*****
مطـوية / سنـن مهجورة في رمضـان
الامام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله
-------------------------
نسخة للطبع المنزلي بالابيض والاسود
سهلة للطبع العادي او النسخ -فوتوكوبي-
*****
( تنبيه : اقتصرت في المطوية على المحاضرة دون الأسئلة ولمن اراد كامل المحاضرة (الصوتية وتفريغها) من هنا )
*****
نص المطوية :
السُّنَنُ المَهْجُورَة في رمضان
بِسمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال الشَّيخ الألبانيُّ -رحمه الله تعالى-:
يقول الله -تبارك وتعالى-في القرآن الكريم : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة 183].
في هذه الآية كما لايخفى على الحاضرين جميعا.أن الله -عز وجل- نبّأ أمّة محمّد صلى الله عليه وسلم بما أنزل على نبيّه عليه الصلاة والسلام في هذه الآية أنّ الله فرض عليهم الصّيام كما كان قد فرض مثله على من قبلنا من الأمم ، هذا أمرٌ معروف لدى كل المسلمين الّذين يقرؤون هذه الآية الكريمة ويفهمون معناها جليًّا واضحا .
ولكن الشّيء الذي أريد أن أتحدّث عنه شيء آخر قَلّ ما يُتَنبَّه له أو قلّ مَن يَتنبّه له من عامّة النّاس ألا وهو قوله تبارك وتعالى في آخر هذه الآية (لعلّكم تتّقون).
فالله عزّوجل جرت عادته مع عباده المؤمنين أنّه إذا أمرهم بأمر أو شرع لهم بفرضٍ ، جرت عادته أن يقتصر تبارك وتعالى على ذكر الأمر دون بيان الحكمة من ذلك لأنّ الحكمة العامّة من تكليف الله عزّوجل لعباده هو أن يمتحنهم به ويظهر مَن يطيعه منهم ومَن يخالفه تبارك وتعالى، ولكنّه في هذه الآية ذكر شيئا غير معهود كثيرا في القرآن الكريم ألا وهو تعليل الأمر بالصّيام بقوله تبارك وتعالى :(لعلّكم تتّقون) .
فإذا الحكمة من فرضية الصّيام على المؤمنين ليس هو فقط أن يمتنعوا عن الملذّات والمباحات من الطّيّبات وإن كان هذا أمرًا واجبًا بالنّسبة لكلّ صائم ولكن ليس هذا هو المقصود فقط بهذا الصّيام الذي ختم الله عزوجل أمره به بقوله تبارك وتعالى (لعلّكم تتّقون) أي إن الحكمة من شرعية الصيام أن يزداد المسلم طاعةً لله تبارك وتعالى في شهر الصيام أكثر ممّا كان عليه قبله .ولقد صرّح النبي صلى الله عليه وسلم وأوضح تمام الإيضاح هذه الحكمة الإلهية بقوله عليه الصلاة والسّلام كما في صحيح البخاري أنّه قال عليه الصلاة و السلام :( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ اَلزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ, فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ).. أي إن الله عزوجل لم يقصد من فرضية الصّيام الذي هو الإمساك في وقت محدود معروف لدى الجميع هو أن يمتنع هؤلاء الصّوّام من الطعام والشّراب فحسب وإنّما ينبغي أيضا أن يمتنعوا عن ما حرّم الله عزوجل من الذنوب والمعاصي ومن ذلك قول الزور والعمل به. فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم يؤكد الآية "لعلكم تتّقون " أي تتقرّبون إلى الله عزّوجل زيادة عن إمساككم عن الطعام والشراب أيضا أن تمسكوا عن المحرّمات كالغيبة والنّميمة والزّور وشهادة الزّور والكذب ونحو ذلك من الأخلاق المحرّمة كما نعلم جميعا .
من أجل ذلك يجب أن يعلم المسلمون جميعا أنّ المُفطرات للصّائم ليست هي الأمور المادية فقط المعروفة إجمالاً في الطعام والشراب والجماع ، ليس هذا هو الصّيام فقط .
لذلك يفرّق ويقسم بعض العلماء المُفطرات إلى قسمين، وهذا هو مقصدي من هذه الكلمة في هذه الآونة المباركة -إن شاء الله- لاسيّما وقد جرت عادة الخطباء والوُعَّاظ في شهر رمضان إذا تكلّموا عن المُفطرات للصّيام إنّما يتكلّمون فقط عن المفطرات المادّية ممّا ذكرنا آنفا من الطعام والشراب والجماع . بينما ينبغي عليهم كناصحين ومذكّرين لعامّة المسلمين أن يدندنوا كثيرا وكثيرا جدا حول القسم الثّاني من المُفطرات ، ذلك لأنّ النّاس اعتادوا أن يفهموا أنّ الصّيام هو من النّوع الأول :الإمساك عن المفطرات المادية ولكن هناك مفطرات أخرى هي مفطرات نستطيع أن نسمّيها بالمفطّرات المعنوية .
فقد سمعتم قوله عليه الصلاة والسلام آنفا :" مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ اَلزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ, فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ " لذلك ينبغي على كلّ صائم أن يلاحظ نفسه هل هو صائم فقط عن المفطرات المادية أم هو أيضا صائم عن المفطّرات المعنوية ؟ أي هل هو حسّن أخلاقه وحسّن سلوكه حينما دخل شهر رمضان المبارك ؟،إن كان كذلك فقد حقّق معنى قوله تبارك وتعالى في آخر الآية (لعلّكم تتّقون).
أمّا مَن اقتصر في صيامه على الإمتناع عن الطعام والشّراب وهو سادر * وماضٍ في أخلاقه تلك السّيّئة التي كان يمارسها قبل رمضان فليس هو الصّيام المقصود من حكم شرع هذا الشهر المبارك الذي أشار ربّنا عزوجل إليه في قوله (لعلّكم تتّقون).
________________
* السادر:قيل اللاهي وقيل الذي لايهتمّ لشيء ولا يبالي ما صنع ا.ه القاموس المحيط وهكذا في الصحاح والمعجم.
لذلك نحن ننصح ونذكّر إخواننا المسلمين بأن يتذكّروا هذا المفطّر الآخر المعنوى الذي قلّما يتحدّث عنه الوعّاظ والمرشدون فضلاً عن أن يكون عامّة المسلمين على ذكرٍ وعلى تنبّهٍ بهذا النّوع من المفطّرات ألا وهي المفطّرات المعنويّة .
هذا الذي أردت أن أذكّر به إخواننا الحاضرين في هذا المجلس الطّيّب إن شاء الله حتّى يكون ذلك سببًا لهم في زيادة تقرّبهم إلى الله تبارك وتعالى في هذا الشهر المبارك شهر الصيام، الذي نرجو الله تبارك وتعالى أن يوفّقنا جميعا للقيام بحقّ هذا الشهر المبارك من الإمساك عن المفطّرات المادّيّة والمعنويّة.
ثم بالإضافة إلى هذه الكلمة أرجو أن تنتبهوا لما سيُلقى عليكم من بعض الأمور الّتي أغفلها الجمهور من عامّة المسلمين بل ومن خاصّتهم .
هناك حديث طالما أُهمل بسبب حديث آخر لم يستطع جماهير النّاس أن يجمعوا بينهما تطبيقًا وعملاً ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام :" لاتزال أمّتي بخير ما عجّلوا الفطر وأخّروا السّحور" * .
___________
* في الصحيحين بلفظ " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" وصحح الشيخ الالباني هذه اللفظة من حديث انس بمجموع شواهدها بلفظ "بكروا بالإفطار وأخروا السحور".
فهنا أمران اثنان قد أُهملا من أكثر النّاس ألا وهو التّعجيل بالإفطار والتّأخير بالسّحور ، أمّا الإهمال للأمر الأوّل ألا وهو التّعجيل بالإفطار فإنّه يخالف في ظنّ البعض حديث آخر وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم :"لاتزال أمّتي بخير ما عجّلوا بصلاة المغرب ".(ذكره الزيلعي في نصب الراية وقال في الحاشية غريب- في سنن ابي داود وغيره بلفظ " لا تزال أمتي بخير – او قال على الفطرة – ما لم يؤخروا المغرب الى ان تشتبك النجوم "
فإذن هنا أمران اثنان بالإستعجال بأمرين اثنين ، فيبدو للبعض أنّه لايمكن الإستعجال بالأمرين كليهما معًا .. الأمر بالجمع بين التّعجيل بالإفطار والتّعجيل بصلاة المغرب ، أمر سهل جدا وذلك ممّا بيّنه لنا نبيّنا صلوات الله وسلامه عليه فعلاً وعملاً حيث كان عليه الصلاة والسلام يفطر على ثلاث ثمرات ثم يصلي المغرب ثم يعود فيتعشَّى إن وجد في نفسه حاجة إلى العشاء .
نحن اليوم نقع في مخالفتين اثنتين :
أولاً :نؤخّر الأذان عن وقته المشروع ، ثم بعد هذا التّأخير يأتي تأخير آخر وهو أنّنا نجلس للطّعام إلاّ قليل من الناس الذين يحرصون ويصلّون المغرب في المسجد لكن عامّة النّاس هم أوّلا يتأخّرون حتّى يسمعوا الأذان فإذا سمعوا الأذان جلسوا للطّعام كأنّهم يتغذون أو يتعشّون وليسوا هم في إفطار.
الأذان اليوم في أكثر البلاد الإسلامية مع الأسف أقول وليس فقط في الأردن - لقد عرفتُ ذلك بالتّتبّع في أكثر البلاد الإسلاميّة- يُؤذَّن أذان المغرب بعد الوقت والسّبب في هذا أنّنا تركنا تطبيق الأحكام الشّرعية وتطبيقها عمليا وتواكلنا على الحسابات الفلكية ، ركنا إلى ما يُسمّى اليوم بالرُزنامة.. بالتّقويم..
التّقاويم هذه تجري على حسابات فلكية تحسب الأرض أرض مستوية فتعطي حساب لهذه الأرض المستوية ، بينما الأرض خاصّة في بلادنا هنا تختلف بين انخفاض بوادي وبين هضبة بين جبل ، فلايصحّ أن يكون التّوقيت واحدًا يشمل السّاحل ويشمل السّهل ويشمل الجبل ..لا ، لكلّ أرض وقتها، ولذلك مَن كان في استطاعته حيث هو مقيم في بلده أو في قريته أن يرى غروب الشّمس بعينه ، إذا ما غربت ..هذا هو التّعجيل بالإفطار الذي أمرنا به في قوله عليه السّلام المذكور آنفا " لاتزال أمّتي بخير ما عجّلوا الفطر ".لقد حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على تطبيق هذه السُّنة تعليما وتطبيقا .
أمّا تعليما فقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه " إذا أقبل الليل من هاهنا " وأشار إلى الشرق . " وأدبر النهار من هاهنا " وأشار إلى الغرب "وغربت الشّمس فقد أفطر الصّائم " .
إش معنى :"فقد أفطر الصّائم "؟.. أي فقد دخل في حكم الإفطار، وحينئذ يأتي الحكم السّابق الذي حضّ فيه الرسول عليه الصّلاة والسّلام على الإستعجال بالإفطار ، والرّسول عليه السّلام كان يطبّق هذا حتّى وهو راكب مسافر ، فقد جاء أيضا في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر أحد أصحابه بأن يهيّء له الإفطار ، فقال "يارسول الله النّهار أمامنا "يعني ضوء الشمس ولو أنها غابت لكن لايزال ضوؤها ظاهر من الناحية الغربية ...ماردّ عليه الرسول عليه السلام بل أكّد له الأمر بأن يُهيّء الإفطار .
يقول راوي الحديث :[كنّا نرى النهار أمامنا أي ضوء النهار ضوء الشمس حينما أفطرنا لو أنّ أحدنا ركب ناقته لرأى الشمس ]. الشمس غربت من هنا والرسول عليه السلام أمر أحد الصّحابة أن يهيّء الإفطار ، لماذا ؟ للتّعجيل بالخير "لاتزال أمّتي بخير ما عجّلوا الفطر ".
المهم أن نلاحظ أنّ الإفطار المستعجل به شرعا يجب أن يكون على تمرات، ثم التّعجيل بالصّلاة ثم بعد ذلك يجلس النّاس ويأكلون كفايتهم .. هذا هو الأمر الأول الذي أحببت أن أذكّر به ، وهو الجمع بين الأمرين الذين أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإستعجال بهما :
الأمر الأول : التعجيل بالإفطار .
والأمر الثاني: التعجيل بصلاة المغرب ، فالإفطار يكون هو على تمرات كما هو في السُّنَّة وإن لم يتيسّر تمرات فعلى جرعات من ماء ، ثم تُصلى الصلاة جماعة في المسجد .
والأمر الآخر : الذي أريد التّذكير به وهو ما جاء في الحديث السّابق " وأخّروا السّحور " أي إن المطلوب أيضا عكس الإفطار ، فالإفطار أمرنا عليه السلام بالإستعجال به ، أمّا السّحور فينبغي التّأخّر به ، والواقع اليوم خلاف ذلك تمامًا حيث أن كثيرًا من النّاس يتسحّرون قبل طلوع الفجر ربّما بساعة ، هذا مَا ينبغي ، هذا خلاف السُّنَّة القولية والسّنّة العملية .
لقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتأخّرون بالسّحور حتّى يكاد أحدهم أن يسمع الأذان وهو يأكل- يتأخّر في السّحور- ، بل قد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديث صحيح وفيه بيان يُسر الإسلام الذي يعتبر من قواعد الإسلام التي يفتخر بها المسلمون ولاسيّما ما كان منها متعلّقة بالصّيام حيث أن الله عزوجل ختم الآيات التي ساقها بخصوص الصّيام ، ختمها بقوله عزوجل (يريد الله بكم اليُسر ولايريد بكم العُسر) فمن اليُسر قوله عليه الصلاة والسلام " إذا سمع أحدكم النّداء والإناء على يده فلايضعه حتى يقضي حاجته منه " *
_____________
* اخرج ابو دود في سننه واحمد في مسنده وصححه الألباني.
"إذا سمع أحدكم النّداء والإناء"- إناء الطعام سواء كان حليبا ، شرابًا، ماءً ، أي شيء ممّا يتسحّر به المتسحّر، فسمع الأذان ، فلايقول:الآن حَرُم الطعام ..لا.. يُحرم الطّعام بالأذان لِمَن كان مكتفيًّا منه ، فلايجوز له أن يزداد شرابا أو فاكهةً وقد قضى وطره من كل ماكان يأكل منه ، أمّا إذا سمع الأذان وهو لمّا ينتهي بعد من أن يأخذ حاجته من طعامه وشرابه ، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم يبيح له ذلك ، فيقول صراحةً وبلسانٍ عربي مبين :" إذا سمع أحدكم النّداء والإناء على يده فلايضعه حتّى يقضي حاجته أو يطلب حاجته منه "والمقصود هنا بالنّداء هو النّداء الثاني ، الأذان الثاني وليس هو الأذان الأوّل الذي يسمّونه خطأً باذان الإمساك ، هذا يجب أن نعلم أنّه ليس له أصل أن نسمّي الأذان الأوّل :"أذان الإمساك " .الأذان الثاني هو أذان الإمساك وهذا في صريح القرآن لأن الله عزوجل يقول :( وكُلُوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ) البقرة: 187.
إذن إنّما يُحرم الطعام في الوقت الذي تحلّ فيه صلاة الفجر لا فصل بين الأمرين ، لا إمساك قبل ربع ساعة أو أقل أو أكثر ، بين وقت حلّ صلاة الفجر وبين وقت تحريم الطعام ..أبدًا...لأن الصلاة إنّما تجب بطلوع الفجر الصّادق ، والطعام يحرم على الصائم بطلوع الفجر الصّادق ، فليس بين الأمرين فصل إطلاقًا ،لذلك جاء في الحديث المتّفق عليه بين البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :" لايغرّنّكم أذانُ بلال " لايغرّنّكم أذان بلال أي الأذان الأول (فإنّما يؤذّن ليقوم النائم ويتسحر المتسحّر) " فَكُلُوا واشربوا حتّى يؤذّن ابن أم مكتوم " *
__________
* الحديث في الصحيحين بدون ما بين القوسين.
ابن أم مكتوم واسمه عَمْر وهو كان ضريرًا وهو الذي نزل في حقّه قوله تبارك وتعالى :" عبس وتولّى أن جاءه الأعمى " إلى آخر الآيات هذا هو، كان يؤذّن الأذان الثاني ، الأذان الذي يحرم به الطعام ويحلّ به الصلاة صلاة الفجر.
كيف كان يؤذّن وهو ضرير ؟ هذا سؤال يرد بطبيعة الحال على أذهان بعض الناس ، لقد كان عَمر بن أم مكتوم رضي الله تعالى عنه يصعد على ظهر المسجد ، هو لايرى الفجر لكنّه ينتظر أحد المارّة الّذين يمرّون به فإذا رأوا الفجر قد سطع وانتشر في الأفق قالوا له "أصبحتَ أصبحتَ " حينئذٍ يؤذّن .
أنتم تلاحظون هنا أن أذان عَمر بن أم مكتوم كان بعد أن طلع الفجر ورآه النّاس وهم يمشون في الطّرقات، حينئذ إذا قيل له "أصبحتَ أصبحتَ " أذّن ، فإذن في الأمر سَعَة أنّ المؤذّن كان يتأخّر في أذانه حتّى يسمع الناس يقولون له "أصبحتَ أصبحتَ " ثمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال "إذا سمعتم النداء والإناء على يده فلايضعه حتى يقضي حاجته منه " فصدق الله عزوجل حينما قال في أواخر تلك الآيات المتعلّقة بالصّيام (يريد الله بكم اليُسر ولايريد بكم العُسر ولتكملوا العدّة ولتكبّروا الله على ما هداكم و لعلّكم تشكرون ) (البقرة 185).
إذا ..من الفقه المستنكر والمخالف لهذه السّنّة أن يقول القائل أن الصّائم إذا سمع الأذان واللّقمة في فمه فعليه أن يلفظها ..هذا تنطّعٌ وغلوٌ في الدّين ، وربّ العالمين وعظنا وذكّرنا في كتابه وفي سُنَّة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم أن لا نُغَالِيَ في ديننا ، فحكى في القرآن الكريم قائلاً : ( يا أهل الكتاب لاتغلُو في دينكم ولاتقولوا على الله إلاّ الحقّ ) النساء: 171.
وقال لنا رسولنا صلوات الله وسلامه عليه :" إيّاكم والغلوّ في الدّين فإنّما هلك من قبلكم بغلوّهم في دينهم " أو قال عليه السلام "إنما أهلك الذين من قبلكم غلوّهم في دينهم *
__________
* رواه الشيخ بالمعنى واللفظ الوارد "وإياكم والغلو في الدين ،فإنما اهلك من كان قبلكم الغلو في الدين". اخرجه احمد وصححه الالباني.
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد بيّن لنا أن في مسألة سحور المتسحّر سَعَةً وفسحةً حتّى قال "إذا سمع أحدكم النّداء والإناء على يده فلايضعه حتّى يقضي حاجته منه " فهذه مشاقّان لله والرسول أن يقول الإنسان للذي سمع الأذان واللّقمة في فمه ألفظها وارمها أرضًا ، هذا ليس من السّنّة بل هذا خلاف السُّنَّة وخلاف أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الصّريح .
وقد سُئلتُ كثيرًا فلا أدع مجالاً لتوجيه مثل هذا السؤال فأقدّم إليكم سلفًا أن هذا الحديث موجود في أشهر كتب السّنّة التي منها سنن أبي داود وهو الكتاب الثالث من الكتب الستّة المشهورة ، أوّلها :صحيح البخاري ، ثانيها: صحيح مسلم ، ثالثها سنن أبي داود، هذا الحديث موجود فيه .
وكذلك رواه أبو عبدالله الحاكم في مستدركه ، وكذلك أخرجه الإمام إمام السُّنَة أحمد بن حنبل رحمه الله في كتابه العظيم المعروف ب"مسند الإمام أحمد " .
فهذا الحديث إذن ليس من غرائب الأحاديث بل هو من الأحاديث المشهورة والتي رواها أئمّة السّنّة القُدامى وبالسّند الصّحيح ،وهنا أقول خاتمًا لهذه الكلمة لعلّ أحدكم لديه سؤال فنجيبه عليه إن شاء الله ، أختم هذه الكلمة بقوله عليه الصلاة والسلام :"إنّ الله يحبُّ أن تُؤْتَى رُخَصُهُ كما يحبّ أن تُؤتَى عزائمه" 1 وفي رواية:" كما يكره أن تُؤتَى معصيته "2
________________
1 - رواه احمد والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما وصححه الالباني في صحيح الجامع.
2 - رواه احمد وابن خزيمة عن ابن عمر رضي الله عنهما وصححه الالباني.
روايتان " إنّ الله يحبُّ أن تُؤْتَى رُخَصُهُ كما يحبّ أن تُؤتَى عزائمه " الرواية الثانية " كما يكره أن تؤتى معاصيه " لذلك فما ينبغي لمسلم أن يتورّع تورّعًا باردًا ويستنكف عن إطاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما حضّنا عليه ورخصنا فيه ، وبهذا القدر كفاية ، والحمدلله ربّ العالمين .
*****
تعليق