نص كلمة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن بازرحمه الله في فضل صوم رمضان وقيامه:
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى من يراه من المسلمين، وفقني الله وإياكم لاغتنام الخيرات، وجعلني وإياكم من المسارعين إلى الأعمال الصالحات
.آمين
سلام عليكم ورحمةالله وبركاته، أما بعد:
أيها المسلمون فإنكم في شهر عظيم مبارك ألا وهو شهر رمضان، شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر العتق والغفران، شهر الصدقات والإحسان، شهر تفتح فيه أبواب الجنات، وتضاعف فيه الحسنات، وتقال فيه العثرات، شهر تجاب فيه الدعوات وترفع الدرجات، وتغفر فيه السيئات، شهر يجود الله فيه سبحانه على عباده بأنواع الكرامات، ويجزل فيه لأوليائه العطيات، شهر جعل الله صيامه أحد أركان الإسلام، فصامه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأمر الناس بصيامه وأخبر عليه الصلاة والسلام أن من صامه إيمانا واحتسابا غفرالله له ما تقدم من ذنبه ومن قامه إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، شهر فيه ليلةخير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم، فعظموه رحمكم الله بالنية الصالحة والاجتهاد في حفظ صيامه وقيامه والمسابقة فيه إلى الخيرات، والمبادرة فيه إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب والسيئات، واجتهدوا في التناصح بينكم والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى كل خير لتفوزوا بالكرامة والأجر العظيم .
وفي الصيام فوائد كثيرة وحكم عظيمة، منها: تطهيرالنفس وتهذيبها وتزكيتها من الأخلاق السيئة والصفات الذميمة كالأشر والبطر والبخل، وتعويدها الأخلاق الكريمة كالصبر والحلم والجود والكرم ومجاهدة النفس فيما يرضي الله ويقرب لديه .
ومن فوائد الصوم أنه يعرف العبد نفسه وحاجته وضعفه وفقره لربه ويذكره بعظيم نعم الله عليه، ويذكره أيضا بحاجةإخوانه الفقراء فيوجب له ذلك شكر ا لله سبحانه والاستعانة بنعمه على طاعته ومواساة إخوانه الفقراءوالإحسان إليهم .
وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذه الفوائد في قوله عز وجل {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علىالذين من قبلكم لعلكم تتقون }
فأوضح سبحانه أنه كتب علينا الصيام لنتقيه، سبحانه فدل ذلك على أن الصيام وسيلة للتقوى، والتقوى هي طاعة الله ورسوله بفعل ما أمر وترك ما نهى عنه عن إخلاص لله عز وجل ومحبة ورغبة ورهبة، وبذلك يتقي العبد عذاب الله وغضبه .
فالصيام شعبة عظيمة من شعب التقوى، وقربة إلى المولى عز وجل، ووسيلة قوية إلى التقوى في بقية شئون الدين والدنيا. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض فوائد الصوم في قوله r : «يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» .
فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن الصوم وجاء للصائم ووسيلة لطهارته وعفافه، وما ذاك إلا لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، والصوم يضيق تلك المجاري، ويذكر بالله وعظمته فيضعف سلطان الشيطان ويقوى سلطان الإيمان، وتكثر بسببه الطاعات من المؤمنين وتقل به المعاصي .
ومن فوائد الصوم أيضا أنه يطهر البدن من الأخلاط الرذيلة ويكسبه صحة وقوة اعترف بذلك الكثير من الأطباء وعالجوا به كثيرا من الأمراض، وقد أخبر الله سبحانه في كتابه العزيز أنه كتب علينا الصيام كما كتبه على من قبلنا، وأوضح سبحانه أن المفروض علينا هو صيام شهر رمضان، وأخبر نبينا عليه الصلاة والسلام أن صيامه هو أحد أركان الإسلام الخمسة، قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علىالذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات } إلى أن قال عز وجل { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهدمنكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أوعلى سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولايريد بكم العسر ولتمكلوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون }.
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضىالله عنهما قال قال: رسول الله r «بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت»
أيها المسلمون: إن الصوم عمل صالح عظيم وثوابه جزيل، ولا سيما صوم رمضان فإنه الصوم الذي فرضه الله على عباده ، وجعله من أسباب الفوز لديه، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي r قال: «يقول الله تعالى كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» وفي الصحيح عن النبي r أنه قال: «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وسلسلت الشياطين»، وأخرج الترمذي وابن ماجه عن النبي r أنه قال: «إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل وياباغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة» وعن عبادةبن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله r قال: «أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله» رواه الطبراني. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال: رسول الله r «إن الله فرض عليكم صيام رمضان وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه»
رواه النسائي .
وليس في قيام رمضان حد محدود، لأن النببي صلى الله عليه وسلم لم يوقت لأمته في ذلك شيئا، وإنما حثهم على قيام رمضان، ولم يحدد ذلك بركعات معدودة ، ولما سئل عليه الصلاة والسلام عن قيام الليل قال: «مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى» أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين، فدل ذلك على التوسعة في هذا الأمر، فمن أحب أن يصلي عشرين ركعة ويوتر بثلاث فلابأس، ومن أحب أن يصلي عشر ركعات ويوتر بثلاث فلا بأس، ومن أحب أن يصلي ثمان ركعات ويوتر بثلاث فلابأس، ومن زاد على ذلك أو نقص عنه فلا حرج عليه .والأفضل ما كان النبي r يفعله غالبا وهو أن يقوم بثمان ركعات يسلم من كل ركعتين ويوتر بثلاث مع الخشوع والطمأنينة وترتيل القراءة لما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله r لايزيد في رمضان ولا في غيره علىإحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا) وفي الصحيحين عنها رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل عشر ركعات يسلم من كل ثنتين ويوتر بواحدة .
وثبت عنه r في أحاديث أخرى أنه كان يتهجد في بعض الليالي بأقل من ذلك، وثبت عنه أيضا r أنه في بعض الليالي يصلي ثلاث عشرة ركعة يسلم من كل اثنتين، فدلت هذه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله r علىأن الأمر في صلاة الليل موسع فيه بحمدالله وليس فيها حد محدود لايجوز غيره، وهو من فضل الله ورحمته وتيسيره على عباده، حتى يفعل كل مسلم مايستطيع من ذلك، وهذا يعم رمضان وغيره .
وينبغي أن يعلم أن المشروع للمسلم في قيام رمضان وفي سائر الصلوات هو الإقبال على صلاته والخشوع فيها والطمأنينة في القيام والقعود والركوع والسجود وترتيل التلاوة وعدم العجلة، لأن روح الصلاة هوالإقبال عليها بالقلب والقالب، والخشوع فيها وأداؤها كما شرع الله بإخلاص وصدق ورغبة ورهبة وحضور قلب . كما قال الله سبحانه {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون } وقال النبي r «وجعلت قرة عيني في الصلاة» وقال للذي أساء في صلاته: «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها».
وكثير من الناس يصلي في قيام رمضان صلاة لا يعقلها ولا يطمئن فيها بل ينقرها نقراً، وذلك لا يجوز بل هو منكر لا تصح معه الصلاة، لأن الطمأنينة ركن في الصلاة لابد منه ، كما دل عليه الحديث المذكور آنفا فالواجب الحذر من ذلك، وفي الحديث عنه r أنه قال: «أسوأ الناس سرقة الذي يسرق صلاته» قالوا: يارسول الله: كيف يسرق صلاته؟ قال: «لا يتم ركوعها ولا سجودها» وثبت عنه r أنه أمر الذي نقر صلاته أن يعيدها .
فيامعشر المسلمين عظموا الصلاة وأدوها كما شرع الله واغتنموا هذا الشهر العظيم وعظموه رحمكم الله بأنواع العبادات والقربات وسارعوا فيه إلى الطاعات فهو شهر عظيم جعله الله ميدانا لعباده يتسابقون إليه فيه بالطاعات ويتنافسون فيه بأنواع الخيرات . فأكثروا فيه رحمكم الله من الصلاةوالصدقات وقراءة القرآن الكريم بالتدبر والتعقل والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار ، والإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم والإحسان إلى الفقراء والمساكين والأيتام، وقد كان رسول الله r أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان فاقتدوا به رحمكم الله في مضاعفة الجود والإحسان في شهر رمضان، وأعينوا إخوانكم الفقراء علىالصيام والقيام واحتسبوا أجر ذلك عند الملك العلام واحفظوا صيامكم عما حرمه الله عليكم من الأوزار والآثام، فقد صح عن النبي r أنه قال: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه » وقال عليه الصلاة والسلام: «الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن امرؤ سابه أحد فليقل إني امرؤصائم». وجاء عنه r أنه قال: «ليس الصيام عن الطعام والشراب وإنما الصيام من اللغو والرفث» وخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد رضى الله عنه قال: قال رسول الله r «من صام رمضان وعرف حدوده وتحفظ مما ينبغي له أن يتحفظ منه كفر ما قبله».
وقال جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما ( إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء).
ومن أهم الأمور التي يجب علىالمسلم العناية بها والمحافظة عليها في رمضان وفي غيره: الصلوات الخمس في أوقاتها، فإنها عمود الإسلام وأعظم الفرائض بعد الشهادتين، وقد عظم الله شأنها وأكثر من ذكرها في كتابـــه العظيـــم فقـال {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين } وقـــال تعــــالى {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون } والآيات في هذا المعنى كثيرة، وقال النبي r «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر»، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «من حافظ على الصلاة كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف»، ومن أهم واجباتها في حق الرجال أداؤها في الجماعة، كما جاء في الحديث عن النبي r أنه قال: «من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر» وجاءه r رجـــل أعمــى فقال: يارسول الله إني رجل شاسع الدار عن المسجد وليس لي قائد يلائمني فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي r «هل تسمع النداء بالصلاة» قال: نعم قال: «فأجب» خرجه مسلم في صحيحه .
وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق) فاتقوا الله عباد الله في صلاتكم وحافظوا عليها في الجماعة، وتواصوا بذلك في رمضان وغيره تفوزوا بالمغفرة ومضاعفة الأجر وتسلموا من غضب الله وعقابه ومشابهة أعدائه من المنافقين .
وأهم الأمور بعد الصلاة الزكاة فهي الركن الثالث من أركان الإسلام، وهي قرينة الصلاة في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله r فعظموها كما عظمها الله، وسارعوا إلى إخراجها وقت وجوبها وصرفها إلى مستحقيها عن إخلاص لله عز وجل وطيب نفس وشكر للمنعم سبحانه، واعلموا أنها زكاة وطهرة لكم ولأموالكم وشكر للذي أنعم عليكم بالمال ومواساة لإخوانكم الفقراء، كما قال الله عز وجل {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } وقال سبحانه وتعالى { اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور }، وقال النبي r لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن «إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم فإن أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» متفق على صحته .
وينبغي للمسلم في هذا الشهر الكريم التوسع في النفقة والعناية بالفقراء والمتعففين وإعانتهم على الصيــام والقيام تأسياً برسول الله r وطلبـــا لمرضاة الله سبحانه وشـكرا لإنعامه، وقد وعد الله سبحانه عبـاده المتقين بالأجر العظيم والخلف الجزيل، فقال سبحانه { وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عندالله هو خيرا وأعظم أجرا } وقال تعالى { وما أنفقتم من شيء فهويخلفه وهو خيرالرازقين } .
واحذروا رحمكم الله كل ما يجرح الصوم وينقص الأجر ويغضب الرب عز وجل من سائر المعاصي، كالربا والزنا والسرقة وقتل النفس بغيرحق وأكل أموال اليتامى، وأنواع الظلم في النفس والمال والعرض والغش في المعاملات والخيانة للأمانات وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم والشحناء والتهاجر في غير حق الله سبحانه وشرب المسكرات وأنواع المخدرات كالقات والدخان، والغيبة والنميمة والكذب وشهادة الزور والدعاوى الباطلة والأيمان الكاذبة وحلق اللحى وتقصيرها وإطالة الشوارب والتكبر وإسبال الملابس واستماع الأغاني وآلات الملاهي وتبرج النساء وعدم تسترهن من الرجال، والتشبه بنساء الكفرة في لبس الثياب القصيرة وغير ذلك مما نهى الله عنه ورسوله .وهذه المعاصي التي ذكرنا محرمة في كل زمان ومكان، ولكنها في رمضان أشد تحريما وأعظم إثما لفضل الزمان وحرمته، فاتقوا الله أيها المسلمون واحذروا ما نهاكم الله عنه ورسوله واستقيموا على طاعته في رمضان وغيره، وتواصوا بذلك وتعاونوا عليه وتآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر لتفوزوا بالكرامة والسعادة والعزة والنجاة في الدنيا والآخرة . والله المسئول أن يعيذناوإياكم وسائر المسلمين من أسباب غضبه، وأن يتقبل منا جميعا صيامنا وقيامنا، وأن يصلح ولاة أمر المسلمين وأن ينصر بهم دينه ويخذل بهم أعداءه، وأن يوفق الجميع للفقه في الدين والثبات عليه والحكم به والتحاكم إليه في كل شيء، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلىآله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين .
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء
والدعوة والإرشاد
(40) أخرجه مسلم 1/510 برقم (73، وأبوداود 2/84 برقم (1334) .
(41) أخرجه أحمد 2/160، 206، والبخاري 1/286، ومسلم 3/165، وأبوداود برقم (244 والنسائي 1/321، وابن ماجه برقم (1712) .
(42) أخرجه مالك 1/214، والبخاري 1/289، 4/190، ومسلم 2/175، وأبوداود برقم (1315)، والترمذي 2/263.
(43) سورة الشورى، الآية 11 .
(44) أخرجه أحمد 3/13، 35، 37، 71، ومسلم 1/519-520 برقم (754) والنسائي 3/231 برقم (1683، 1684)، والترمذي 2/332 برقم (46، وابن ماجه 1/375
برقم (1189) والدارمي 1/372، والحاكم 1/ 301، وعبدالرزاق 3/8 برقم (4589) والبيهقي2/487، والمروزي في قيــام الليــل كمــا في مختصره ( ص 305) .
(45) أخرجه الترمذي 2/332 برقم (469) وعبدالرزاق 3/13 برقم (4613) وابن حزم في المحلى (3/101 ت شاكر) رواه بنحوه: الحاكم 1/302، والبيهقي 2/478.
(46) أخرجه أحمد 6/290، 321، والنسائي 3/239 برقم (1714، 1715) وابن ماجه 1/376 برقم (1192) والخطيب في تاريخ بغداد 5/138 .
(47) أخرجه البخاري 2/52، ومسلم 1/501 برقم (724 «94») وأبوداود 2/44 برقم (1254) وابن حبان 6/209- 210، 216 برقم (2456، 2463)، وابن خزيمة
2/161 برقم (1109)، والبيهقي 2/470، والبغوي 3/452 برقم (880) .
(4 أخرجه أحمد 2/290، 425، 4/65، 103، 5/72، 377، وأبوداود1/540-541 برقم (864) والنسائي 1/233-234 برقم(466، 467)، والترمذي 2/270 برقم
(413) وابن ماجه1/458 برقم (1425، 1426) والحاكم 1/262-263، والبيهقي 2/386، 387 .
(49) أخرجه أحمد 4/410، 418، والبخاري 2/246، وأبوداود برقم (3091) .
(50) أخرجه البخاري 10/430 في الأدب باب ما يجوز من الغضب، ومسلم برقم (781) وأبوداود 2/145 برقم (1447) والنسائي 3/198 .
(51) أخرجه مالك في الموطأ 1/168، وأحمد2/16، 4/114، 116، 5/192، 6/65، والبخاري 1/112، ومسلم 1/538-539 برقم (777) وأبوداود1/632 برقم
(1043) والنسائي 3/197 برقم (159 والترمذي 2/313 برقم (451) والطبراني في الكبير 5/258 برقم (5278-5280) ، وابن أبي شيبة2/255 .
(52) أخرجه أحمد 2/331، ومسلم 2/153، وأبوداود برقم (1266) والنسائي 1/139، والترمذي2 /282، وابن ماجه برقم (1151)، والدارمي 1/337 .
(53) أخرجه أحمد 5/295، والبخاري 1/293، ومسلم 2/155، وأبوداود برقم (467) والنسائي 1/119، والترمذي2/129، وابن ماجه برقم (1013)، والدارمي 1/323
.
(54) أخرجه أبوداود 2/51-52 برقم (1267) وابن ماجه 1/365 برقم (1154) والبيهقي 2/456، 483والدارقطني1/384-385 والحاكم 1/275، وابن خزيمة2/164
برقم( 1116) وابن أبي شيبة 2/254، 14/239 .
(55) أخرجه الترمذي 2/287برقم (423)، والبيهقي 2/484، والحاكم 1/274 وابن خزيمة 2/165برقم (1117)، وابن حبان 6/224 برقم (2472)، والدارقطني
1/382-383.
(56) أخرجه البخاري 2/476، ومسلم برقم (689) وأبوداود برقم (1223) والترمذي برقم (544)، والنسائي 3/122-123 .
(57) سورة الأحزاب الآية 23.
(5 أخرجه أحمد 2/24 بنحوه، والبخاري 2/38، ومسلم 1/ 480 برقم (689 «9») .
(59) أخرجه أحمد 2/24، والبخاري 2/38، ومسلم1/479-480 برقم (689) وأبوداود 2/20 برقم (1223) والنسائي3/123برقم (145 والترمذي 2/428 برقم
(544)، وابن ماجه 1/340برقم (1071).
(60) أخرجه أحمد 2/23، 104، وأبوداود 2/58 برقم (127 والترمذي 2/279برقم (419)، والدار قطني1/246، 419، وابن أبي شيبة 2/355، وعبدالرزاق 3/53
برقم (4757-4760) والبيهقي 2/465، 466، والمروزي في قيام الليل كما في مختصره، باب كراهية التطوع بعد طلوع الفجر سوى الركعتين (ص 175) .
(61) أخرجه أحمد 1/25، 43، والبخاري 1/2، ومسلم3/1515-1516 برقم (1907) وأبوداود 2/651-652 برقم (2201)، والترمذي 4/179-180 برقم (1647)،
والنسائي 1/58 -60، 6/158-159، 7/13 الأرقام (75، 3437، 3794)، وابن ماجه 2/1413 برقم (4227).
(62) أخرجه أحمد 2/117، وأبوداود 2/23 في التطوع باب الصلاة قبل العصر، والترمذي 2/295 في الصلاة باب ما جاء في الأربع قبل العصر .
(63) أخرجه أحمد 2/26، 51، وأبوداود 2/65 برقم (1295)، والنسائي3/227برقم (1666)، والترمذي2/491 برقم (597) وابن ماجه 1/419برقم (1322)،
والبيهقي 2/487، والدارقطني1/ 417، وابن خزيمة 2/214 برقم (1210)، وابن حبان 6/231، 232، 241، برقم (2482، 2483،، 2494)، والطحاوي في شرح معاني
الآثار 1/334 .
(64) أخرجه البخاري 2/54-55، 8/162، ومسلم 1/573 برقم (83 بلفظ «بين كل أذانين صلاة...إلخ»، وأبوداود 1/59 برقم (1281) والدارقطني 2/265-266
والبيهقي 2/474، وابن خزيمة 2/267 برقم (1289)، والمروزي في قيام الليل كما في مختصره، باب الركعتين قبل المغرب (ص58-59).
(65) أخرجه أحمد 3/280، والبخاري 1/127-128، 154، واللفظ له، ومسلم 1/573 برقم (837) بنحوه، والنسائي 2/28-29 برقم (682)، والدارمي 1/336، وابن
خزيمة 2/266 برقم (128 والمروزي في قيام الليل كما في مختصره ( ص59) .
(66) أخرجه مسلم 1/573 برقم (837) ، والدارقطني 1/267، 268، والبيهقي 2/475 والبغوي في شرح السنة 3/472 برقم (895) .
(67) أخرجه مالك في الموطأ1/166، وأحمد2/6، 63، والبخاري 1/225، 2/51، 53، 54، ومسلم1/504 برقم (729)، وأبوداود 2/43 برقم (1252)، والنسائي
2/298 برقم (433)، واالترمذي 2/298 برقم (433) وعبدالرزاق 3/64، 65 برقم (4808، 4809، 4811، 4813)، وابن خزيمة2 /208برقم (1197، 119 وابن
حبان 6/207-208، 225 برقم (2454، 2473) والبيهقي 2/471 والبغوي في شرح السنة 3/444، 445 برقم (867، 86 .
(6 أخرجه أبوداود2/52، 53برقم (1269-1270)، والنسائي 3/264-266 برقم (1812، 1814، 1817) والترمذي 2/292-293 برقم (427- 42، وابن ماجه
1/367 برقم (1160)والحاكم 1/312.
(69) أخرجه أحمد 6/63، 148، والبخاري 2/54، وأبوداود 2/44 برقم (1253) والنسائي 3/251- 252 برقم ( 1757، 175 ، والبيهقي 2/472 والبغوي في شرح السنة 3/447-448 برقم (871) .
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى من يراه من المسلمين، وفقني الله وإياكم لاغتنام الخيرات، وجعلني وإياكم من المسارعين إلى الأعمال الصالحات
.آمين
سلام عليكم ورحمةالله وبركاته، أما بعد:
أيها المسلمون فإنكم في شهر عظيم مبارك ألا وهو شهر رمضان، شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر العتق والغفران، شهر الصدقات والإحسان، شهر تفتح فيه أبواب الجنات، وتضاعف فيه الحسنات، وتقال فيه العثرات، شهر تجاب فيه الدعوات وترفع الدرجات، وتغفر فيه السيئات، شهر يجود الله فيه سبحانه على عباده بأنواع الكرامات، ويجزل فيه لأوليائه العطيات، شهر جعل الله صيامه أحد أركان الإسلام، فصامه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأمر الناس بصيامه وأخبر عليه الصلاة والسلام أن من صامه إيمانا واحتسابا غفرالله له ما تقدم من ذنبه ومن قامه إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، شهر فيه ليلةخير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم، فعظموه رحمكم الله بالنية الصالحة والاجتهاد في حفظ صيامه وقيامه والمسابقة فيه إلى الخيرات، والمبادرة فيه إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب والسيئات، واجتهدوا في التناصح بينكم والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى كل خير لتفوزوا بالكرامة والأجر العظيم .
وفي الصيام فوائد كثيرة وحكم عظيمة، منها: تطهيرالنفس وتهذيبها وتزكيتها من الأخلاق السيئة والصفات الذميمة كالأشر والبطر والبخل، وتعويدها الأخلاق الكريمة كالصبر والحلم والجود والكرم ومجاهدة النفس فيما يرضي الله ويقرب لديه .
ومن فوائد الصوم أنه يعرف العبد نفسه وحاجته وضعفه وفقره لربه ويذكره بعظيم نعم الله عليه، ويذكره أيضا بحاجةإخوانه الفقراء فيوجب له ذلك شكر ا لله سبحانه والاستعانة بنعمه على طاعته ومواساة إخوانه الفقراءوالإحسان إليهم .
وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذه الفوائد في قوله عز وجل {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علىالذين من قبلكم لعلكم تتقون }
فأوضح سبحانه أنه كتب علينا الصيام لنتقيه، سبحانه فدل ذلك على أن الصيام وسيلة للتقوى، والتقوى هي طاعة الله ورسوله بفعل ما أمر وترك ما نهى عنه عن إخلاص لله عز وجل ومحبة ورغبة ورهبة، وبذلك يتقي العبد عذاب الله وغضبه .
فالصيام شعبة عظيمة من شعب التقوى، وقربة إلى المولى عز وجل، ووسيلة قوية إلى التقوى في بقية شئون الدين والدنيا. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض فوائد الصوم في قوله r : «يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» .
فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن الصوم وجاء للصائم ووسيلة لطهارته وعفافه، وما ذاك إلا لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، والصوم يضيق تلك المجاري، ويذكر بالله وعظمته فيضعف سلطان الشيطان ويقوى سلطان الإيمان، وتكثر بسببه الطاعات من المؤمنين وتقل به المعاصي .
ومن فوائد الصوم أيضا أنه يطهر البدن من الأخلاط الرذيلة ويكسبه صحة وقوة اعترف بذلك الكثير من الأطباء وعالجوا به كثيرا من الأمراض، وقد أخبر الله سبحانه في كتابه العزيز أنه كتب علينا الصيام كما كتبه على من قبلنا، وأوضح سبحانه أن المفروض علينا هو صيام شهر رمضان، وأخبر نبينا عليه الصلاة والسلام أن صيامه هو أحد أركان الإسلام الخمسة، قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علىالذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات } إلى أن قال عز وجل { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهدمنكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أوعلى سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولايريد بكم العسر ولتمكلوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون }.
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضىالله عنهما قال قال: رسول الله r «بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت»
أيها المسلمون: إن الصوم عمل صالح عظيم وثوابه جزيل، ولا سيما صوم رمضان فإنه الصوم الذي فرضه الله على عباده ، وجعله من أسباب الفوز لديه، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي r قال: «يقول الله تعالى كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» وفي الصحيح عن النبي r أنه قال: «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وسلسلت الشياطين»، وأخرج الترمذي وابن ماجه عن النبي r أنه قال: «إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل وياباغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة» وعن عبادةبن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله r قال: «أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله» رواه الطبراني. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال: رسول الله r «إن الله فرض عليكم صيام رمضان وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه»
رواه النسائي .
وليس في قيام رمضان حد محدود، لأن النببي صلى الله عليه وسلم لم يوقت لأمته في ذلك شيئا، وإنما حثهم على قيام رمضان، ولم يحدد ذلك بركعات معدودة ، ولما سئل عليه الصلاة والسلام عن قيام الليل قال: «مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى» أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين، فدل ذلك على التوسعة في هذا الأمر، فمن أحب أن يصلي عشرين ركعة ويوتر بثلاث فلابأس، ومن أحب أن يصلي عشر ركعات ويوتر بثلاث فلا بأس، ومن أحب أن يصلي ثمان ركعات ويوتر بثلاث فلابأس، ومن زاد على ذلك أو نقص عنه فلا حرج عليه .والأفضل ما كان النبي r يفعله غالبا وهو أن يقوم بثمان ركعات يسلم من كل ركعتين ويوتر بثلاث مع الخشوع والطمأنينة وترتيل القراءة لما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله r لايزيد في رمضان ولا في غيره علىإحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا) وفي الصحيحين عنها رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل عشر ركعات يسلم من كل ثنتين ويوتر بواحدة .
وثبت عنه r في أحاديث أخرى أنه كان يتهجد في بعض الليالي بأقل من ذلك، وثبت عنه أيضا r أنه في بعض الليالي يصلي ثلاث عشرة ركعة يسلم من كل اثنتين، فدلت هذه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله r علىأن الأمر في صلاة الليل موسع فيه بحمدالله وليس فيها حد محدود لايجوز غيره، وهو من فضل الله ورحمته وتيسيره على عباده، حتى يفعل كل مسلم مايستطيع من ذلك، وهذا يعم رمضان وغيره .
وينبغي أن يعلم أن المشروع للمسلم في قيام رمضان وفي سائر الصلوات هو الإقبال على صلاته والخشوع فيها والطمأنينة في القيام والقعود والركوع والسجود وترتيل التلاوة وعدم العجلة، لأن روح الصلاة هوالإقبال عليها بالقلب والقالب، والخشوع فيها وأداؤها كما شرع الله بإخلاص وصدق ورغبة ورهبة وحضور قلب . كما قال الله سبحانه {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون } وقال النبي r «وجعلت قرة عيني في الصلاة» وقال للذي أساء في صلاته: «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها».
وكثير من الناس يصلي في قيام رمضان صلاة لا يعقلها ولا يطمئن فيها بل ينقرها نقراً، وذلك لا يجوز بل هو منكر لا تصح معه الصلاة، لأن الطمأنينة ركن في الصلاة لابد منه ، كما دل عليه الحديث المذكور آنفا فالواجب الحذر من ذلك، وفي الحديث عنه r أنه قال: «أسوأ الناس سرقة الذي يسرق صلاته» قالوا: يارسول الله: كيف يسرق صلاته؟ قال: «لا يتم ركوعها ولا سجودها» وثبت عنه r أنه أمر الذي نقر صلاته أن يعيدها .
فيامعشر المسلمين عظموا الصلاة وأدوها كما شرع الله واغتنموا هذا الشهر العظيم وعظموه رحمكم الله بأنواع العبادات والقربات وسارعوا فيه إلى الطاعات فهو شهر عظيم جعله الله ميدانا لعباده يتسابقون إليه فيه بالطاعات ويتنافسون فيه بأنواع الخيرات . فأكثروا فيه رحمكم الله من الصلاةوالصدقات وقراءة القرآن الكريم بالتدبر والتعقل والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار ، والإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم والإحسان إلى الفقراء والمساكين والأيتام، وقد كان رسول الله r أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان فاقتدوا به رحمكم الله في مضاعفة الجود والإحسان في شهر رمضان، وأعينوا إخوانكم الفقراء علىالصيام والقيام واحتسبوا أجر ذلك عند الملك العلام واحفظوا صيامكم عما حرمه الله عليكم من الأوزار والآثام، فقد صح عن النبي r أنه قال: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه » وقال عليه الصلاة والسلام: «الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن امرؤ سابه أحد فليقل إني امرؤصائم». وجاء عنه r أنه قال: «ليس الصيام عن الطعام والشراب وإنما الصيام من اللغو والرفث» وخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد رضى الله عنه قال: قال رسول الله r «من صام رمضان وعرف حدوده وتحفظ مما ينبغي له أن يتحفظ منه كفر ما قبله».
وقال جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما ( إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء).
ومن أهم الأمور التي يجب علىالمسلم العناية بها والمحافظة عليها في رمضان وفي غيره: الصلوات الخمس في أوقاتها، فإنها عمود الإسلام وأعظم الفرائض بعد الشهادتين، وقد عظم الله شأنها وأكثر من ذكرها في كتابـــه العظيـــم فقـال {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين } وقـــال تعــــالى {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون } والآيات في هذا المعنى كثيرة، وقال النبي r «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر»، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «من حافظ على الصلاة كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف»، ومن أهم واجباتها في حق الرجال أداؤها في الجماعة، كما جاء في الحديث عن النبي r أنه قال: «من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر» وجاءه r رجـــل أعمــى فقال: يارسول الله إني رجل شاسع الدار عن المسجد وليس لي قائد يلائمني فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي r «هل تسمع النداء بالصلاة» قال: نعم قال: «فأجب» خرجه مسلم في صحيحه .
وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق) فاتقوا الله عباد الله في صلاتكم وحافظوا عليها في الجماعة، وتواصوا بذلك في رمضان وغيره تفوزوا بالمغفرة ومضاعفة الأجر وتسلموا من غضب الله وعقابه ومشابهة أعدائه من المنافقين .
وأهم الأمور بعد الصلاة الزكاة فهي الركن الثالث من أركان الإسلام، وهي قرينة الصلاة في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله r فعظموها كما عظمها الله، وسارعوا إلى إخراجها وقت وجوبها وصرفها إلى مستحقيها عن إخلاص لله عز وجل وطيب نفس وشكر للمنعم سبحانه، واعلموا أنها زكاة وطهرة لكم ولأموالكم وشكر للذي أنعم عليكم بالمال ومواساة لإخوانكم الفقراء، كما قال الله عز وجل {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } وقال سبحانه وتعالى { اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور }، وقال النبي r لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن «إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم فإن أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» متفق على صحته .
وينبغي للمسلم في هذا الشهر الكريم التوسع في النفقة والعناية بالفقراء والمتعففين وإعانتهم على الصيــام والقيام تأسياً برسول الله r وطلبـــا لمرضاة الله سبحانه وشـكرا لإنعامه، وقد وعد الله سبحانه عبـاده المتقين بالأجر العظيم والخلف الجزيل، فقال سبحانه { وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عندالله هو خيرا وأعظم أجرا } وقال تعالى { وما أنفقتم من شيء فهويخلفه وهو خيرالرازقين } .
واحذروا رحمكم الله كل ما يجرح الصوم وينقص الأجر ويغضب الرب عز وجل من سائر المعاصي، كالربا والزنا والسرقة وقتل النفس بغيرحق وأكل أموال اليتامى، وأنواع الظلم في النفس والمال والعرض والغش في المعاملات والخيانة للأمانات وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم والشحناء والتهاجر في غير حق الله سبحانه وشرب المسكرات وأنواع المخدرات كالقات والدخان، والغيبة والنميمة والكذب وشهادة الزور والدعاوى الباطلة والأيمان الكاذبة وحلق اللحى وتقصيرها وإطالة الشوارب والتكبر وإسبال الملابس واستماع الأغاني وآلات الملاهي وتبرج النساء وعدم تسترهن من الرجال، والتشبه بنساء الكفرة في لبس الثياب القصيرة وغير ذلك مما نهى الله عنه ورسوله .وهذه المعاصي التي ذكرنا محرمة في كل زمان ومكان، ولكنها في رمضان أشد تحريما وأعظم إثما لفضل الزمان وحرمته، فاتقوا الله أيها المسلمون واحذروا ما نهاكم الله عنه ورسوله واستقيموا على طاعته في رمضان وغيره، وتواصوا بذلك وتعاونوا عليه وتآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر لتفوزوا بالكرامة والسعادة والعزة والنجاة في الدنيا والآخرة . والله المسئول أن يعيذناوإياكم وسائر المسلمين من أسباب غضبه، وأن يتقبل منا جميعا صيامنا وقيامنا، وأن يصلح ولاة أمر المسلمين وأن ينصر بهم دينه ويخذل بهم أعداءه، وأن يوفق الجميع للفقه في الدين والثبات عليه والحكم به والتحاكم إليه في كل شيء، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلىآله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين .
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء
والدعوة والإرشاد
(40) أخرجه مسلم 1/510 برقم (73، وأبوداود 2/84 برقم (1334) .
(41) أخرجه أحمد 2/160، 206، والبخاري 1/286، ومسلم 3/165، وأبوداود برقم (244 والنسائي 1/321، وابن ماجه برقم (1712) .
(42) أخرجه مالك 1/214، والبخاري 1/289، 4/190، ومسلم 2/175، وأبوداود برقم (1315)، والترمذي 2/263.
(43) سورة الشورى، الآية 11 .
(44) أخرجه أحمد 3/13، 35، 37، 71، ومسلم 1/519-520 برقم (754) والنسائي 3/231 برقم (1683، 1684)، والترمذي 2/332 برقم (46، وابن ماجه 1/375
برقم (1189) والدارمي 1/372، والحاكم 1/ 301، وعبدالرزاق 3/8 برقم (4589) والبيهقي2/487، والمروزي في قيــام الليــل كمــا في مختصره ( ص 305) .
(45) أخرجه الترمذي 2/332 برقم (469) وعبدالرزاق 3/13 برقم (4613) وابن حزم في المحلى (3/101 ت شاكر) رواه بنحوه: الحاكم 1/302، والبيهقي 2/478.
(46) أخرجه أحمد 6/290، 321، والنسائي 3/239 برقم (1714، 1715) وابن ماجه 1/376 برقم (1192) والخطيب في تاريخ بغداد 5/138 .
(47) أخرجه البخاري 2/52، ومسلم 1/501 برقم (724 «94») وأبوداود 2/44 برقم (1254) وابن حبان 6/209- 210، 216 برقم (2456، 2463)، وابن خزيمة
2/161 برقم (1109)، والبيهقي 2/470، والبغوي 3/452 برقم (880) .
(4 أخرجه أحمد 2/290، 425، 4/65، 103، 5/72، 377، وأبوداود1/540-541 برقم (864) والنسائي 1/233-234 برقم(466، 467)، والترمذي 2/270 برقم
(413) وابن ماجه1/458 برقم (1425، 1426) والحاكم 1/262-263، والبيهقي 2/386، 387 .
(49) أخرجه أحمد 4/410، 418، والبخاري 2/246، وأبوداود برقم (3091) .
(50) أخرجه البخاري 10/430 في الأدب باب ما يجوز من الغضب، ومسلم برقم (781) وأبوداود 2/145 برقم (1447) والنسائي 3/198 .
(51) أخرجه مالك في الموطأ 1/168، وأحمد2/16، 4/114، 116، 5/192، 6/65، والبخاري 1/112، ومسلم 1/538-539 برقم (777) وأبوداود1/632 برقم
(1043) والنسائي 3/197 برقم (159 والترمذي 2/313 برقم (451) والطبراني في الكبير 5/258 برقم (5278-5280) ، وابن أبي شيبة2/255 .
(52) أخرجه أحمد 2/331، ومسلم 2/153، وأبوداود برقم (1266) والنسائي 1/139، والترمذي2 /282، وابن ماجه برقم (1151)، والدارمي 1/337 .
(53) أخرجه أحمد 5/295، والبخاري 1/293، ومسلم 2/155، وأبوداود برقم (467) والنسائي 1/119، والترمذي2/129، وابن ماجه برقم (1013)، والدارمي 1/323
.
(54) أخرجه أبوداود 2/51-52 برقم (1267) وابن ماجه 1/365 برقم (1154) والبيهقي 2/456، 483والدارقطني1/384-385 والحاكم 1/275، وابن خزيمة2/164
برقم( 1116) وابن أبي شيبة 2/254، 14/239 .
(55) أخرجه الترمذي 2/287برقم (423)، والبيهقي 2/484، والحاكم 1/274 وابن خزيمة 2/165برقم (1117)، وابن حبان 6/224 برقم (2472)، والدارقطني
1/382-383.
(56) أخرجه البخاري 2/476، ومسلم برقم (689) وأبوداود برقم (1223) والترمذي برقم (544)، والنسائي 3/122-123 .
(57) سورة الأحزاب الآية 23.
(5 أخرجه أحمد 2/24 بنحوه، والبخاري 2/38، ومسلم 1/ 480 برقم (689 «9») .
(59) أخرجه أحمد 2/24، والبخاري 2/38، ومسلم1/479-480 برقم (689) وأبوداود 2/20 برقم (1223) والنسائي3/123برقم (145 والترمذي 2/428 برقم
(544)، وابن ماجه 1/340برقم (1071).
(60) أخرجه أحمد 2/23، 104، وأبوداود 2/58 برقم (127 والترمذي 2/279برقم (419)، والدار قطني1/246، 419، وابن أبي شيبة 2/355، وعبدالرزاق 3/53
برقم (4757-4760) والبيهقي 2/465، 466، والمروزي في قيام الليل كما في مختصره، باب كراهية التطوع بعد طلوع الفجر سوى الركعتين (ص 175) .
(61) أخرجه أحمد 1/25، 43، والبخاري 1/2، ومسلم3/1515-1516 برقم (1907) وأبوداود 2/651-652 برقم (2201)، والترمذي 4/179-180 برقم (1647)،
والنسائي 1/58 -60، 6/158-159، 7/13 الأرقام (75، 3437، 3794)، وابن ماجه 2/1413 برقم (4227).
(62) أخرجه أحمد 2/117، وأبوداود 2/23 في التطوع باب الصلاة قبل العصر، والترمذي 2/295 في الصلاة باب ما جاء في الأربع قبل العصر .
(63) أخرجه أحمد 2/26، 51، وأبوداود 2/65 برقم (1295)، والنسائي3/227برقم (1666)، والترمذي2/491 برقم (597) وابن ماجه 1/419برقم (1322)،
والبيهقي 2/487، والدارقطني1/ 417، وابن خزيمة 2/214 برقم (1210)، وابن حبان 6/231، 232، 241، برقم (2482، 2483،، 2494)، والطحاوي في شرح معاني
الآثار 1/334 .
(64) أخرجه البخاري 2/54-55، 8/162، ومسلم 1/573 برقم (83 بلفظ «بين كل أذانين صلاة...إلخ»، وأبوداود 1/59 برقم (1281) والدارقطني 2/265-266
والبيهقي 2/474، وابن خزيمة 2/267 برقم (1289)، والمروزي في قيام الليل كما في مختصره، باب الركعتين قبل المغرب (ص58-59).
(65) أخرجه أحمد 3/280، والبخاري 1/127-128، 154، واللفظ له، ومسلم 1/573 برقم (837) بنحوه، والنسائي 2/28-29 برقم (682)، والدارمي 1/336، وابن
خزيمة 2/266 برقم (128 والمروزي في قيام الليل كما في مختصره ( ص59) .
(66) أخرجه مسلم 1/573 برقم (837) ، والدارقطني 1/267، 268، والبيهقي 2/475 والبغوي في شرح السنة 3/472 برقم (895) .
(67) أخرجه مالك في الموطأ1/166، وأحمد2/6، 63، والبخاري 1/225، 2/51، 53، 54، ومسلم1/504 برقم (729)، وأبوداود 2/43 برقم (1252)، والنسائي
2/298 برقم (433)، واالترمذي 2/298 برقم (433) وعبدالرزاق 3/64، 65 برقم (4808، 4809، 4811، 4813)، وابن خزيمة2 /208برقم (1197، 119 وابن
حبان 6/207-208، 225 برقم (2454، 2473) والبيهقي 2/471 والبغوي في شرح السنة 3/444، 445 برقم (867، 86 .
(6 أخرجه أبوداود2/52، 53برقم (1269-1270)، والنسائي 3/264-266 برقم (1812، 1814، 1817) والترمذي 2/292-293 برقم (427- 42، وابن ماجه
1/367 برقم (1160)والحاكم 1/312.
(69) أخرجه أحمد 6/63، 148، والبخاري 2/54، وأبوداود 2/44 برقم (1253) والنسائي 3/251- 252 برقم ( 1757، 175 ، والبيهقي 2/472 والبغوي في شرح السنة 3/447-448 برقم (871) .