*****
مطوية / الاعذار الشرعية في ترك الجمعة والجماعة
- من شرح "زاد المستقنع" -
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
-------------------------
****
نص المطوية :
الأعذار الشرعية في ترك الجمعة والجماعة
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
قال في مقدمة الشرح :
فإن كتاب " زاد المستقنع في اختصار المقنع " - تأليف: أبي النجا موسى بن أحمد بن موسى الحجاوي - كتاب قليل الألفاظ , كثير المعاني , اختصره من " المقنع " , واقتصر فيه على قولٍ واحدٍ , وهو الراجح من مذهب الإمام أحمد بن حنبل , ولم يخرُج فيه عن المشهور من المذهب عند المتأخرين إلا قليلاً.
وقد شُغِفَ به المبتدئون من طلاب العلم على مذهب الحنابلة , وحَفِظَهُ كثير منهم عن ظهر قلب.
وكان شيخُنا عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي " رحمه الله تعالى " , يَحُثنا على حفظه , ويُدرِّسنا فيه.
وقد انتفعنا به كثيرا ولله الحمد , وصرنا نُدرِّس الطلبة فيه بالجامع الكبير بعُنيزة , بحلِّ ألفاظه , وتبيين معانيه , وذِكر القول الراجح بدليله أو تعليله , وقد اعتنى به الطلبة وسجَّلوه وكتبوه.
ولما كَثُرَ تداوله بين الناس عبر الأشرطة والمذكرات؛ قام الشيخان الكريمان الدكتور سليمان بن عبد الله أبا الخيل , والدكتور خالد بن علي المشيقح بإخراجه في كتاب سُمِّيَ: " الشرح الممتع على زاد المستقنع " , فخرَّجا أحاديثه , ورقَّما آياته , وعلَّقا عليه ما رأياه مناسباً , وطبعاه الطبعة الأولى , فجزاهما الله خيراً.
ولما كان الشرح بالتقرير لا يساوي الشرح بالتحرير؛ من حيث انتقاء الألفاظ؛ وتحرير العبارة؛ واستيعاب الموضوع؛ تَبيَّن أنَّ من الضروري إعادة النظر في الكتاب , وتهذيبه وترتيبه. وقد تمَّ ذلك فعلاً - ولله الحمد -؛ فحذفنا ما لا يُحتاج إليه , وزدنا ما تدعو الحاجة إليه , وأبقينا الباقي على ما كان عليه.
وقد كان في مقدمة من قرأه علينا في هذه الطبعة الدكتور خالد بن علي المشيقح , جزاه الله خيراً.
والله أسأل؛ أن يجعل عملنا خالصاً لوجهه , موافقاً لمرضاته , وأن ينفع به عباده , إنه سميعٌ قريبٌ , وصلى الله وسلم على نبينا محمد؛ وعلى آله وأصحابه؛ والتَّابعين لهم بإحسان.
المؤلف: محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
4/ 6 / 1420 هـ
قال مؤلف كتاب " زاد المستقنع في اختصار المقنع " أبي النجا موسى بن أحمد بن موسى الحجاوي رحمه الله :
" وَيُعْذَرُ بِتَرْكِ جُمُعَةِ وَجَمَاعَةٍ مَرِيضٌ، وَمُدَافِع أَحَدَ الأَخْبَثَيْنِ،وَمَنْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ، وَخَائِف مِنْ ضَيَاع مَالِهِ،
أَوْ فَوَاتِهِ، أَوْ ضَرَرٍ فِيهِ،أَوْ مَوْتِ قَرِيبِهِ، أَوْ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ضَرَرٍ، أَوْ سُلْطَانٍ، أَوْ مُلاَزَمَةِ غَرِيمٍ وَلاَ شَيْءَ مَعَهُ،
أَوْ مِنْ فَوَاتِ رُفْقَةٍ، أَوْ غَلَبَةِ نُعَاسٍ، أَوْ أَذًى بِمَطَرٍ، أَوْ وَحَلٍ وَبِرِيْحٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ."
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى- في شرحه لزاد المستقنع-ص (4/245-..239) :
أما الجماعة فإنه سبق الخلاف فيها، وأن القول الراجح أنها فرض عين ، لكن آكديتها ليست كآكدية صلاة الجمعة، ومع ذلك تسقط هاتان الصلاتان للعذر. والأعذار أنواع :
المـريض :
قوله : « يعذر بترك جمعة وجماعة مريض » هذا نوع من الأعذار.
والمراد به : المرض الذي يلحق المريض منه مشقة لو ذهب يصلي وهذا هو النوع الأول.
ودليله :
1 _ قول الله تعالى: {فإتقوا الله ما استطعتم } [التغابن: 16] .
2 _ وقوله: { لايكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة: 286] .
3 _ وقوله تعالى: { ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج }(الفتح: من الآية17).
4 _ وقول النبي صلى الله عليه وسلم: « إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم » . [صحيح مسلم ،رقم 1337]
5 _ وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرض تخلف عن الجماعة مع أن بيته كان إلى جنب المسجد.
6 _ وقول ابن مسعود : « لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض...» [صحيح ابن حبان، رقم :2100 ، اسناده صحيح على شرط مسلم] » فكل هذه الأدلة تدل على أن المريض يسقط عنه وجوب الجمعة والجماعة.
- مدافع أحد الأخبثين :
قوله: « ومدافع أحد الأخبثين » هذا نوع ثان يعذر فيه بترك الجمعة والجماعة.
و«مدافع» تدل على أن الإنسان يتكلف دفع أحد الأخبثين.
والأخبثان: هما البول والغائط، ويلحق بهما الريح؛ لأن بعض الناس يكون عنده غازات تنفخ بطنه وتشق عليه جدا، وقد يكون أشق عليه من احتباس البول والغائط، والدليل على ذلك ما يلي:
1 _ قول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان » [رواه مسلم : رقم 560]
والنفي هنا بمعنى النهي، أي: لا تصلوا بحضرة طعام ولا حال مدافعة الأخبثين.
2 _ أن المدافعة تقتضي انشغال القلب عن الصلاة، وهذا خلل في نفس العبادة، وترك الجماعة خلل في أمر خارج عن العبادة، لأن الجماعة واجبة للصلاة، والمحافظة على ما يتعلق بذات العبادة أولى من المحافظة على ما يتعلق بأمر خارج عنها، فلهذا نقول: المحافظة على أداء الصلاة بطمأنينة وحضور قلب أولى من حضور الجماعة أو الجمعة.
3 _ أن احتباس هذين الأخبثين مع المدافعة يضر البدن ضررا بينا؛ لأن الله جعل خروج هذين الأخبثين راحة للإنسان، فإذا حبسهما صار في هذا مخالفة للطبيعة التي خلق الإنسان عليها، وهذه قاعدة طبية: أن كل ما خالف الطبيعة فإنه ينعكس بالضرر على البدن، ومن ثم يتبين أضرار الحبوب التي تستعملها النساء من أجل حبس الحيض، فإن ضررها ظاهر جدا، وقد شهد به الأطباء.
- بحضرة طعام :
قوله: « ومن بحضرة طعام محتاج إليه » هذا نوع ثالث فيعذر بترك جمعة وجماعة من كان بحضرة طعام، أي: حضر عنده طعام وهو محتاج إليه، لكن بشرط أن يكون متمكنا من تناوله.
مثاله: رجل جائع حضر عنده الطعام وهو يسمع الإقامة، فهو بين أمرين : إن ذهب إلى المسجد انشغل قلبه بالطعام لجوعه، وإن أكل اطمأن وانسد جوعه، فنقول: كل ولا حرج، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « إذا قدم العشاء فابدؤا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب » [ أخرجه البخاري:672 ، ومسلم:557 باختلاف يسير ]فأمرنا بأن نبدأ به. وكان ابن عمر يسمع قراءة الإمام وهو يتعشى . مع أن ابن عمر من أشد الناس تمسكا بالسنة.
إذا؛ إذا حضر العشاء فتعش ولو أقيمت الصلاة. وهل الأكل بمقدار ما تنكسر نهمتك، أو لك أن تشبع؟
نقول : لك أن تشبع؛ لأن الرخصة عامة «إذا قدم العشاء فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب ».
ويشترط أن يتمكن من تناوله، فإن لم يتمكن بأن كان صائما وحضر طعام الإفطار، وأذن لصلاة العصر وهو بحاجة إلى الأكل فليس له أن يؤخر صلاة العصر حتى يفطر ويأكل؛ لأن هذا الطعام ممنوع منه شرعا، حتى لو اشتهى الطعام شهوة قوية.
ولا بد أيضا من قيد آخر: وهو أن لا يجعل ذلك عادة بحيث لا يقدم العشاء إلا إذا قاربت إقامة الصلاة، لأنه إذا اتخذ هذا عادة فقد تعمد أن يدع الصلاة، لكن إذا حصل هذا بغير اتخاذه عادة فإنه يبدأ بالطعام الذي حضر، سواء كان عشاء أم غداء.
- وخائف من ضياع ماله، أو فواته، أو ضرر فيه :
قوله: «وخائف من ضياع ماله، أو فواته، أو ضرر فيه» هذا نوع رابع مما يعذر فيه بترك الجمعة والجماعة، أي: إذا كان عنده مال يخشى إذا ذهب عنه أن يسرق، أو معه دابة يخشى لو ذهب للصلاة أن تنفلت الدابة وتضيع، فهو في هذه الحال معذور في ترك الجمعة والجماعة؛ لأنه لو ذهب وصلى فإن قلبه سيكون منشغلا بهذا المال الذي يخاف ضياعه.
وكذلك إذا كان يخشى من فواته بأن يكون قد أضاع دابته، وقيل له: إن دابتك في المكان الفلاني؛ وحضرت الصلاة، وخشي إن ذهب يصلي الجمعة أو الجماعة أن تذهب الدابة عن المكان الذي قيل إنها فيه، فهذا خائف من فواته، فله أن يترك الصلاة، ويذهب إلى ماله ليدركه.
ومن ذلك أيضا: لو كان يخشى من ضرر فيه، كإنسان وضع الخبز بالتنور، فأقيمت الصلاة، فإن ذهب يصلي احترق الخبز؛ فله أن يدع صلاة الجماعة من أجل أن لا يفوت ماله بالاحتراق.
والعلة : انشغال القلب، لكن يؤمر الخباز أن يلاحظ وقت الإقامة، فلا يدخل الخبز في التنور حينئذ.
وظاهر كلام المؤلف: أنه لا فرق بين المال الخطير والمال الصغير الذي لا يعتبر شيئا؛ لأنه أطلق فقال: «من ضياع ماله» وقد يقال: إنه يفرق بين المال الخطير الذي له شأن، وبين المال القليل في صلاة الجمعة خاصة؛ لأن صلاة الجمعة إذا فاتت فيها الجماعة لا تعاد وإنما يصلى بدلها ظهرا، وغير الجمعة إذا فاتت فيها الجماعة يصليها كما هي.
- مـوت قـريبه :
قوله: « أو موت قريبه » هذا نوع خامس مما يعذر فيه بترك الجمعة والجماعة، أن يخشى من موت قريبه وهو غير حاضر، أي: أنه في سياق الموت فيخشى أن يموت وهو غير حاضر وأحب أن يبقى عنده ليلقنه الشهادة، وما أشبه ذلك، فهذا عذر.
تعليق