مَبَادِئُ الأُصُولِ
إملاء الشيخ
عَبد الحَمِيد بن بَادِيس
رحمه الله
تحقيق
د. عمَّار طالبي
نبذة عن المتن
"... واخترت للتدريس في المرحلة الأولى رسـالة في"مبادئ الأصول"من إملاء الشيخ المُصلح عبد الحميد ابن باديس _رحمه الله تعالى_ على طلبتـه، وقد دفعني إلى اختيار هذه الرسالة عدّة أسباب :
– في طليعتها تثمين كتبه ومقالاته والعناية بها، وتجسيد آثاره عمليّا بتدريسها ونقل معارفها بصدق وأمانة للآخرين...
– التعريف بأصالة التراث الجزائري، وربط الطالب بعلماء بلده المعروفين بالعلم والاجتهاد من أهل الدين والصلاح...
...إنّ كتابه هذا وإن كان قد أملاه على سبيل الاختصار فإن محاسنه تظهر في وضوح الفكرة، وخلوّه من التعقيد والإشكال، وبُعده عن الالتباس والاضطراب والتناقض، وما هو في الواقع إلاّ مقدّمة للمصنّفات المفصّلة وإقليد للمطوّلات، يمتاز بأسلوب سهل وبسيط، بعيد عن التعقيد اللفظي، مع رقّة الفهم، ودقّة في العبارة، مخالف للعديد من الرسائل والمختصرات من علم الأصول التي تحاول أن تؤدي معاني كثيرة في عبارة مُقتضبة، الأمر الذي لا يعين على فهمها إلاّ بصعوبة بالغة.
هذا، والمؤلف قسم رسالته إلى أربعة أبواب:
_ الباب الثاني: تناول أحكام الله تعالى، وبيّن فيه الأحكام التكليفية والوضعية، وأقام الفرق بينهمـا، ثمّ تعرّض إلى مقتضيات الحكم مبيّنا الحاكم، والمحكوم فيه، والمحكوم عليه وهو المكلّف والمخاطب بالأحكام.
_ الباب الثالث: تناول أدلّة الأحكام من الكتاب، موضّحا أنّه، أصل الأدلّة، وعمدة الشريعة، وأوّل مصادر التشريع وكلّها ترجع إليه. ثمّ بيّن الدليل الثاني وهو السّنّة، باعتبار ذاتها، ثمّ باعتبار علاقتها بالقرآن، وقسّمها إلى سنّة مبيّنة ومستقلة ، أخّر السّنّة من حيث ثبوتها إلى آخر الرسالة في تنبيه ثان. ثمّ بيّن الدليل الثالث، وهو الإجماع، وبيّن حجّته، وقسّمه إلى: إجماع عمليّ وآخر نظريّ، واعتبر أنّ معرفته متعذّرة مع إمكان وقوعه، لانتشار المجتهدين في الآفاق وكثرة عددهم، واستثنى من ذلك إجماع الصحابة. ثمّ تناول القياس مكتفيا بالتعريف والتمثيل لقياس العلّة.
_ الباب الرابع: تناول القواعد الأصولية وقسّم فيها الأدلة إلى تفصيلية، وهي آيات وأحاديث الأحكام، ومرجعها إلى الكتاب والسّنّة، وأدلّة إجمالية، وهي القواعد الأصولية ومرجعها كتب الأصول، ثمّ بيّن القواعد التي تخصّ النصوص القولية من الكتاب والسنّة متّعرضا إلى القواعد التالية: حمل اللفظ، الأمر، النهي، الأخذ بالمأمور بــه، المفهوم والمنطوق، مبيّنا أن المفهوم على قسمين: موافقة ومخالفة، وقسّم مفهوم الموافقة إلى مفهوم مساو وأولوي، وبيّن أنواع مفهوم المخالفة وشروط العمل به، ثمّ تعرّض لقاعدة النصّ والظاهر والمؤوّل والمبَّين والمجمل والمبيِّن.
وانتقل بعدها إلى قاعدة العامّ وبيّن صيّغه وفُرَقه، ثم بيّن التخصيص وقسميه، وأعقبه بالمطلق والمقيّد، وقاعدة حمل المطلق على المقيد، ثمّ المحكوم والمنسوخ والناسخ والنسخ، ثمّ وجوه النسخ وأقسامه مع بيان مورده ومتى يحكم بالنسخ، وأخيرا تعرّض للقواعد التي تخصّ فعله صلى الله عليه وسلم وتقريره، وذيّل رسالته بخاتمة ذكر فيها الاجتهاد والتقليد والاتّباع.
ومن الملاحظات التي على الرسالة اقتصاره غالبا على التعريف من غير التعرّض لأدلّة ثبوت هذه القواعد إلاّ قليلا، وظهرت اختياراته الأصولية موافِقة لِما عليه مذهب الجمهور، بما في ذلك مذهب المالكية، إلاّ في مسألة معرفة الإجماع، فقد خالف مذهب الجمهور، كما أن المصنّف لم يتعرّض إلى مباحث أصولية كثيرة، كالأدلّة المختلف فيها، والعموم العقلي والعرفي ونحو ذلك، وكان معظم الأمثلة والتعريفات والتقسيمات الواردة في مباحث الإجمال والعموم والمطلق والمقيّد وغيرها مأخوذة ومقتبسة من"مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول" لأبي عبد الله محمّد بن أحمد الشريف التلمساني المتوفى سنة (771هـ) (١٣) ، وفي الرسالة مآخذ أخرى علقّنا عليها في الهامش، وهي قليلة إلى جانب كثير صوابه، والله يأبى العصمة لكتاب غير كتابه.
هذا، وبغضّ النظر عن أصالة مضمون هذه الرسالة فقد جاءت حسنة في مظهرها، مريحة حال قراءتها والاطلاع عليها، وهي وإن كانت صغيرة الحجم فقد تناولتُ فوائدها بالشرح الوجيز والتعليق العزيز، يساعد على الارتقــاء في مدارج علم أصول الفقه..."
تعليق