السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
عندي فقط استفسار صغير حول مسألة, و هي رفع اليدين احيانا عند كل خفض و رفع الموجودة في كتاب صفة الصلاة للشيخ الالباني رحمه الله, اود من الاخوة اذا كان لاحدهم علم بالمسألة اجابتي حول ما إذا كان الشيخ الالباني تراجع عن مسألة رفع اليدين لاني قرأت مؤخر رسالة "التنبيهات على رسالة الألباني في الصلاة للشيخ حمود بن عبدالله التويجري رحمه الله" و قرأت ايضا الرد المختصر للشيخ الالباني على رسالة الشيخ التويجري, و ابحث عن ما إذا كان لأحد الإخوة علم بالمسألة و جزاكم الله خيرا و اليكم نص الرسالة الذي اخذت منه التنبيه السادس فقط و رد الشيخ الالباني ايضا :
قال المؤلف في صفحة 100 ما نصه ( و كان أحياناً يرفع يديه إذا سجد ) ا.هـ و قال أيضاً في صفحة 162 ما نصه ( و كان يرفع يديه مع هذا التكبير أحياناً ) ا.هـ يعني به التكبير عند الرفع من السجود. و قال مثل ذلك في صفحة 115 ، و قال أيضاً في صفحة 133 ما نصه ( و كان يرفع يديه مع هذا التكبير أحياناً ) ا.هـ يعني به التكبير عند القيام من السجود إلى الركعة الرابعة.
و جميع ما ذكره في هذه المواضع مردود بالحديث المتفق على صحته عن ابن عمر رضي الله عنهما ( أن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يرفع يديه في السجود ) . رواه مالك ، و الشيخان ، و أهل السنن. و في رواية للبخاري و النسائي ( و لا يفعل ذلك حين يسجد ، و لا حين يرفع رأسه من السجود). و في رواية للشافعي ، و أحمد ، و مسلم ( و لا يرفعهما بين السجدتين ) و رواه أهل السنن بهذا اللفظ ، و قال الترمذي : حديث حسن صحيح. و في رواية لمسلم ( و لا يفعله حين يرفع رأسه من السجود ).
و روى الإمام أحمد أيضاً في مسنده ، و البخاري في جزء رفع اليدين ، و أبو داود ، و الترمذي ، و الدارقطني ، و في سننهم عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أنه كان لا يرفع يديه في شيء من صلاته و هو قاعد ). قال الترمذي : حديث حسن صحيح. و صححه أيضاً : أحمد ، و البخاري ، و ابن خزيمة ، و ابن حبان.
و روى الدارقطني أيضاً ، و البيهقي من طريق حماد بن سلمة ، عن الأزرق بن قيس ، عن حطان بن عبد الله ، عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال : هل أريكم صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فكبر و رفع يديه ، ثم كبر و رفع يديه للركوع ، ثم قال سمع الله لمن حمده ، ثم رفع يديه ، ثم قال هكذا فاصنعوا. و لا يرفع بين السجدتين.
و قد وردت أحاديث كثيرة صحيحة أنه صلى الله عليه و سلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ، و إذا أراد أن يركع ، و إذا أراد رفع رأسه من الركوع. و في بعضها أنه كان يفعل ذلك إذا قام من التشهد الأول. و كلها توافق حديث ابن عمر ، و علي ، و أبي موسى – رضي الله عنهم – و ترد الروايات الشاذة أنه كان يرفع يديه في السجود و الرفع منه.
قال العلامة ابن القيم – رحمه الله تعالى – في الهدي : روي عنه – يعني عن النبي صلى الله عليه و سلم – أنه كان يرفعهما – أي يرفع يديه إذا خر للسجود – و صححه بعض الحفاظ كأبي محمد بن حزم و هو وهم فلا يصح ذلك عنه البتة . و الذي غره أن الراوي غلط من قوله و كان يكبر في كل خفض و رفع إلى قوله : كان يرفع يديه عند كل خفض و رفع. و هو ثقة و لم يفطن لسبب غلط الراوي و وهمه فصححه.
و قال صاحب القاموس في كتابه سفر السعادة : الذي ورد في بعض الأحاديث أنه كان يرفع يديه في كل خفض و رفع سهو ، و الرواية الصحيحة أنه كان يكبر في كل خفض و رفع. انتهى.
و قد جاء في رفع اليدين في السجود و في كل خفض و رفع أحاديث ضعيفة جداً ، منها ما رواه الإمام أحمد ، و ابن ماجه من حديث إسماعيل بن عياش ، عن صالح بن كيسان ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ( أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر و يفتتح الصلاة ، و حين يركع ، و حين يسجد ). و إسماعيل بن عياش فيه مقال.
قال النسائي : ضعيف. و قال مسلم في مقدمة صحيحه : حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، أخبرنا زكريا بن عدي ، قال : قال لي أبو إسحاق الفزاري : لا تكتب عن إسماعيل بن عياش ما روى عن المعروفين و لا عن غيرهم. و قد وثقه أحمد ، و ابن معين ، و دحيم ، و الفلاس ، و البخاري ، و الفسوي ، و ابن عدي : في أهل الشام ، و ضعفوه في الحجازيين. و ذكر البيهقي عن البخاري أنه قال : إسماعيل منكر الحديث عن أهل الحجاز و أهل العراق. و قال الطبراني في معجمه الصغير : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، قال : سمعت يحيى بن معين يقول : إسماعيل بن عياش ثقة فيما روى عن الشاميين ، و أما روايته عن أهل الحجاز فان كتابه ضاع فخلط في حفظه عنهم.
و قال دحيم : هو في الشاميين غاية ، و خلط عن المدنيين. و قال عمرو بن علي : إذا حدث عن أهل بلاده فصحيح ، و إذا حدث عن أهل المدينة فليس بشيء.
قلت : و هذا الحديث من روايته عن أهل المدينة ، فالحديث لذلك ضعيف ، و المحفوظ عن أبي هريرة – رضي الله عنه – ما رواه أبو داود من حديث أبي بكر بن عبد الرحمن – كما سيأتي قريباً إن شاء الله -.
و منها ما رواه الإمام أحمد أيضاً من حديث إسماعيل بن عياش ، عن صالح بن كيسان ، عن نافع ، عن ابن عمر – رضي الله عنهما - ، عن النبي صلى الله عليه و سلم. مثل حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - . و الكلام في هذا الحديث مثل الكلام في الذي قبله. و المحفوظ عن ابن عمر - رضي الله عنهما – نفي الرفع في السجود – كما تقدم قريباً -.
و منها ما رواه ابن ماجه من حديث رفده بن قضاعة الغساني : حدثنا الأوزاعي ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن أبيه ، عن جده عمير بن حبيب – رضي الله عنه – قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يرفع يديه مع كل تكبيرة في الصلاة المكتوبة ). قال النسائي : رفده بن قضاعة ليس بالقوي. و قال البخاري : في أحاديثه مناكير . و قال أيضاً : لا يتابع في حديثه. و قال أبو حاتم : منكر الحديث. و قال الدارقطني : متروك . و قال الإمام أحمد : لا أعرف رفده.
و عبد الله بن عبيد قيل لم يسمع من أبيه. قال الإمام أحمد ، و يحيى بن معين في هذا الحديث : ليس بصحيح و لا يعرف عبد الله بن عبيد بن عمير يحدث عن أبيه شيئاً ، و لا عن جده.
و منها ما رواه ابن ماجه أيضاً من حديث عمر بن رباح ، عن عبد الله بن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس – رضي الله عنهما – ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يرفع يديه عند كل تكبيرة ). قال البخاري : - رحمه الله تعالى - : حدثني عمرو بن علي – يعني الفلاس – قال عمر بن رباح أبو حفص الضرير البصري عن ابن طاوس دجال. و قال النسائي : متروك الحديث.
و منها ما رواه الإمام أحمد في مسنده ، و أبو داود في سننه من حديث ابن لهيعة ، عن ابن هبيرة ، عن ميمون المكي أنه رأى ابن الزبير عبد الله و صلى بهم يشير بكفه حين يقوم ، و حين يركع ، و حين يسجد ، و حين ينهض للقيام ، فيقوم فيشير بيديه. قال : فانطلقت إلى ابن عباس – رضي الله عنهما – فقلت له : إني قد رأيت ابن الزبير صلى صلاة لم أر أحداً يصليها . فوصف له هذه الإشارة ، فقال : إن أحببت أن تنظر إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فاقتد بصلاة ابن الزبير.
ابن لهيعة قال فيه يحيى بن معين : ليس بالقوي. و قال أيضاً : هو ضعيف قبل أن تحترق كتبه و بعد احتراقها. و قال يحيى أيضاً و أبو زرعة : لا يحتج به. و قال النسائي : ضعيف. و قال البخاري : حدثنا محمد ، حدثنا الحميدي ، عن يحيى بن سعيد أنه كان لا يراه شيئاً. و قال مسلم : تركه وكيع ، و يحيى القطان ، و ابن مهدي. و ميمون المكي مجهول.
و منها ما رواه أبو داود ، و النسائي في سننيهما من حديث النضر بن كثير – يعني السعدي – قال : صلى إلى جنبي عبد الله بن طاوس في مسجد الخيف ، فكان إذا سجد السجدة الأولى فرفع رأسه منها ، رفع يديه تلقاء وجهه فأنكرت ذلك ، فقلت لوهيب بن خالد ، فقال له وهيب : تصنع شيئاً لم أر أحداً يصنعه. قال ابن طاوس : رأيت أبي يصنعه ، و قال أبي : رأيت ابن عباس يصنعه ، و لا أعلم إلا أنه قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يصنعه.
قال المنذري في تهذيب السنن : النضر بن كثير أبو سهل السعدي البصري ضعيف الحديث. و قال الحافظ أبو أحمد النيسابوري : هذا حديث منكر من حديث ابن طاوس. قلت : و قال أبو حاتم في النضر بن كثير : فيه نظر . و قال البخاري : عنده مناكير . و قال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الثقات لا يجوز الاحتجاج به بحال.
إذا علم ما ذكرنا فأصح ما رأيته في هذا الباب ما رواه النسائي في سننه : أخبرنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم رفع يديه في صلاته ، و إذا ركع ، و إذا رفع رأسه من الركوع ، و إذا سجد ، و إذا رفع رأسه من السجود ، حتى يحاذي بهما فروع أذنيه.
حدثنا محمد بن المثنى ، قال حدثنا عبد الأعلى ، قال حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم رفع يديه ... فذكر مثله.
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : حدثني أبي ، عن قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – أن نبي الله صلى الله عليه و سلم كان إذا دخل في الصلاة ... فذكر نحوه ، و زاد فيه : و إذا ركع فعل مثل ذلك ، و إذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك ، و إذا رفع رأسه من السجود فعل مثل ذلك.
و هذه روايات شاذة انفرد بإخراجها النسائي ، و قد رواها الأئمة بدون ذكر الزيادة الشاذة ، فأما حديث شعبة فقال البخاري – رحمه الله تعالى – في جزء رفع اليدين : حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك و سليمان بن حرب ، قالا : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا كبر رفع يديه ، و إذا ركع ، و إذا رفع رأسه من الركوع.
و قال البخاري أيضاً : حدثنا آدم بن أبي إياس ، حدثنا شعبة ، حدثنا قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه - قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يرفع يديه إذا كبر ، و إذا ركع ، و إذا رفع رأسه من الركوع حذاء أذنيه.
و قال أبو داود في سننه : حدثنا حفص بن عمر ، أخبرنا شعبة ، عن قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – قال : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يرفع يديه إذا كبر ، و إذا ركع ، و إذا رفع رأسه من الركوع حتى يبلغ بهما فروع أذنيه.
و قال النسائي في سننه : أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا خالد ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، قال : سمعت نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث و كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا صلى رفع يديه حين يكبر حيال أذنيه ، و إذا أراد أن يركع ، و إذا رفع رأسه من الركوع.
و روى الدارقطني في سننه من طريقين : عن عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ... فذكر نحو ما تقدم. فهؤلاء ستة من الأئمة الأثبات رووا حديث شعبة لم يذكروا ما ذكره ابن أبي عدي عنه من رفع اليدين إذا سجد ، و إذا رفع رأسه من السجود.
و أما حديث سعيد بن أبي عروبة ، فرواه مسلم في صحيحه : عن محمد بن المثنى ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة. و ليس فيه ذكر رفع اليدين إذا سجد و إذا رفع رأسه من السجود. و قال البخاري – رحمه الله تعالى – في جزء رفع اليدين : حدثنا خليفة بن خياط ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، أن نصر بن عاصم حدثهم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – قال : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يرفع يديه إذا ركع ، و إذا رفع رأسه من الركوع حتى يحاذي بهما فروع أذنيه.
و قال النسائي في سننه : أخبرنا إسماعيل بن مسعود ، قال : حدثنا يزيد و هو : ابن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن نصر بن عاصم ، أنه حدثهم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم يرفع يديه إذا ركع ، و إذا رفع رأسه من الركوع حتى يحاذي بهما فروع أذنيه.
قال النسائي : يزيد بن زريع من أثبت أصحاب سعيد بن أبي عروبة. و قال النسائي أيضاً : أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثناابن أبي علية ، عن ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم حين دخل في الصلاة رفع يديه ، و حين ركع ، و حين رفع رأسه من الركوع حتى حاذى فروع أذنيه.
و قال النسائي أيضاً : أخبرنا علي بن حجر ، قال : أنبأنا إسماعيل ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن نصر بن عاصم الليثي ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يرفع يديه إذا كبر ، و إذا ركع ، و إذا رفع رأسه من الركوع حتى بلغتا فروع أذنيه.
فهؤلاء ثلاثة من الأئمة الأثبات رووا حديث سعيد بن أبي عروبة ، و لم يذكروا ما ذكره عبد الأعلى من رفع اليدين إذا سجد و إذا رفع رأسه من السجود.
و أما حديث هشام الدستوائي ، فقال ابن ماجه في سننه : حدثنا حميد بن مسعدة ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا كبر رفع يديه حتى يجعلهما قريباً من أذنيه ، و إذا ركع صنع مثل ذلك ، و إذا رفع رأسه من الركوع صنع مثل ذلك . فهذا يزيد بن زريع ، و هو من الحفاظ الأعلام روى حديث هشام الدستوائي و لم يذكر ما ذكره معاذ عن أبيه من رفع اليدين إذا رفع رأسه من السجود.
و يزيد و معاذ ليسا سواء عند أهل العلم بالرجال. أما يزيد ، فقال فيه ابن معين : ثقة مأمون. و قال أبو حاتم : ثقة إمام. و قال الإمام أحمد : ما أتقنه ، ما أحفظه. و أما معاذ ، فقال فيه : ابن معين صدوق ، ليس بحجة. و قال ابن عدي : له حديث كثير ، ربما يغلط ، و أرجو أنه صدوق.
و بما ذكرنا يعلم شذوذ رواية ابن أبي عدي عن شعبة ، و رواية عبد الأعلى عن سعيد بن أبي عروبة ، و رواية معاذ بن هشام ، عن أبيه. و مما يدل على شذوذ رواياتهم أيضاً ما رواه حماد بن سلمه و أبو عوانة عن قتادة.
فأما حديث حماد بن سلمة ، فقال البخاري – رحمه الله تعالى – في جزء رفع اليدين : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن سلمة ، أنبأنا قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه إلى فروع أذنيه ، و إذا رفع رأسه من الركوع فعل مثله.
و أما حديث أبي عوانة ، فقال مسلم في صحيحه : حدثنا أبو كامل الجحدري ، حدثنا أبو عوانة ، عن قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه ، و إذا ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه ، و إذا رفع رأسه من الركوع فقال : سمع الله لمن حمده فعل مثل ذلك. و قد رواه الدارقطني في سننه : عن عبد الله بن عبد العزيز ، عن أبي كامل فذكره بنحوه.
فهذا هو المحفوظ عن قتادة ، ليس فيه ذكر رفع اليدين إذا سجد ، و إذا رفع رأسه من السجود ، و مما يدل على شذوذ الرواية بذلك أيضاً ما رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث خالد الحذاء ، عن أبي قلابة أنه رأى مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – إذا صلى كبر ، و رفع يديه ، و إذا أراد أن يركع رفع يديه ، و إذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه ، و حدث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صنع هكذا.
فهذه الرواية المتفق على صحتها توافق ما رواه الأئمة الأثبات من حديث قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – و ترد ما شذ به من شذ عنهم. و العمدة في حديث مالك بن الحويرث – رضي الله عنه - على هذه الرواية ، و على ما وافقها ، و أيضاً فان الروايات التي فيها ذكر الرفع في السجود ، و الرفع منه قد عنعنها قتادة ، و هو مدلس ، و هذه علة أخرى غير الشذوذ. و الله أعلم.
و من أصح ما رأيت أيضاً في رفع اليدين عند الرفع من السجود ما رواه أبو داود في سننه : حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، حدثنا محمد بن جحادة ، حدثني عبد الجبار بن وائل بن حجر ، قال : كنت غلاماً لا أعقل صلاة أبي ، فحدثني علقمة بن وائل ، عن أبي حجر – رضي الله عنه – قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فكان إذا كبر رفع يديه ، قال : ثم التحف ، ثم أخذ شماله بيمينه ، و أدخل يده في ثوبه . قال : فإذا أراد أن يركع أخرج يديه ثم رفعهما ، و إذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع رفع يديه ثم سجد ، و وضع وجهه بين كفيه ، و إذا رفع رأسه من السجود أيضاً رفع يديه ، حتى فرغ من صلاته. قال محمد : فذكرت ذلك للحسن بن أبي الحسن ، فقال : هي صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فعله من فعله و تركه من تركه.
قال أبو داود : روى هذا الحديث همام ، عن ابن جحادة لم يذكر الرفع مع الرفع من السجود. قلت : و حديث همام رواه مسلم في صحيحه عن زهير بن حرب ، حدثنا عفان ، عن حدثنا همام ، حدثنا محمد بن جحادة ، حدثني عبد الجبار بن وائل ، عن علقمة بن وائل و مولى لهم أنهما حدثاه ، عن أبيه وائل بن حجر – رضي الله عنه – أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر – وصف همام حيال اذنيه – ثم التحف بثوبه ، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى ، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ، ثم رفعهما ، ثم كبر فركع ، فلما قال : سمع الله لمن حمده رفع يديه ، فلما سجد سجد بين كفيه.
و قد روي حديث علقمة من وجه آخر ، و ليس فيه ذكر الرفع إذا رفع من السجود. قال البخاري – رحمه الله تعالى – في جزء رفع اليدين : حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، أنبأنا قيس بن سليم العنبري ، قال : سمعت علقمة بن وائل بن حجر ، حدثني أبي ، قال : صليت مع النبي صلى الله عليه و سلم فكبر حين افتتح الصلاة و رفع يديه ، ثم رفع يديه حين أراد أن يركع و بعد الركوع. إسناده صحيح على شرط مسلم.
و قد رواه النسائي في سننه عن سويد بن نصر ، عن عبد الله بن المبارك ، عن قيس بن سليم ، فذكره بنحوه ، و إسناده جيد.
و روى هذا الحديث أيضاً من وجه آخر عن وائل – رضي الله عنه – و ليس فيه ذكر الرفع إذا رفع من السجود. قال البخاري – رحمه الله تعالى – في جزء رفع اليدين : حدثنا محمد بن مقاتل ، أنبأنا عبد الله – يعني ابن المبارك – أنبأنا زائدة بن قدامة ، حدثنا عاصم بن كليب الجرمي ، حدثنا أبي ، أن وائل بن حجر – رضي الله عنه – أخبره ، قال : قلت لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف يصلي. قال فنظرت إليه ، قال : فكبر و رفع يديه ، ثم لما أراد أن يركع رفع يديه مثلها ، ثم رفع رأسه فرفع يديه مثلها. إسناده جيد. و قد رواه النسائي في سننه عن سويد بن نصر ، عن عبد الله بن المبارك. و رواه البخاري أيضاً من حديث ابن إدريس ، عن عاصم بن كليب. و رواه النسائي أيضاً و الدارقطني من حديث سفيان ، عن عاصم بن كليب. و رواه أبو داود و ابن ماجه من حديث بشر بن المفضل ، عن عاصم بن كليب.
و رواه الدارقطني أيضاً من حديث جرير و صالح بن عمر الواسطي و أبي الأحوص كلهم عن عاصم بن كليب.
فهذه الروايات المتعاقدة تدل على شذوذ ما في رواية أبي داود من ذكر الرفع إذا رفع من السجود و الله أعلم.
و قد روى الدارقطني في سننه من طريق هشيم و جرير ، عن حصين بن عبد الرحمن ، قال : دخلنا على إبراهيم فحدثه عمرو بن مرة ، قال : صلينا في مسجد الحضرميين فحدثني علقمة بن وائل ، عن أبيه – رضي الله عنه – أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم يرفع يديه حين يفتتح الصلاة ، و إذا ركع ، و إذا سجد. و قد رواه البخاري في جزء رفع اليدين ، و ليس فيه ذكر الرفع عند السجود ، فقال : حدثنا مسدد ، حدثنا خالد ، حدثنا حصين ، عن عمرو بن مرة ، قال : دخلت مسجد حضرموت ، فإذا علقمة بن وائل يحدث عن أبيه – رضي الله عنه – قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يرفع يديه قبل الركوع. فقد اختلفت الرواية عن علقمة بن وائل عن أبيه ، كما ترى ففي رواية أبي داود أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يرفع يديه إذا رفع رأسه من السجود. و في رواية الدارقطني أنه كان يرفع يديه إذا سجد ، و ليس ذلك في رواية مسلم ، و لا في رواية البخاري و النسائي. و هذا مما يدل على أن هذه الزيادة الشاذة غير محفوظة. و أما رواية عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن وائل – رضي الله عنه - . فلم يختلف فيها ، و الأخذ بها أولى من الأخذ بما اختلف فيه لا سيما و قد اعتضدت رواية عاصم برواية همام التي أخرجها مسلم في صحيحه ، و برواية قيس بن سليم التي رواها البخاري و النسائي و بالأحاديث الكثيرة الصحيحة مما تقدم ذكره ، و ما سيأتي قريباً ، و ما لم يذكر ههنا ، و الله أعلم.
و قد اعتمد الشيخ الألباني في إثبات رفع اليدين في السجود و الرفع منه على ما ذكرنا من الروايات الشاذة عن مالك بن الحويرث ، و وائل بن حجر – رضي الله عنهما - ، و لا ينبغي الاعتماد على مثلها لشذوذها و مخالفتها لما هو أصح منها ، و هو ما تقدم في حديث ابن عمر ، و علي – رضي الله عنهم - ، و الله أعلم.
قال الشيخ الألباني في كتاب صفة الصلاة طبع مكتبة المعارف1417هـ ص30: (( ولأول مرة-وقبل الطبعة الخامسة بنحو سنة-وقفت على رسالةصغيرة في(57) صفحة من القياس الصغير بعنوان : ((التنبيهات على رسالة الألباني في الصلاة)) تأليف الشيخ حمود بن عبد الله التويجري الحنبلي النجدي , طبعت في الرياض سنة 1387 , يعني: في السنة التي صدرت فيها الطبعة الرابعة من كتابي هذا.
عندي فقط استفسار صغير حول مسألة, و هي رفع اليدين احيانا عند كل خفض و رفع الموجودة في كتاب صفة الصلاة للشيخ الالباني رحمه الله, اود من الاخوة اذا كان لاحدهم علم بالمسألة اجابتي حول ما إذا كان الشيخ الالباني تراجع عن مسألة رفع اليدين لاني قرأت مؤخر رسالة "التنبيهات على رسالة الألباني في الصلاة للشيخ حمود بن عبدالله التويجري رحمه الله" و قرأت ايضا الرد المختصر للشيخ الالباني على رسالة الشيخ التويجري, و ابحث عن ما إذا كان لأحد الإخوة علم بالمسألة و جزاكم الله خيرا و اليكم نص الرسالة الذي اخذت منه التنبيه السادس فقط و رد الشيخ الالباني ايضا :
التنبيهات على رسالة الألباني في الصلاة
التنبيه السادس قال المؤلف في صفحة 100 ما نصه ( و كان أحياناً يرفع يديه إذا سجد ) ا.هـ و قال أيضاً في صفحة 162 ما نصه ( و كان يرفع يديه مع هذا التكبير أحياناً ) ا.هـ يعني به التكبير عند الرفع من السجود. و قال مثل ذلك في صفحة 115 ، و قال أيضاً في صفحة 133 ما نصه ( و كان يرفع يديه مع هذا التكبير أحياناً ) ا.هـ يعني به التكبير عند القيام من السجود إلى الركعة الرابعة.
و جميع ما ذكره في هذه المواضع مردود بالحديث المتفق على صحته عن ابن عمر رضي الله عنهما ( أن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يرفع يديه في السجود ) . رواه مالك ، و الشيخان ، و أهل السنن. و في رواية للبخاري و النسائي ( و لا يفعل ذلك حين يسجد ، و لا حين يرفع رأسه من السجود). و في رواية للشافعي ، و أحمد ، و مسلم ( و لا يرفعهما بين السجدتين ) و رواه أهل السنن بهذا اللفظ ، و قال الترمذي : حديث حسن صحيح. و في رواية لمسلم ( و لا يفعله حين يرفع رأسه من السجود ).
و روى الإمام أحمد أيضاً في مسنده ، و البخاري في جزء رفع اليدين ، و أبو داود ، و الترمذي ، و الدارقطني ، و في سننهم عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أنه كان لا يرفع يديه في شيء من صلاته و هو قاعد ). قال الترمذي : حديث حسن صحيح. و صححه أيضاً : أحمد ، و البخاري ، و ابن خزيمة ، و ابن حبان.
و روى الدارقطني أيضاً ، و البيهقي من طريق حماد بن سلمة ، عن الأزرق بن قيس ، عن حطان بن عبد الله ، عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال : هل أريكم صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فكبر و رفع يديه ، ثم كبر و رفع يديه للركوع ، ثم قال سمع الله لمن حمده ، ثم رفع يديه ، ثم قال هكذا فاصنعوا. و لا يرفع بين السجدتين.
و قد وردت أحاديث كثيرة صحيحة أنه صلى الله عليه و سلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ، و إذا أراد أن يركع ، و إذا أراد رفع رأسه من الركوع. و في بعضها أنه كان يفعل ذلك إذا قام من التشهد الأول. و كلها توافق حديث ابن عمر ، و علي ، و أبي موسى – رضي الله عنهم – و ترد الروايات الشاذة أنه كان يرفع يديه في السجود و الرفع منه.
قال العلامة ابن القيم – رحمه الله تعالى – في الهدي : روي عنه – يعني عن النبي صلى الله عليه و سلم – أنه كان يرفعهما – أي يرفع يديه إذا خر للسجود – و صححه بعض الحفاظ كأبي محمد بن حزم و هو وهم فلا يصح ذلك عنه البتة . و الذي غره أن الراوي غلط من قوله و كان يكبر في كل خفض و رفع إلى قوله : كان يرفع يديه عند كل خفض و رفع. و هو ثقة و لم يفطن لسبب غلط الراوي و وهمه فصححه.
و قال صاحب القاموس في كتابه سفر السعادة : الذي ورد في بعض الأحاديث أنه كان يرفع يديه في كل خفض و رفع سهو ، و الرواية الصحيحة أنه كان يكبر في كل خفض و رفع. انتهى.
و قد جاء في رفع اليدين في السجود و في كل خفض و رفع أحاديث ضعيفة جداً ، منها ما رواه الإمام أحمد ، و ابن ماجه من حديث إسماعيل بن عياش ، عن صالح بن كيسان ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ( أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر و يفتتح الصلاة ، و حين يركع ، و حين يسجد ). و إسماعيل بن عياش فيه مقال.
قال النسائي : ضعيف. و قال مسلم في مقدمة صحيحه : حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، أخبرنا زكريا بن عدي ، قال : قال لي أبو إسحاق الفزاري : لا تكتب عن إسماعيل بن عياش ما روى عن المعروفين و لا عن غيرهم. و قد وثقه أحمد ، و ابن معين ، و دحيم ، و الفلاس ، و البخاري ، و الفسوي ، و ابن عدي : في أهل الشام ، و ضعفوه في الحجازيين. و ذكر البيهقي عن البخاري أنه قال : إسماعيل منكر الحديث عن أهل الحجاز و أهل العراق. و قال الطبراني في معجمه الصغير : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، قال : سمعت يحيى بن معين يقول : إسماعيل بن عياش ثقة فيما روى عن الشاميين ، و أما روايته عن أهل الحجاز فان كتابه ضاع فخلط في حفظه عنهم.
و قال دحيم : هو في الشاميين غاية ، و خلط عن المدنيين. و قال عمرو بن علي : إذا حدث عن أهل بلاده فصحيح ، و إذا حدث عن أهل المدينة فليس بشيء.
قلت : و هذا الحديث من روايته عن أهل المدينة ، فالحديث لذلك ضعيف ، و المحفوظ عن أبي هريرة – رضي الله عنه – ما رواه أبو داود من حديث أبي بكر بن عبد الرحمن – كما سيأتي قريباً إن شاء الله -.
و منها ما رواه الإمام أحمد أيضاً من حديث إسماعيل بن عياش ، عن صالح بن كيسان ، عن نافع ، عن ابن عمر – رضي الله عنهما - ، عن النبي صلى الله عليه و سلم. مثل حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - . و الكلام في هذا الحديث مثل الكلام في الذي قبله. و المحفوظ عن ابن عمر - رضي الله عنهما – نفي الرفع في السجود – كما تقدم قريباً -.
و منها ما رواه ابن ماجه من حديث رفده بن قضاعة الغساني : حدثنا الأوزاعي ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن أبيه ، عن جده عمير بن حبيب – رضي الله عنه – قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يرفع يديه مع كل تكبيرة في الصلاة المكتوبة ). قال النسائي : رفده بن قضاعة ليس بالقوي. و قال البخاري : في أحاديثه مناكير . و قال أيضاً : لا يتابع في حديثه. و قال أبو حاتم : منكر الحديث. و قال الدارقطني : متروك . و قال الإمام أحمد : لا أعرف رفده.
و عبد الله بن عبيد قيل لم يسمع من أبيه. قال الإمام أحمد ، و يحيى بن معين في هذا الحديث : ليس بصحيح و لا يعرف عبد الله بن عبيد بن عمير يحدث عن أبيه شيئاً ، و لا عن جده.
و منها ما رواه ابن ماجه أيضاً من حديث عمر بن رباح ، عن عبد الله بن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس – رضي الله عنهما – ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يرفع يديه عند كل تكبيرة ). قال البخاري : - رحمه الله تعالى - : حدثني عمرو بن علي – يعني الفلاس – قال عمر بن رباح أبو حفص الضرير البصري عن ابن طاوس دجال. و قال النسائي : متروك الحديث.
و منها ما رواه الإمام أحمد في مسنده ، و أبو داود في سننه من حديث ابن لهيعة ، عن ابن هبيرة ، عن ميمون المكي أنه رأى ابن الزبير عبد الله و صلى بهم يشير بكفه حين يقوم ، و حين يركع ، و حين يسجد ، و حين ينهض للقيام ، فيقوم فيشير بيديه. قال : فانطلقت إلى ابن عباس – رضي الله عنهما – فقلت له : إني قد رأيت ابن الزبير صلى صلاة لم أر أحداً يصليها . فوصف له هذه الإشارة ، فقال : إن أحببت أن تنظر إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فاقتد بصلاة ابن الزبير.
ابن لهيعة قال فيه يحيى بن معين : ليس بالقوي. و قال أيضاً : هو ضعيف قبل أن تحترق كتبه و بعد احتراقها. و قال يحيى أيضاً و أبو زرعة : لا يحتج به. و قال النسائي : ضعيف. و قال البخاري : حدثنا محمد ، حدثنا الحميدي ، عن يحيى بن سعيد أنه كان لا يراه شيئاً. و قال مسلم : تركه وكيع ، و يحيى القطان ، و ابن مهدي. و ميمون المكي مجهول.
و منها ما رواه أبو داود ، و النسائي في سننيهما من حديث النضر بن كثير – يعني السعدي – قال : صلى إلى جنبي عبد الله بن طاوس في مسجد الخيف ، فكان إذا سجد السجدة الأولى فرفع رأسه منها ، رفع يديه تلقاء وجهه فأنكرت ذلك ، فقلت لوهيب بن خالد ، فقال له وهيب : تصنع شيئاً لم أر أحداً يصنعه. قال ابن طاوس : رأيت أبي يصنعه ، و قال أبي : رأيت ابن عباس يصنعه ، و لا أعلم إلا أنه قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يصنعه.
قال المنذري في تهذيب السنن : النضر بن كثير أبو سهل السعدي البصري ضعيف الحديث. و قال الحافظ أبو أحمد النيسابوري : هذا حديث منكر من حديث ابن طاوس. قلت : و قال أبو حاتم في النضر بن كثير : فيه نظر . و قال البخاري : عنده مناكير . و قال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الثقات لا يجوز الاحتجاج به بحال.
إذا علم ما ذكرنا فأصح ما رأيته في هذا الباب ما رواه النسائي في سننه : أخبرنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم رفع يديه في صلاته ، و إذا ركع ، و إذا رفع رأسه من الركوع ، و إذا سجد ، و إذا رفع رأسه من السجود ، حتى يحاذي بهما فروع أذنيه.
حدثنا محمد بن المثنى ، قال حدثنا عبد الأعلى ، قال حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم رفع يديه ... فذكر مثله.
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : حدثني أبي ، عن قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – أن نبي الله صلى الله عليه و سلم كان إذا دخل في الصلاة ... فذكر نحوه ، و زاد فيه : و إذا ركع فعل مثل ذلك ، و إذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك ، و إذا رفع رأسه من السجود فعل مثل ذلك.
و هذه روايات شاذة انفرد بإخراجها النسائي ، و قد رواها الأئمة بدون ذكر الزيادة الشاذة ، فأما حديث شعبة فقال البخاري – رحمه الله تعالى – في جزء رفع اليدين : حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك و سليمان بن حرب ، قالا : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا كبر رفع يديه ، و إذا ركع ، و إذا رفع رأسه من الركوع.
و قال البخاري أيضاً : حدثنا آدم بن أبي إياس ، حدثنا شعبة ، حدثنا قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه - قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يرفع يديه إذا كبر ، و إذا ركع ، و إذا رفع رأسه من الركوع حذاء أذنيه.
و قال أبو داود في سننه : حدثنا حفص بن عمر ، أخبرنا شعبة ، عن قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – قال : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يرفع يديه إذا كبر ، و إذا ركع ، و إذا رفع رأسه من الركوع حتى يبلغ بهما فروع أذنيه.
و قال النسائي في سننه : أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا خالد ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، قال : سمعت نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث و كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا صلى رفع يديه حين يكبر حيال أذنيه ، و إذا أراد أن يركع ، و إذا رفع رأسه من الركوع.
و روى الدارقطني في سننه من طريقين : عن عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ... فذكر نحو ما تقدم. فهؤلاء ستة من الأئمة الأثبات رووا حديث شعبة لم يذكروا ما ذكره ابن أبي عدي عنه من رفع اليدين إذا سجد ، و إذا رفع رأسه من السجود.
و أما حديث سعيد بن أبي عروبة ، فرواه مسلم في صحيحه : عن محمد بن المثنى ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة. و ليس فيه ذكر رفع اليدين إذا سجد و إذا رفع رأسه من السجود. و قال البخاري – رحمه الله تعالى – في جزء رفع اليدين : حدثنا خليفة بن خياط ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، أن نصر بن عاصم حدثهم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – قال : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يرفع يديه إذا ركع ، و إذا رفع رأسه من الركوع حتى يحاذي بهما فروع أذنيه.
و قال النسائي في سننه : أخبرنا إسماعيل بن مسعود ، قال : حدثنا يزيد و هو : ابن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن نصر بن عاصم ، أنه حدثهم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم يرفع يديه إذا ركع ، و إذا رفع رأسه من الركوع حتى يحاذي بهما فروع أذنيه.
قال النسائي : يزيد بن زريع من أثبت أصحاب سعيد بن أبي عروبة. و قال النسائي أيضاً : أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثناابن أبي علية ، عن ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم حين دخل في الصلاة رفع يديه ، و حين ركع ، و حين رفع رأسه من الركوع حتى حاذى فروع أذنيه.
و قال النسائي أيضاً : أخبرنا علي بن حجر ، قال : أنبأنا إسماعيل ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن نصر بن عاصم الليثي ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يرفع يديه إذا كبر ، و إذا ركع ، و إذا رفع رأسه من الركوع حتى بلغتا فروع أذنيه.
فهؤلاء ثلاثة من الأئمة الأثبات رووا حديث سعيد بن أبي عروبة ، و لم يذكروا ما ذكره عبد الأعلى من رفع اليدين إذا سجد و إذا رفع رأسه من السجود.
و أما حديث هشام الدستوائي ، فقال ابن ماجه في سننه : حدثنا حميد بن مسعدة ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا كبر رفع يديه حتى يجعلهما قريباً من أذنيه ، و إذا ركع صنع مثل ذلك ، و إذا رفع رأسه من الركوع صنع مثل ذلك . فهذا يزيد بن زريع ، و هو من الحفاظ الأعلام روى حديث هشام الدستوائي و لم يذكر ما ذكره معاذ عن أبيه من رفع اليدين إذا رفع رأسه من السجود.
و يزيد و معاذ ليسا سواء عند أهل العلم بالرجال. أما يزيد ، فقال فيه ابن معين : ثقة مأمون. و قال أبو حاتم : ثقة إمام. و قال الإمام أحمد : ما أتقنه ، ما أحفظه. و أما معاذ ، فقال فيه : ابن معين صدوق ، ليس بحجة. و قال ابن عدي : له حديث كثير ، ربما يغلط ، و أرجو أنه صدوق.
و بما ذكرنا يعلم شذوذ رواية ابن أبي عدي عن شعبة ، و رواية عبد الأعلى عن سعيد بن أبي عروبة ، و رواية معاذ بن هشام ، عن أبيه. و مما يدل على شذوذ رواياتهم أيضاً ما رواه حماد بن سلمه و أبو عوانة عن قتادة.
فأما حديث حماد بن سلمة ، فقال البخاري – رحمه الله تعالى – في جزء رفع اليدين : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن سلمة ، أنبأنا قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه إلى فروع أذنيه ، و إذا رفع رأسه من الركوع فعل مثله.
و أما حديث أبي عوانة ، فقال مسلم في صحيحه : حدثنا أبو كامل الجحدري ، حدثنا أبو عوانة ، عن قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه ، و إذا ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه ، و إذا رفع رأسه من الركوع فقال : سمع الله لمن حمده فعل مثل ذلك. و قد رواه الدارقطني في سننه : عن عبد الله بن عبد العزيز ، عن أبي كامل فذكره بنحوه.
فهذا هو المحفوظ عن قتادة ، ليس فيه ذكر رفع اليدين إذا سجد ، و إذا رفع رأسه من السجود ، و مما يدل على شذوذ الرواية بذلك أيضاً ما رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث خالد الحذاء ، عن أبي قلابة أنه رأى مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – إذا صلى كبر ، و رفع يديه ، و إذا أراد أن يركع رفع يديه ، و إذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه ، و حدث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صنع هكذا.
فهذه الرواية المتفق على صحتها توافق ما رواه الأئمة الأثبات من حديث قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – و ترد ما شذ به من شذ عنهم. و العمدة في حديث مالك بن الحويرث – رضي الله عنه - على هذه الرواية ، و على ما وافقها ، و أيضاً فان الروايات التي فيها ذكر الرفع في السجود ، و الرفع منه قد عنعنها قتادة ، و هو مدلس ، و هذه علة أخرى غير الشذوذ. و الله أعلم.
و من أصح ما رأيت أيضاً في رفع اليدين عند الرفع من السجود ما رواه أبو داود في سننه : حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، حدثنا محمد بن جحادة ، حدثني عبد الجبار بن وائل بن حجر ، قال : كنت غلاماً لا أعقل صلاة أبي ، فحدثني علقمة بن وائل ، عن أبي حجر – رضي الله عنه – قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فكان إذا كبر رفع يديه ، قال : ثم التحف ، ثم أخذ شماله بيمينه ، و أدخل يده في ثوبه . قال : فإذا أراد أن يركع أخرج يديه ثم رفعهما ، و إذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع رفع يديه ثم سجد ، و وضع وجهه بين كفيه ، و إذا رفع رأسه من السجود أيضاً رفع يديه ، حتى فرغ من صلاته. قال محمد : فذكرت ذلك للحسن بن أبي الحسن ، فقال : هي صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فعله من فعله و تركه من تركه.
قال أبو داود : روى هذا الحديث همام ، عن ابن جحادة لم يذكر الرفع مع الرفع من السجود. قلت : و حديث همام رواه مسلم في صحيحه عن زهير بن حرب ، حدثنا عفان ، عن حدثنا همام ، حدثنا محمد بن جحادة ، حدثني عبد الجبار بن وائل ، عن علقمة بن وائل و مولى لهم أنهما حدثاه ، عن أبيه وائل بن حجر – رضي الله عنه – أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر – وصف همام حيال اذنيه – ثم التحف بثوبه ، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى ، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ، ثم رفعهما ، ثم كبر فركع ، فلما قال : سمع الله لمن حمده رفع يديه ، فلما سجد سجد بين كفيه.
و قد روي حديث علقمة من وجه آخر ، و ليس فيه ذكر الرفع إذا رفع من السجود. قال البخاري – رحمه الله تعالى – في جزء رفع اليدين : حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، أنبأنا قيس بن سليم العنبري ، قال : سمعت علقمة بن وائل بن حجر ، حدثني أبي ، قال : صليت مع النبي صلى الله عليه و سلم فكبر حين افتتح الصلاة و رفع يديه ، ثم رفع يديه حين أراد أن يركع و بعد الركوع. إسناده صحيح على شرط مسلم.
و قد رواه النسائي في سننه عن سويد بن نصر ، عن عبد الله بن المبارك ، عن قيس بن سليم ، فذكره بنحوه ، و إسناده جيد.
و روى هذا الحديث أيضاً من وجه آخر عن وائل – رضي الله عنه – و ليس فيه ذكر الرفع إذا رفع من السجود. قال البخاري – رحمه الله تعالى – في جزء رفع اليدين : حدثنا محمد بن مقاتل ، أنبأنا عبد الله – يعني ابن المبارك – أنبأنا زائدة بن قدامة ، حدثنا عاصم بن كليب الجرمي ، حدثنا أبي ، أن وائل بن حجر – رضي الله عنه – أخبره ، قال : قلت لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف يصلي. قال فنظرت إليه ، قال : فكبر و رفع يديه ، ثم لما أراد أن يركع رفع يديه مثلها ، ثم رفع رأسه فرفع يديه مثلها. إسناده جيد. و قد رواه النسائي في سننه عن سويد بن نصر ، عن عبد الله بن المبارك. و رواه البخاري أيضاً من حديث ابن إدريس ، عن عاصم بن كليب. و رواه النسائي أيضاً و الدارقطني من حديث سفيان ، عن عاصم بن كليب. و رواه أبو داود و ابن ماجه من حديث بشر بن المفضل ، عن عاصم بن كليب.
و رواه الدارقطني أيضاً من حديث جرير و صالح بن عمر الواسطي و أبي الأحوص كلهم عن عاصم بن كليب.
فهذه الروايات المتعاقدة تدل على شذوذ ما في رواية أبي داود من ذكر الرفع إذا رفع من السجود و الله أعلم.
و قد روى الدارقطني في سننه من طريق هشيم و جرير ، عن حصين بن عبد الرحمن ، قال : دخلنا على إبراهيم فحدثه عمرو بن مرة ، قال : صلينا في مسجد الحضرميين فحدثني علقمة بن وائل ، عن أبيه – رضي الله عنه – أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم يرفع يديه حين يفتتح الصلاة ، و إذا ركع ، و إذا سجد. و قد رواه البخاري في جزء رفع اليدين ، و ليس فيه ذكر الرفع عند السجود ، فقال : حدثنا مسدد ، حدثنا خالد ، حدثنا حصين ، عن عمرو بن مرة ، قال : دخلت مسجد حضرموت ، فإذا علقمة بن وائل يحدث عن أبيه – رضي الله عنه – قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يرفع يديه قبل الركوع. فقد اختلفت الرواية عن علقمة بن وائل عن أبيه ، كما ترى ففي رواية أبي داود أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يرفع يديه إذا رفع رأسه من السجود. و في رواية الدارقطني أنه كان يرفع يديه إذا سجد ، و ليس ذلك في رواية مسلم ، و لا في رواية البخاري و النسائي. و هذا مما يدل على أن هذه الزيادة الشاذة غير محفوظة. و أما رواية عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن وائل – رضي الله عنه - . فلم يختلف فيها ، و الأخذ بها أولى من الأخذ بما اختلف فيه لا سيما و قد اعتضدت رواية عاصم برواية همام التي أخرجها مسلم في صحيحه ، و برواية قيس بن سليم التي رواها البخاري و النسائي و بالأحاديث الكثيرة الصحيحة مما تقدم ذكره ، و ما سيأتي قريباً ، و ما لم يذكر ههنا ، و الله أعلم.
و قد اعتمد الشيخ الألباني في إثبات رفع اليدين في السجود و الرفع منه على ما ذكرنا من الروايات الشاذة عن مالك بن الحويرث ، و وائل بن حجر – رضي الله عنهما - ، و لا ينبغي الاعتماد على مثلها لشذوذها و مخالفتها لما هو أصح منها ، و هو ما تقدم في حديث ابن عمر ، و علي – رضي الله عنهم - ، و الله أعلم.
رد الشيخ الالباني
قال الشيخ الألباني في كتاب صفة الصلاة طبع مكتبة المعارف1417هـ ص30: (( ولأول مرة-وقبل الطبعة الخامسة بنحو سنة-وقفت على رسالةصغيرة في(57) صفحة من القياس الصغير بعنوان : ((التنبيهات على رسالة الألباني في الصلاة)) تأليف الشيخ حمود بن عبد الله التويجري الحنبلي النجدي , طبعت في الرياض سنة 1387 , يعني: في السنة التي صدرت فيها الطبعة الرابعة من كتابي هذا.
فلما فرغت من قراءتها بكل إخلاص وتجرد؛ تبين لي أنه ناقشني فيها في ثلاث عشرة مسألة, أربع منها ليست من صلب الكتاب , وإنما هي من حواشيه, فكتبت ردّاً مبسطاً, يبلغ لو قدر له أن يطبع نحو ثلاثة أضعافها, تجلى لي فيه أن الشيخ حفظه الله متعصب لمذهبه الحنبلي؛ بل للمشهور عند المتأخرين منه, وأنه ليس طويل الباع في المعرفة بعلم الحديث الشريف وطرقه وعلله ورجاله, ولذلك لم يكن الصواب حليفه في كل ما ناقشني فيه من مسائل الكتاب الأخرى ؛ التي هي من صلب موضوعه , ولا تتسع هذه المقدمة لبيان ذلك مفصلاً ؛ فإن محله الرد المشار إليه , ولكن لابأس من الإتيان بمسألة واحدة منها على سبيل المثال ؛ ليأخذ القارئ الكريم فكرة عن طريقة معالجة الشيخ لها, ومبلغ علمه بالسنة:
لقد ذهب في ((رسالته)) (ص14-17) إلى أن قول ابن عباس في الحديث الثابت عنه : (( السنة أن يقرأ في الجنازة بفاتحة الكتاب)) , زاد في رواية: ((وسورة))- ذهب إلى أن هذه الزيادة التي أوردتها في الكتاب ( ص103-الطبعة الرابعة) زيادة ضعيفة لا تثبت ؛ لشذوذها وتفرد الهيثم بن أيوب – وهو ثقة – بها دون سائر الثقات الذين رووا الحديث بدونها.
هكذا قال الشيخ هدانا الله وإياه, ولكن الحقيقة أنه قد تابع الهيثم بن أيوب على هذه الزيادة أربعة من الثقات الأثبات, فإليك أسماءهم مع التخريج باختصار:
هكذا قال الشيخ هدانا الله وإياه, ولكن الحقيقة أنه قد تابع الهيثم بن أيوب على هذه الزيادة أربعة من الثقات الأثبات, فإليك أسماءهم مع التخريج باختصار:
الأول: سليمان بن داود الهاشمي.
أخرجه ابن الجارود في ((المنتقى)) رقم(537).
الثاني: إبراهيم بن زياد الخياط البغداد.
أخرجه ابن الجارود أيضاً(537).
الثالث: محرز بن عون الهلالي.
أخرجه أبو يعلى الموصلي في((مسنده)) (ق 141/ 2).
الرابع: إبراهيم بن حمزة الزبيري.
أخرجه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (4/3.
وكل هذه المتابعات صحيحة الأسانيد, وقد صرح بتصحيح الثالثة منها الإمام النووي في ((المجموع)) (5/234) , وأقره الحافظ العسقلاني في ((التلخيص الحبير)).
فقد اتفق هؤلاء الثقات الأربعة- وخامسهم الهيثم بن أيوب- على إثبات زيادة السورة في الحديث, فماذا نقول عن الشيخ وقد ضعفها بدعوى تفرد الهيثم بها؟ الجواب ندعه للقارئ اللبيب!
وليس هذا فقط ؛ فقد جاءت الزيادة من طريق أخرى عن ابن عباس, فإن الأولى التي عليها مدار رواية أولئك الثقات ؛ إنما يرويها طلحة بن عبدالله بن عوف عن ابن عباس, وأما الأخرى فهي من طريق زيد بن طلحة التيمي قال: سمعت ابن عباس... فذكر الحديث مع الزيادة .
أخرجه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم في ((ما أسند سفيان بن سعيد الثوري)) ( 1/40/2) , وابن الجارود في ((المنتقى )) (536) بإسناد صحيح أيضاً.
و يشهد للزيادة –ويزيدها قوة على قوة- قوله عليه السلام: ((لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد)) , والصلاة على الجنازة صلاة قطعاً, فهي تدخل في عموم هذا الحديث, وبه استدل أصحاب الشيخ الحنابلة وغيرهم على وجوب قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة, فهو بقوله: ((فما زاد)) يدل أيضاً على مشروعية قراءة السورة بعد الفاتحة في الجنازة, وهذا مما ذكره الشوكاني في ((نيل الأوطار )) (4/53) , ولابد أن فضيلة الشيخ قد وقف عليه, ولكنه لم يجنح إليه ؛ لأنه خلاف مذهبه! والله أعلم.
وهكذا يبدو أن الجمود على المذهب والدفاع عنه وحمايته- ولو على خلاف السنة- هو الداء العضال المتمكن من قلوب الناس في كل البلاد الإسلامية ؛ إلا من عصم الله ؛ وقليل ما هم.
وختاماً؛ لابد لي من أن أشكر فضيلة الشيخ التويجري على اهتمامه بالكتاب , وحرصه على نصح القراء والطلاب, ومحاولته الكشف عن أخطاء الكتاب-حسب رأيه- وإلا فهو مخطئ في كل ذلك ؛ إلا ما سبقت الإشارة إليه من المسائل الأربع , و أرى أن من تمام الشكر أن أعترف بإصابته الحق فيها وأني رجعت إلى رأيه فيها, وهي:
أولاً: تفسير المأثم والمغرم في دعاء التشهد بالذنوب والمعاصي, على أنني قد سبق أن رجعت عنه في (الطبعة الثالثة الصادرة سنة 1381) ؛ أي : قبل صدور رسالة الشيخ بست سنين!
ثانياً: قولي في مقدمة (الطبعة الثانية)من الكتاب في الصلاة : ((إنها أعظم ركن من أركان الإسلام)) قال الشيخ:
((لابد من تقييد ذلك بما بعد الشهادتين)), وأنا لا أخالفه فيما قال؛ لأنه من باب: ((دع مايريبك إلى ما لا يريبك)), وإن عَنِيتُ أنها أعظم في الأركان العملية, على أن المقدمة المشار إليها لم نَعُدْ بَعْدُ إلى نشرها مرة أخرى! والقيد المذكور قد جاء في آخر فصل : ((شبهات وجوابها)), فلتقر عين الشيخ الفاضل بها.
ثالثاً: عدلت عن قولي في تفسير جملة : ((والشر ليس إليك)) في دعاء التوجه: (( لأنه-أعني: الشر- ليس من فعله تعالى )) إلى قولي: ((لأنه ليس في فعله تعالى شر))تحقيقاً لرغبة الشيخ, وإن كنت لا أشعر بكبير فرق بين العبارتين, وقد ناقشته طويلاً في الرد الذي سبقت الإشارة إليه.
رابعاً: صححت ما جاء في نقلي عن (( البدائع)) تعليقاً على رفع اليدين في السجود بلفظ : ((ابن الأثرم)) فالظاهر أن الصواب : ((الأثرم)) ؛ كما ذكره الشيخ احتمالاً, وهوأبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ الطائي. والله أعلم.
هذا ؛ ولعل الله تبارك وتعالى ييسر لنا نشر الرد على الشيخ التويجري , فإن فيه تفصيل القول والأدلة على كثير من المسائل الواردة في الكتاب , وبخاصة ((رسالة الصلاة )) للإمام أحمد ؛ التي طالما نبهنا في آخر الطبعات السابقة على (( أنه لا تصح نسبتها إلى الإمام أحمد )) ؛ بل قال الحافظ الذهبي فيها:
(( أخشى أن تكون موضوعة)).
والله تبارك وتعالى أسأل أن يكتب لهذه الطبعة...(إلى آخر مقدمة الطبعة الخامسة)
دمشق : 28/10/1389هـ
محمد ناصر الدين الألبان
أخرجه ابن الجارود في ((المنتقى)) رقم(537).
الثاني: إبراهيم بن زياد الخياط البغداد.
أخرجه ابن الجارود أيضاً(537).
الثالث: محرز بن عون الهلالي.
أخرجه أبو يعلى الموصلي في((مسنده)) (ق 141/ 2).
الرابع: إبراهيم بن حمزة الزبيري.
أخرجه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (4/3.
وكل هذه المتابعات صحيحة الأسانيد, وقد صرح بتصحيح الثالثة منها الإمام النووي في ((المجموع)) (5/234) , وأقره الحافظ العسقلاني في ((التلخيص الحبير)).
فقد اتفق هؤلاء الثقات الأربعة- وخامسهم الهيثم بن أيوب- على إثبات زيادة السورة في الحديث, فماذا نقول عن الشيخ وقد ضعفها بدعوى تفرد الهيثم بها؟ الجواب ندعه للقارئ اللبيب!
وليس هذا فقط ؛ فقد جاءت الزيادة من طريق أخرى عن ابن عباس, فإن الأولى التي عليها مدار رواية أولئك الثقات ؛ إنما يرويها طلحة بن عبدالله بن عوف عن ابن عباس, وأما الأخرى فهي من طريق زيد بن طلحة التيمي قال: سمعت ابن عباس... فذكر الحديث مع الزيادة .
أخرجه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم في ((ما أسند سفيان بن سعيد الثوري)) ( 1/40/2) , وابن الجارود في ((المنتقى )) (536) بإسناد صحيح أيضاً.
و يشهد للزيادة –ويزيدها قوة على قوة- قوله عليه السلام: ((لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد)) , والصلاة على الجنازة صلاة قطعاً, فهي تدخل في عموم هذا الحديث, وبه استدل أصحاب الشيخ الحنابلة وغيرهم على وجوب قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة, فهو بقوله: ((فما زاد)) يدل أيضاً على مشروعية قراءة السورة بعد الفاتحة في الجنازة, وهذا مما ذكره الشوكاني في ((نيل الأوطار )) (4/53) , ولابد أن فضيلة الشيخ قد وقف عليه, ولكنه لم يجنح إليه ؛ لأنه خلاف مذهبه! والله أعلم.
وهكذا يبدو أن الجمود على المذهب والدفاع عنه وحمايته- ولو على خلاف السنة- هو الداء العضال المتمكن من قلوب الناس في كل البلاد الإسلامية ؛ إلا من عصم الله ؛ وقليل ما هم.
وختاماً؛ لابد لي من أن أشكر فضيلة الشيخ التويجري على اهتمامه بالكتاب , وحرصه على نصح القراء والطلاب, ومحاولته الكشف عن أخطاء الكتاب-حسب رأيه- وإلا فهو مخطئ في كل ذلك ؛ إلا ما سبقت الإشارة إليه من المسائل الأربع , و أرى أن من تمام الشكر أن أعترف بإصابته الحق فيها وأني رجعت إلى رأيه فيها, وهي:
أولاً: تفسير المأثم والمغرم في دعاء التشهد بالذنوب والمعاصي, على أنني قد سبق أن رجعت عنه في (الطبعة الثالثة الصادرة سنة 1381) ؛ أي : قبل صدور رسالة الشيخ بست سنين!
ثانياً: قولي في مقدمة (الطبعة الثانية)من الكتاب في الصلاة : ((إنها أعظم ركن من أركان الإسلام)) قال الشيخ:
((لابد من تقييد ذلك بما بعد الشهادتين)), وأنا لا أخالفه فيما قال؛ لأنه من باب: ((دع مايريبك إلى ما لا يريبك)), وإن عَنِيتُ أنها أعظم في الأركان العملية, على أن المقدمة المشار إليها لم نَعُدْ بَعْدُ إلى نشرها مرة أخرى! والقيد المذكور قد جاء في آخر فصل : ((شبهات وجوابها)), فلتقر عين الشيخ الفاضل بها.
ثالثاً: عدلت عن قولي في تفسير جملة : ((والشر ليس إليك)) في دعاء التوجه: (( لأنه-أعني: الشر- ليس من فعله تعالى )) إلى قولي: ((لأنه ليس في فعله تعالى شر))تحقيقاً لرغبة الشيخ, وإن كنت لا أشعر بكبير فرق بين العبارتين, وقد ناقشته طويلاً في الرد الذي سبقت الإشارة إليه.
رابعاً: صححت ما جاء في نقلي عن (( البدائع)) تعليقاً على رفع اليدين في السجود بلفظ : ((ابن الأثرم)) فالظاهر أن الصواب : ((الأثرم)) ؛ كما ذكره الشيخ احتمالاً, وهوأبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ الطائي. والله أعلم.
هذا ؛ ولعل الله تبارك وتعالى ييسر لنا نشر الرد على الشيخ التويجري , فإن فيه تفصيل القول والأدلة على كثير من المسائل الواردة في الكتاب , وبخاصة ((رسالة الصلاة )) للإمام أحمد ؛ التي طالما نبهنا في آخر الطبعات السابقة على (( أنه لا تصح نسبتها إلى الإمام أحمد )) ؛ بل قال الحافظ الذهبي فيها:
(( أخشى أن تكون موضوعة)).
والله تبارك وتعالى أسأل أن يكتب لهذه الطبعة...(إلى آخر مقدمة الطبعة الخامسة)
دمشق : 28/10/1389هـ
محمد ناصر الدين الألبان
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تعليق