بسم الله الرحمن الرحيم
صلوا في رحالكم وصفاتها في الأذان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فقد صح في السنة قول المؤذن (صلوا في رحالكم) أو غيرها من الصيغ عند وجود مشقة في الوصول للمساجد، وجاء ثلاث صفات لها في الأذان، وهي من باب التنوع.
الصفة الأولى: استبدال الحيعلتين بأحد الصيغ الواردة.
قال: ابن عباس رضي الله عنهما لمؤذنه في يوم مطير: إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله، فلا تقل حي على الصلاة، قل: (صلوا في بيوتكم)، فكأن الناس استنكروا، قال: (فعله من هو خير مني، إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أحرجكم فتمشون في الطين والدحض).
أخرجه الشيخان.
بوب على هذا الحديث ابن خزيمة في ((صحيحه)) : (باب أمر الإمام المؤذن بحذف حي على الصلاة، والأمر بالصلاة في البيوت بدله).
قال العلامة الألباني رحمه الله في ((الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب)) : ((الرواية الثانية من الحديث الأول تدل على أن المؤذن يحذف الحيعلتين ويجعل مكانه: الصلاة في الرحال. وقد ذهب إلى ذلك بعض المحدثين فقد بوب عليه ابن خزيمة وتبعه ابن حبان ثم المحب الطبري: حذف حي على الصلاة في يوم المطر. وهو الذي يقتضيه الحديث لولا أنه غير ظاهر فروي رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ثبت رفعه كان المؤذن مخيرا بين حذفها لهذا الحديث وبين إثباتها للأحاديث الأخرى. والله أعلم)) اهـ.
الصفة الثانية: بعد الحيعلتين .
عن عبد الله بن الحارث قال: خطبنا ابن عباس رضي الله عنهما في يوم ردغ (مطر) فلما بلغ المؤذن حي على الصلاة فأمره أن ينادي: (الصلاة في الرحال) فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقال: (فعل هذا من هو خير منه وإنها عزمة).
أخرجه الشيخان.
وعن عمرو بن أوس، أن رجلا من ثقيف أخبره، أنه سمع مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم مطير يقول: ((حي على الصلاة، حي على الفلاح، صلوا في رحالكم)).
أخرجه أحمد والنسائي وعبد الرزاق الصنعاني في ((المصنف)) وغيرهم وصححه الألباني.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)) : ((قال النووي فيه أن هذه الكلمة تقال في نفس الأذان وفي حديث بن عمر يعني الآتي في باب الأذان للمسافر أنها تقال بعده قال والأمران جائزان كما نص عليه الشافعي لكن بعده أحسن ليتم نظم الأذان قال ومن أصحابنا من يقول لا يقوله إلا بعد الفراغ وهو ضعيف مخالف لصريح حديث بن عباس انتهى وكلامه يدل على أنها تزاد مطلقا إما في أثنائه وإما بعده لا أنها بدل من حي على الصلاة وقد تقدم عن ابن خزيمة ما يخالفه وقد ورد الجمع بينهما في حديث آخر أخرجه عبد الرزاق)) اهـ.
الصفة الثالثة: أثر الأذان.
عن نافع، قال: أذن ابن عمر رضي الله عنهما في ليلة باردة بضجنان، ثم قال: صلوا في رحالكم، فأخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذنا يؤذن، ثم يقول على إثره: ((ألا صلوا في الرحال)) في الليلة الباردة، أو المطيرة في السفر.
أخرجه الشيخان.
قال العلامة ابن رجب رحمه الله في ((فتح الباري)) : ((وفي أنه إنما كان يأمر المنادي أن يقوله بعد تمام اذانه)) اهـ.
وعن نعيم بن النحام قال: نودي بالصبح في يوم بارد وأنا في مرط امرأتي فقلت: ليت المنادي قال: من قعد فلا حرج عليه فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أذانه: (ومن قعد فلا حرج عليه).
أخرجه أحمد.
قال العلامة الألباني رحمه الله في ((إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل)) : ((وهذا إسناد رجاله ثقات، لولا أن إسماعيل بن عياش قد ضعف في روايته عن الحجازبين، وهذه منها، لكن رواه الطبراني من طريق آخر رجالها رجال الصحيح كما قال الهيثمي (2/47)، فالحديث به قوى، وقد أخرجه أحمد من طريق أخرى: حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن عبيد بن عمير عن شيخ سماه عن نعيم بن النحام به نحوه.
وهذا رجاله ثقات غير الشيخ الذى لم يسمه، ولعله قد سمى في طريق أخرى لدى عبد الرزاق وتبين أنه ثقة، فقد عزاه الحافظ في ((الفتح)) (2/81) لعبد الرزاق بإسناد صحيح عن نعيم بن النحام به نحوه. والله أعلم)) اهـ.
الخلاصة:
الذي وقفت عليه ثلاث صفات الأولى بدل الحيعلتين لحديث ابن عباس رضي الله عنهما والثانية بعد الحيعلتين أيضا لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ورجلا من ثقيف والثالثة أثر الأذان لحديث ابن عمر رضي الله عنهما.
تنبيه:
قال العلامة محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي الوَلَّوِي حفظه الله في ((ذخيرة العقبى في شرح المجتبى)) : ((الظاهر جواز الثلاثة، لصحة الأدلة، فيجوز أن يكون بعد الأذان، كما دل عليه حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وأن يكون فيه، إما بدلاً من (حي على الصلاة) كما دل عليه حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وإما معه كما دل عليه حديث جابر رضي الله عنه. والله تعالى أعلم)) اهـ.
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمطرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليصل من شاء منكم في رحله)).
أخرجه مسلم.
في هذه الرواية لم يبين موضعها من الأذان، والشيخ العلامة محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي الوَلَّوِي حفظه الله في ((البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج)) عند جمعه لهذا الباب لم يتعرض لحديث جابر رضي الله عنه في خلاصته وكما هو معلوم أن كتابه هذا متأخر عن سابقه وقال: ((قد تبيَّن بما ذُكِر من حديثي ابن عمر، وابن عباس -رضي اللَّه عنهم- أن المؤذن مُخَيَّر في قوله: (ألا صلوا في الرحال) بين قولها أثناء الأذان، وقولها بعد الأذان، وإن شاء قالها بدل حيّ على الصلاة، كما دلّ عليه حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- ففيه: (إذا قلت: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدًا رسول اللَّه، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صَلُّوا في بيوتكم)، فهذا صريح في أنه يقولها بدل (حيّ على الصلاة).
والحاصل أنه مخيَّر بين ثلاثة أمور: قولها في أثناء الأذان، وقولها بعده، وقولها بدل (حيّ على الصلاة)، فالأمر في ذلك واسعٌ، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان)) اهـ.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة الأربعاء 23 رجب سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 18 مارس سنة 2020 ف
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة الأربعاء 23 رجب سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 18 مارس سنة 2020 ف