هل للمسافر قصر الصَّلاة مهما طالت مُدَّة سفره؟
قال شيخنا مُصطفى مبرم حفظه الله تعالى:
بالنِّسبة للمُدَّة الَّتي يقصر فيها الصَّلاة:
العلماء مجمعون على أنَّ من حُبس دون حاجته فإنَّه يقصر الصَّلاة ما حبسته حاجته، ولو طالت لِسنين، كإنسان مع هذه الفتن سافر إلى بلدٍ لا يُريد الإقامة إلا قدر يومين أو ثلاثة أيَّام -عنده عمل- ثمَّ إنَّه لمَّا دخل تلك البلاد حُجز عنها وعن الرُّجوع إلى بلده ولم يستطع السَّفر؛ فهذا يقصر الصَّلاة ما ظلّ على هذا الحال، وقد دلَّ على هذا الإجماع جُمل من الآثار الواردة عن الصَّحابة رضي الله عنهم وأرضاهم في غزوهم وجهادهم -وما أشبه ذلك-، فهذا أمرٌ على كلّ حال مجمعٌ عليه بين أهل العلم، فإذا لم يُجْمِع النِّيَّة على إقامة محدودةٍ فإنَّه يقصر.
أمَّا إذا نوى الإقامة مُدَّة مُعيَّنة فهذه المسألة هي الَّتي حصل فيها الخلاف -في تحديد المدَّة الَّتي يُعيِّنها المسافر من أجل أن ينقطع سفره-، وجمهور أهل العلم على أنَّه ينقطع سفره إذا نوى الإقامة أربعة أيام، فإذا نوى الإقامة ثلاثة أيام فإنَّه يجوز له الجمع ويجوز له القصر في السَّفر، هذا مذهب جمهور أهل العلم، وهو المشهور في المذهب عند الحنابلة؛ وحدُّوه بأن يُقيم أكثر من عشرين صلاة، فإذا أقام أكثر من عشرين صلاة فإنَّه والحالة هذه لا يترخَّص برُخص السَّفر إذا زاد عليها.
استدلُّوا بجُملة من الأدلَّة منها: حديث جابر وحديث ابن عباس في صفة حجة النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم وفيها أنَّ النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم قدِم لصُبح رابِعة فأقام بمكة الرَّابع والخامس والسَّادس والسَّابع وقدِم إلى مِنى الثَّامن وكان يقصر الصَّلاة في هذه الأيَّام، قالوا قد كان دخوله لمكَّة بعد أن صلَّى فجر اليوم الرَّابع بذي طُوى، وخروجه منها إلى مِنى بعد أن صلَّى الفجر يوم الثَّامن بمقرِّ إقامته للأبطح، فيكون مجموع صلواته في هذه الأيام: عشرين صلاة.
والمسألة هذه في الحقيقة هي كما قلت قبل قليل: مِن المعضلات عند الفقيه.
وأدلَّة هذا القول كثيرة على كلّ حال ولكن المقصود هو الإشارة إليها.
شرح منهج السَّالكين.