حد الفرق بين الثََّوبِ وَالأُزْرَة
قال الشيخ بكر بو زيد - رحمة الله - " ثَبَتَ في حَدِّ القدْرِ المستحبِّ فيما ينزل إِليه طرف الإِزار من الساق ثلاث سُننٍ عن النبي:
• الحَدُّ الأَول:
إِلى أَنصافِ السَّاقين, وذلك ثابتٌ من هَدْيِهِ في إِزاره كما في حديث عثمان بن عفاَّن – رضي الله عنه - قال: ((كانت إِزرة النبي إِلى أَنصاف ساقيه)). [رواه الترمذي في: ((الشمائل))].
وثابتٌ من قوله : ((إِزرة المؤمن إِلى نصف ساقيه)) من حديث ابن عمر عند مسلم, وحديث جابر بن سليم, والعلاء بن عبد الرحمن, وعمرو بن الشريد – رضي الله عنهم - [أَخرجَ أَحاديثهم جميعاً الإِمام أَحمد في: ((مسنده))]. وثابتٌ من أَمره لبعض الصحابة –رضي الله عنهم- فقد أَمرَ النبي ابن عمر برفع إِزاره حتى بلغَ أَنصافَ الساقين. [رواه أَحمد].
وكان ابن عمر – رضي الله عنهما - يتحرَّى ذلك في إِزاره, كما في: ((صحيح مسلم)). وكان أَيضاً: أَشدَّ الصحابة – رضي الله عنهم - تشميراً [كما في: ((المسند))].
• الحَدُّ الثَّاني:
إِلى عَضَلَةِ السَّاقين, وهذا الحدُّ أَعلى من أَنصاف الساقين بقليل, و((العَضَلَةُ)) بفتحات: كُلُّ عَصَبَةٍ معها لحمٌ غليظ, وَوَسطُهَا يعلو نصف السَّاق بقليل, وهذا ظاهرٌ.
وهذا الحدّ ثابت من حديث أَبي هريرة – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله : ((إِزرةُ المؤمنِ إِلى عضلةِ ساقَيْةِ, ثُمَّ إِلى نصفِ ساقيه, ثم إِلى الكعبين, فما كان أَسفل من ذلك فهو في النار)) [رواه أَحمد, وأَبو عوانة].
• الحدُّ الثالثُ:
مَوضِعُهُ ما تحتَ نصفِ الساقين إِلى الكعبينِ. وهذا الموضع ثبت في السننِ جوازه, وأَجمعَ على جوازه المسلمون بلا كراهة, لحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أَبيه, قال: سألت أَبا سعيد الخدري عن الإِزار, قال: على الخبير سقطت: قال رسول الله : ((إِزرة المؤمن إِلى نصف الساق, ولا حرج, أَو لا جُناح فيما بينه وبين الكعبين. . . )) الحديث. [رواه أحمد, وأَبو داود, وابن ماجه]. لكن ثبتَ عن النبي حديثان يُفيدان رفع هذا الحكم من مرتبة الجواز إِلى مرتبة السُّنيِّةُ والاستحباب, فعن أَنس بن مالك – رضي الله عنه - أَن رسول الله قال: ((الإِزارُ إِلى نصفِ السَّاقِ)), فلما رأى شدة ذلك على المسلمين, قال: ((إِلى الكعبين, لا خير فيما أَسفلَ من ذلك)) [رواه أحمد بسند صحيح]. وهو صريح بأَن الندب إِليه كان آخر الأَمرين من رسول الله . والثاني حديثُ أَبي هريرة المتقدِّم بتمامه في: ((الحدِّ الثاني)) قريباً, وهو حديث صحيح صريح بأَن كل المواضع الثلاثة في حد الإِزار طولاً: ((إِزرة المؤمن)) مندوب إليها. وهذا مِنَ التَوْسِعَةِ لهذه الأُمَّةِ, وَتَنوُّعِ العباداتِ من جنسٍ واحد. والله أَعلم .
• وإِذا تبينت هذه المواضع الثلاثة, فاعلم أَنَّها سُنَّةٌ في: ((الإِزار))
أَمَّا في ((الثوب)) أَي: ((القميص)) فَنَصِيبُهُ منها السُّنة الثالثة،
وهي: من تحت نصف الساق إِلى الكعبين, وهو مُقَرَّرٌ في مذهب الحنابلة وذلك لما يأتي: وهو أَن سَتْرَ العورة أَصلٌ شرعيٌ لا يجوز التفريطُ به، ولهذا رَخَّصَ النبي للنساء بإِرخاء ثيابهنَّ تحت الكعبين شبراً أَو ذراعاً, لستر القدمين, لأَنهما من عورة النساء, وأمر سلمةَ بن الأَكوع – رضي الله عنه - أَن يزر قميصه –أَي جيبه - حتى لا تُرى عورتُهُ من فتحة قميصه فتبطل صلاتهُ، ولهذا قال الفقهاء في شرط ستر العورة من شروط الصلاة: يجبُ سَتْرُها عن النظر حتى من نفسه, فلو كان عليه قميصٌ –ثوب- واسعٌ الجيب, إِذا ركع أَو سجد رَأَى عورته: لم تصحَّ, وإِن لم يرها. ولهذا ثَبَتَ في الصحيحين: ((إِن كان الثوب واسعاً فالتحف به, وإِن كان ضيقاً فاتزر به)). كذلك الرجل إِذا جعلَ طرفَ ثوبه إِلى عضلة الساقين, أَو إِلى أَنصافِ الساقين, ولم يكن عليه: ((سراويل)), فإِنَّ الثوبَ ليس مثل الإِزار, إِذْ الإِزار ثابتٌ على النصف الأَسفل من البدن مِنَ السُرَّة فما دون, فلا يرتفع عند الركوع والسجود, أَمَّا الثوب, فإِذا كان طوله وطرفه إِلى عضلة الساقين, أَو إِلى أَنصاف الساقين, فإِنَّه مع الركوع والسجود تحمله الكتفان والظَّهر, فِيَنْجَرُّ إِلى أَعْلى, ويكون كشف مؤخرة الفخذ مئنةً, أَو مظنةً قويةً لانكشاف العورة, ولو انكشفت عورتُه وهو يصلي لبطلت صلاتُه, كما يحرمُ كَشْفُها أَمام الآخرين. ولهذا لما قال البهُوتي الحنبلي – رحمه الله تعالى -: ((ويُكره كون ثيابه فوق نصف ساقه)) قال ابن قاسم رحمه الله تعالى في ((حاشيته)): ((لأن ما فوقه مجلبةٌ لانكشاف العورة غالباً, وإِشهارٌ لنفسه, ويتأذَّى الساقان بحرٍ أَو برد, فينبغي كونهُ من نصفه إِلى الكعب, لبُعْدِهِ من النَّجاسةِ, والزهوِ, والإِعجابِ)) انتهى. قال السفاريني – رحمه الله تعالى - في: ((غذاء الأَلباب: 2 / 215)): ((وقال أَبو بكر عبد العزيز – أَي: غلام الخلال -: يُستحب أَن يكون قميص الرجل إِلى الكعبين( ), وإِلى شراك النعل( ), وهو الذي في ((المستوعب)) وطول الإِزار إِلى مَراقِّ( ) الساقين, وقيل: إِلى الكعبين)) انتهى. وفي صحيح البخاري وسنن أَبي داود عن عمرو بن سلمة, قال: كنت أَؤمُّهُم وعَلَيَّ بُرْدَةٌ صغيرة, فكُنت إِذا سَجدت تَقَلَّصَتْ عَنِّي, فقالت امرأة: واروا عنَّا سوأةَ قارئكم, فَاشْتَرَوْا, فقطعوا لي قميصاً فما فَرِحْتُ بشيء فرحي بذلك القميص)) [رواه البخاري في: ((المغازي)) من ((صحيحه))]. وقوله: تَقَلَّصَت: أَي: انجمعت وارتفعت, كما في رواية أَحمد, وأَبي داود: ((تَكَّشَّفَتْ عني)) وفي رواية: كانت البردةُ موصولةً, فيها فتق . ومن المعلوم أَنَّه لا يقول أَحدٌ بوجوب لبس: ((السراويل)) حتى يأتي المسلمُ بِسُنَّةِ تقصير ثوبه إِلى عضلة ساقه, أَو نصف ساقه, إِذْ السُّنَّةُ لا تستلزم الواجب, وإِنَّما القاعدة: أَن ما لا يتم الواجبُ إِلاَّ به فهو واجبٌ . إِذا كان الحال كذلك, فإِنَّ ستر العورة واجبٌ, ومن المنظور المشاهد أَنَّ من قَصَّرَ ثوبه إِلى عضلة ساقه, أَو إِلى نصفه, وليس عليه سراويل, أَو كان عليه تُبَّانٌ قصيرٌ إِلى أَنصاف الفخذين مثلاً, فإِنَّها تنكشف عَوْرَتُهُ, ولهذا فَلاَ يُسَنُّ تقصيرُ الثوب إِلى عضلة الساق, ولا إِلى نصف الساق, وهذا بخلاف الإِزار, إِضافة إِلى حُسن الهيئة مطلب شرعي, فالإِزار إِلى عضلة الساق, أَو نصفه, مع الرداء, لباس في غاية التناسب, وحُسن اللبسة, وفي ((الثوب)) ليس كذلك, مع تأديته إلى كشف العورة. والله سبحانه قد أَمرَ بقدرٍ زائدٍ في الصلاة على ستر العورة. وهو: أَخذ الزينة, فقـال سبحانه: ﴿ يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [سورة الأعراف, الآية:31]. فَعَلَّق الأَمَر باسم الزينة لاَ بِسَتْرِ العورة, إِيذاناً بأَن العبدَ ينبغي له أَن يلبسَ أَزيَنَ ثيابه وأَجْمَلَهَا في الصلاةِ, للوقوفِ بينَ يديه تباركَ وتعالى والتذللِ له, والخضوع لجلاله .
ولهذا والله أَعلم فإِنَّ أَلفاظ الروايات بجعل الإِزار إِلى عضلة الساقين أَو إِلى أَنصاف الساقين, كلها بلفظ: ((الإِزار)) ولم أَقف على شيء منها بلفظ: ((الثوب)), فَلْنَقِفْ بالنَّص على لفظه, ومورده, وأَما فيما تحت نصف الساق ففي بعض أَلفاظها إِطلاقٌ, يشملُ الإِزار, والثوب وغيرهما. وهذه الحدودُ الثلاثةُ الشرعيةُ لموضع طول ((الإِزار)), والحدُّ الشرعيُّ لموضعِ طول ((الثوب)) تَعْنِي التَشْمِيرَ, المستحبَّ شَرْعاً, وقد كانت العرب تمدح تشميرَ الإِزار, ومنه قول مُتَمِّم بن نُوَيْرَة في رثاء أَخيه مالك بن نويرة:
تَرَاهُ كَنَصْلِ السَّيْفِ يَهْتَزُّ لِلنَّدَى ** وَلَيْسَ عَلَى الكَعْبَيْنِ مِنْ ثَوْبِهِ فَضْلُ
وتَتِمُّةُ الشواهدِ العربية في: ((التمهيد: 20 / 22) و((الاستذكار: 26 / 189)). لابن عبد البر – رحمه الله تعالى - .
• هذه هي الحدود المشروعة لأَطراف الإِزار والثوب من الساق, وما سوى هذه المواضع الثلاثة, فَلاَ حَظَّ لها في الشرع المطهر من طَرَفِ الإِزار" إنتهى كلامه رحمه الله - رسالة (حد الثوب والأزرة, وتحريم الإسبال ولباس الشهرة) تقريظ الشيخ صالح الفوزان حفظة الله مع تصريف يسير .
أخوكم أبو عبدالرحمن محمد رئيسي
لقراءة الرسالة بتمامة
http://www.sahab.net/forums/showthread.php?t=362776&highlight=