الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي ّله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وبعد
إن أصدق الحديث كتاب الله وخيرالهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وإن شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وبعد:
ليلة القدر وتحديدها :
- وأفضل لياليه ليلةُ القَدْرِ ، لقوله r: pمن قام ليلة القدر ( ثم وُفقَتْ له ) ، إيماناً واحتساباً ، غُـفِـرَ له ما تقدم من ذنبهi( 1 ) .
- وهي ليلة سابع وعشرين من رمضان على الأرجح ، وعليه أكثر الأحاديث منها حديث زِر بن حُبَيش قال : سمعت أٌبيَّ ابن كعب يقول ـ وقيل له : إن عبد الله بن مسعود يقول : من قام السنة أصاب ليلة القدر ! ـ فقال أٌبَيٌّ رضي الله عنه : رحمه الله ، أراد أن لا يتكل الناس ، والذي لا إله إلا هو ، إنها لفي رمضان - يحلف ما يستثني - ووالله إني لأعلمُ أيَّ ليلةٍ هي ؟ هي الليلة التي أمرنا رسول الله rبقيامها هي ليلة صبيحة سبع وعشرين، وأمارتُها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها.
ورفع ذلك في رواية إلى النبي r( 2 ) .
- وأفضل لياليه ليلةُ القَدْرِ ، لقوله r: pمن قام ليلة القدر ( ثم وُفقَتْ له ) ، إيماناً واحتساباً ، غُـفِـرَ له ما تقدم من ذنبهi( 1 ) .
- وهي ليلة سابع وعشرين من رمضان على الأرجح ، وعليه أكثر الأحاديث منها حديث زِر بن حُبَيش قال : سمعت أٌبيَّ ابن كعب يقول ـ وقيل له : إن عبد الله بن مسعود يقول : من قام السنة أصاب ليلة القدر ! ـ فقال أٌبَيٌّ رضي الله عنه : رحمه الله ، أراد أن لا يتكل الناس ، والذي لا إله إلا هو ، إنها لفي رمضان - يحلف ما يستثني - ووالله إني لأعلمُ أيَّ ليلةٍ هي ؟ هي الليلة التي أمرنا رسول الله rبقيامها هي ليلة صبيحة سبع وعشرين، وأمارتُها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها.
ورفع ذلك في رواية إلى النبي r( 2 ) .
(1 ) أ خرجه الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة ، وأحمد (5/31 من حديث عبادة بن الصامت ، والزيادة له ، ولمسلم عن أبي هريرة .
( تنبيه ) : كنت ذكرت في الطبعة الأولى في آخر الحديث زيادة أخرى بلفظ : " وما تأخر " اعتماداً مني على تصحيح المنذري والعسقلاني وغيرهما إياها ، ثم يسر الله تعالى لي تتبع طرق الحديث ورواياته عن أبي هريرة وعبادة تتبعاً مستفيضاً لم أراه لغيري فتبين لي أنها زيادة شادة عن أبي هريرة ، ومنكرة عن عبادة ، وأن من حسّن هذه وصحح تلك فقد وهم لوقوفه مع ظاهر رجال الإسناد وعدم تتبعه للروايات ، وقد حققت ذلك في بحث واسع جداً ، قد أودعته في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" برقم (5083) ، ولذلك لم أذكر هذه الزيادة في حديث أبي هريرة لمَّـا أوردته في "صحيح الترغيب والترهيب" (982) ولا ذكرت معه حديث عبادة خلافاً لأصله "الترغيب" والله تعالى ولي التوفيق .
( 2) : أخرجه مسلم وغيره . وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1247) .
**********************
الاعتكاف
* مشروعيته :
1- والاعتكاف سنة في رمضان وغيره من أيام السنة ، والأصل في ذلك قوله تعالى : ]وأنتم عاكفون في المساجد[ ، مع توارد الأحاديث الصحيحة في اعتكافه r، وتواتر الآثار عن السلف بذلك ، وهي مذكورة في "المصنف" لابن أبي شيبة وعبد الرزاق ( 1 ).
وقد ثبت أن النبي rاعتكف آخر العشر من شوال ( 2 ) ، وأن عمر قال للنبي r: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ؟ قال :p فأوف بنذركi ، ( فاعتكف ليلةً ) (3 ) .
2- وآكَدُه في رمضان لحديث أبي هريرة : pكان رسول الله rيعتكف في كل رمضان عشرة أيام ، فلما كان العام الذي قُبِضَ فيه اعتكف عشرين يوماًi( 4 ) .
3- وأفضله آخر رمضان ، لأن النبي rكان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ( 5 ).
* شروطه :
1- ولا يشرع إلا في المساجد لقوله تعالى : ]ولا تباشروهن ( 6 ) وأنتم عاكفون في المساجد[(7 )، وقالت السيدة عائشة :
( السنة في المعتكف أن لا يخرج إلا لحاجته التي لا بد له منها ، ولا يعود مريضاً ، ولا يمس أمراته ،
ولا يباشرها ، ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة ، والسنة فيمن اعتكف أن يصوم ) ( 8 ) .
2- وينبغي أن يكون مسجداً جامعاً لكي لا يضطر للخروج منه لصلاة الجمعة ، فإن الخروج لها واجب عليه ، لقول عائشة في رواية عنها في حديثها : (...ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع)( 9 ).
ثم وقفت على حديث صحيح صريح يُخصص ( المساجد ) المذكورة في الآية بالمساجد الثلاثة : المسجد الحرام ، والمسجد النبوي ، والمسجد الأقصى ، وهو قوله r: pلا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثةi( 10 ) .
وقد قال به من السلف فيما اطلعت حذيفة بن اليمان ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، إلا أنه لم يذكر المسجد الأقصى ، وقال غيرهم بالمسجد الجامع مطلقاً ، وخالف آخرون فقالوا : ولو في مسجد بيته .
ولا يخفى أن الأخذ بما وافق الحديث منها هو الذي ينبغي المصير إليه ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
3- والسنة فيمن اعتكف أن يصوم كما تقدم عن عائشة رضي الله عنها ( 11 ) .
* ما يجوز للمعتكف :
1- ويجوز له الخروج منه لقضاء الحاجة ، وأن يخرج رأسه من المسجد لِيُـغْسَلَ ويُسَرَّح ، قالت عائشة رضي الله عنها :
( وإن كان رسول الله rليدخل علَيَّ رأسَه وهو ( معتكف ) في المسجد ، ( وأنا في حجرتي ) فأُرَجلُــهُ ، ( وفي رواية : فأغسله وإن بيني وبينه لعتبة الباب وأنا حائض ) ، وكان لا يدخل البيت
إلا لحاجة ( الإنسان ) ، إذا كان معتكفاً ) ( 12 ) .
2- ويجوز للمعتكف وغيره أن يتوضأ في المسجد لقول رجل خدم النبي r: توضأ النبي rفي المسجد وضوءاً خفيفاً ( 13 ).
3- وله أن يتخذ خيمة صغيرة في مؤخرة المسجد يعتكف فيها ، لأن عائشة رضي الله عنها كانت تضرب للنبي rخِـبَاءً ( 14 ) إذا اعتكف ، وكان ذلك بأمره r(15 ).
واعتكف مرة في قُبَّةٍ تُركيَّةٍ (16 ) على سُدَّتِها حصير ( 17 ) .
* إباحة اعتكاف المرأة وزيارتها زوجها في المسجد :
4- ويجوز للمرأة أن تزور زوجها وهو في معتكفه ، وأن يودعها إلى باب المسجد لقول صفية رضي الله عنها : " كان النبي rمعتكفاً (في المسجد في العشر الأواخر من رمضان) فأتيته أزوره ليلاً ، (وعنده أزواجه ، فَرُحْنَ) ، فحدثتُـهُ (ساعة) ، ثم قمت لأنقلبَ ، (فقال : لا تعجلي حتى أنصرف معك) ، فقام معي ليقلبني ، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد (حتى إذا كان عند باب المسجد الذي عند باب أم سلمة) ، فمر رجلان من الأنصار ، فلما رأيا النبي rأسرعا ، فقال النبي r: pعلى رسْـلِكُما ؛ إنها صفية بنت حيي ، فقالا : سبحان الله ! يا رسول الله ! قال : إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، وإني خشيتُ أن يقذف في قلوبكما شراً ، أو قال : شيئاً i( 18 ).
بل يجوز لها أن تعتكف مع زوجها ، أو لوحدها لقول عائشة رضي الله عنها :
(اعتكفتْ مع رسول الله rامرأة مستحاضة (وفي رواية أنها أم سلمة) من أزواجه ، فكانت ترى الحمرة والصفرة ، فربما وضعنا الطَّسْت تحتها وهي تصلي) ( 19 ).
وقال أيضاً :
(كان النبي rيعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله،ثم اعتكف أزواجه من بعده) ( 20 ).
قلت : وفيه دليل على جواز اعتكاف النساء أيضاً ، ولا شك أن ذلك مقيد بإذن أوليائهن بذلك ، وأمن الفتنة والخلوه مع الرجال ؛ للأدلة الكثيرة في ذلك ، والقاعدة الفقهية : درء المفاسد مقدم على جلب المصالح .
5- ويبطله الجماع لقوله تعالى : ]ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد[.
وقال ابن عباس :
(إذا جامع المعتكف بطل اعتكافه ، وأستأنف) ( 21 ).
ولا كفارة عليه لعدم ورود ذلك عن النبي rوأصحابه .
وسبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك .
-------------------------------------------------------
(1 ) : كان هنا في الطبعة السابقة حديث في فضل " من اعتكف يوماً . . " فحذفته ؛ لأنه تبين لي ضعفه ، بعد أن خرجته وتكلمت عليه بتفصيل في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (5347) ، فكشفت فيه عن علته التي كانت خفيت علي ، وعلى الهيثمي قبلي !
(2 ) : هو قطعة من حديث لعائشة ، رواه الشيخان وابن خزيمة في "صحاحهم" ، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (2127) .
( 3 ) : رواه الشيخان وابن خزيمة ، والزيادة للبخاري في رواية كما في "مختصره" (995) ، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" أيضاً
(2136-2137) .
( 4 ) : رواه البخاري وابن خزيمة في "صحيحيهما" ، وهو مخرج في المصدر السابق (2126-2130) .
( 5) : رواه الشيخان وابن خزيمة (2223) ، وهو مخرج في "الإرواء" (966) و "صحيح أبي داود" (2125) .
( 6 ) : أي لا تجامعوهن . قال ابن عباس : المباشرة والملامسة والمس جماع كله ، ولكن الله عز وجل يكني ما شاء بما شاء . رواه البيهقي (4/321) بسند رجاله ثقات .
(7) : ( البقرة : 187 ) ، قد استدل الإمام البخاري على ما ذكرناه بهذه الآية . قال الحافظ : ( ووجه الدلالة من الآية أنه لو صح في غير المسجد لم يخص تحريم المباشرة به ، لأن الجماع مناف للاعتكاف بالإجماع ، فعلم من ذكر المساجد أن المراد أن الاعتكاف لا يكون إلا في فيها ) .
( 8 ) : رواه البيهقي بسند صحيح ، وأبو داود بسند حسن ، والراوية الآتية عن عائشة له ، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (2135) و "الإرواء" (966) .
( 9 ) : روى البيهقي عن ابن عباس قال : إن أبغض الأمور إلى الله البدع ، وإن من البدع الاعتكاف في المساجد التي في الدور .
(10 ) : أخرجه الطحاوي والإسماعيلي والبيهقي بإسناد صحيح عن حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه ، وهو مخرج في "الصحيحة" (رقم 2786) ، مع الآثار الموافقة له مما ذكرنا أعلاه ، وكلها صحيحة .
( 11) : رواه البيهقي بسند صحيح ، وأبو داود بسند حسن ، وقال الإمام ابن القيم في "زاد المعاد" : ( ولم ينقل عن النبي rأنه اعتكف مفطراً ، بل قد قالت عائشة : لا اعتكاف إلا بصوم ، ولم يذكر سبحانه الاعتكاف إلا مع الصوم ، ولا فعله rإلا مع الصوم ، فالقول الراجح في الدليل الذي عليه جمهور السلف أن الصوم شرط في الاعتكاف وهو الذي كان يرجحه شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية ) .
قلت : ويترتب عليه أنه لا يشرع لمن قصد المسجد للصلاة أو غيرهما أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه فيه ، وهو ما صرح به شيخ الإسلام في "الاختيارات" .
( 12 ) : رواه الشيخان ، وابن ابي شيبة ، وأحمد ، والزيادة الأولى لهما ، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (2131-2132) .
( 13) : رواه البيهقي بسند جيد ، وأحمد (5/364) مختصراً بسند صحيح .
(14 ) : الخِـباء أحد بيوت العرب من وَبَرٍ أو صوف ولا يكون من شعَر ، ويكون على عمودين أو ثلاثة . "نهاية" .
( 15 ) : رواه الشيخان من حديث عائشة ، وفعلها للبخاري ، والأمر لمسلم ، وتقدم تخريجه (ص34) التعليق (2) .
( 16 ) : أي قبة صغيرة .
والسّدة كالظـلّة على الباب لتقي الباب من المطر ، والمراد أنه وضع قطعة حصير على سدتها لئلا يقع فيها نظرُ أحد كما قال السندي ، وأوْلى أن يقال : لكي لا ينشغل بالُ المعتكف بمن قد يمر أمامه تحصيلاً لمقصود الاعتكاف وروحِه ، كما قال الإمام ابن القيم : ( عكس ما يفعله الجهال من اتخاذ المُـعْـتَـكَـفِ موضعَ عِشْرةٍ ومجلبة الزائرين وأخذهم بأطراف الأحاديث بينهم ، فهذا لون ، والاعتكاف النبوي لون ، والله الموفق ) .
( 17 ) : هو طرف من حديث لأبي سعيد الخدري ، رواه مسلم وابن خزيمة في "صحيحيهما" وهو مخرج في "صحيح أبي داود"(1251).
( 1 : أخرجه الشيخان ، وأبو داود ، والزيادة الأخيرة له ، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (2133و2134) .
(19 ) : رواه البخاري وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (213 ، والرواية الأخرى لسعيد بن منصور كما في "الفتح" (4/281) لكن سماها الدارمي (1/22) : ( زينب ) . والله أعلم .
( 20) : أخرجه الشيخان وغيرهما ، وسبق تخريجه (ص35) التعليق رقم (2) .
(21) : رواه ابن أبي شيبة (3/92) وعبد الرزاق (4/363) بسند صحيح . والمراد من قوله : ( استأنف ) أي أعاد اعتكافه ) .
تعليق