قال الإمام الجليل أبو محمد ابن حزم ـ رحمه الله تعالى ـ :
تَعدَّى سبيلَ الرُشْدِ مَنْ جَارَ واعْتَدى== وضَاءَ لَهُ نُورُ الهُدى فَتَبلَّدا
وخَابَ امرؤٌ وافاهُ حُكْمُ مُحمّدٍ ===== فَقَالَ بِآراءِ الرِّجالِ وقَلَّدا
نَبِيٌّ أَتَى بالْنُورِ مِنْ عِنْدِ ربِّهِ ==== وما جاءَ مِنْ عِنْدَ الإلهِ هُو الهُدى
أَرَى النَّاسَ أَحْزاباً وَكُلٌ يَرَىَ الَّذِي = يجيء بِهِ المُنْجِي وسائِرُهُ الرِّدى
وألْقَوْا كِتَابَ اللهِ خَلْفَ ظُهُورِهِم === وقَول رَسُولِ اللهِ ويْلَهُمُ غَدَا !
وقَالُوا : بأَنِّ الدِّينَ لَيْسَ بِكَاملٍ ! === وكَذَّبَ مَا قَالُوا الإلهُ وَفَنِّدَا !
وَماَ فَرَّطَ الْرَحْمَنُ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ ==== نَسِيًّا وَلَمْ يَتْرُكْ بَرِيَّتَهُ سُدَا
وَقَدْ فَصَّلَ التَحْرِيمَ والحلَّ كُلَّه ===== وَبَيَّنَ أَحْكَامَ العَبادِ وَسَدَّدَا
وَعَلَّمَ وَجْهَ الحُكْمِ فيمَا اعْتَدَوْا بِهِ == وَنَصَّ عَلَيْهِ الحُكْمَ نَصًّا وَرَدَّدَا
وَلَمْ يَتَعَبَّدْنَا بِعَنْتٍ وَلَمْ يُرِدْ ======== يُكَلفنا مَا لا نُطيقُ تَعَبُّدَا
وَحَرَّمَ قَوْلَ الظَّنِّ في غَيْرِ مَوْضِعٍ = وَأَنْ تَقْتَفِي مَا لَسْتَ تَعْلَمُ مَوْعِدَاَ !
أَخِي عَدِّ عَنْ سُبْلِ الضَلالِ ! فَإنَّنِي = رَأَيْتُ الهُدَى أَهْدَى دَلِيلاً وَأَرْشَدَا
وَدَعْ عَنْكَ آراءَ الرِجَالِ وَقَوْلَهُمْ = وخُذْ بِكِتَابِ اللهِ نَفْسِي لَكَ الفِدَا !
وقُلْ لِرَسُولِ اللهِ : سَمْعًا وطَاعَةً ==== إذَا قالَ قَوْلاً أَوْ تَيمّمَ مَقْصِدَا
أَوَامِرُهُ حَتْمُ عَلَيْنَا وَ نَهْيُهُ ======== تُلافِيهِ بالإقْلاع عَنْهُ مُجَرَّدَا
حَرَامٌ وَفَرْضٌ طَاعَةٌ قَدْ تَيَقَّنَتْ == وَمَنْ تَرَكَ التَخْيِيرَ وَالوَقف َ سَدَّدا
فإنْ لاحَ بُرْهَانٌ يُبَيِّنُ أَنَّهُ ====== عَلَى غَيرِ ذَا صِرْنَا مَعًا لِلَّذِي بَدَا
وأَفْعَالُهُ اللائِي تُبَيَّينُ وَاجِبًا ===== مِنَ اللهِ فَاحْمِلْهَا عَلَيْهِ وَماَ عَدَا
على أُسْوة لا زِلْتُ مَؤْتَسياً بِهِ == وَلَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَالسَعَيدُ مَنْ اقْتَدَا
وَإِقْرَارُهُ الأَفْعَالَ مِنْهُ إِبَاحةٌ ====== لَهاَ فَمُحَالٌ أَنْ تُقِّرَ مَنْ أَفْسَدَا
وَمَا صَحَّ عَنْهُ مُسْنَدًا قُلْ بِنَصِّهِ == وَإِيَّاكَ لا تَحْفَلْ بِمَا لَيْسَ مُسْنَدَا
وَسَوِّ كِتَابَ اللهِ بِالسُنَّةِ الَّتي == أَتَتْ عَنْ رَسُولِ اللهِ تَنْجُو مِنَ الرَّدَى
سَوَاءٌ أَتَتْ نَقْلَ التَوَاتُرِ أَوْ أَتَتْ = بِمَا قَدْ رَوَى الآحَادُ مَثْنَى وَمَوْحِدا
وَقُلْ : إنَّهُ عِلْمٌ وَلا تَقُلْ إِنَّهُ == مِنَ الظَّنِ لَيْسَ الظَّنُّ مِنْ دِينِ أَحْمَدَا
فَكُلٌّ مِنَ الوَحْيِ المُنزَّلِ قَدْ أَتَى == عن اللهِ إِنَّ الذِكْرَ يُحْفَظُ سَرْمَدَا
وخُذْ ظَاهِرَ الأَلْفَاظِ لا تَتَعَدَّها ===== إِلَى غَايَةِ التَأْوِيل تَبْقَ مُؤَيَّدا
فَتَأْويلُها تَحْرِيفُها عَنْ مَكَانِهَا = وَمَنْ حَرَّفَ الالْفَاظَ حَادَ عَنِ الهُدَى
فَإنْ جَاءَ بُرْهَانٌ بِتَأْوِيلِ بَعْضِهَا === فَأَلْقِ إِلَى الحَقِّ الَّذِي جَاءَ مَقْلَدَا
وَكُلُّ عُمُومٍ جَاءَ فَالْحَقُّ حَمْلُهُ ==== على مُقْتَضَاهُ دُونَ أَنْ تَتَرَدّدا
وَإِنْ جَاءَ بالتخصيصِ نَصٌّ فُخُصَّه == بِهِ وَحْدَهُ واحْذَرْ بِأَنْ تَتَزَيَّدا !
وأَخْرِجْ قَلِيلاً مِنْ كَثِيرٍ وَإِنْ بَدَتْ = مُعَارَضَةٌ فَاشْدُدْ عَلَى الزَّائِدِ الْيَدَا
وَإِنْ صَحَّ مَا بَيْنَ النُّصُوصِ تَعَارُضٌ = فَمَنْسُوخُهَا مَا جَاءَ مِنْهُنَّ مُبْتَدَا
وَإِنْ عُدِمَ التَّارِيخُ فِيهَا فَخُذْ بمَا = يَزِيدُ عَلى المَعْهُودِ في الأَصْلِ تَرْشُدَا
تَكُنْ مُوقِنًا أَنْ قَدْ أَطَعْتَ وَتَارِكًا === لِكُلِّ مَقَالٍ قِيلَ بِالظَّنِّ مُبْعَدَا
وَكُلُّ مُبَاحٍ في الكِتابِ سِوى الَّذِي === يُفَصِّلُ بالتَّحْريم مِنْهُ مُعَدَّدا
وَإِنْ لَمْ يَرِدْ نصٌّ بِإِلْزامِ طَاعَةٍ ===== مِنَ اللهِ لَمْ يَلْزَمْكَ أَنْ تَتَعَبَّدَا
وَعِنْدَ اخْتِلافِ النَّاسِ فَالحُكْمُ رَاجعٌ = إِلَيْهِ وَبِالْإِجْمَاعَ مِنْ بَعْدُ يُهْتَدَا
وَذَاكَ سَبيلُ المُؤْمِنينَ وَمَنْ يُرِدْ == خِلافَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ فَمَا اهْتَدَى
وَلا تَدَّعِ الإِجْمَاعَ فِيمَا جَهِلْتَهُ == وَلَمْ تَعْلَم التَّحْقِيقَ جَمْعًا وَمُفْرَدا
وإِنْ امرُؤٌ في الدِّينِ حَكَّمَ نَفْسَه = قِيَاسًا أَوْ اسْتِحْسَانَ رَأْيٍ قَدْ اعْتَدَى
وَجَاءَ بِدَعْوَى لا دَليلَ يُقِيمُهَا ==== وأَسْرَفَ في دِينِ الإلهِ وأَلحَدَا
ومَنْ قَالَ مُحْتَاطًا بِردْعِ ذَرِيعَةٍ === بِرأْيٍ رآهُ قَدْ أتَى اللَّهوَ وَالرَّدَا
مُحِلَّ حَرَامٍ أَوْ مُحَرِّمَ مَا أَتَى ===== بِتَحْلِيلهِ مخطي الكِتَابِ تَعَمُّدَا
وَمَنْ يَدَّع نَسْخًا على الحُكْم لَمْ يَجِىءْ = على ذاكَ بالبُرْهَانِ لَيس مُفَنِّدَا
ولا تَنْتَقِلْ عَنْ حَالِ حُكْمٍ عَلِمْتَه = لِقَوْلٍ عَنِ الإِجْمَاع والنَّصِّ جُرِّدَا
مِنَ الْحِلِّ والتَّحْرِيمِ أَوْ مِنْ لَوازِمٍ = عَلَيْكَ فلا تَعْدُ السِّبِيلَ المُمَهَّدَا
ولا تَلْتَقِفْ حُكْمَ البلادِ وَجَرْيَهَا === عَلَى عَمَلٍ مِمَّنْ أَغَارَ وَأَنْجَدَا
وَإِنْ لَمْ تَجِدْ نَصًّا على الحُكْمِ فَالْتَمِسْ = إِلى قَصْدِهِ جَمْعَ النُّصُوصِ لِتَرْشُدَا
فَتَمْنَحَ حُكْمًا يَبْنِهَا قَدْ جَعَلْتَهُ === وَتَجْمَعَ شَمْلاً كَانَ مِنْهَا مُبَدَّدَا
وَذَاكَ عَلَى مَعْنَاهُ نَصٌّ وَإِنَّهُ ==== لَحَقٌّ كَمَا لَوْ كَانَ نَصًّا مُجَرَّدَا
وَهَذَا الذي يُدْعَى اجتهادًا ولَيْسَ ما == تَقُولُ أُلو الآراءِ مِنْهَا تَلَدُّدَا
وَأَثْقَلَهُمْ جَمْعُ النُصُوصِ فَاَظْهَرُوا = عَلَى الدِينِ نُقْصَانَ النُصوصِ تَبَلُّدا
وَقَالُوا : لَنَا إِكْمَالُهُ وَتَمَامُهُ ! === تَبَارَكْتَ رَبِّي أَنْ تَكُونَ مُفَنَّدَا !
وَقَدْ قُلْتَ : إِنَّ الدِّينَ أَكْمَلْتَهُ لَنَا = وَفصَّلْتَهُ والحَقُّ ما قُلتَ أَمْجَدَا
ولا تَلْتَفِتْ عِنْدَ الخِطَابِ دَلِيلَهُ = ولا تَلْتَزِمْ شَرْعًا سِوَى شَرْع أَحْمَدَا
فَكُلُّ نَبِيًّ خَصَّ إِنْذَارَ قَوْمِهِ ==== وَأَحْمَدُ عَمَّ النَّاسَ أَدْنَى وَأَبْعَدَا
وأَخْلِصْ لَدَى الأَعْمَالِ نِيَّتَكَ الَّتي = بِهَا تَرْتَقِي الأَعْمَالُ للهِ مُصعِدَا
وَصَلِّ عَلَى الزَاكي المُجِيرِ مِنَ العَمَى = نَبيِّ الهُدَى خَيْرِ الأَنَامِ مُحَمَّدا
وَ لِلَّهِ حَمْدَي سَرْمَدًا غيرَ مُنْقَضٍ = عَلَى مَا هَدَى حَمْدًا كَثيرًا مُرَدَّدَا
قال مبارك : هذه المنظومة الماتعة نقلاً من كتاب " نوادر الإمام ابن حزم " السفر الثاني ص112 ـ 117 ، و" مجموعة الرسائل الكمالية رقم 16 " ص 257 ـ 263 ، ونشرها أيضاً الأستاذ محمد إبراهيم الكتاني بمجلة معهد المخطوطات العربية في الجزء الأول من المجلد الحادي والعشرين عام 1975م ص 148 ـ 151 .
وخَابَ امرؤٌ وافاهُ حُكْمُ مُحمّدٍ ===== فَقَالَ بِآراءِ الرِّجالِ وقَلَّدا
نَبِيٌّ أَتَى بالْنُورِ مِنْ عِنْدِ ربِّهِ ==== وما جاءَ مِنْ عِنْدَ الإلهِ هُو الهُدى
أَرَى النَّاسَ أَحْزاباً وَكُلٌ يَرَىَ الَّذِي = يجيء بِهِ المُنْجِي وسائِرُهُ الرِّدى
وألْقَوْا كِتَابَ اللهِ خَلْفَ ظُهُورِهِم === وقَول رَسُولِ اللهِ ويْلَهُمُ غَدَا !
وقَالُوا : بأَنِّ الدِّينَ لَيْسَ بِكَاملٍ ! === وكَذَّبَ مَا قَالُوا الإلهُ وَفَنِّدَا !
وَماَ فَرَّطَ الْرَحْمَنُ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ ==== نَسِيًّا وَلَمْ يَتْرُكْ بَرِيَّتَهُ سُدَا
وَقَدْ فَصَّلَ التَحْرِيمَ والحلَّ كُلَّه ===== وَبَيَّنَ أَحْكَامَ العَبادِ وَسَدَّدَا
وَعَلَّمَ وَجْهَ الحُكْمِ فيمَا اعْتَدَوْا بِهِ == وَنَصَّ عَلَيْهِ الحُكْمَ نَصًّا وَرَدَّدَا
وَلَمْ يَتَعَبَّدْنَا بِعَنْتٍ وَلَمْ يُرِدْ ======== يُكَلفنا مَا لا نُطيقُ تَعَبُّدَا
وَحَرَّمَ قَوْلَ الظَّنِّ في غَيْرِ مَوْضِعٍ = وَأَنْ تَقْتَفِي مَا لَسْتَ تَعْلَمُ مَوْعِدَاَ !
أَخِي عَدِّ عَنْ سُبْلِ الضَلالِ ! فَإنَّنِي = رَأَيْتُ الهُدَى أَهْدَى دَلِيلاً وَأَرْشَدَا
وَدَعْ عَنْكَ آراءَ الرِجَالِ وَقَوْلَهُمْ = وخُذْ بِكِتَابِ اللهِ نَفْسِي لَكَ الفِدَا !
وقُلْ لِرَسُولِ اللهِ : سَمْعًا وطَاعَةً ==== إذَا قالَ قَوْلاً أَوْ تَيمّمَ مَقْصِدَا
أَوَامِرُهُ حَتْمُ عَلَيْنَا وَ نَهْيُهُ ======== تُلافِيهِ بالإقْلاع عَنْهُ مُجَرَّدَا
حَرَامٌ وَفَرْضٌ طَاعَةٌ قَدْ تَيَقَّنَتْ == وَمَنْ تَرَكَ التَخْيِيرَ وَالوَقف َ سَدَّدا
فإنْ لاحَ بُرْهَانٌ يُبَيِّنُ أَنَّهُ ====== عَلَى غَيرِ ذَا صِرْنَا مَعًا لِلَّذِي بَدَا
وأَفْعَالُهُ اللائِي تُبَيَّينُ وَاجِبًا ===== مِنَ اللهِ فَاحْمِلْهَا عَلَيْهِ وَماَ عَدَا
على أُسْوة لا زِلْتُ مَؤْتَسياً بِهِ == وَلَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَالسَعَيدُ مَنْ اقْتَدَا
وَإِقْرَارُهُ الأَفْعَالَ مِنْهُ إِبَاحةٌ ====== لَهاَ فَمُحَالٌ أَنْ تُقِّرَ مَنْ أَفْسَدَا
وَمَا صَحَّ عَنْهُ مُسْنَدًا قُلْ بِنَصِّهِ == وَإِيَّاكَ لا تَحْفَلْ بِمَا لَيْسَ مُسْنَدَا
وَسَوِّ كِتَابَ اللهِ بِالسُنَّةِ الَّتي == أَتَتْ عَنْ رَسُولِ اللهِ تَنْجُو مِنَ الرَّدَى
سَوَاءٌ أَتَتْ نَقْلَ التَوَاتُرِ أَوْ أَتَتْ = بِمَا قَدْ رَوَى الآحَادُ مَثْنَى وَمَوْحِدا
وَقُلْ : إنَّهُ عِلْمٌ وَلا تَقُلْ إِنَّهُ == مِنَ الظَّنِ لَيْسَ الظَّنُّ مِنْ دِينِ أَحْمَدَا
فَكُلٌّ مِنَ الوَحْيِ المُنزَّلِ قَدْ أَتَى == عن اللهِ إِنَّ الذِكْرَ يُحْفَظُ سَرْمَدَا
وخُذْ ظَاهِرَ الأَلْفَاظِ لا تَتَعَدَّها ===== إِلَى غَايَةِ التَأْوِيل تَبْقَ مُؤَيَّدا
فَتَأْويلُها تَحْرِيفُها عَنْ مَكَانِهَا = وَمَنْ حَرَّفَ الالْفَاظَ حَادَ عَنِ الهُدَى
فَإنْ جَاءَ بُرْهَانٌ بِتَأْوِيلِ بَعْضِهَا === فَأَلْقِ إِلَى الحَقِّ الَّذِي جَاءَ مَقْلَدَا
وَكُلُّ عُمُومٍ جَاءَ فَالْحَقُّ حَمْلُهُ ==== على مُقْتَضَاهُ دُونَ أَنْ تَتَرَدّدا
وَإِنْ جَاءَ بالتخصيصِ نَصٌّ فُخُصَّه == بِهِ وَحْدَهُ واحْذَرْ بِأَنْ تَتَزَيَّدا !
وأَخْرِجْ قَلِيلاً مِنْ كَثِيرٍ وَإِنْ بَدَتْ = مُعَارَضَةٌ فَاشْدُدْ عَلَى الزَّائِدِ الْيَدَا
وَإِنْ صَحَّ مَا بَيْنَ النُّصُوصِ تَعَارُضٌ = فَمَنْسُوخُهَا مَا جَاءَ مِنْهُنَّ مُبْتَدَا
وَإِنْ عُدِمَ التَّارِيخُ فِيهَا فَخُذْ بمَا = يَزِيدُ عَلى المَعْهُودِ في الأَصْلِ تَرْشُدَا
تَكُنْ مُوقِنًا أَنْ قَدْ أَطَعْتَ وَتَارِكًا === لِكُلِّ مَقَالٍ قِيلَ بِالظَّنِّ مُبْعَدَا
وَكُلُّ مُبَاحٍ في الكِتابِ سِوى الَّذِي === يُفَصِّلُ بالتَّحْريم مِنْهُ مُعَدَّدا
وَإِنْ لَمْ يَرِدْ نصٌّ بِإِلْزامِ طَاعَةٍ ===== مِنَ اللهِ لَمْ يَلْزَمْكَ أَنْ تَتَعَبَّدَا
وَعِنْدَ اخْتِلافِ النَّاسِ فَالحُكْمُ رَاجعٌ = إِلَيْهِ وَبِالْإِجْمَاعَ مِنْ بَعْدُ يُهْتَدَا
وَذَاكَ سَبيلُ المُؤْمِنينَ وَمَنْ يُرِدْ == خِلافَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ فَمَا اهْتَدَى
وَلا تَدَّعِ الإِجْمَاعَ فِيمَا جَهِلْتَهُ == وَلَمْ تَعْلَم التَّحْقِيقَ جَمْعًا وَمُفْرَدا
وإِنْ امرُؤٌ في الدِّينِ حَكَّمَ نَفْسَه = قِيَاسًا أَوْ اسْتِحْسَانَ رَأْيٍ قَدْ اعْتَدَى
وَجَاءَ بِدَعْوَى لا دَليلَ يُقِيمُهَا ==== وأَسْرَفَ في دِينِ الإلهِ وأَلحَدَا
ومَنْ قَالَ مُحْتَاطًا بِردْعِ ذَرِيعَةٍ === بِرأْيٍ رآهُ قَدْ أتَى اللَّهوَ وَالرَّدَا
مُحِلَّ حَرَامٍ أَوْ مُحَرِّمَ مَا أَتَى ===== بِتَحْلِيلهِ مخطي الكِتَابِ تَعَمُّدَا
وَمَنْ يَدَّع نَسْخًا على الحُكْم لَمْ يَجِىءْ = على ذاكَ بالبُرْهَانِ لَيس مُفَنِّدَا
ولا تَنْتَقِلْ عَنْ حَالِ حُكْمٍ عَلِمْتَه = لِقَوْلٍ عَنِ الإِجْمَاع والنَّصِّ جُرِّدَا
مِنَ الْحِلِّ والتَّحْرِيمِ أَوْ مِنْ لَوازِمٍ = عَلَيْكَ فلا تَعْدُ السِّبِيلَ المُمَهَّدَا
ولا تَلْتَقِفْ حُكْمَ البلادِ وَجَرْيَهَا === عَلَى عَمَلٍ مِمَّنْ أَغَارَ وَأَنْجَدَا
وَإِنْ لَمْ تَجِدْ نَصًّا على الحُكْمِ فَالْتَمِسْ = إِلى قَصْدِهِ جَمْعَ النُّصُوصِ لِتَرْشُدَا
فَتَمْنَحَ حُكْمًا يَبْنِهَا قَدْ جَعَلْتَهُ === وَتَجْمَعَ شَمْلاً كَانَ مِنْهَا مُبَدَّدَا
وَذَاكَ عَلَى مَعْنَاهُ نَصٌّ وَإِنَّهُ ==== لَحَقٌّ كَمَا لَوْ كَانَ نَصًّا مُجَرَّدَا
وَهَذَا الذي يُدْعَى اجتهادًا ولَيْسَ ما == تَقُولُ أُلو الآراءِ مِنْهَا تَلَدُّدَا
وَأَثْقَلَهُمْ جَمْعُ النُصُوصِ فَاَظْهَرُوا = عَلَى الدِينِ نُقْصَانَ النُصوصِ تَبَلُّدا
وَقَالُوا : لَنَا إِكْمَالُهُ وَتَمَامُهُ ! === تَبَارَكْتَ رَبِّي أَنْ تَكُونَ مُفَنَّدَا !
وَقَدْ قُلْتَ : إِنَّ الدِّينَ أَكْمَلْتَهُ لَنَا = وَفصَّلْتَهُ والحَقُّ ما قُلتَ أَمْجَدَا
ولا تَلْتَفِتْ عِنْدَ الخِطَابِ دَلِيلَهُ = ولا تَلْتَزِمْ شَرْعًا سِوَى شَرْع أَحْمَدَا
فَكُلُّ نَبِيًّ خَصَّ إِنْذَارَ قَوْمِهِ ==== وَأَحْمَدُ عَمَّ النَّاسَ أَدْنَى وَأَبْعَدَا
وأَخْلِصْ لَدَى الأَعْمَالِ نِيَّتَكَ الَّتي = بِهَا تَرْتَقِي الأَعْمَالُ للهِ مُصعِدَا
وَصَلِّ عَلَى الزَاكي المُجِيرِ مِنَ العَمَى = نَبيِّ الهُدَى خَيْرِ الأَنَامِ مُحَمَّدا
وَ لِلَّهِ حَمْدَي سَرْمَدًا غيرَ مُنْقَضٍ = عَلَى مَا هَدَى حَمْدًا كَثيرًا مُرَدَّدَا
قال مبارك : هذه المنظومة الماتعة نقلاً من كتاب " نوادر الإمام ابن حزم " السفر الثاني ص112 ـ 117 ، و" مجموعة الرسائل الكمالية رقم 16 " ص 257 ـ 263 ، ونشرها أيضاً الأستاذ محمد إبراهيم الكتاني بمجلة معهد المخطوطات العربية في الجزء الأول من المجلد الحادي والعشرين عام 1975م ص 148 ـ 151 .
منقول.
تعليق