*****
مطوية / حكم السنة والكتاب في هدم الزوايا والقباب
العلامة عبد الرحمن النتيـفي البيضاوي المغربي رحمه الله
---------------------------
- من كتاب (حكم السنة والكتاب في هدم الزوايا والقباب) -
ترجمة الشيخ :
نص المطوية :
حكم السنة والكتاب في هدم الزوايا والقباب
العلامة عبد الرحمن النتيـفي البيضاوي المغربي رحمه الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الذي أمره بتأسيس مساجد التقوى وقواعد الدين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم من المؤمنين.
اما بعد : فقد سئل كاتبه - عفا الله عنه- عبد الرحمن بن محمد النتيفي الجعفري، عن الزواوي والربط والقباب، أهي من البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه وتعمر، ومن حرمات الله التي تعظم، أم من مساجد الضرار التي ينبغي أن تحرق أو تهدم أو تهجر؟ وقد ذهب كثير ممن ينسب إلى العلم إلى الأول.
فأجيبوا مأجورين، وبينوا بالدليل ما عليه المعول، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى1.
نص الجواب : وبعد السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، نجيبكم بما نرجو من الله أن يكون هو الصواب.وهو:أن القول الأول مهجور ومنبوذ بلا ارتياب، وهو ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وقول السلف وفعلهم، وفتوى علماء الإسلام.
(1) كلمة تعالى، لم ترد في شيء من طرق أحاديث السلام.
- أما الكتاب:
فقد قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ، فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (10 أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ } (التوبة: 110-107 )
وقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (آل عمران:103)
وقال: ( وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) [الأنفال:46.
وقال: ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) [الأنعام:159).
وقال: ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) (آل عمران: 105]. الآية.
وقال: ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) [الأنعام:153]. إلى غير ذلك من الآيات البينات.
أما وجه الاستدلال من الآيات التي بعد الأولى، فإن الله تعالى نهى عن التفرق والاختلاف والتنازع، وتفرقة الأديان، واتباع السبل غير الصراط المستقيم، وهذه الأشياء وسيلة إلى ما نهى الله عنه ونتيجة له، والوسيلة تعطى حكم المقصود، والنتيجة من المقدمات، وهذا المعنى المذكور في الآيات مشاهد في هذه الوسائل والنتيجات، حسب ما يوضح بعد.
وأما وجه الاستدلال بالآية الأولى فلعمومها، إذ الاسم الموصول بصلة عامة يعم بعمومها حتى يرد تخصيصه، فكل مسجد شارك مسجد سبب النزول في علة التفرقة والضرر کان کهو في الحكم، وهو وإن نزلت الآية في مسجد أبي عامر الراهب، فسبب النزول لا يخصص الدليل العام، كما هو معلوم في الأصول.
فإن قلت: إن دلالة الأية على ما زعمتموه من العموم يعارض بوجوه:
- الأول: ما يقال فرق بين ما بناه کافر مظهرا به القربة ومخفيا الحوبة، وبين ما بناه مسلم يقصد به القربة ظاهرا وباطنا.
قلنا: لا فرق؛ إذ المدار على وجود الضرر والتفرقة بالبناء المذكور، سواء كان من کافر أو مسلم - حسبما يأتي توضيحه -، وإلا يكون إضرار المسلم لغيره جائزا على بحثكم وهو باطل.
- الثاني: ما يقال أن الزواوي وما معها يذكر فيها اسم الله ، ويصلى فيها ، ويتلى فيها كتاب الله، فهي مساجد منفعة لا مساجد ضرار.
قيل لكم: هذا مردود بوجهين:
الأول: أن ما نسبتم لها من الخير لا يُجَوز ضررها، ولا يرد النهي عنه.
الثاني: أن مسجد الضرار نفسه كان فيه جميع ما ذكرتم، فلم يدفع عنه غضب الله ولا الهدم ولا التحريق.
- الثالث: ما يقال أن الزواوي وما معها يعمرها المؤمنون، دون سبب النزول.
فيقال عليه : وسبب النزول كذلك، عمره المؤمنون بعضهم ظاهرا، وبعضهم ظاهرا و باطنا، كما هو معلوم في التفسير، وقد حلفوا أنهم لم يريدوا إلا الحسنى.
- الرابع: ما يقال إن الله كذبهم بقوله: ( وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) [التوبة:107).
قيل: لا ينهض لكم دليلا، إذ المدار على الضرر كما تقدم.
- الخامس: ما يقال إن عُمّار هذه البيوت مؤمنون ظاهرا وباطنا، وقد زعمتم أن عمّار مسجد الضرار مختلفون.
الجواب من وجهين:
الأول: هبهم كذلك، فالمدار على ما تقدم .
الثاني: أن عمار تلك البيوت مؤمنو القلب والقالب، كما هو موجود فيهم، وتأتي تتمة له.
- السادس: ما يقال قد اشترطت الآية في مسجد الضرار الضرر، والكفر والتفرقة، والإرصاد لمن حارب الله ورسوله، و أي هذه الأوصاف كلها في تلك البيوت؟ لو سلم أن فيها بعضها.
الجواب فيها من وجوه:
الأول: ما يقال: أنها ليست شروطا كلها، لعموم الحكم، وإنما هي أوصاف القضية العين، والسبب اتصف به أصحابه.
الثاني: جاء في الشريعة ما يدل على أن المدار فيها على وصف التفرقة والضرر، وهو يفيد عدم شرطية الجميع.
الثالث: مما يدل على عدم اشتراط الجميع، كون التفرقة هي نفس الضرر، والكفران كان علة للفعل، كان من التفرقة أيضا، كما أن المدار عليها وإن كان وصفا لأصحاب القضية، فالمدار على ما عليه، ولا ننفي وصفه عن بعض أصحاب تلك البيوت إن نفيناه عن كلهم كما سيبدو أمامك، والإرصاد لمن حارب الله ورسوله، يقال عليه ما قيل في وصف الكفر قبله، حرفا بحرف.
وكثير ممن بنى تلك البيوت في الزمان الأول أرصد بها من حارب الله ورسوله من الزنادقة ودعاة الباطنية.
السابع: ما يقال الفرق موجود بنهي الله رسوله أن يقوم في ذلك المسجد ابدا دون أن ينهاه عن غيره.
فيقال عليه : هذا الفرق لا يتجه ولا يدل على خصوصية.
أما أولا: فإن الله نهاه عنه لوصفه بالضرر، فهو منهي عمن اتصف بذلك الوصف إلى يوم القيامة، وإلا لزم أن يقوم رسول الله في مقام المعصية.
وأما ثانيا: فإن تلك البيوت لم تكن مع هذا البيت في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينهى عنها أو يؤمر بها، وإنما كانت المؤسسة على التقوى وقد أمر أن يقوم بها.
وأما ثالثا: فذلك المسجد هو أصل تلك البيوتات الضارة، كما أن المؤسس على التقوى جمع لشتات المسلمين، وهو أصل للبيوتات التي اتصفت بوصفه.
الثامن: لا يقال أن هذه زواوي ورُبط لا مساجد، فلا يعمها حكم الآية.
لأنا نقول: هي مساجد لغة وشرعا، إذ المسجد هو ما خصص للقرية)(1)، كانت قربة في نفس الأمر ام لا، وقد قال الله : ( لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ) [الكهف:21].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "(2). وتلك التسمية حادثة، مصطلح عليها، فلا تمنع إطلاق المسجد عليها.
وأمـا السـنة :
فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريق وهدم هذا المسجد(3) ، وترکه کناسه للمزابل(4)،
(1) ورد في السان العرب»: «أن المسجد كل موضع يتعبد فيه (3/ 204) مادة (سجد).
(2) رواه البخاري (ح 5478، ومسلم (ح531)
(3) أخرج ابن مردويه كما في الدر المنثور، (4/286 )وابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام، (5/ 211) عن أبي رهم کلثوم بن الحصين الغفاري -وكان من الصحابة الذين بايعوا تحت الشجرة- قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بذي أوان - بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار - وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك، فقالوا: يا رسول الله، إنا بنينا مسجدا لذي العلة، والحاجة، والليلة الشاتية، والليلة المطيرة، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه. قال: إني على جناح سفر، ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم، فصلينا لكم فيه. فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف، ومعن بن عدي، وأخاه عاصم بن عدي احد بني العجلان، فقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله؛ فاهدماه، وحرقاه. فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف -وهم رهط مالك بن الدخشم-، فقال مالك لمعن: أنظرني حتى أخرج إليك، فدخل إلى أهله فأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا، ثم خرجا يشتدان وفيه أهله، فحرقاه، وهدماه، وتفرقوا عنه، ونزل فيهم من القرآن ما نزل.
(4) روى الطبري بسنده عن خلف بن ياسين الكوفي قال: « ورأيت مسجد المنافقين الذي ذكره الله في القرآن، وفيه حجر يخرج منه الدخان وهو اليوم مزبلة،, تفسير الطبري.(11/33).
وقد هم صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت الذين تخلفوا عن الجماعة(1) والجمعة(2) لولا نساؤهم وصبيانهم، ولا يستحق هذا إلا بمعصية الله، وربما كان ما فعل هؤلاء أخف مما فعل أولئك من الضرر بمساجد المسلمين، وتفرقة جموعهم لو كان ذلك وحده، ولاسيما على القول بأن الجماعة سنة فقط، وقد قال رسول الله : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين. الحديث(3) . وهذه سنته وهديه.
وأما الإجمـاع:
فمعاذ الله أن يُجوز مسلم كامل الإسلام، فضلا عن عالم، الإضرار بالمسلمين في دينهم وعقولهم، وأبدانهم وأموالهم، وأولادهم وأعراضهم، والإضرار بمساجدهم، وتفرغŒق جماعتهم، ووحدتهم في صلاتهم، ونحوها من الإضرار بدينهم.
__________وقد هم صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت الذين تخلفوا عن الجماعة(1) والجمعة(2) لولا نساؤهم وصبيانهم، ولا يستحق هذا إلا بمعصية الله، وربما كان ما فعل هؤلاء أخف مما فعل أولئك من الضرر بمساجد المسلمين، وتفرقة جموعهم لو كان ذلك وحده، ولاسيما على القول بأن الجماعة سنة فقط، وقد قال رسول الله : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين. الحديث(3) . وهذه سنته وهديه.
وأما الإجمـاع:
فمعاذ الله أن يُجوز مسلم كامل الإسلام، فضلا عن عالم، الإضرار بالمسلمين في دينهم وعقولهم، وأبدانهم وأموالهم، وأولادهم وأعراضهم، والإضرار بمساجدهم، وتفرغŒق جماعتهم، ووحدتهم في صلاتهم، ونحوها من الإضرار بدينهم.
(1) عن ابي هريرة رضي الله عنه : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقد ناسا في بعض الصلوات، فقال: لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس، ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها فآمر بهم فيحرقوا عليهم بحرم الحطب بيوتهم، ولو علم أحدهم أنه بجد عظما سمينا لشهدها - يعني: صلاة العشاء. .رواه البخاري (ح 618 ، ومسلم (ح651).
(2) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: لقد هممت أن آمر رجلا بصلي بالناس، ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم. رواه مسلم ح561).
(3) صحيح: رواه أحمد في المسند، (ح 17144) و(ح 17145)، ط. الرسالة، وابو داود ح 4607)، والترمذي (ح 2676)، وابن ماجه في المقدمة (ح 42)، والحاكم في المستدرك، (1/ 174) وغيرهم، وقال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
تعليق