الحمد لله مُنزل الكتاب ومُشرع القنوت لأسباب، والصلاة والسلام على خير من قنت أناب، وعلى آله وصحبه الأحباب.
أما بعدُ:
فقد جاء في صحيح ابن خزيمة أن عبد الرحمن بن عبد القاري - وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال - أن عمر خرج ليلة في رمضان فخرج معه عبد الرحمن بن عبد القاري فطاف بالمسجد وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر : والله إني أظن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم عمر على ذلك وأمر أبي بن كعب أن يقوم لهم في رمضان فخرج عمر عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر : نعم البدعة هي والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون - يريد آخر الليل - فكان الناس يقومون أوله وكانوا يلعنون الكفرة في النصف : اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق ثم يصلي على النبي صلى الله عليه و سلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين قال : وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته : اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد إن عذابك لمن عاديت ملحق ثم يكبر ويهوى ساجدا.
قال الإمام الألباني رحمه الله: إسناده صحيح.
قال المروزي رحمه الله في ((مختصر قيام الليل)): ((وَكَانَ مُعَاذُ بْنُ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيُّ إِذَا انْتَصَفَ رَمَضَانُ لَعَنَ الْكَفَرَةَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ وَلَا فِي الْوِتْرِ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو: «كُنَّا وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ نَقْنُتُ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ» وَكَانَ الْحَسَنُ وَمُحَمَّدٌ، وَقَتَادَةُ يَقُولُونَ: «الْقُنُوتُ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ: أَمَرَنِي أَبُو مِجْلَزٍ، أَنْ أَقْنُتَ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي مِنْ رَمَضَانَ قَالَ: «إِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ فَاقْنُتْ» وَسُئِلَ الْحَسَنُ: هَلْ فِي الْفَجْرِ دُعَاءٌ مُوَقَّتٌ، قَالَ: «دُعَاءُ اللَّهِ كَثِيرٌ مَعْلُومٌ، وَإِنَّ الدُّعَاءَ الْمُوَقَّتُ فِي النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ» وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ: " كَانُوا يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي النِّصْفِ، وَفِي رِوَايَةٍ،: لَا قُنُوتَ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا إِلَّا فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ " وَعَنِ الْحَارِثِ: «أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ، وَكَانَ لَا يَقْنُتُ إِلَّا فِي خَمْسَ عَشْرَةَ يَبْقَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ» وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ سُرَاقَةَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي مِنْ رَمَضَانَ، وَيَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَقَالَ الْمُعْتَمِرُ: كَانَ أَبِي، يَقْنُتُ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ: الزَّعْفَرَانِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ: «أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَقْنُتُوا فِي الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ، وَلَا يُقْنَتُ فِي سَائِرِ السَّنَةِ، وَلَا فِي رَمَضَانَ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْآخِرِ»، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: وَكَذَلِكَ حَكَى الْمُزَنِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ، قُلْتُ لِأَحْمَدَ: الْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ السَّنَةُ كُلُّهَا؟، قَالَ: «إِنْ شَاءَ» قُلْتُ: فَمَا تَخْتَارُ، قَالَ: «أَمَّا أَنَا فَلَا أَقْنُتُ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْبَاقِي إِلَّا أَنْ أُصَلِّيَ خَلْفَ إِمَامٍ يَقْنُتُ فَأَقْنُتُ مَعَهُ» قُلْتُ: إِذَا كَانَ يَقْنُتُ النِّصْفَ الْآخَرِ مَتَى يَبْتَدِئُ؟، قَالَ: «إِذَا مَضَى خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً سَادِسَ عَشْرَةَ»)) اهـ.
وقال ابن المنذر رحمه الله في ((الأوسط)): ((كان مالك بن أنس يقول : (يقنت في النصف من رمضان يعني الإمام ، ويلعن الكفرة ، ويؤمن من خلفه)، وقال أحمد بن حنبل : يدعو الإمام ويؤمن من خلفه وكذلك قال إسحاق)) اهـ.
وقال الإمام الألباني رحمه الله في ((قيام رمضان)): ((ولا بأس من جعل القنوت بعد الركوع ومن الزيادة عليه بلعن الكفرة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء للمسلمين في النصف الثاني من رمضان لثبوت ذلك عن الأئمة في عهد عمر رضي الله عنه فقد جاء في آخر حديث عبد الرحمن بن عبد القاري المتقدم)) اهـ.
وجاءت آثار أخرى لا تخلوا من ضعف حكم على كل واحد منها الشيخ العلامة محمد بن عمر بازمول حفظه الله في ((الأحاديث والآثار الواردة في قنوت الوتر رواية ودراية)) (ص21-22) أنه حسن لغيره.
وقال حفظه الله في (ص 86): ((ويتأكد المداومة عليه في النصف الأخير من رمضان من الليلة السادسة عشرة، ويشرع ترك القنوت في النصف الأول من رمضان إذا صُلي بالناس، وهذا من السنن المهجورة، بل المجهولة. فإن قنت في أوله وآخره جاز)) اهـ.
وهذا ما كان عليه سلفنا الصالح رحمهم الله، قال الفاكهي رحمه الله في ((أخبار مكة)): ((وكان أهل مكة على القنوت في الوتر في النصف الأخير من شهر رمضان)) اهـ.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وأخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الجمعة 16 رمضان سنة 1436 هـ
الموافق لـ: 3 يونيو سنة 2015 ف
أما بعدُ:
فقد جاء في صحيح ابن خزيمة أن عبد الرحمن بن عبد القاري - وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال - أن عمر خرج ليلة في رمضان فخرج معه عبد الرحمن بن عبد القاري فطاف بالمسجد وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر : والله إني أظن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم عمر على ذلك وأمر أبي بن كعب أن يقوم لهم في رمضان فخرج عمر عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر : نعم البدعة هي والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون - يريد آخر الليل - فكان الناس يقومون أوله وكانوا يلعنون الكفرة في النصف : اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق ثم يصلي على النبي صلى الله عليه و سلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين قال : وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته : اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد إن عذابك لمن عاديت ملحق ثم يكبر ويهوى ساجدا.
قال الإمام الألباني رحمه الله: إسناده صحيح.
قال المروزي رحمه الله في ((مختصر قيام الليل)): ((وَكَانَ مُعَاذُ بْنُ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيُّ إِذَا انْتَصَفَ رَمَضَانُ لَعَنَ الْكَفَرَةَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ وَلَا فِي الْوِتْرِ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو: «كُنَّا وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ نَقْنُتُ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ» وَكَانَ الْحَسَنُ وَمُحَمَّدٌ، وَقَتَادَةُ يَقُولُونَ: «الْقُنُوتُ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ: أَمَرَنِي أَبُو مِجْلَزٍ، أَنْ أَقْنُتَ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي مِنْ رَمَضَانَ قَالَ: «إِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ فَاقْنُتْ» وَسُئِلَ الْحَسَنُ: هَلْ فِي الْفَجْرِ دُعَاءٌ مُوَقَّتٌ، قَالَ: «دُعَاءُ اللَّهِ كَثِيرٌ مَعْلُومٌ، وَإِنَّ الدُّعَاءَ الْمُوَقَّتُ فِي النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ» وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ: " كَانُوا يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي النِّصْفِ، وَفِي رِوَايَةٍ،: لَا قُنُوتَ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا إِلَّا فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ " وَعَنِ الْحَارِثِ: «أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ، وَكَانَ لَا يَقْنُتُ إِلَّا فِي خَمْسَ عَشْرَةَ يَبْقَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ» وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ سُرَاقَةَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي مِنْ رَمَضَانَ، وَيَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَقَالَ الْمُعْتَمِرُ: كَانَ أَبِي، يَقْنُتُ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ: الزَّعْفَرَانِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ: «أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَقْنُتُوا فِي الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ، وَلَا يُقْنَتُ فِي سَائِرِ السَّنَةِ، وَلَا فِي رَمَضَانَ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْآخِرِ»، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: وَكَذَلِكَ حَكَى الْمُزَنِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ، قُلْتُ لِأَحْمَدَ: الْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ السَّنَةُ كُلُّهَا؟، قَالَ: «إِنْ شَاءَ» قُلْتُ: فَمَا تَخْتَارُ، قَالَ: «أَمَّا أَنَا فَلَا أَقْنُتُ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْبَاقِي إِلَّا أَنْ أُصَلِّيَ خَلْفَ إِمَامٍ يَقْنُتُ فَأَقْنُتُ مَعَهُ» قُلْتُ: إِذَا كَانَ يَقْنُتُ النِّصْفَ الْآخَرِ مَتَى يَبْتَدِئُ؟، قَالَ: «إِذَا مَضَى خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً سَادِسَ عَشْرَةَ»)) اهـ.
وقال ابن المنذر رحمه الله في ((الأوسط)): ((كان مالك بن أنس يقول : (يقنت في النصف من رمضان يعني الإمام ، ويلعن الكفرة ، ويؤمن من خلفه)، وقال أحمد بن حنبل : يدعو الإمام ويؤمن من خلفه وكذلك قال إسحاق)) اهـ.
وقال الإمام الألباني رحمه الله في ((قيام رمضان)): ((ولا بأس من جعل القنوت بعد الركوع ومن الزيادة عليه بلعن الكفرة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء للمسلمين في النصف الثاني من رمضان لثبوت ذلك عن الأئمة في عهد عمر رضي الله عنه فقد جاء في آخر حديث عبد الرحمن بن عبد القاري المتقدم)) اهـ.
وجاءت آثار أخرى لا تخلوا من ضعف حكم على كل واحد منها الشيخ العلامة محمد بن عمر بازمول حفظه الله في ((الأحاديث والآثار الواردة في قنوت الوتر رواية ودراية)) (ص21-22) أنه حسن لغيره.
وقال حفظه الله في (ص 86): ((ويتأكد المداومة عليه في النصف الأخير من رمضان من الليلة السادسة عشرة، ويشرع ترك القنوت في النصف الأول من رمضان إذا صُلي بالناس، وهذا من السنن المهجورة، بل المجهولة. فإن قنت في أوله وآخره جاز)) اهـ.
وهذا ما كان عليه سلفنا الصالح رحمهم الله، قال الفاكهي رحمه الله في ((أخبار مكة)): ((وكان أهل مكة على القنوت في الوتر في النصف الأخير من شهر رمضان)) اهـ.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وأخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الجمعة 16 رمضان سنة 1436 هـ
الموافق لـ: 3 يونيو سنة 2015 ف