*****
مطـوية / أقوال الأئمة الأربعة في اتباع السنة
وتـرك أقوالهم المخـالفة لها
الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الالباني رحمه الله تعالى
(تنبيه : لم انقل الحاشية كاملة لكون المطوية لا تستوع نقلها وستجدها كاملة في النص تحت)
----------------------------
https://www.ajurry.com/vb/attachment...6&d=1585999010
*****
نص المطوية :
أقوال الأئمة الأربعة في اتِّباعِ السُّنَّةِ
وتَركِ أقوالِهم المخالفَةِ لَها
(من كتاب: أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم)
- الشيخ محمد بن ناصر الدين الالباني رحمه الله -
ومن المفيد أن نسوق هنا ما وقفنا عليه منها أو بعضها، لعلَّ فيها عظةً وذكرى لمن يقلدهم - بل يقلد من دونهم بدرجات - تقليداً أعمى (1) ، ويتمسك بمذاهبهم وأقوالهم؛ كما لو كانت نزلت من السماء، والله عزَّ وجلَّ يقول: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُم مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3] .
1- أبو حَنِيفة رحمه الله:
فأولهم الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله، وقد روى عنه أصحابه أقوالاً شتى، وعبارات متنوعة؛ كلها تؤدي إلى شيء واحد وهو:
وجوب الأخذ بالحديث، وترك تقليد آراء الأئمة المخالفة له :
(1) وهذا التقليد هو الذي عناه الإمام الطحاوي حين قال:
" لا يقلد إلا عصبي أو غبي ". نقله ابن عابدين في " رسم المفتي " (ص 32 ج 1) من " مجموعة رسائله ".
1- " إذا صح الحديث؛ فهو مذهبي " (1) .
2-" لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا؛ ما لم يعلم من أين أخذناه " (2) . وفي رواية: " حرام على مَن لم يعرف دليلي أن يُفتي بكلامي ".
(1) ابن عابدين في " الحاشية " (1/63) وفي رسالته " رسم المفتي " (1/4 من مجموعة رسائل ابن عابدين) ، والشيخ صالح الفُلاني في " إيقاظ الهمم " (ص 62) وغيرهم، ونقل ابن
عابدين عن " شرح الهداية " لابن الشَّحْنَة الكبير- شيخ ابن الهُمَام - ما نصه: " إذا صح الحديث، وكان على خلاف المذهب؛ عُمِل بالحديث، ويكون ذلك مذهبه، ولا
يخرج مقلده عن كونه حنفيّاً بالعمل به؛ فقد صح عن أبي حنيفة أنه قال: إذا صح الحديث؛ فهو مذهبي. وقد حكى ذلك الإمام ابن عبد البر عن أبي حنيفة، وغيره من الأئمة ".
قلت: وهذا من كمال علمهم وتقواهم؛ حيث أشاروا بذلك إلى أنهم لم يحيطوا بالسنة كلها - وقد صرح بذلك الإمام الشافعي؛ كما يأتي -؛ فقد يقع منهم ما يخالف السنة التي لم
تبلغهم؛ فأمرونا بالتمسك بها، وأن نجعلها من مذهبهم رحمهم الله تعالى أجمعين.
(2) ابن عبد البر في " الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء " (ص 145) ، وابن القيم في " إعلام الموقعين " (2/309) ، وابن عابدين في " حاشيته " على " البحر الرائق " (6/293)
وفي " رسم المفتي " (ص 29 و 32) ، والشعراني في " الميزان " (1/55) بالرواية الثانية، والرواية الثالثة رواها عباس الدوري في " التاريخ " لابن معين (6/77/1) بسند صحيح عن زُفَر، وورد نحوه عن أصحابه: زُفَر، وأبي يوسف، وعافية بن يزيد - كما في " الإيقاظ " (ص 52) -، وجزم ابن القيم (2/344) بصحته عن أبي يوسف، والزيادة في التعليق على " الإيقاظ " (ص 65) نقلاً عن ابن عبد البر، وابن القيم وغيرهما.
قلت: فإذا كان هذا قولهم فيمن لم يَعلم دليلَهم؛ فليت شعري! ماذا يقولون فيمن علم أن الدليل خلاف قولهم، ثم أفتى بخلاف الدليل؟! فتأمل في هذه الكلمة؛ فإنها وحدها كافية في تحطيم التقليد الأعمى؛ ولذلك أنكر بعض المقلدة من المشايخ نسبتها إلى أبي حنيفة؛ حين أنكرتُ عليه إفتاءه بقولٍ لأبي حنيفة لم يعرف دليله!
زاد في رواية: " فإننا بَشَر؛ نقول القول اليوم، ونرجع عنه غداً ". وفي أخرى : " ويحك يا يعقوب ! - وهو أبو يوسف - لا تكتب كل ما تسمع مني؛ فإني قد أرى الرأي اليوم، وأتركه غداً، وأرى الرأي غداً، وأتركه بعد غد " (1) .
(1) قلت: وذلك لأن الإمام كثيراً ما يبني قوله على القياس، فيبدو له قياس أقوى، أو يبلغه حديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فيأخذ به، ويترك قوله السابق. قال الشعراني في " الميزان " (1/62) ما مختصره:" واعتقادنا واعتقاد كل منصف في الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه؛ أنه لو عاش حتى دُوِّنَت الشريعة، وبعد رحيل الحفاظ في جَمْعِها من البلاد والثغور، وظفر بها؛ لأخذ بها، وترك كل قياس كان قاسه، وكان القياس قلَّ في مذهبه، كما قل في مذهب غيره بالنسبة إليه، لكن لما كانت أدلة الشريعة مفرقة في عصره مع التابعين وتابعي التابعين في المدائن والقرى والثغور؛ كثر القياس في مذهبه بالنسبة إلى غيره من الأئمة ضرورةً؛ لعدم وجود النص في تلك المسائل التي قاس فيها؛ بخلاف غيره من الأئمة؛ فإن الحفاظ كانوا قد رحلوا في طلب الأحاديث وجمعها في عصرهم من المدائن والقرى، ودوّنوها؛ فجاوبت أحاديث الشريعة بعضها بعضاً، فهذا كان سبب كثرة القياس في مذهبه، وقلته في مذاهب غيره ". ونقل القسم الأكبر منه أبو الحسنات في " النافع الكبير" (ص 135) ، وعلق عليه بما يؤيده ويوضحه. فليراجعه من شاء.
قلت: فإذا كان هذا عذر أبي حنيفة فيما وقع منه من المخالفة للأحاديث الصحيحة دون قصد - وهو عذر مقبول قطعاً؛ لأن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها -؛ فلا يجوز الطعن فيه - كما قد يفعل بعض الجهلة -، بل يجب التأدب معه؛ لأنه إمام من أئمة المسلمين الذين بهم حُفِظ هذا الدين، ووصل إلينا ما وصل من فروعه، وأنه مأجور على كل حال؛ أصاب أم أخطأ، كما أنه لا يجوز لمعظِّميه أن يظلوا متمسكين بأقواله المخالفة للأحاديث؛ لأنها ليست من مذهبه - كما رأيت نصوصه في ذلك -، فهؤلاء في واد، وأولئك في واد، والحق بين هؤلاء وهؤلاء، {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} .
3- " إذا قلتُ قولاً يخالف كتاب الله تعالى، وخبر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فاتركوا قولي " (1) .
2- مالك بن أنس رحمه الله:
وأما الإمام مالك بن أنس رحمه الله؛ فقال:
1-" إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي؛ فكل ما وافق الكتاب
(1) الفلاني في " الإيقاظ " (ص 50) ، ونسبه للإمام محمد أيضاً، ثم قال: " هذا ونحوه ليس في حق المجتهد؛ لعدم احتياجه في ذلك إلى قولهم؛ بل هو في حق المقلد ".
قلت: وبناءً على هذا قال الشعراني في " الميزان " (1/26) : " فإن قلت: فما أصنع بالأحاديث التي صحت بعد موت إمامي، ولم يأخذ بها؟
فالجواب: الذي ينبغي لك: أن تعمل بها؛ فإن إمامك لو ظفر بها، وصحت عنده؛ لربما كان أَمَرَك بها؛ فإن الأئمة كلهم أسرى في يد الشريعة، ومن فعل ذلك؛ فقد حاز الخير بكلتا يديه،
ومن قال: (لا أعمل بحديث إلا إن أخذ به إمامي) ؛ فاته خير كثير؛ كما عليه كثير من المقلدين لأئمة المذاهب، وكان الأولى لهم العمل بكل حديث صح بعد إمامهم؛ تنفيذاً لوصية
الأئمة؛ فان اعتقادنا فيهم أنهم لو عاشوا، وظفروا بتلك الأحاديث التي صحت بعدهم؛ لأخذوا بها، وعملوا بما فيها، وتركوا كلَّ قياس كانوا قاسوه، وكلَّ قول كانوا قالوه ".
والسنة؛ فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة؛ فاتركوه " (1) .
2- " ليس أحد - بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا ويؤخذ من قوله ويترك؛ إلاالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (2) .
3- قال ابن وهب: سمعت مالكاً سئل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء؟ فقال:" ليس ذلك على الناس ".
قال: فتركته حتى خفَّ الناس، فقلت له: عندنا في ذلك سنة. فقال: " وما هي؟ ".
قلت: حدثنا الليث بن سعد وابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافري عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي عن المستورد بن شداد القرشي قال:
(1) ابن عبد البر في " الجامع " (2/32) ، وعنه ابن حزم في " أصول الأحكام " (6/149) ،
وكذا الفلاني (ص 72) .
(2) نسبةُ هذا إلى مالك هو المشهور عند المتأخرين، وصححه عنه ابن عبد الهادي في" إرشاد السالك " (227/1) ، وقد رواه ابن عبد البر في " الجامع " (2/91) ، وابن حزم في
" أصول الأحكام " (6/145 و 179) من قول الحكم بن عُتَيبة ومجاهد، وأورده تقي الدين السبكي في " الفتاوى " 1/148 من قول ابن عباس - متعجباً من حسنه -، ثم قال:
" وأخذ هذه الكلمة من ابن عباسٍ مجاهدٌ، وأخذها منهما مالك رضي الله عنه، واشتهرت عنه ".
قلت: ثم أخذها عنهم الإمام أحمد؛ فقد قال أبو داود في " مسائل الإمام أحمد " (ص 276) : " سمعت أحمد يقول: ليس أحد إلا ويؤخذ من رأيه ويترك؛ ما خلا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدلُك بخنصره ما بين أصابع رجليه. فقال: " إن هذا الحديث حسن، وما سمعت به قط إلا الساعة ".
ثم سمعته بعد ذلك يُسأل، فيأمر بتخليل الأصابع (1) .
3- الشافعي رحمه الله :
وأما الإمام الشافعي رحمه الله؛ فالنقول عنه في ذلك أكثر وأطيب (2) ،
وأتباعه أكثر عملاً بها وأسعد؛ فمنها:
1- " ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعزُبُ عنه،
فمهما قلتُ من قول، أو أصّلت من أصل، فيه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلاف ما
قلت؛ فالقول ما قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو قولي " (3) .
2- " أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لم يَحِلَّ له أن يَدَعَهَا لقول أحد " (4) .
(1) مقدمة " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم (ص 31 - 32) ، ورواها تامة البيهقي في" السنن " 1/118 .
(2) قال ابن حزم (6/11 :" إن الفقهاء الذين قُلِّدوا مبطلون للتقليد، وإنهم نهوا أصحابهم عن تقليدهم، وكان أشدهم في ذلك الشافعي؛ فإنه رحمه الله بلغ من التأكيد في اتباع صحاح الآثار، والأخذ بما
أوجبته الحجة، حيث لم يبلغ غيره، وتبرَّأ من أن يُقَلَّدَ جملة، وأعلن بذلك، نفع الله به، وأعظم أجره؛ فلقد كان سبباً إلى خير كثير ".
(3) رواه الحاكم بسنده المتصل إلى الشافعي؛ كما في " تاريخ دمشق " لابن عساكر
(15/1/3) ، و " إعلام الموقعين " (2/363 و 364) ، و " الإيقاظ " (ص 100) .
(4) ابن القيم (2/361) ، والفلاني (ص68 .
تعليق