خطبة الجمعة من الجامع الكبير
لسماحة المفتي الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيأيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى.
أيها المسلم: إن الله ائتمنك على دينك، ائتمنك على حصر إسلامك، فأمرك بإخلاص الدين له، وقصده بالعبادة دون سواه، وإن يكون مرادك بأي عمل تعمله، ابتغاء وجه الله، والتقرب إليه بما يرضيه: (إِنَّا أَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّين)، (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)، فإخلاص أمانة بينك وبين ربك، في أمور طاعاتك، فإن قصدت بها وجه الله أثبت عليها، وإن أردت رياء الناس وسمعتهم ومديحهم، فإن ذاك خسارة عليك، وفي الحديث يقول الله: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري، تركته وشركه، -وفي لفظ- وأنا منه بري)، ائتمنك ربك على فرائض الإسلام، على الصلاة، على طهارتها، على الوضوء على أدائها، ائتمنك على الزكاة، وعلى إخراجها وإحصائها، وائتمنك على حج بيت الله الحرام، لتؤدي المناسك على الوجه المرضي، وائتمنك على واجبات كثيرة، تؤديها طاعة وإخلاصاً لله، ومما ائتمنك الله عليه، على فريضة الصيام، فالصيام: أمانة بينك وبين ربك، سر بينك وبين ربك، لا يطلع عليه إلا الله، فلما عظمت أمانة الصيام أضاف الله الصيام إليه، الصوم لي، وأنا أجزي، يدع طعامه وشرابه وشهوته لأجلي، إذاً فالصوم أمانة لدى الصائم، أمانة لدى الصائم في أن يجتنب ما يفسد الصيام، وينقص ثوابه ويقلل أجره.
أيها المسلم الصائم: أنت أمين على صيامك، في كل المفسدات التي تفسد هذا الصوم، وتنافي حقيقته، أنت أمين عليه، فكلما عظمت أمانته، وعظم وفائك، صرت من الصائمين حقا، وأرجو من الله أن يحقق لي، ولك، ولسائر المسلمين.
أيها المسلم: أجمع المسلمون على أن من تعمد في نهار رمضان، الجماع أو الأكل أو الشرب، فإن ذلك منافٍ للصيام ومفسد له، هذا ...، لأنها حقيقة الصيام في الشرع، الإمساك عن الأكل والشرب ومواقعة النساء، منذ طلوع الفجر الثاني، أي أذان الفجر إلى غروب الشمس، كانوا في أول الإسلام، إذا صاموا وأفطروا، أبيح لهم بعد الفطر أن يأكلوا ويشربوا ويأتوا النساء، ما لم يصَلُّوا العشاء، وما لم يناموا، فشق ذلك عليهم، فأباح الله لهم الأكل والشرب ومباشرة النساء، من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)، وقال (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا... الآية)، إذاً فأعظم مفسد للصيام أن يأتي الرجل امرأته في نهار رمضان، وهما مقيمان غير مسافرين، فإن ذلك منافٍ للصيام، بل هو من كبائر الذنوب، بل لو اعتقد إنسان جواز ذلك، لكان كافراً لكونه مكذباً لله ورسوله، في عهد محمد -صلى الله عليه وسلم- جاءه رجل فقال: ( يا رسول الله: هلكت، وأهلكت، هلكت، وأهلكت: يعني وقعت في هلكة وأوقعت غيري كذلك، قال ما شئنك: قال أتيت امرأتي في رمضان، قال: هل تستطيع أن تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: هل تستطيع أن تطعم ستين مسكينأ؟ قال: لا، فأتي النبي بعرق تمر، فيه قدر الكفارة، فقال خذ هذا وتصدق به، فقال: يا رسول الله على أفقر مني؟ فو الله ما بين لابتي المدينة أهل بيت أفقر من أهلي بيتي، فضحك -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت أسنانه، فقال: خذه وأطعمه أهلك)، إذاً فهو مستقر عندهم أن ذلك منافٍ للصيام، ومفسد للصيام وهلكتٌ، ولكن ابن آدم بشر، والمعصوم من عصم الله.
أيها المسلم: فكن حذراً من هذه المشكلة، وكن بعيداً عن كل وسيلة تثير الغريزة، وربما يفلت الزمام منك، ولا تستطيع السيطرة على نفسك، فالحذر الحذر، والبعد البعد، عن كل ما يمكن إثارة ما لا تستطيع إدراكه وتلاشيه.
أيها المسلم: وإذا كان الجماع مفسداً للصيام، ومنافياً له، فكذلك وسائل المفضية إليه، ولهذا حرم على المسلم في صيام رمضان أن يحاول إخراج المادة المنوية، بأن، بأن يكرر النظر لبعض المشاهد الهابطة، وبعض المسلسلات الخبيثة في نهار الصيام، من أقوام يعرضون مسلسلات هابطة، ومشاهدة سيئة، ربما تفسد عقل الإنسان، وتثير شهوته، فيقع المحذور، فيفسد صومه، وأما إنزال المادة من طريق الاحتلام، فهذا أمر معذور منه، لأنه لا استطاعة له بدفعه.
أيها المسلم: وحرم على المسلم في نهار رمضان، أن يتعمد أكلاً أو شرباً، لأنه صام تقرباً إلى الله، فلا يجوز أن يتعمد مأكولاً أو مشروباً في نهار رمضان، بل هو يدع ذلك عن إيماناً وخوفٍ من الله جل وعلا، عن إيماناً وخوفٍ من الله جل وعلا، أما لو وقعت أكل أو الشرب عن نسيان، فإن ذلك معفو عنه، ولذا النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من أكل أو شرب ناسيا، فليتم صومه فإنما أطعمه الله، وسقاه)، لكن المسلم عامداً يمنعه إيمانه، ويحجزه إسلامه، ومعرفة أن الله مطلع عليه، والله مراقب لسره وعلانيته.
أيها المسلم، أيها المسلم: فإذا كان تعمد الأكل والشرب مفسد للصيام بلا إشكال، فكذلك لا يقوم مقام المأكول أو المشروب، وهي الإبر التي يتعاطاه المريض، لتكون عوضاً عن عدم أكله وشربه، فتكون هذه المغذيات قائمةً مقام تناول الطعام والشراب من طريق الفم أو الأنف، فإن هذه الإبر المغذية هي لها حكم تناول الطعام والشراب، يسعى المريض إليها وتنفعها ويعذب، فإنه يفطر ويقضي ذلك اليوم، يوم تلك الأيام التي أفطره.
أيها المسلم، أيها المسلم: ومما ينبغي التنبه إليه أن إخراج الصائم الدم من طريق إخراج الصائم، الدم لإسعاف مريض أو محتاج لذلك، أن إخراج الدم وسحبه أن ذلك مفطر لصيامه، لأنه في حكم الحجامة، والنبي يقول: (أفطر الحاجم، والمحجوم)، فإذا اضطررت إلى إسعاف أحد بشيء من دمك، لحاجة مريض، تقرباً إلى الله، فإنك تسعفه وتقضي ذلك اليوم، لأن هذا الدم الخارج قد يؤدي إلى إضعافك، وعدم قدرتك على مواصلة الصيام.
أيها المسلم، أيها المسلم: هناك أمر لابد من التنبيه عليها؟ وقد تشكل على بعض الناس، فإستعمال البخاخ من طريق الفم أو من طريق الأنف، مما للحساسية أو الربو أو نحو ذلك، ممن يضطرون إلى ذلك، أن ذلك لا ينافي صيامهم ولا يؤثر على صيامهم، لأن هذه إنما هو توسعة للقصابات الهوائية، ضغط غازيٌ إنما ينفع فقط لأجل توسعة الأشياء، وليس طعاماً يأكل ولا شرابا، وإنما هو لحاجة وضرورة، ولا يقوم مقام الطعام والشراب فلا يؤثر ذلك على الصائم.
أيها المسلم، أيها المسلم: إن احتجت إلى الفطر في سفرك، فلا تتحرج، ولا تقول إني أمسكت أول النهار فيجب أن أكمله، كالذين يذهبون إلى العمرة أحيانا، قد يصيبهم من التعب والجهد في أثناء اليوم ما لله به عليم، يمنعهم من الفطر أنهم ابتدءوا الصيام في أول النهار، وأنه لا يجوز لهم الفطر بعد ذلك، وهذا فهم خاطئ، فمحمدٌ -صلى الله عليه وسلم- في أحد أسفاره كان صائماً محرماً نهار، فلما رأى الضعف لأصحابه أفطر وأمرهم بالفطر، بل قال مهدداً للذين لم يفطروا، أولئك العصاة، أولئك العصاة، لأن فطرك أيضاً إشعار منك بقبول نصرة الله لك، فإن الله يحب أن يحب تؤتى رخصه، كما يكره أن تأتى معصيته؛ ومما ينافي الصيام، خروج دم الحيض، ولو قبل المغرب بقليل، فإن دم الحيض منافيٍ للصيام، سواءً كان في كل النهار، أو في آخر جزء من النهار قبل غروب الشمس، فإذ رأت المسلمة الحيض قبل غروب الشمس، فإن صيامها ذلك اليوم يعتبر لاغياً وعليها أن تقضي يوماً آخر، أما إن خرج بعد غروب الشمس، فإن الصوم صحيح، لأنها استكملت النهار كله صائمة.
أختي المسلمة، أختي المسلمة: لأنه أن يشكل عليك أمور، وهذا من خلال الأسئلة المتكررة المتعددة، أن بعض الأخوات أشكل عليهن أموراً في صيامهن، فمن ذلك: أن بعضهن يسألن، ويقولن: إنه مضى في شبابهن شهورٌ من رمضان لم يصمن ذلك الرمضانات، لماذا؟ قالوا: لأجل التعب والمشقة، ولأجل الرعي، ولأجل الزراعة وغير ذلك، ثم يتعللن بأن الأمهات والأباء لم يأمروهم بالصيام، لأجل العمل والإنتفاء بذلك، فتسأل المسلمة عن موقفها من تلك الرمضانات التي أفطرت عليها، جهلا بل الأمر، وعدم نصيحة الأب والأم لها بالصيام، نقول لها: احسب تلك الأيام التي أفطرتيها، واقضيها، وأطعمي مع كل يوم مسكين، ولو صمتيها متفرقة، فإن ذلك لابد منه، لأن هذا الإفطار لم يكن بإذن شرعي؛ أحد الأخوات يسألن كثيراً منهن عن أن بعضهن ربما صمن أيام الدورة الشهرية، حياءً، وخجلاً أن يخبرن أن الحيض قد طرقهن، فنقول أيضاً: تحصى تلك الأيام وتصام، ويطعم مسكين مع كل يوم مع القضاءواصعام المسكين.
تابع
تابع
تعليق