بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد تعريف الآنية جمع إناء، وهو الوعاء
ويذكر الفقهاء باب الانية بعد باب المياه لان الماء جوهر سيّال لا يمكن حفظه إلا بإناء
قاعدة الأصل في الآنية الحِلُّ، لأنها داخلة في عموم قوله تعالى: هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا {البقرة: 29}
آنيةَ الذهب والفضَّة
قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة ـ رضي الله عنه ـ: "لاتشربوا في آنية الذَّهب والفضَّة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنَّها لهم في الدُّنيا ولكم في الآخرة).
وحديث أمِّ سلمة ـ رضي الله عنها ـ: "الذي يشربُ في آنية الفضَّة فإنما يجرجرُ في بطنه نارَ جَهنَّمَ
عندنا هنا ثلاث حالات: اتِّخاذ، واستعمال، وأكل وشرب
أمَّا الأكل والشُّرب فيهما فهو حرام بالنَّص، وحكى بعضهم الإجماع عليه
واما الاتِّخاذ والاستعمال في غير الأكل والشُّرب ليس بحرام؛ لأن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ نهى عن شيء مخصوص وهو الأكل والشُّرب، ويدلُّ لذلك أن أمَّ سلمة ـ وهي راوية الحديث ـ كان عندها جُلجُل من فِضَّة جعلت فيه شعَرات من شعر النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فكان الناس يستشفون بها، فيُشفون بإذن الله، وهذا في "صحيح البخاري(1)" وهذا استعمال في غير الأكل والشُّرب
وذكر بعض الفقهاء ان عظم آدميٍّ وجلده، لا يُباح اتِّخاذه واستعماله آنيةً، لأنَّه محترمٌ بحرمته، وقد قال النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: "كَسْرُ عظم ِالميِّتِ ككسره حيًّا"(1) وإسناده صحيح
آنية الكفَّار
تُباحُ آنيةُ الكفَّار فإن قال قائل: ما هو الدَّليل؟
يقول الشيخ رحمه الله عموم قوله تعـالى : هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا {البقرة: 29} ثم إن أهل الكتاب إذا أباح الله لنا طعامهم، فمن المعلوم أنهم يأتون به إلينا أحياناً مطبوخاً بأوانيهم وثبت أنَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ توضَّأ وأصحابه من مزادة امرأة مشركة
وأما حديث أبي ثعلبة الخشني أن الرَّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قال: "لا تأكلوا فيها، إلا ألا تجدوا غيرها، فاغسلوها وكلوا فيها"(فهذا يدلُّ على أن الأَوْلَى التنزُّه، ولكن كثيراً من أهل العلم حملوا هذا الحديث على أناس عُرفوا بمباشرة النَّجاسات من أكل الخنزير وهذا الحمل جيد، وهو مقتضى قواعد الشَّرع
دباغ جلود الميتة
اولا هل جلود الميتتة نجسة ؟ يقول الشيخ رحمه الله إن كانت الميتة طاهرة فإن جلدها طاهر، وإن كانت نجسةً فجلدها نجس ومن أمثلة الميتة الطَّاهرة: السَّمك أما ما ينجُس بالموت فإن جلده ينجُس بالموت لقوله تعالى: إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس {الأنعام: 145}
و إذا دبغناه هل يطهُر؟ يعني الجلد النجس
يقول الشيخ رحمه الله
اختَلفَ في ذلك أهلُ العلم(1)، فالمذهب أنه لا يطَهُر وهذا مقابل النص وهو حديث ميمونة ـ رضي الله عنها ـ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: "مَرَّ بشاةٍ يجرُّونها، فقال: هلاَّ أخذتم إهابها؟ قالوا: إنها ميتة، قال: يُطهِّرُها الماءُ والقَرَظُ"(2)، وهذا صريح في أنَّه يَطْهُر بالدَّبغ
ولكن قالوا: هذا الحديث منسوخ بما يُروى عن عبدالله بن عُكَيْم قال: "إن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كتب إلينا لا تنتفعوا من الميتة، بإهابٍ ولا عَصَب"(1). زاد أحمد وأبو داود: "قبل وفاته بشهر".
والجواب على ذلك:
أولاً: أنَّ الحديث ضعيف، فلا يقابل ما في "صحيح مسلم"(1).
ثانياً: أنَّه ليس بناسخ؛ لأننا لا ندري هل قضيَّة الشَّاة في حديث ميمونة قبل أن يموتَ بشهر، أو قبل أن يموتَ بأيَّام؟ ومن شرط القول بالنسخ العلم بالتَّاريخ.
ثالثاً: أنَّه لو ثبت أنه متأخِّر، فإنه لا يُعارض حديث ميمونة؛ لأن قوله: "لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا
عصب" يُحمَلُ على الإهاب قبل الدَّبغ، وحينئذٍ يُجمع بينه وبين حديث ميمونة
ملاحظة .قيل: إن جلد الميتة لا يطهر بالدِّباغ؛ إلا أن تكون الميتةُ مما تُحِلُّه الذَّكاة(1)، كالإبل والبقر والغنم ونحوها، وأما ما لا تحلُّه الذَّكاة فإنه لا يطهر، وهذا القول هو الرَّاجح بدليل أنه جاء في بعض ألفاظ الحديث:"دباغُها ذكاتها"(3) فعبَّر بالذَّكاة، ومعلوم أن الذَّكاة لا تُطَهِّر إلا ما يُباح أكله
تعليق