الصوم والفطر
بسم الله الرحمن الرحيم
تناقلت الجرائد المحلية أن كثيرًا من أهل الريف أفطروا في يوم السبت ( 30 رمضان ) بناء على أن التقاويم ( النتائج والإمساكيات ) متفقة على أن الشهر 29 يومًا ، ولا سبب لهذا إلا الجهل بالحكم الشرعي ، فمن عرف الحكم لا يبالي بالتقاويم ، ومن الغريب أن بعض أهل القاهرة قد أفطروا بحجة اتفاق التقاويم وتوهموا أن فطرهم صادف الواقع ، حيث تبين أن الهلال رؤي في ليلة الأحد مرتفعًا وكبيرًا بحيث يجزم أنه ابن ليلتين ، وكل هذا لا اعتبار له في نظر الشرع.
الدين الإسلامي لم يجعل أمر العبادة منوطًا برئيس ولا عالم ، بل جعله مما يتناوله الكافة ؛ لأن إناطة العبادات بالرؤساء قد جر على الأمم السابقة شقاءً طويلاً ، فلو أن إثبات الصوم والفطر موكول إلى الفلكيين ، ولو على تقدير وجودهم لجاز أن لا يوجد في البلد الكبير أو القطر العظيم إلا واحد منهم ، وربما كان هذا الواحد أو الآحاد من أصحاب الأهواء الذين يتلاعبون بأمر الدين ، إجابة لداعي الشهوة ، أو لرغائب الأمراء والكبراء ، أو لغير ذلك من الأسباب ، وفي ذلك فساد كبير لا يخفى على المستبصرين .
لاحظ الشرع الحكيم هذا فجعل أمر الصوم والفطر مبنيًّا على رؤية الهلال ، فإن لم يُر فعلى كمال عدة الشهر ثلاثين يومًا ، وأول ليلة يُرى فيها الهلال من الشهر هي أول الشهر في الاصطلاح الشرعي ، سواء كان مرتفعًا أم منخفضاً ، ولا مشاحة في الاصطلاح ، والحكمة ظاهرة ، إذ يتساوى بهذا الحكم جميع المسلمين ، لا فرق بين الأعرابي في باديته والحضري في مصره ، يعمل كل مسلم بعلمه إلا إذا ثبت شرعًا برؤية الهلال أن يوم الثلاثين من شعبان هو أول رمضان ، أو يوم الثلاثين من رمضان أنه العيد ، فيصوم ويفطر بحسب رؤيته ، وإن لم يثبت ذلك شرعًا بأن لم يشهد أو لم يحكم بشهادته ، ولكن ينبغي أن لا يتظاهر بخلاف ما عليه الناس ، لئلا يظن به السوء .
ينحي أكثر الناس باللوم فيما حصل من الخطأ في الفطر على الحكومة ويقولون : كان من وظيفتها إعلام سائر جهات القطر بعدم ثبوت العيد ليلة السبت ، وقالت جريدة المقطم : كان ينبغي الإعلام بعدم إمكان رؤية الهلال .
والصواب: معرفة الحكم الشرعي كافية لعدم الخطأ ، وأن التعريف به من وظيفة الخطباء والمدرسين ، فأكثر المسلمين يحضرون صلاة الجمعة ، فلو استبدل الخطباء في آخر جمعة من رمضان بيان هذا الحكم بوداع رمضان وإعلام الناس بما يعلمونه من إيقاد المصابيح وإطفائها ونحو ذلك مما لا فائدة فيه - لاهتدى الناس ولما وقعوا في هذا الالتباس ، فعسى أن يلاحظوا هذا في السنين المقبلة ،
وبالله التوفيق .
تعليق