معنى محاذاة المواقيت
فقد دأب بعض الباحثين في السنين الأخيرة إلى تقرير مشروعية الإحرام من محافظة جدة لمن أتى عن طريق الجو أو أتى من غير طريق يمر بميقات يلملم أو الجحفة (رابغ) ومنهم من فهم أن المحاذاة أن تضع خطاً مستقيماً من ميقات إلى آخر , فما خرج عن هذا الخط فيعتبر قد حاذا الميقاتين وهذا خطأ فادح في فهم معنى المحاذاة , ومعنى المحاذاة الذي لا ريب فيه هو أن يجعل بينه وبين مكة نفس المسافة التي بين مكة وبين أقرب المواقيت إليه فمثلاً من أتى من جهة اليمن ولو كان في سفينة فإنه يحرم إذا بقي بينه وبين مكة مائة وعشرون كيلو متراً وهي المسافة التي بين مكة ويلملم وإن أتى من جهة مصر أو الشام ولو كان في سفينة فإنه يحرم إذا بقي بينه بين مكة نفس المسافة التي بين مكة و الجحفة , ومن أتى من جهة السودان فعليه باعتماد المسافة التي بين مكة وبين أقرب الميقاتين إليه فإن تساويا فيحرم من أبعدهما احتياطاً قال في الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ج1 – ص256 : (فائدة قال بعضهم سألت الإمام أحمد بن حنبل في أي سنة أقت النبي صلى الله عليه وسلم مواقيت الإحرام فقال سنة عام حج ومن سلك طريقا لا تنتهي إلى ميقات أحرم من محاذاته فإن حاذى ميقاتين أحرم من محاذاة أقربهما إليه فإن استويا في القرب إليه أحرم من محاذاة أبعدهما من مكة وإن لم يحاذ ميقاتا أحرم على مرحلتين من مكة ومن مسكنه بين مكة والميقات فميقاته مسكنه )ا.هـ
والمحاذاة في اللغة الإزاء قال في القاموس المحيط ص1643 :وحاذاهُ : آزاهُ . والحِذاءُ : الازاءُ. ا.هـ .
وقال في المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للفيومي 1/126: و ( حَذَوْتُ ) النعل بالنعل قدرتها بها وقطعتها على مثالها وقدرها وداره ( بِحِذَاءِ ) داره .
قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 924 : "وفي حديث ابن عباس رضي اللّه عنهما [ ذَاتُ عِرْقٍ حَذْوَ قَرْن ] الحَذْوُ والحِذَاء . الإزاء والمُقَابِل : أي إنَّها مُحاذِيَتُها .وذَاتُ عِرْق:مِيقات أهْل العِراق.وقَرْن ميقات أهْل نَجْد ومسَافَتُهما من الحَرَم سَوَاء"ا. هـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة2/336 :" مسألة ومن لم يكن طريقه على ميقات فميقاته حذو أقربها إليه : ومعنى ذلك أنه إذا كان طريقه على غير ميقات في بر أو بحر فإنه يحرم إذا حاذى أقرب المواقيت إلى طريقه سواء كان هذا الميقات هو الأبعد عن مكة أو الأقرب مثل من يمر بين ذي الحليفة والجحفة فإنه إن كان يقرب إلى ذي الحليفة إذا حاذاها أكثر مما يقرب إلى الجحفة أحرم منها وإن كان قربه إلى الجحفة إذا حاذاها أكثر أحرم منها لأن أهل العراق قالوا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه إن قرنا جور عن طريقنا وأنا إن أردنا أن نأتيها شق علينا فقال انظروا حذوها من طريقكم قال فحد لهم ذات عرق فلم يأمرهم عمر والمسلمون بالمرور بقرن بل جعلوا ما يحاذيها بمنزلتها وذلك لأن الإحرام مما يحاذى الميقات بمنزلة الإحرام من نفس الميقات فإنه إذا كان بعدهما عن البيت واحدا لم يكن في نفس الميقات مقصود ولأن في الميل والتعريج إلى نفس المؤقت مشقة عظيمة وإنما يحرم مما يقرب منه إذا حاذاه لأنه لما كان أقرب المواقيت إليه وإلى طريقه إذا مر كان اعتباره في حقه أولى من اعتبار البعيد كما لو مر به نفسه فلو مر بين ميقاتين وكان قربه إليهما سواء أحرم من حذو أبعدهما من مكة كما لو مر في طريقه على ميقاتين فإنه يحرم من أبعدهما لأن المقتضي للاحرام منه موجود من غير رجحان لغيره عليه ويعرف محاذاته للمؤقت وكونه هو الأقرب اليه بالاجتهاد والتحري فإن شك فالمستحب له الإحتياط فيحرم من حيث يتيقن أنه لم يجاوز حذو الميقات القريب إليه إلا محرما ولا يجب عليه ذلك حتى يغلب على ظنه أنه قد حاذى الميقات الأقرب " ا.هـ.
وقال ابن حجر في فتح الباري بشرح صحيح البخاري 3/389 : "فانظروا حذوها أي اعتبروا ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها من غير ميل فاجعلوه ميقاتا ".ا. هـ
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
أملاه الفقير إلي ربه المنان
رابط الموضوع من موقع معاليه :
http://al-obeikan.com/article/93-معنى%20محاذاة%20المواقيت.html