الفتوى رقم: ظ،ظ*ظ¢ظ*
الصنف: فتاوى الصيام - صوم التطوُّع
في الجمع بين أحاديث
صوم معظم شعبان والنهي عن صوم النصف الثاني منه
السؤال:
ما الحكمة في إكثاره صلَّى الله عليه وسلَّم مِن صوم شعبان، وكيف يُدفع التعارضُ مع ما جاء مِن النهي عن صوم النصف الثاني مِن شهر شعبان؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فقد ثبت مِن حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ»(ظ،)، وعن أُمِّ سلمة رضي الله عنها قالت: «لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنَ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إِلَّا شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ»(ظ¢).
ويُحْمَل صيامُ الشهر كُلِّه على معظمه؛ لأنَّ «الأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الكُلِّ»، وإن كان اللفظ مجازًا قليلَ الاستعمال والأصلُ الحقيقة، إلَّا أنَّ الصارف عنها إلى المعنى المجازيِّ هو ما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ»(ظ£)، وعنها رضي الله عنها قالت: «وَمَا رَأَيْتُهُ صَامَ شَهْرًا كَامِلًا مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَمَضَانَ»(ظ¤)، ويؤيِّده حديثُ ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «مَا صَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ»(ظ¥).
وأمَّا الحكمة مِن إكثاره صلَّى الله عليه وسلَّم مِن صوم شعبان؛ فلأنه شهرٌ تُرفع فيه الأعمالُ إلى الله تعالى وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يحبُّ أن يُرفع عملُه وهو صائمٌ، كما ثبت مِن حديث أسامةَ بنِ زيدٍ رضي الله عنهما قال: قلت: «يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟» قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ»(ظ¦).
ولا يمتنع أن تكون أيَّامُ التطوُّع التي اشتغل عن صيامها لسفرٍ أو لعارضٍ أو لمانعٍ اجتمعت عليه فيقضي صومَها في شعبان رجاءَ رفعِ عمله وهو صائمٌ، وقد يجد الصائمُ في شعبان ـ بعد اعتياده ـ حلاوةَ الصيام ولذَّتَه، فيدخل في صيام رمضان بقوَّةٍ ونشاطٍ، وتكون النفسُ قد ارتاضت على طاعة الرحمن(ظ§).
هذا، وينتفي التعارضُ بالجمع بين الأحاديث الدالَّة على مشروعية صومِ معظمِ شعبان واستحبابِه وما جاء مِن النهي عن صوم نصف شعبان الثاني في حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا»(ظ¨)، وكذلك النهي عن تقدُّم رمضان بصومِ يومٍ أو يومين في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلكَ اليَوْمَ»(ظ©)، فيُدفع التعارضُ بما ورد مِن الاستثناء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَه فَلْيَصُمْ ذَلكَ اليَوْمَ»، أي: إلَّا أن يوافق صومًا معتادًا(ظ،ظ*)، كمَن اعتاد صومَ التطوُّع: كصوم الإثنين والخميس، أو صيامِ داود: يصوم يومًا ويفطر يومًا، أو صومِ ثلاثة أيَّامٍ مِن كلِّ شهرٍ. وعليه فإنَّ النهي يُحمل على مَن لم يُدخل تلك الأيَّامَ في صيامٍ اعتاده(ظ،ظ،)، أي: مِن صيام التطوُّع.
ويُلْحَق بهذا المعنى: القضاءُ والكفَّارة والنذر، سواءٌ كان مطلقًا أو مقيَّدًا، إلحاقًا أولويًّا لوجوبها؛ ذلك لأنَّ الأدلَّة قطعيةٌ على وجوب القضاء والكفَّارة والوفاء بالنذر، وقد تقرَّر ـ أصوليًّا ـ أنَّ العامَّ القطعيَّ لا يُبْطِلُ الخاصَّ الظنِّيَّ ولا يعارضه(ظ،ظ¢).
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ظ¢ظ* رجب ظ،ظ¤ظ£ظ*ﻫ
الموافق ï»ں: ظ،ظ¢ يوليو ظ¢ظ*ظ*ظ©م
(ظ،) أخرجه البخاري في «الصوم» باب صوم شعبان (ظ،ظ©ظ§ظ*)، ومسلم في «الصيام» (ظ،ظ،ظ¥ظ¦)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(ظ¢) أخرجه أبو داود في «الصوم» بابٌ فيمن يَصِلُ شعبان برمضان (ظ¢ظ£ظ£ظ¦)، والنسائي في «الصيام» باب صوم النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم (ظ¢ظ£ظ¥ظ£)، من حديث أمِّ سلمة رضي الله عنها. وصحَّحه الألباني في «صحيح أبي داود» (ظ¢ظ*ظ¢ظ¤).
(ظ£) أخرجه البخاري في «الصوم» باب صوم شعبان (ظ،ظ©ظ¦ظ©)، ومسلم في «الصيام» (ظ،ظ،ظ¥ظ¦)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(ظ¤) أخرجه مسلم في «الصيام» (ظ،ظ،ظ¥ظ¦) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(ظ¥) أخرجه البخاري في «الصوم» باب ما يُذكر مِن صوم النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وإفطاره (ظ،ظ©ظ§ظ،)، ومسلم في «الصيام» (ظ،ظ،ظ¥ظ§)، من حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
(ظ¦) أخرجه النسائي في «الصيام» باب صوم النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم (ظ¢ظ£ظ¥ظ§) من حديث أسامة بن زيدٍ رضي الله عنهما. وحسَّنه الألباني في «الإرواء» (ظ¤/ ظ،ظ*ظ£).
(ظ§) انظر: «لطائف المعارف» لابن رجب (ظ،ظ£ظ¥).
(ظ¨) أخرجه أبو داود في «الصوم» بابٌ في كراهية ذلك ـ أي: أن يصل شعبان برمضان ـ (ظ¢ظ£ظ£ظ§)، والترمذي في «الصوم» باب ما جاء في كراهية الصوم في النصف الباقي مِن شعبان لحال رمضان (ظ§ظ£ظ¨)، وابن ماجه في «الصيام» باب ما جاء في النهي أن يتقدَّم رمضان بصومٍ إلَّا مَن صام صومًا فوافقه (ظ،ظ¦ظ¥ظ،)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «صحيح الجامع» (ظ£ظ©ظ§).
(ظ©) أخرجه البخاري في «الصوم» باب لا يتقدَّم رمضان بصوم يومٍ ولا يومين (ظ،ظ©ظ،ظ¤)، ومسلم في «الصيام» (ظ،ظ*ظ¨ظ¢)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(ظ،ظ*) انظر: «المجموع» للنووي (ظ¦/ ظ¤ظ*ظ*).
(ظ،ظ،) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ظ¤/ ظ¢ظ،ظ¥)، و«سبل السلام» للصنعاني (ظ¢/ ظ£ظ¤ظ©).
(ظ،ظ¢) لا تناقُض بين خبرين اختلف زمنهما لجواز صدق كلٍّ منهما في وقته، والنصُّ العامُّ ـ وإن كان قطعيًّا في وقته ـ إلَّا أنَّ استمرار حكمه إلى الأبد غيرُ قطعيٍّ، فنسخُه أو تخصيصه بالآحاد إنما هو نفيُ استمرارِ حكمه الذي لا قطعية في دلالته على قيام حكمه، وكلٌّ منهما حقٌّ في وقته. [انظر: «مذكِّرة أصول الفقه» للشنقيطي (ظ¨ظ¦)].