الفتوى رقم: ١٠٢١
الصنف: فتاوى الطهارة - المياه والنجاسات
في حكم لُبْس الأحذية والملابس الجلدية
المصنوعة مِنْ جلد الخنزير
السؤال:
ما حكمُ الأحذية والحقائب والحافظات والملابس الجلدية المصنوعة مِنْ جلد الخنزير؟ وهل تَطْهُرُ بالدباغ؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالمعلوم أنَّ الخنزير نَجِسُ العَينِ باتِّفاق أهل العلم(١)؛ لصريحِ قوله تعالى: ﴿قُل لَّآ أَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٖ يَطۡعَمُهُۥٓ إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيۡتَةً أَوۡ دَمٗا مَّسۡفُوحًا أَوۡ لَحۡمَ خِنزِيرٖ فَإِنَّهُۥ رِجۡسٌ﴾ [الأنعام: ١٤٥].
والخنزير ـ وإِنْ كان نَجِسًا لا يَحِلُّ بالذكاة ـ ففي طهارةِ جلدِه بالدِّبَاغ خلافٌ بين أهل العلم.
وسببُ الخلافِ راجعٌ إلى العموم الواردِ في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ»(٢): فهل هو مِنَ العامِّ الباقي على عمومه؛ وبالتالي يَتناوَلُ بالحكم طهارةَ كُلِّ جلدٍ بالدِّبَاغ: سواءٌ كان الحيوانُ طاهرًا مُطْلَقًا ـ مأكولَ اللحم أو غيرَ مأكولٍ (أي: محرَّمًا أكلُه) ـ أو نجسًا، أم هو مِنَ العامِّ المخصوص بما كان طاهرًا في الحياة مطلقًا: سواءٌ كان مُباحَ الأكل أو محرَّمًا، أم هو مِنَ العامِّ الذي أُريدَ به خصوصُ جلدِ مأكول اللحم: كالإبل والبقر والغنم ونحوِ ذلك؟
وفي تقديري: أنَّ الحديث مِنَ العموم الذي أُريدَ به خصوصُ جلدِ ما تَحِلُّ ذكاتُه مِنْ مأكول اللحم، ويدلُّ عليه: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم دَعَا بماءٍ مِنْ عند امرأةٍ، قالَتْ: «مَا عِنْدِي إِلَّا فِي قِرْبَةٍ لِي مَيْتَةٍ»، قَالَ: «أَلَيْسَ قَدْ دَبَغْتِهَا؟» قَالَتْ: «بَلَى»، قَالَ: «فَإِنَّ دِبَاغَهَا ذَكَاتُهَا»(٣)؛ فشَبَّه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ في هذا الحديث ـ الدِّبَاغَ بالذَّكاة، ولا يخفى أنَّ الذَّكاة لا تطهِّر إلَّا ما يُباحُ أكلُه، والدِّباغُ ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ يُشْبِهُ الحياةَ، والحياةُ لا تدفع النجاسةَ؛ فكذلك الدِّباغُ.
والخنزيرُ نَجِسُ العينِ باتِّفاقٍ لا يَحِلُّ بالذكاة؛ لذلك كانَتْ نجاستُه لا تقبل التطهيرَ بالدِّبَاغ؛ فهو كالعَذِرَةِ لا يمكن تطهيرُها بحالٍ ولو غُسِلَتْ بماء البحر.
ولمَّا كانَتْ هذه الأحذيةُ والحقائبُ والملابسُ الجلديةُ مصنوعةً بجلد الخنزير فإنَّ نجاسته لا تَطْهُرُ بحالٍ لأنها نجاسةٌ عينيةٌ؛ فلذلك وَجَبَ على المسلم الابتعادُ عنها أو إزالتُها والتنَزُّهُ عن قذارتها؛ لقوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرۡ ٤﴾ [المدَّثِّر].
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٢ رمضان ١٤٣٠ﻫ
الموافق: ١٢ سبتمبر ٢٠٠٩م
(١) قال ابنُ عبد البرِّ المالكيُّ ـ رحمه الله ـ في «الكافي» (١٨): «وأمَّا الحيوان كُلُّه في عينه فليس في حيٍّ منه نجاسةٌ إلَّا الخنزير وَحْدَه، وقد قِيلَ: إنَّ الخنزير ليس بنجسٍ حيًّا، والأوَّلُ أصحُّ».
قلت: هذا إذا كان الخنزيرُ حيًّا، أمَّا إِنْ مات بأيِّ سببٍ أَزْهَقَ روحَه فإنه معدودٌ مِنْ أنواع النجاسات اتِّفاقًا، ونَقَل ابنُ رشدٍ الحفيدُ المالكيُّ ـ رحمه الله ـ في «بداية المجتهد» (١/ ٧٦) الإجماعَ على نجاسة الخنزير بعد ذهابِ روحه، حيث قال: «وأمَّا أنواع النجاسات فإنَّ العلماء اتَّفقوا مِنْ أعيانها على أربعةٍ: [وذَكَرَ منها]: وعلى لحم الخنزير بأيِّ سببٍ اتَّفَق أَنْ تذهب حياتُه».
(٢) أخرجه الترمذيُّ في «اللباس» بابُ ما جاء في جلود المَيْتة إذا دُبِغَتْ (١٧٢٨)، والنسائيُّ في «الفَرَع والعتيرة» بابُ جلود الميتة (٤٢٤١)، وابنُ ماجه في «اللباس» بابُ لُبْسِ جلود الميتة إذا دُبِغَتْ (٣٦٠٩)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. وقال الترمذيُّ: «حديثٌ حسنٌ صحيحٌ»، وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٢٧١١). وأخرجه مسلمٌ في «الحيض» (٣٦٦) بلفظ: «إِذَا دُبِغَ الإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ».
(٣) أخرجه النسائيُّ في «الفَرَع والعتيرة» بابُ جلود الميتة (٤٢٤٣) مِنْ حديثِ سَلَمة بنِ المحبَّق رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «غاية المَرام» (٢٦)، وانظر: «المجموع» للنووي (١/ ٢١٨).
الصنف: فتاوى الطهارة - المياه والنجاسات
في حكم لُبْس الأحذية والملابس الجلدية
المصنوعة مِنْ جلد الخنزير
السؤال:
ما حكمُ الأحذية والحقائب والحافظات والملابس الجلدية المصنوعة مِنْ جلد الخنزير؟ وهل تَطْهُرُ بالدباغ؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالمعلوم أنَّ الخنزير نَجِسُ العَينِ باتِّفاق أهل العلم(١)؛ لصريحِ قوله تعالى: ﴿قُل لَّآ أَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٖ يَطۡعَمُهُۥٓ إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيۡتَةً أَوۡ دَمٗا مَّسۡفُوحًا أَوۡ لَحۡمَ خِنزِيرٖ فَإِنَّهُۥ رِجۡسٌ﴾ [الأنعام: ١٤٥].
والخنزير ـ وإِنْ كان نَجِسًا لا يَحِلُّ بالذكاة ـ ففي طهارةِ جلدِه بالدِّبَاغ خلافٌ بين أهل العلم.
وسببُ الخلافِ راجعٌ إلى العموم الواردِ في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ»(٢): فهل هو مِنَ العامِّ الباقي على عمومه؛ وبالتالي يَتناوَلُ بالحكم طهارةَ كُلِّ جلدٍ بالدِّبَاغ: سواءٌ كان الحيوانُ طاهرًا مُطْلَقًا ـ مأكولَ اللحم أو غيرَ مأكولٍ (أي: محرَّمًا أكلُه) ـ أو نجسًا، أم هو مِنَ العامِّ المخصوص بما كان طاهرًا في الحياة مطلقًا: سواءٌ كان مُباحَ الأكل أو محرَّمًا، أم هو مِنَ العامِّ الذي أُريدَ به خصوصُ جلدِ مأكول اللحم: كالإبل والبقر والغنم ونحوِ ذلك؟
وفي تقديري: أنَّ الحديث مِنَ العموم الذي أُريدَ به خصوصُ جلدِ ما تَحِلُّ ذكاتُه مِنْ مأكول اللحم، ويدلُّ عليه: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم دَعَا بماءٍ مِنْ عند امرأةٍ، قالَتْ: «مَا عِنْدِي إِلَّا فِي قِرْبَةٍ لِي مَيْتَةٍ»، قَالَ: «أَلَيْسَ قَدْ دَبَغْتِهَا؟» قَالَتْ: «بَلَى»، قَالَ: «فَإِنَّ دِبَاغَهَا ذَكَاتُهَا»(٣)؛ فشَبَّه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ في هذا الحديث ـ الدِّبَاغَ بالذَّكاة، ولا يخفى أنَّ الذَّكاة لا تطهِّر إلَّا ما يُباحُ أكلُه، والدِّباغُ ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ يُشْبِهُ الحياةَ، والحياةُ لا تدفع النجاسةَ؛ فكذلك الدِّباغُ.
والخنزيرُ نَجِسُ العينِ باتِّفاقٍ لا يَحِلُّ بالذكاة؛ لذلك كانَتْ نجاستُه لا تقبل التطهيرَ بالدِّبَاغ؛ فهو كالعَذِرَةِ لا يمكن تطهيرُها بحالٍ ولو غُسِلَتْ بماء البحر.
ولمَّا كانَتْ هذه الأحذيةُ والحقائبُ والملابسُ الجلديةُ مصنوعةً بجلد الخنزير فإنَّ نجاسته لا تَطْهُرُ بحالٍ لأنها نجاسةٌ عينيةٌ؛ فلذلك وَجَبَ على المسلم الابتعادُ عنها أو إزالتُها والتنَزُّهُ عن قذارتها؛ لقوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرۡ ٤﴾ [المدَّثِّر].
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٢ رمضان ١٤٣٠ﻫ
الموافق: ١٢ سبتمبر ٢٠٠٩م
(١) قال ابنُ عبد البرِّ المالكيُّ ـ رحمه الله ـ في «الكافي» (١٨): «وأمَّا الحيوان كُلُّه في عينه فليس في حيٍّ منه نجاسةٌ إلَّا الخنزير وَحْدَه، وقد قِيلَ: إنَّ الخنزير ليس بنجسٍ حيًّا، والأوَّلُ أصحُّ».
قلت: هذا إذا كان الخنزيرُ حيًّا، أمَّا إِنْ مات بأيِّ سببٍ أَزْهَقَ روحَه فإنه معدودٌ مِنْ أنواع النجاسات اتِّفاقًا، ونَقَل ابنُ رشدٍ الحفيدُ المالكيُّ ـ رحمه الله ـ في «بداية المجتهد» (١/ ٧٦) الإجماعَ على نجاسة الخنزير بعد ذهابِ روحه، حيث قال: «وأمَّا أنواع النجاسات فإنَّ العلماء اتَّفقوا مِنْ أعيانها على أربعةٍ: [وذَكَرَ منها]: وعلى لحم الخنزير بأيِّ سببٍ اتَّفَق أَنْ تذهب حياتُه».
(٢) أخرجه الترمذيُّ في «اللباس» بابُ ما جاء في جلود المَيْتة إذا دُبِغَتْ (١٧٢٨)، والنسائيُّ في «الفَرَع والعتيرة» بابُ جلود الميتة (٤٢٤١)، وابنُ ماجه في «اللباس» بابُ لُبْسِ جلود الميتة إذا دُبِغَتْ (٣٦٠٩)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. وقال الترمذيُّ: «حديثٌ حسنٌ صحيحٌ»، وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٢٧١١). وأخرجه مسلمٌ في «الحيض» (٣٦٦) بلفظ: «إِذَا دُبِغَ الإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ».
(٣) أخرجه النسائيُّ في «الفَرَع والعتيرة» بابُ جلود الميتة (٤٢٤٣) مِنْ حديثِ سَلَمة بنِ المحبَّق رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «غاية المَرام» (٢٦)، وانظر: «المجموع» للنووي (١/ ٢١٨).
تعليق