قال ابن رجب الصائمون على طبقتين
إحداهما: من ترك طعامه وشرابه وشهوته لله تعالى، يرجو عنده عوض ذلك في الجنة. فهذا قد تاجر مع الله وعامله، والله لا يُضيع أجر من أحسن عملاً، ولا يخيب معه من عامله، بل يربح أعظم الربح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل: "إنك لن تدع شيئاً اتقاء الله إلا آتاك الله خيراً منه" خرجه الإمام أحمد. فهذا الصائم يعطي في الجنة ما شاء الله من طعام وشراب ونساء، قال الله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} قال مجاهد وغيره: "نزلت في الصائمين". وفي حديث عبد الرحمن ابن سمرة الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم في منامه قال: "ورأيت رجلاً من أمتي يلهث عطشاً كلما دنا من حوض منع وطرد، فجاءه صيام رمضان فسقاه وأرواه" خرجه الطبراني وغيره.
يا قوم، ألا خاطب في هذا الشهر إلى الرحمن ؟. ألا راغب فيما أعد الله للطائعين في الجنان ؟.
من يرد ملك الجنانفليدع عنه التواني
وليقم في ظلمة الليلإلى نور القرآن
وليصل صوماً بصومإن هذا العيش فان
إنما العيش جوار اللهفي دار الأمان.
الطبقة الثانية من الصائمين: من يصوم في الدنيا عما سوى الله، فيحفظ الرأس وما حوى، والبطن وما وعى، ويذكر الموت والبلى، ويريد الآخرة فيترك زينة الدنيا، فهذا عيد فطره يوم لقاء ربه، وفرحه برؤيته.
أهل الخصوص من الصوام صومهمصون اللسان عن البهتان والكذب
والعارفون وأهل الأنس صومهصون القلوب عن الأغيار والحجب
العارفون لا يسليهم عن رؤية مولاهم قصر، ولا يرويهم دون مشاهدته نهر، همهم أجل من ذلك، من صام بأمر الله عن شهواته في الدنيا أدركها غداً في الجنة، ومن صام عما سوى الله فعيده يوم لقائه {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
مجالس رمضان لابن العثيمين