيرة الإبل تسمى الحجرة، وهي فعلة بمعنى مفعولة, وقرأ أبو جعفر بن القعقاع {الحُجَرات} بفتح الجيم استثقالا للضمتين , وقرئ {الحُجْرات}بسكون الجيم تخفيفا , وأصل الكلمة المنع. وكل ما منعت أن يوصل إليه فقد حجرت عليه , ثم يحتمل أن يكون المنادي بعضا من الجملة فلهذا قال {أكثرهم لا يعقلون} أي إن الذين ينادونك من جملة قوم الغالب عليهم الجهل.

        قال الإمام الجليل الحافظ عماد الدين أبى الفداء إسماعيل بن كثير رحمه الله :

        ثم إنه تعالى ذَمّ الذين ينادونه من وراء الحجرات، وهي بيوت نسائه، كما يصنع أجلاف الأعراب، فقال:
        { أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ}

        قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدى رحمه الله :

        نزلت هذه الآيات الكريمة، في أناس من الأعراب، الذين وصفهم الله تعالى بالجفاء، وأنهم أجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله، قدموا وافدين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدوه في بيته وحجرات نسائه، فلم يصبروا ويتأدبوا حتى يخرج، بل نادوه: يا محمد يا محمد، [أي: اخرج إلينا]، فذمهم الله بعدم العقل، حيث لم يعقلوا عن الله الأدب مع رسوله واحترامه، كما أن من العقل وعلامته استعمال الأدب


        قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

        { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون }
        , هذه الآية تشير إلى قوم أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكان معهم قوم جُفاة لا يقدرون الأمور قدرها، فجعلوا ينادون النبي صلى الله عليه وسلم من وراء حجراته - أي حجرات نسائه - ويرفعون أصواتهم بذلك يريدون أن يخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إليهم ، يقول الله في هؤلاء: { أكثرهم لا يعقلون } يعني ليس عندهم عقل، والمراد بالعقل هنا عقل الرشد؛ لأن العقل عقلان: عقل رشد، وعقل تكليف، فأما عقل الرشد فضده السفه، وأما عقل التكليف فضده الجنون.
        فمثلاً: إذا قلنا: يشترط لصحة الوضوء أن يكون المتوضىء عاقلاً مميزاً، فالمراد بالعقل هنا عقل التكليف، وإذا قلنا: يشترط للتصرف في المال أن يكون المتصرف عاقلاً، أي عقل رشد، يحسن التصرف، فالمراد بقوله هنا: { أكثرهم لا يعقلون } أي عقل رشد؛ لأنهم لو كانوا لا يعقلون عقل تكليف لم يكن عليهم لوم ولا ذم، لأن المجنون فاقد العقل لا يلحقه لوم ولا ذم، وهذا واضح، وقوله: { أكثرهم لا يعقلون } يفهم منه أن بعضهم يعقل وأنه لم يحصل منه رفع صوت، بل هو متأدب مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

        تم تفسير الآية رقم ( 4 ) من سورة الحجرات

        تعليق

        يعمل...
        X