بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعدتعريف
الاستنجاء" استفعال من النَّجْو، وهو في اللُّغة القطع، يقال: نَجوت الشَّجرة، أي: قطعتها.
وهو اصطلاحاً: إزالةُ الخارج من السَّبيلين بماء أو حَجَر ونحوه، وفي ذلك قطع لهذا النَّجس. وهذا وجه تعلُّق الاشتقاق بالمعنى الاصطلاحي
يستحب اذا دخل احد الى الخلاء ان يقول بسم الله لما رواه عليُّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ عن النبيِّ صَلّـَـى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنه قال: "سَتْرُ ما بين أعيُنِ الجِنِّ، وعَوْرَاتِ بني آدم، إذا دخل أحدُهم الكَنيفَ أن يقول: بسم الله"(1).
ويقول أعوذُ بالله من الخُبث والخبائث لحديث أنس رضي الله عنه في "الصَّحيحين" أن الرَّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كان إذا دخل الخلاء قال: "اللهم إني أعوذ بك من الخُبُثِ والخَبَائث"
الخُبْث بسكون الباء وضمِّها: ـ فعلى رواية التَّسكين ـ الشَّرُّ، والخبائث: النفوس الشِّرِّيرة ـ وعلى رواية الضمِّ ـ جمع خبيث، والمراد به ذُكران الشَّياطين، والخبائث جمع خبيثة، والمراد إناث الشَّياطين والتسكين أعمُّ، ولهذا كان هو أكثر روايات الشُّيوخ كما قاله الخطابي رحمه الله
فإن كان في البَرِّ استعاذ عند الجلوس لقضاء الحاجة
ويستحب ان يقول عند الخروج غفرانك، للحديث الصَّحيح عن عائشة رضي الله عنها أن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كان إذا خرج من الغائط قال: "غُفْرَانك(2)، والعندية هنا بعديَّة، أي: يقول ذلك بعد خروجه، فإن كان في البَرِّ فعند مفارقته مكان جُلوسه ومناسبة قوله: "غُفْرَانك" هنا: أن الإنسان لما تخفَّف من أذيَّة الجسم تذكَّر أذيَّةَ الإثـم؛ فدعـا الله أن يخفِّـف عنه أذيـَّة الإثـم كمـا مَنَّ عليـه يتخفيف أذيَّة الجسم، وهذا معنى مناسب من باب تذكُّر الشيء بالشيء
يستحبُّ أن يُقدِّمَ رجله اليُسرى عنده دخول الخلاء، ويُقدِّمَ اليُمنى إذا خرج، وهذه مسألة قياسيَّة، فاليمنى تُقَدَّم عند دخول المسجد كما جاءت السُّنَّة بذلك، واليسرى عند الخروج منه، وهذا عكس المسجد. .
فإذا كانت اليُمنى تُقدَّم في باب التَّكريم، واليُسرى تُقدَّم في عكسه، فإنه ينبغي أن تُقدَّم عند دخول الخَلاء اليُسرى، وعند الخروج اليُمنى
يُستحب استتارُ بدنِه كُلِّه لحديث المغيرة بن شُعبة في "الصَّحيحين" قال: "فانطلق حتى تَوَارى عَنِّي فقضى حاجته" وأما استتارُه للعورة فهو امر واجب
وقال بعض اهل العلم يكره الدخول بشيء فيه اسم الله و استدلُّوا بحديث أنس رضي الله عنه أن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كان إذا دخل الخلاء وضع خَاتَمة3)؛ لأنه كان منقوشاً فيه: "محمَّدٌ رسولُ الله" والحديث معلول، وفيه مقال كثير. ومن صحَّحَ الحديث أو حسَّنه قال بالكراهة. ومن قال: إنه لا يصحُّ؛ قال بعدم الكراهة، لكن الأفضل أن لا يدخُلَ.
وفرق بين قولنا: الأفضل، والقول: إنه مكروه، لأنَّه لا يلزم من ترك الأفضل الوقوع في المكروه
واستثنى بعض العلماء "المُصْحَفَ" فقال: يحرم أن يدخَلَ به الخَلاء سواءٌ كان ظاهراً أم خفيًّا؛ لأن "المُصْحَفَ" فيه أشرف الكلام، ودخول الخلاء فيه نوع من الإهانة
والبول قائماً جائزٌ، ولاسيَّما إذا كان لحاجة، ولكن بشرطين:
الأول: أن يأمنَ التَّلويث.
الثاني: أن يأمنَ النَّاظر
لا ينبغي أن يتكلَّم حال قضاء الحاجة، إلا لحاجة كما قال الفقهاء ـ رحمهم الله ـ كأن يُرشِدَ أحداً، أو كلَّمه أحد لا بدَّ أن يردَّ عليه، أو كان له حاجة في شخص وخاف أن ينصرف، أو طلب ماء ليستنجيَ، فلا بأس.
يُكرَهُ بولُه في شَقٍّ والشَّقُّ: هو الفتحةُ في الأرض، وهو الجُحر للهوامِّ والدَّواب، والدليل حديث قتادة عن عبد الله بن سَرْجِس أن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : "نهى أن يُبال في الجُحر"، قيل لقتادة: فما بال الجُحر؟ قال: يُقال: إنَّها مساكن الجنَّ 4 وهذا الحديث من العلماء من صَحَّحه،ومنهم من ضَعَّفه، وأقلُّ أحواله أن يكون حسناً؛ لأنَّ العلماء قَبِلوه، واحتجُّوا به.
2ـ ومن التَّعليل: أنه يُخشَى أن يكونَ في هذا الجُحر شيء ساكن فتُفْسِد عليه مسكنه، أو يخرج وأنت على بولك فيؤذيك، وربما تقوم بسرعة فلا تسلم من رَشَاش البول
يُكرَهُ لقاضي الحاجة مسُّ فرجه بيمينه، وهذا يشمل كلا الفَرْجَين لحديث أبي قتادة: "لا يُمْسِكَنَّ أحدُكُم ذَكَرَه بيمينه وهو يبول، ولا يَتَمَسَّحْ من الخلاء بيمينه، ولا يَتَنَفَّسْ في الإناء"(5
والأحوط أن يتجنَّب مسَّهُ مطلقاً، ولكن الجزم بالكراهة إنَّما هو في حال البول للحديث، وفي غير حال البول محلُّ احتمال ، فإذا لم يكن هناك داعٍ ففي اليد اليُسرى غنيةٌ عن اليد اليمنى
يُكرَهَ استنجاؤه واستجماره بيمينه.
والفرق بينهما: أن الاستنجاء بالماء، والاستجمار بالحجر ونحوه، لقول النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ :"لا يتمسَّح من الخلاء بيمينه.
وأما التّعليل فهو إكرام اليمين.
ويحرُمُ استقبالُ القبلة واستدبارُها" لحديث أبي أيُّوب ـ رضي الله عنه ـ أن النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قال: "لا تستقبلوا القبلة ببولٍ ولا غائط، ولا تستدبروها، ولكن شَرِّقوا، أو غَرِّبوا" قال أبو أيُّوب: فقدمنا الشَّام فوجدنا مراحيض قد بُنيت نحو الكعبة، فننحرف عنها، ونستغفر الله 6
وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : "لا تستقبلوا ولا تستدبروا" نَهيٌ والأصلُ في النهي التَّحريم.
والحديث يفيد أن الانحرافَ اليسير لا يكفي؛ لأنه قال: "ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا" وهذا يقتضي الانحراف التَّام. ولكن :"شرِّقوا أوغرِّبوا" لقوم إذا شرَّقوا، أو غربوا لايستقبلون القِبْلة، ولا يستدبرونها كأهل المدينة، فإن قبلتهم جهة الجنوب، فإذا شرَّقوا، أوغرَّبوا صارت القبلة إما عن أيمانهم، أو عن شمائلهم، وإذا شرَّق قوم أو غرَّبوا، واستقبلوا القبلة، فإن عليهم أن يُشَمِّلُوا، أو يُجَنِّبُوا.
وأما التَّعليل: فهو احترام القِبْلة في الاستقبال والاستدبار
والرَّاجح: أنه يجوز في البُنيان استدبارُ القِبْلة دون استقبالِها؛ لأن النهيَ عن الاستقبال محفوظٌ ليس فيه تفصيل ولا تخصيص، والنهيَ عن الاستدبار خُصِّصَ بما إذا كان في البُنيان؛ لفعلِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
وأيضاً: الاستدبار أهونُ من الاستقبال؛ ولهذا جاء ـ والله أعلم ـ التخفيفُ فيه فيما إذا كان الإنسان في البُنيان
والأفضل: أن لا يستدبرها إن أمكن.
"وبولُه في طريق" يحرم، والغائط من باب أَوْلَى؛ لما رواه مسلمٌ أن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قال: "اتقوا اللَّعَّانَيْن" قالوا: وما اللَّعَّانانِ يارسول الله؟ قال: "الذي يتخلَّى في طريق النَّاس، أو في ظلِّهم" والعِلَّة: أن البول في الطَّريق أذيَّة للمارَّة، وإيذاء المؤمنين محرَّمٌ، قال الله تعالى: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا {الأحزاب: 58}
يَحرُمُ أن يبولَ أو يتغوَّط في ظلٍّ نافع، وليس كُلُّ ظل يحرم فيه ذلك، بل الظلُّ الذي يستظِلُّ به النَّاسُ والدَّليل قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: "أو في ظِلِّهم" يعني: الظِّلَّ الذي هو محلُّ جلوسهم، وانتفاعهم بذلك.
وقال بعض أهل العلم: مثلُه مشمس النَّاس في أيام الشِّتاء ، يعني: الذي يجلسون فيه للتَّدفئة، وهذا قياس صحيح جَليٌّ
وهناك أشياء لا يجوز البول فيها ولا التغوُّط كالمساجد؛ ولهذا قال النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ للأعرابي: "إنَّ هذه المساجد لا تصلح لشيءٍ من هذا البول ولا القَذَر؛ إنّما هي لذكر الله ـ عزَّ وجلَّ ـ والصَّلاة، وقراءة القرآن ، وكذلك المدارس، فكلُّ مجتمعات النَّاس لأمر دينيٍّ أو دنيويِّ لا يجوز للإنسان أن يتبوَّلَ فيها أو يتغوَّط
والإنسان إذا قضى حاجته لا يخلو من ثلاث حالات
الأولى: أنْ يستنجيَ بالماء وحده.وهو جائز ودليل ذلك: حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: كان النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يدخل الخلاء، فأحمل أنا وغلامٌ نحوي إداوةً من ماء وعَنَزَةً؛ فيستنجي بالماء
الثانية: أن يستنجيَ بالأحجار وحدها لحديث سلمان ـ رضي الله عنه ـ قال: "نهانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أن نستنجيَ بأقلَّ من ثلاثةِ أحْجَار7
الثالثة: أن يستنجيَ بالحجر ثم بالماء.
وهذا لا أعلمه ثابتاً عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، لكن من حيث المعنى لا شكَّ أنه أكمل تطهيراً.
بعض الشروط في الاستجمار
"أن يكون طاهراً" ، والدَّليل: حديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : ألقى الرَّوثة وقال: "هذا رِكْسٌ" 8والرِّكْسُ: النَّجِسُ
يحصُل به الإنقاء والذي لا يُنقي: إما لا يُنقي لملاسته، كأن يكونَ أملساً جدًّا، أو لرطوبته، كحجر رَطْب، أو مَدَر رطب، أو كان المحلُّ قد نَشِفَ
ان لا يكون عظماٍ او روثا " والدَّليل على ذلك أن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ نهى أن يُستنجَى بالعظم أو الروث والتَّعليل: أنه إن كان العَظْمُ عظمَ مُذَكَّاة، فقد بَيَّنَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنَّ هذا العظم يكون طعاماً للجِنِّ؛ لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قال لهم: "لكم كلُّ عظم ذُكِرَ اسمُ الله عليه، يقع في أيديكم أوفَرَ ما يكونُ لحماً 9 ولا يجوز تنجيسه على الجِنِّ، وإن كان عظم ميتة فهو نجس فلا يكون مطهِّراً.
والرَّوث: نستدلُّ له بما استدللنا به للعظم.
وأما العِلَّة فإن كان طاهراً فهو عَلَفُ بهائم الجِنِّ؛ وإن كان نجساً لم يصلح أن يكون مطهِّراً
طعام بني آدم، وطعام بهائمهم، فلا يصحُّ الاستنجاء بهما. والدَّليل: أن الرَّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ نهى أن يُستنجيَ بالعظم، والرَّوث، لأنَّهما طعام الجِنِّ، ودوابهم. والإنس أفضل، فيكون النهي عن الاستجمار بطعامهم وطعام بهائمهم من باب أَوْلى.
كما أن فيه محذوراً آخر، وهو الكفر بالنِّعمة
ان لا يكون محترما : ما له حُرمة، أي تعظيم في الشَّرع، مثل: كُتب العلم الشَّرعي، والدَّليل قوله تعالى: ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب {الحج: 32}.
و المتَّصل بالحيوان لا يجوز الاستجمار به، لأن للحيوان حُرمة؛ مثل: أن يستجمرَ بذيل بقرة، أو أُذُنِ سَخْلة، وإذا كان علفُها يُنهـى عن الاستجمـار به، فكيف بالاستجـمارِ بها نفسـها؟!
أن يمسح محل الخارج ثلاث مرَّات.
والدَّليل على ذلك: حديث سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ وهو في "صحيح مسلم" قال: "نهى رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أن نستنجيَ بأقلَّ من ثلاثة أحجار"
والعِلَّة في أمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بثلاثة أحجار: لأجل أن لا يُكرِّر الإنسانُ المسحَ على وجه واحد؛ لأنَّه إذا فعل ذلك لا يستفيدُ، بل ربما يتلوَّث زيادة فإن لم تُنْقِ الثَّلاث زادَ عليها
"ويُسَنُّ قَطْعُ الاستجمار على وِتْرٍ، والمُراد عددُه، فإذا أَنْقَى بأربعٍ زاد خامسة، وإذا أنقى بستٍّ زاد سابعة، وهكذا.
والدَّليل: ما ثبت في "الصَّحيحين" أن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قال: "من استجمرَ فليوتِرْ"
حكم الاستنجاء
التطهيرُ بالماء، أو بالأحجار واجب.
والدَّليل: أمرُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عليَّ بنَ أبي طالب أن يغسلَ ذكرَه لخروجِ المِذِي، والمذيُ نجس. وأيضاً: حديث سلمان: "أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أن لا نستنجيَ بأقلَّ من ثلاثة أحجار".
حكم الشيخ الالباني رحمه الله على الاحاديث
ماخوذ من مكتبة الكترونية
1 صحيح سنن بن ماجة
2 صحيح سنن ابي داود
3 منكر سنن ابي داود
4 ضعيف سنن ابي داود
5 صحيح صحيح وضعيف الجامع الصغير
6 صحيح سنن ابي داود
7 صحيح سنن ابي داود
8 صحيح سنن النسائي
9 صحيح صحيح وضعيف الجامع الصغير