السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذه المشاركة أيضا جزء من مشاركة كتبتها منذ فترة في أحد المنتديات، وكانت تعقيبا على ما طلبه أحد المشايخ في الشبكة من المشاركة في بحث المسألة ووضع البعض فتوى العلامة العثيمين –رحمه الله- في هذه القضية ؛فأحببت أن أضع هنا ما ذكرت هناك ليستفيد البعض ويفيدنا البعض والله أعلم.
نص فتوى العثيمين رحمه الله :
مجموع الفتاوى المجلد الثالث ص36 ما نصه:
"س(395)
سئل فضيلة الشيخ: إذا سلم الكافر على المسلم فهل يرد عليه؟ وإذا مد يده للمصافحة فما الحكم؟ وكذلك خدمته بإعطائه الشاي وهو على الكرسي؟.
فأجاب فضيلته بقوله: إذا سلم الكافر على المسلم سلاماً بيناً واضحاً فقال: السلام عليكم، فإنك تقول: عليك السلام، لقوله تعالى " وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا" أما إذا لم يكن بيناً واضحاً فإنك تقول: وعليك. وكذلك لو كان سلامه واضحاً يقول فيه : السام عليكم يعني الموت فإنه يقال: وعليك.
فالأقسام ثلاثة:
الأول: أن يقول بلفظ صريح : "السام عليكم". فيجاب: "وعليكم".
الثاني: أن نشك هل قال: "السام" أو قال: "السلام"، فيجاب: "وعليكم".
الثالث: أن يقول بلفظ صريح: "السلام عليكم". فيجاب: "عليكم السلام"؛ لقوله تعالى " وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا".
قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ: "فلو تحقق السامع أن الذي قال له: سلام عليكم لا شك فيه، فهل له أن يقول: وعليك السلام أو يقتصر على قوله: وعليك؟ فالذي تقتضيه الأدلة وقواعد الشريعة أن يقال له: وعليك السلام، فإن هذا من باب العدل، والله تعالى يأمر بالعدل والإحسان، وقد قال تعالى : " وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا" . فندب إلى الفضل، وأوجب العدل، ولا ينافي هذا شيئاً من أحاديث الباب بوجه ما، فإنه، صلى الله عليه وسلم، إنما أمر بالاقتصار على قول الراد: وعليكم على السبب المذكور الذي كانوا يعتمدونه في تحيتهم، ثم قال ابن القيم : والاعتبار وإن كان لعموم اللفظ فإنما يعتبر عمومه في نظير المذكور لا فيما يخالفه. قال الله تعالى : " وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ". فإذا زال هذا السبب، وقال الكتابي: سلام عليكم ورحمة الله فالعدل في التحية أن يرد عليه نظير سلامه. أ.هـ. 1/200 أحكام أهل الذمة. وفي صحيح البخاري عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم: السام عليكم، فقولوا: وعليك". والسام هو الموت.
وإذا مد يده إليك للمصافحة فمد يدك إليه وإلا فلا تبدأه.
وأما خدمته بإعطائه الشاي وهو على الكرسي فمكروه، لكن ضع الفنجال على الماصه ولا حرج."ا.هــ
التعليق على الفتوى:
أقول إنّ خير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- والعدل إنما يكون بموافقة الشريعة الغراء، ومن تأمّل الشريعة وجدها موافقة للنظر ، ولبيان ضعف ما ذُكر أقول بإختصار:
1- إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قال في حديث أنس -رضي الله عنه- " إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم " متفق عليه .
هكطلقا فلم يقيد النبي -صلى الله عليه وسلم -الأمر هناك بقولهم: السام عليكم.
2-إنّ التعليل الذي في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- إنما هو لبيان الحكمة في تشريع هذا الحكم الشرعي ،وليس لازما عند أهل العلم استمرار الحكمة أو وجودها في جميع الصور ومن الأمثلة: غسل الجمعة, فكان بداية تشريعه بسبب من يأتي إلى المدينة من أهل البوادي فكان بعض الصحابة يتأذى منهم بسبب الرائحة فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم-بالاغتسال لصلاة الجمعة. و مثله القصر في السفر بسبب المشقة والخوف..الخ.
3-أنّه وإن سلمنا بأنّ هذه المسألة تدخل تحت القاعدة العامة "الحكم يدور مع علته وجودا وعدما" فالحال لا يخلو من صورتين ، ولكن قبل بيانهما أقول: إنّه من المقرر عند أهل الإسلام أن اليهود والنصارى يبغضون أهل الإسلام وإن لم يظهروا هذا البغض فليس قول أحدهم: السلام عليكم دليل على استحقاقه الدعاء له بالسلام.
الصورتان:
أ- أن يكون هذا المشرك وافق قلبه لسانه في هذا السلام والدعاء فحينها يستحق الرد عليه كما ذكر العثيمين وابن القيم رحمهم الله.
ب- أن يكون هذا المشرك مظهر لخلاف ما يبطن من البغض فهذا إن رددنا عليه بقولنا "وعليك السلام" نكون قد اعطيناه ما لا يستحق من الدعاء.
فنظرا لاحتمال هاتين الصورتين فإنّا نرد عليهم بـ "عليكم" مطلقا خشية أن ندعو بالسلام لمن لا يستحق ولا يظن ظان أنّا بهذا نكون قد ظلمنا صاحب الصورة الأولى، بل هذا قمة العدل فإنّه إن كان محبا لأهل الإسلام فيكون دعاءنا له بـ "عليكم" وافيا على قدر نيته لعل الله يشرح صدره للإسلام فيسلمه من النار.
وكذلك صاحب الصورة الثانية نكون قد أعطيناه ما يستحق من الدعاء بـ "عليكم" على قدر نيته وهذا هو العدل الموافق للنصوص الشرعية والحمدلله رب العالمين.
فإن قيل كما قال الشيخ وفقه الله:
اعترضت فيها على عالمين جليلين ابن القيم وابن عثيمين ..-ذكر جزء من كلامي-
1-هل اعتراضك على عالمين جليلين من عندك أو من أقوال علماء آخرين فأنت مسبوق إلى هذا ؟
2-ثم ماذكره هذان العالمان لايعتبر من العدل؟ وماذكرته أنت هو العدل فقط ؟!!
3-وهل نخلص من هذا أنه يجوز لأي طالب علم الإعتراض على فهم
العلماء للنصوص بفهمه وعقله ؟ دون أن يسبق بعلماء قالوا بقوله ؟
هل ترى أن هذا لابأس به .
وإن كنت ترى هذا فماهي ضوابطه ؟ " ا.هـ كلامه وفقه الله.
ومن جوز هذا في كتب أهل العلم ؟ ا.هــ
التعليق على الاعتراض:
أقول الجواب من وجوه أربعة: ((وقد اعتذرت بأني قد نبهت أني سأذكر ما كنت كتبته في نقاش قديم قبل سنتين أو ثلاث فلم أرد البحث وجمع كلام أهل العلم إنما المشاركة فقط)).
الوجه الأول:((وجه استدلالي)): أنني لم أعارض كلام الشيخين بعقلي وفهمي بل بكلام خير البرية -صلى الله عليه وسلم- ثم إنّ القائل بهذا التفصيل هو المطالب بسلفه من أهل القرون الثلاثة فالمطالع لكتب المذاهب والمتون وكتب شروح الحديث وكتب الخلاف يجد أنهم يذكرون هذه المسألة دون تفصيل فمن قال بالجواز كما نُقل عن بعض السلف قاله مطلقا ومن منع- أي منع الزيادة على لفظ" عليك" أو "وعليك"- منع مطلقا وهم جماعة من السلف وقد كنت قديما في نقاشي السابق حاولت الإطلاع على ما استطعت من تلك الكتب فلما رأيت كلامك زدت في البحث فلم أجد شيئا يذكر فتجدهم يطلقون القول فيقولون "الرد على سلام الذمي" وما شابه من العبارات فإن قلت: هي متون مختصرة, فأقول:فما بال الشراح فإن قلت: أصحاب مذاهب, قلت: فما بال شراح كتب الحديث وكتب الخلاف فإن قلت قد أغفلوا ذكر هذا القول- أي نقله عن بعض السلف رغم أن هذا بعيد حيث إن بعضهم حاول الإستقصاء فعدد ستة مذاهب في كيفية الجواب- فلا يصح لك أن تقول أغفلوا وجهلوا مذهبهم فهذا من المحال.
ثم يقال قد بوب البخاري في صحيحه "باب كيف الرد على أهل الذمة بالسلام" وفي مسلم "باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم" وفي ابن ماجه "باب رد السلام على أهل الذمة" وغيرهم هكذا بإطلاق وهكذا تصرف جماعة من المعاصرين كالشيخ برجس رحمه الله في رسالته في أحكام السلام وكذا القحطاني في بعض كتبه منها حصن المسلم وكذا الشيخ علي الرازحي في تبويبه على الحصن المختار فمن بوب أطلق ومن ذكر الخلاف وذكر من منع لم يذكر هذا التفصيل لا أهل المذاهب ولا غيرهم فقل لي بربك أخي القاريء من هو المطالب بسلفه في هذا التفصيل.
الوجه الثاني: ((وانظر كلام اللجنة الآتي في الوجه الرابع)) : مما يؤيد هذا الفهم حديث أنس رضي الله عنه حيث فيه أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالُوا لِلنَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يُسَلِّمُونَ عَلَيْنَا فَكَيْفَ نَرُدُّ عَلَيْهِمْ قَالَ « قُولُوا وَعَلَيْكُمْ » صححه الألباني رحمه الله.
فالنبي في جواب هذا الإستفتاء من قبل الصحابة لم يستفصل عن كيفية سلام أهل الكتاب قال الجيزاني في معالم أصول الفقه وكذا أيده الإثيوبي حفظه الله :
وإذا ترك النبي صلى الله عليه وسلم السؤال عن تفاصيل واقعةٍ، ما دل عدم السؤال على عموم حكمها؛ كتركه صلى الله عليه وسلم سؤال من أسلم على عشرة نسوة: هل عقد عليهن معًا أو مرتبًا؟ فدل على عدم الفرق.
وقد عبر الإمام الشافعي عن هذه القاعدة بقوله:
"ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، ويحسن بها الاستدلال».ا.هــ
الوجه الثالث: وهذا أنقله لمن لم يقنع بما سبق بل يريد كلاماً يشابه كلامي وحدوده عند العبارات المجردة دون معانيها فأقول له:خذ هذه الهدية مني قال زين الدين العراقي- رحمه الله- في طرح التثريب ما نصه:
( الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ ) : فَإِنْ قُلْت إنَّمَا أُمِرْنَا أَنْ نَقْتَصِرَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ عَلَى قَوْلِنَا عَلَيْكُمْ بِدُونِ لَفْظَةِ السَّلَامِ ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي ابْتِدَائِهِمْ السَّامُ عَلَيْكُمْ فَلَمْ يَأْتُوا بِلَفْظِ السَّلَامِ فَلَوْ تَحَقَّقْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَتَى بِلَفْظِ السَّلَامِ مَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ نُجِيبَهُ بِقَوْلِنَا عَلَيْكُمْ السَّلَامُ ؟ ( قُلْت ) : وَلَوْ تَحَقَّقْنَا ذَلِكَ لَا نَعْدِلُ عَنْ كَيْفِيَّةِ الرَّدِّ الْوَارِدَةِ مِنْ الشَّارِعِ فَلَعَلَّهُ حَرَّفَهُ تَحْرِيفًا خَفِيًّا أَوْ أَرَادَ بِقَلْبِهِ غَيْرَ مَا نَطَقَ بِهِ لِسَانُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .ا.هــ كلامه.
فالحمدلله على توفيقه فليس بفهم خلفي أعوج بل هو سلفي أبلج والحمدلله العلي العظيم.
الوجه الرابع (حتى لا يظن أنه قول مهجور بل هو المشهور) : سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء ما نصه:
س3 : هل يجوز للمسلم أن يرد السلام على الكافر والمرتد
إذا سلم عليه وأحسن سلامه؟
ج 3 : إذا سلم أحد من أهل الكتاب اليهود أو النصارى على مسلم رد عليه فيقول : (وعليكم) سواء أحسن الكتابي السلام أم لا ؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : صحيح البخاري الاستئذان (5903),صحيح مسلم السلام (2163),سنن الترمذي تفسير القرآن (3301),سنن أبو داود الأدب (5207),سنن ابن ماجه الأدب (3697),مسند أحمد بن حنبل (3/21. إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم فعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم كيفية الرد ، ولم يخص حالة دون حالة ، ولا يجوز رد السلام على المرتدين والمشركين ؛ لعدم دخولهم في الإذن بالرد ، ولا يجوز بدء الكافرين جميعا على اختلاف دياناتهم بالسلام . وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن بازا.هــ
أقول فالحمدلله فهذا إمام العصر ابن باز والمربي العالم العفيفي والأصولي النادر الغديان والعالم الخفي ابن قعود رحم الله حيهم وميتهم قد نصوا على عدم التفريق سواء أحسن السلام أم لم يحسن فهو فهم سلفي لا خلفي ولله الحمد والمنة.
وأخيرا أقول رحم الله العلامة الألباني فقد كان من أدق الناس عبارة فرغم ترجيحه مذهب ابن القيم رحمه الله لكنه قال ما نصه :
و الرد عليهم بـ ( و عليكم ) محمول عندي على ما إذا لم يكن سلامهم صريحا ، و إلا وجب مقابلتهم بالمثل : ( و عليكم السلام )ا.هـ السلسلة الصحيحة.
فانظر إلى قوله "وهو محمول عندي" فلله دره لم يحجر واسعا والحمدلله رب العالمين.
هذا ومن كان لديه مزيد فليفدنا ولعل إذا شارك البعض نشطت النفس في كتابة المزيد والله أعلم
الهامش:-
1-والشيخ الرازحي حفظه الله حاضر اليوم في مسجد السنة في صنعاء وسيحاضر غدا في مسجدنا فسأسأله حتى يكون الظاهر نصا والحمدلله, ثم سألته في تلك الليلة فقال نقول كما قال الحديث فالحمدلله على توفيقه.
2- في شرح منظومته الأصولية.
3- هذا ما كتبته هناك بتصرف يسير جدا حتى يناسب المقام هنا والله أعلم.
هذه المشاركة أيضا جزء من مشاركة كتبتها منذ فترة في أحد المنتديات، وكانت تعقيبا على ما طلبه أحد المشايخ في الشبكة من المشاركة في بحث المسألة ووضع البعض فتوى العلامة العثيمين –رحمه الله- في هذه القضية ؛فأحببت أن أضع هنا ما ذكرت هناك ليستفيد البعض ويفيدنا البعض والله أعلم.
نص فتوى العثيمين رحمه الله :
مجموع الفتاوى المجلد الثالث ص36 ما نصه:
"س(395)
سئل فضيلة الشيخ: إذا سلم الكافر على المسلم فهل يرد عليه؟ وإذا مد يده للمصافحة فما الحكم؟ وكذلك خدمته بإعطائه الشاي وهو على الكرسي؟.
فأجاب فضيلته بقوله: إذا سلم الكافر على المسلم سلاماً بيناً واضحاً فقال: السلام عليكم، فإنك تقول: عليك السلام، لقوله تعالى " وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا" أما إذا لم يكن بيناً واضحاً فإنك تقول: وعليك. وكذلك لو كان سلامه واضحاً يقول فيه : السام عليكم يعني الموت فإنه يقال: وعليك.
فالأقسام ثلاثة:
الأول: أن يقول بلفظ صريح : "السام عليكم". فيجاب: "وعليكم".
الثاني: أن نشك هل قال: "السام" أو قال: "السلام"، فيجاب: "وعليكم".
الثالث: أن يقول بلفظ صريح: "السلام عليكم". فيجاب: "عليكم السلام"؛ لقوله تعالى " وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا".
قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ: "فلو تحقق السامع أن الذي قال له: سلام عليكم لا شك فيه، فهل له أن يقول: وعليك السلام أو يقتصر على قوله: وعليك؟ فالذي تقتضيه الأدلة وقواعد الشريعة أن يقال له: وعليك السلام، فإن هذا من باب العدل، والله تعالى يأمر بالعدل والإحسان، وقد قال تعالى : " وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا" . فندب إلى الفضل، وأوجب العدل، ولا ينافي هذا شيئاً من أحاديث الباب بوجه ما، فإنه، صلى الله عليه وسلم، إنما أمر بالاقتصار على قول الراد: وعليكم على السبب المذكور الذي كانوا يعتمدونه في تحيتهم، ثم قال ابن القيم : والاعتبار وإن كان لعموم اللفظ فإنما يعتبر عمومه في نظير المذكور لا فيما يخالفه. قال الله تعالى : " وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ". فإذا زال هذا السبب، وقال الكتابي: سلام عليكم ورحمة الله فالعدل في التحية أن يرد عليه نظير سلامه. أ.هـ. 1/200 أحكام أهل الذمة. وفي صحيح البخاري عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم: السام عليكم، فقولوا: وعليك". والسام هو الموت.
وإذا مد يده إليك للمصافحة فمد يدك إليه وإلا فلا تبدأه.
وأما خدمته بإعطائه الشاي وهو على الكرسي فمكروه، لكن ضع الفنجال على الماصه ولا حرج."ا.هــ
التعليق على الفتوى:
أقول إنّ خير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- والعدل إنما يكون بموافقة الشريعة الغراء، ومن تأمّل الشريعة وجدها موافقة للنظر ، ولبيان ضعف ما ذُكر أقول بإختصار:
1- إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قال في حديث أنس -رضي الله عنه- " إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم " متفق عليه .
هكطلقا فلم يقيد النبي -صلى الله عليه وسلم -الأمر هناك بقولهم: السام عليكم.
2-إنّ التعليل الذي في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- إنما هو لبيان الحكمة في تشريع هذا الحكم الشرعي ،وليس لازما عند أهل العلم استمرار الحكمة أو وجودها في جميع الصور ومن الأمثلة: غسل الجمعة, فكان بداية تشريعه بسبب من يأتي إلى المدينة من أهل البوادي فكان بعض الصحابة يتأذى منهم بسبب الرائحة فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم-بالاغتسال لصلاة الجمعة. و مثله القصر في السفر بسبب المشقة والخوف..الخ.
3-أنّه وإن سلمنا بأنّ هذه المسألة تدخل تحت القاعدة العامة "الحكم يدور مع علته وجودا وعدما" فالحال لا يخلو من صورتين ، ولكن قبل بيانهما أقول: إنّه من المقرر عند أهل الإسلام أن اليهود والنصارى يبغضون أهل الإسلام وإن لم يظهروا هذا البغض فليس قول أحدهم: السلام عليكم دليل على استحقاقه الدعاء له بالسلام.
الصورتان:
أ- أن يكون هذا المشرك وافق قلبه لسانه في هذا السلام والدعاء فحينها يستحق الرد عليه كما ذكر العثيمين وابن القيم رحمهم الله.
ب- أن يكون هذا المشرك مظهر لخلاف ما يبطن من البغض فهذا إن رددنا عليه بقولنا "وعليك السلام" نكون قد اعطيناه ما لا يستحق من الدعاء.
فنظرا لاحتمال هاتين الصورتين فإنّا نرد عليهم بـ "عليكم" مطلقا خشية أن ندعو بالسلام لمن لا يستحق ولا يظن ظان أنّا بهذا نكون قد ظلمنا صاحب الصورة الأولى، بل هذا قمة العدل فإنّه إن كان محبا لأهل الإسلام فيكون دعاءنا له بـ "عليكم" وافيا على قدر نيته لعل الله يشرح صدره للإسلام فيسلمه من النار.
وكذلك صاحب الصورة الثانية نكون قد أعطيناه ما يستحق من الدعاء بـ "عليكم" على قدر نيته وهذا هو العدل الموافق للنصوص الشرعية والحمدلله رب العالمين.
فإن قيل كما قال الشيخ وفقه الله:
اعترضت فيها على عالمين جليلين ابن القيم وابن عثيمين ..-ذكر جزء من كلامي-
1-هل اعتراضك على عالمين جليلين من عندك أو من أقوال علماء آخرين فأنت مسبوق إلى هذا ؟
2-ثم ماذكره هذان العالمان لايعتبر من العدل؟ وماذكرته أنت هو العدل فقط ؟!!
3-وهل نخلص من هذا أنه يجوز لأي طالب علم الإعتراض على فهم
العلماء للنصوص بفهمه وعقله ؟ دون أن يسبق بعلماء قالوا بقوله ؟
هل ترى أن هذا لابأس به .
وإن كنت ترى هذا فماهي ضوابطه ؟ " ا.هـ كلامه وفقه الله.
ومن جوز هذا في كتب أهل العلم ؟ ا.هــ
التعليق على الاعتراض:
أقول الجواب من وجوه أربعة: ((وقد اعتذرت بأني قد نبهت أني سأذكر ما كنت كتبته في نقاش قديم قبل سنتين أو ثلاث فلم أرد البحث وجمع كلام أهل العلم إنما المشاركة فقط)).
الوجه الأول:((وجه استدلالي)): أنني لم أعارض كلام الشيخين بعقلي وفهمي بل بكلام خير البرية -صلى الله عليه وسلم- ثم إنّ القائل بهذا التفصيل هو المطالب بسلفه من أهل القرون الثلاثة فالمطالع لكتب المذاهب والمتون وكتب شروح الحديث وكتب الخلاف يجد أنهم يذكرون هذه المسألة دون تفصيل فمن قال بالجواز كما نُقل عن بعض السلف قاله مطلقا ومن منع- أي منع الزيادة على لفظ" عليك" أو "وعليك"- منع مطلقا وهم جماعة من السلف وقد كنت قديما في نقاشي السابق حاولت الإطلاع على ما استطعت من تلك الكتب فلما رأيت كلامك زدت في البحث فلم أجد شيئا يذكر فتجدهم يطلقون القول فيقولون "الرد على سلام الذمي" وما شابه من العبارات فإن قلت: هي متون مختصرة, فأقول:فما بال الشراح فإن قلت: أصحاب مذاهب, قلت: فما بال شراح كتب الحديث وكتب الخلاف فإن قلت قد أغفلوا ذكر هذا القول- أي نقله عن بعض السلف رغم أن هذا بعيد حيث إن بعضهم حاول الإستقصاء فعدد ستة مذاهب في كيفية الجواب- فلا يصح لك أن تقول أغفلوا وجهلوا مذهبهم فهذا من المحال.
ثم يقال قد بوب البخاري في صحيحه "باب كيف الرد على أهل الذمة بالسلام" وفي مسلم "باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم" وفي ابن ماجه "باب رد السلام على أهل الذمة" وغيرهم هكذا بإطلاق وهكذا تصرف جماعة من المعاصرين كالشيخ برجس رحمه الله في رسالته في أحكام السلام وكذا القحطاني في بعض كتبه منها حصن المسلم وكذا الشيخ علي الرازحي في تبويبه على الحصن المختار فمن بوب أطلق ومن ذكر الخلاف وذكر من منع لم يذكر هذا التفصيل لا أهل المذاهب ولا غيرهم فقل لي بربك أخي القاريء من هو المطالب بسلفه في هذا التفصيل.
الوجه الثاني: ((وانظر كلام اللجنة الآتي في الوجه الرابع)) : مما يؤيد هذا الفهم حديث أنس رضي الله عنه حيث فيه أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالُوا لِلنَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يُسَلِّمُونَ عَلَيْنَا فَكَيْفَ نَرُدُّ عَلَيْهِمْ قَالَ « قُولُوا وَعَلَيْكُمْ » صححه الألباني رحمه الله.
فالنبي في جواب هذا الإستفتاء من قبل الصحابة لم يستفصل عن كيفية سلام أهل الكتاب قال الجيزاني في معالم أصول الفقه وكذا أيده الإثيوبي حفظه الله :
وإذا ترك النبي صلى الله عليه وسلم السؤال عن تفاصيل واقعةٍ، ما دل عدم السؤال على عموم حكمها؛ كتركه صلى الله عليه وسلم سؤال من أسلم على عشرة نسوة: هل عقد عليهن معًا أو مرتبًا؟ فدل على عدم الفرق.
وقد عبر الإمام الشافعي عن هذه القاعدة بقوله:
"ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، ويحسن بها الاستدلال».ا.هــ
الوجه الثالث: وهذا أنقله لمن لم يقنع بما سبق بل يريد كلاماً يشابه كلامي وحدوده عند العبارات المجردة دون معانيها فأقول له:خذ هذه الهدية مني قال زين الدين العراقي- رحمه الله- في طرح التثريب ما نصه:
( الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ ) : فَإِنْ قُلْت إنَّمَا أُمِرْنَا أَنْ نَقْتَصِرَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ عَلَى قَوْلِنَا عَلَيْكُمْ بِدُونِ لَفْظَةِ السَّلَامِ ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي ابْتِدَائِهِمْ السَّامُ عَلَيْكُمْ فَلَمْ يَأْتُوا بِلَفْظِ السَّلَامِ فَلَوْ تَحَقَّقْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَتَى بِلَفْظِ السَّلَامِ مَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ نُجِيبَهُ بِقَوْلِنَا عَلَيْكُمْ السَّلَامُ ؟ ( قُلْت ) : وَلَوْ تَحَقَّقْنَا ذَلِكَ لَا نَعْدِلُ عَنْ كَيْفِيَّةِ الرَّدِّ الْوَارِدَةِ مِنْ الشَّارِعِ فَلَعَلَّهُ حَرَّفَهُ تَحْرِيفًا خَفِيًّا أَوْ أَرَادَ بِقَلْبِهِ غَيْرَ مَا نَطَقَ بِهِ لِسَانُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .ا.هــ كلامه.
فالحمدلله على توفيقه فليس بفهم خلفي أعوج بل هو سلفي أبلج والحمدلله العلي العظيم.
الوجه الرابع (حتى لا يظن أنه قول مهجور بل هو المشهور) : سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء ما نصه:
س3 : هل يجوز للمسلم أن يرد السلام على الكافر والمرتد
إذا سلم عليه وأحسن سلامه؟
ج 3 : إذا سلم أحد من أهل الكتاب اليهود أو النصارى على مسلم رد عليه فيقول : (وعليكم) سواء أحسن الكتابي السلام أم لا ؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : صحيح البخاري الاستئذان (5903),صحيح مسلم السلام (2163),سنن الترمذي تفسير القرآن (3301),سنن أبو داود الأدب (5207),سنن ابن ماجه الأدب (3697),مسند أحمد بن حنبل (3/21. إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم فعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم كيفية الرد ، ولم يخص حالة دون حالة ، ولا يجوز رد السلام على المرتدين والمشركين ؛ لعدم دخولهم في الإذن بالرد ، ولا يجوز بدء الكافرين جميعا على اختلاف دياناتهم بالسلام . وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن بازا.هــ
أقول فالحمدلله فهذا إمام العصر ابن باز والمربي العالم العفيفي والأصولي النادر الغديان والعالم الخفي ابن قعود رحم الله حيهم وميتهم قد نصوا على عدم التفريق سواء أحسن السلام أم لم يحسن فهو فهم سلفي لا خلفي ولله الحمد والمنة.
وأخيرا أقول رحم الله العلامة الألباني فقد كان من أدق الناس عبارة فرغم ترجيحه مذهب ابن القيم رحمه الله لكنه قال ما نصه :
و الرد عليهم بـ ( و عليكم ) محمول عندي على ما إذا لم يكن سلامهم صريحا ، و إلا وجب مقابلتهم بالمثل : ( و عليكم السلام )ا.هـ السلسلة الصحيحة.
فانظر إلى قوله "وهو محمول عندي" فلله دره لم يحجر واسعا والحمدلله رب العالمين.
هذا ومن كان لديه مزيد فليفدنا ولعل إذا شارك البعض نشطت النفس في كتابة المزيد والله أعلم
الهامش:-
1-والشيخ الرازحي حفظه الله حاضر اليوم في مسجد السنة في صنعاء وسيحاضر غدا في مسجدنا فسأسأله حتى يكون الظاهر نصا والحمدلله, ثم سألته في تلك الليلة فقال نقول كما قال الحديث فالحمدلله على توفيقه.
2- في شرح منظومته الأصولية.
3- هذا ما كتبته هناك بتصرف يسير جدا حتى يناسب المقام هنا والله أعلم.
تعليق