عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أسلم :
( أذن في قومك "أو في الناس" يوم عاشوراء :
من كان أكل فليصم بقية يومه إلى الليل , و من لم يكن أكل فليصم )
صحيح . الصحيحة برقم : 2624
قال محدث عصره فضيلة الشيخ الألباني – رحمه الله - :
في هذا الحديث فائدتان هامتان :
الأولى :
أن صوم يوم عاشوراء كان في أول الأمر فرضا
و ذلك ظاهر في الاهتمام به الوارد فيه و المتمثل في :
إعلان الأمر بصيامه
و الإمساك عن الطعام لمن كان أكل فيه
و أمره بصيام بقية يومه
فإن صوم التطوع لا يتصور فيه إمساك بعد الفطر
كما قال ابن القيم رحمه الله في " تهذيب السنن " ( 3 / 327 )
و هناك أحاديث أخرى تؤكد أنه كان فرضا
و أنه لما فرض صيام شهر رمضان كان هو الفريضة
كما في حديث عائشة عند الشيخين و غيرهما , و هو مخرج في " صحيح أبي داود " برقم ( 2110 )
و الأخرى :
أن من وجب عليه الصوم نهارا :
كالمجنون يفيق , و الصبي يحتلم , و الكافر يسلم
و كمن بلغه الخبر بأن هلال رمضان رؤي البارحة
فهؤلاء يجزيهم النية من النهار حين الوجوب , و لو بعد أن أكلوا أو شربوا
فتكون هذه الحالة مستثناة من عموم قوله صلى الله عليه وسلم :
" من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له "
و هو حديث صحيح كما حققته في " صحيح أبي داود " ( 2118 )
و إلى هذا الذي أفاده حديث الترجمة ذهب ابن حزم و ابن تيمية و الشوكاني و غيرهم من المحققين
بقي فيه بحث :
بقي فيه بحث :
و هو أن الحديث يقتضي أن وجوب الصوم عليهم ما كان معلوما من الليل , و إنما علم من النهار
و حينئذ
صار اعتبار النية من النهار في حقهم ضروريا
كما إذا شهد الشهود بالهلال يوم الشك , فلا يلزم جواز الصوم بنية من النهار بلا ضرورة " أهـ
قلت :
و هذا هو الحق الذي به تجتمع النصوص
و هو خلاصة ما قال ابن حزم رحمه الله في " المحلى " ( 6 / 166 ) و قال عقبه :
" و به قال جماعة من السلف كما روينا من طريق ... عبد الكريم الجزري
أن قوما شهدوا على الهلال بعد ما أصبح الناس
فقال عمر بن عبد العزيز :
من أكل فليمسك عن الطعام , و من لم يأكل فليصم بقية يومه "
قلت :
و أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 3 / 69 ) و سنده صحيح على شرط الشيخين
و هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية , فقال في " الاختيارات العلمية " ( 4 / 63 - الكردي ) :
" و يصح صوم الفرض بنية النهار إذا لم يعلم وجوبه بالليل
كما إذا قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار , فإنه يتم بقية يومه و لا يلزمه قضاء و إن كان أكل "
و تبعه على ذلك المحقق ابن القيم , و الشوكاني
فمن شاء زيادة بيان و تفصيل فليراجع :
" مجموع الفتاوى " لابن تيمية ( 25 / 109 و 117 - 118 )
و " زاد المعاد " لابن القيم ( 1 / 235 )
و " تهذيب السنن " له ( 3 / 328 )
و " نيل الأوطار " للشوكاني ( 4 / 167 )
و إذا تبين ما ذكرنا
فإنه تزول مشكلة كبرى من مشاكل المسلمين اليوم
ألا و هي
اختلافهم في إثبات هلال رمضان بسبب اختلاف المطالع
فإن من المعلوم أن الهلال حين يُرى في مكان فليس من الممكن أن يُرى في كل مكان
كما إذا رؤي في المغرب فإنه لا يمكن أن يرى في المشرق
و إذا كان الراجح عند العلماء أن حديث " صوموا لرؤيته ... "
إنما هو على عمومه
و أنه لا يصح تقييده باختلاف المطالع
لأن هذه المطالع غير محدودة و لا معينة , لا شرعا و لا قدرا
فالتقييد بمثله لا يصح
و بناء على ذلك
فمن الممكن اليوم تبليغ الرؤية إلى كل البلاد الإسلامية بواسطة الإذاعة و نحوها
و حينئذ
فعلى كل من بلغته الرؤية أن يصوم , و لو بلغته قبل غروب الشمس بقليل , و لا قضاء عليه
لأنه قد قام بالواجب في حدود استطاعته , و لا يكلف الله نفسا إلا وسعها
و الأمر بالقضاء لم يثبت كما سبقت الإشارة إليه
و نرى أن من الواجب على الحكومات الإسلامية
أن يوحدوا يوم صيامهم و يوم فطرهم , كما يوحدون يوم حجهم
و لريثما يتفقون على ذلك
فلا نرى لشعوبهم أن يتفرقوا بينهم , فبعضهم يصوم مع دولته , و بعضهم مع الدولة الأخرى
و ذلك من باب درء المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى كما هو مقرر في علم الأصول
و الله تعالى ولي التوفيق
المصدر:(الصحيحة ج6 القسم الأول ص254 )
وتتميما للفائدة فقد ذكر الشيخ رحمه الله تعالى في تمام المنه صفحة398 تحت مسألة اختلاف المطالع وإلى أن تجتمع الدول الإسلامية على ذلك ـ يقصدعلى العمل بعموم حديث أبي هريرة( صوموا لرؤيته فإني أرى على شعب كل دولة أن بصوم مع دولته , ولاينقسم على نفسه , فيصوم بعضهم معها , وبعضهم مع غيرها, تقدمت في صيامهاأو تأخرت , لما في ذلك من توسيع دائرة الخلاف في الشعب الواحد , كما وقع في بعض الدول العربية , منذ بضع سنين. والله المستعان.فجزى الله الشيخ الإمام خير الجزاء ورحمه رحمة واسعة
تعليق