الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فقد أجمع أهل العلم على استحباب الأذكار المشروعة عقب الصلوات المكتوبة ولا يعلم لهم مخالف، وهذا يشمل الإمام والمأموم والمنفرد.
سواء كان هذا في السفر أو الحضر.
قال النووي رحمه الله في ((المجموع شرح المهذب)): ((قد ذكرنا استحباب الذكر والدعاء للإمام والمأموم والمنفرد وهو مستحب عقب كل الصلوات بلا خلاف)) اهـ.
وقال ابن سيد الناس رحمه الله في ((النفح الشذي شرح جامع الترمذي)): ((قد ذكرنا استحباب الذكر والدعاء للإمام والمأموم والمنفرد وهو مستحب عقب الصلوات كلها بلا خلاف)) اهـ.
بشرط أن لا يكون الذكر جماعيًا، أما ما اعتاده البعض من الاجتماع على هذا الذكر فهذا مما أنكره المحققون من أهل العلم، ولا يعلم لهذا الفعل حديثا صحيحا صريحا.
قال الشاطبي رحمه الله في ((الاعتصام)): ((إما أن يذكر الله تعالى ذكرا هو العرف غير دعاء فليس للجماعة منه حظ إلا أن يقولوا مثل قوله أو نحوا من قوله كما في غير أدبار الصلوات كما جاء أنه كان يقول في دبر كل صلاة)) اهـ.
وقال العلامة صالح الفوزان رحمه الله في ((المنتقى من فتاواه)): ((وأما الذكر بعد الصلاة؛ فإنه من السنة الجهر به، حسبما ورد في الأحاديث الصحيحة من أن الصحابة كانوا يجهرون بالذكر بعد الصلاة؛ بالتهليل والاستغفار بعد السلام ( الاستغفار ثلاثًا )، ثم: ( اللهم إنك أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام )، ( لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد )... إلى آخر هذه الأذكار الواردة؛ يجهر بها، لكن على صفة فردية، لا على صفة جماعية كما ذكرنا أولاً؛ فإن الذكر الجماعي هذا من المبتدعات، وإنما كلٌّ يذكر لنفسه، ويجهر بذلك بعد الصلاة)) اهـ.
أما ما استدل به الحنابلة والظاهرية ومن أخذ بقولهم على استحباب الجهر بالذكر.
فعن وراد كاتب المغيرة بن شعبة أن معاوية كتب إلى المغيرة أن أكتب إلي بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فكتب إليه المغيرة إني سمعته يقول عند انصرافه من الصلاة: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)) ثلاث مرات.
أخرجه البخاري بهذا اللفظ وفي رواية لمسلم: (فكتب إليه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قضى الصلاة).
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (أن رفع الصوت بالذكر , حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم).
قال ابن عباس: (كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته) متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: (ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير).
قال ابن رجب رحمه الله في ((فتح الباري)): ((وذكر عن أحمد نصوصاً تدل على أنه كان يجهر ببعض الذكر، ويسر الدعاء، وهذا هو الأظهر، وأنه لا يختص ذلك بالإمام؛ فإن حديث ابن عباس هذا ظاهره يدل على جهر المأمومين - أيضاً)) اهـ.
وقال أيضا في ((فتح الباري)): ((والمنقول عن الإمام أحمد أنه كان يجهر ببعض الذكر عقب الصلاة، ثم يسر بالباقي، ويعقد التسبيح والتكبير والتحميد سراً، ويدعو سراً)) اهـ.
وقال ابن حزم رحمه الله في ((المحلى)): ((ورفع الصوت بالتكبير إثر كل صلاة حسن)) اهـ.
وقال النووي رحمه الله في ((شرح صحيح مسلم)): ((هذا دليل لما قاله بعض السلف أنه يستحب رفع الصوت بالتكبير والذكر عقب المكتوبة)) اهـ.
قال ابن رجب رحمه الله في ((فتح الباري)): ((ويدل عليه - أيضاً -: ما خَّرجه مسلمٌ في ((صحيحه)) من حديث ابن الزبير، أنه كان يقول في دبر كل صلاةٍ حين يسلم: ((لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون))، وقال: كان رسول الله يهل بهن في دبر كل صلاةٍ.
ومعنى: ((يهل)). يرفع صوته، ومنه: الإهلال في الحج، وهو رفع الصوت بالتلبية، واستهلال الصبي إذا ولد.
وقد كان أصحاب رسول الله يجهرون بالذكر عقب الصلوات، حتى يسمع من يليهم:
فخَّرج النسائي في ((عمل اليوم والليلة)) من رواية عون بن عبد الله بن عتبة، قال صلى رجلٌ إلى جنب عبد الله بن عمرو بن العاص، فسمعه حين سلم يقول: ((أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام))، ثم صلى إلى جنب عبد الله بن عمر، فسمعه حين سلم يقول مثل ذلك، فضحك الرجل، فقال له ابن عمر: ما أضحكك ؟ قال: إني صليت إلى جنب عبد الله بن عمروٍ، فسمعته يقول مثلما قلت: قال ابن عمر: كان رسول الله يقول ذلك)) اهـ.
وقال ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)): ((وفيه دليل على جواز الجهر بالذكر عقب الصلاة قال الطبري: فيه الإبانة عن صحة ما كان يفعله بعض الأمراء من التكبير عقب الصلاة، وتعقبه ابن بطال بأنه لم يقف على ذلك عن أحد من السلف إلا ما حكاه ابن حبيب في (الواضحة) أنهم كانوا يستحبون التكبير في العساكر عقب الصبح والعشاء تكبيرا عاليا ثلاثا، قال: وهو قديم من شأن الناس)) اهـ.
وقال البهوتي رحمه الله في ((كشاف القناع)): ((قال الشيخ [ابن تيمية]: ويستحب الجهر بالتسبيح والتحميد والتكبير عقب كل صلاة انتهى، لقول ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته وفي رواية: كنت أعرف انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبير متفق عليه قال في المبدع: ويستحب الجهر بذلك)) اهـ.
وقال العلامة سليمان بن سحمان كما في ((الدرر السنية في الكتب النجدية)): ((قد رأيت ورقة لا أعرف من قالها، ولكن لما كان في نقله ما يشعر برد النصوص الواردة في الجهر بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة، وسمى هذه المتروكة تشويشاً على الناس، وجعلها من البدع والمحدثات، فيقال لهذا الجاهل: ليس ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم مما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجهر بالذكر بعد المكتوبة تشويشاً على الناس؛ بل هذا القول هو التشويش على الناس والتلبيس عليهم، بل هو من أبطل الباطل وأعظم المنكرات، لأن ذلك دفع في نحر النصوص، ورد لها بالتمويه والسفسطة، والقول بلا علم، وقلب للحقائق؛ فإن هذا القول لا يقوله من في قلبه تعظيم للنصوص وتوقير لها.
وهذه السنة الواردة في الجهر بالذكر عقب الفرائض، قد انقسم الناس فيها في هذه الأزمان على ثلاثة أصناف: طرفان، ووسط:
الأول: يلزمون الناس بها، ويغلظون في ذلك، ويعادون ويوالون على ذلك؛ ومن تركها فليس عندهم من أهل السنة.
والثاني: من لا يرى سنيتها، وبعضهم يقول: إنها من البدع، ويرون أن الفاعل لها مشوش على الناس، وبعضهم يدخل هذا الجهر في مسمى الرياء.
والثالث: - وهم الوسط -، فهم يقولون: ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله وتقريره؛ فكان الصحابة يفعلون ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد تعليمهم إياه، ويقرهم على ذلك، فعلموه بتعليم الرسول إياهم، وعملوا به، وأقرهم على ذلك العمل بعد العلم به، ولم ينكره عليهم. ثم ترك العمل به العمل بكثير من سنن الأقوال والأفعال. وهذا الصنف من الناس يقولون: من فعله فقد أحسن، وفعل سنة يثاب عليها، ومن لا فلا حرج عليه ولا إثم، ولا عقاب على من ترك ذلك، لأنه لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، وينكرون على من أنكره، يخبرون بأنه سنة.
إذا عرفت هذا، فما نقله عن ابن كثير أنه قد استحبه طائفة، كابن حزم وغيره فهو كذلك؛ وقد نقل صاحب الإقناع استحبابه عن شيخ الإسلام ابن تيمية، وعن طائفة من أهل العلم من الحنابلة وغيرهم، كما ذكر ذلك في المغني والشرح الكبير وغيرهما، وهو الحق والصواب، وعليه تدل السنة، وعمل الصحابة، رضي الله عنهم. وهذا الرجل وأحزابه لا يعرفون إلا ما ألفوه من العادات، فينكرون ما ثبت النص به في الجهر بالذكر عقب الصلاة، لأنهم ما ألفوا ذلك ولا اعتادوه، ويجهرون بالتهليلات العشر بعد صلاة المغرب والفجر؛ ولم يرد في تخصيصها بالجهر بذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى ملخصاً)) اهـ.
وقال العلامة ابن باز رحمه الله في ((تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام)): ((السنة الجهر بالذكر عقب الصلوات الخمس وعقب صلاة الجمعة بعد التسليم لما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته.
أما كونه جماعيا بحيث يتحرى كل واحد نطق الآخر من أوله إلى آخره وتقليده في ذلك فهذا لا أصل له بل هو بدعة وإنما المشروع أن يذكروا الله جميعا بغير قصد لتلاقي الأصوات بدءا ونهاية.
والله ولي التوفيق)) اهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله كما في ((مجموع فتاواه ورسائله)): ((الأذكار التي يرفع الإنسان بها صوته بعد المكتوبة: كل ذكر يشرع بعد الصلاة، لما ثبت في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وكنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعتهم"، فدل هذا على أن كل ما يشرع من ذكر في أدبار الصلاة فإنه يجهر به.
ثم قال:
وأما من زعم من أهل العلم أنه كان يجهر به في عهد النبي صلى الله عليه وسلم للتعليم، وأنه لا يسن الجهر به الآن فإن هذا في الحقيقة مبدأ خطير، لو كنا كلما جاءت سنة بمثل هذا الأمر قلنا إنها للتعليم، وأن الناس قد تعلموا الآن فلا تشرع هذه السنة لبطل كثير من السنن بهذه الطريقة، ثم نقول: الرسول عليه الصلاة والسلام قد أعلمهم بما يشرع بعد الصلاة، كما في قصة الفقراء الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أن الأغنياء سبقوهم فقال: "ألا أخبركم بشيء تدركون به من سبقكم"؟ ثم ذكر لهم أن يسبحوا ويكبروا ويحمدوا ثلاثاً وثلاثين. فقد علمهم بالقول صلى الله عليه وسلم.
فالصواب في هذا أنه يشرع أدبار الصلوات المكتوبة أن يجهر الإنسان بكل ما يشرع من ذكر سواء بالتهليل، أو بالتسبيح أو الاستغفار بعد السلام ثلاثاً أو بقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، وتباركت يا ذا الجلال والإكرام)) اهـ.
وقال العلامة مقبل الوادعي رحمه الله في ((إجابة السائل على أهم المسائل)): ((يشرع أن يرفع صوته بالتكبير ثلاث تكبيرات أو أربع تكبيرات أو خمس تكبيرات تكبير جمع ولو رفع كل واحد صوته، أما صوت واحد فلا فهذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم)) اهـ.
وقالت اللجنة الدائمة كما في ((فتاواها)): ((الأذكار المشروعة بعد صلاة الفريضة تؤدى بصفة فردية - كل فرد يأتي بالأذكار المشروعة منفردا جهرا - لكن بغير صوت جماعي لفعل الصحابة رضي الله عنهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لما ثبت في ( الصحيحين ) عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: قال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته، وفي ( الصحيحين ) عن المغيرة بن شعبة ما يدل على ذلك، وفي ( صحيح مسلم ) عن ابن الزبير ما يدل على ذلك أيضا، وفي الجهر بالذكر تذكير للناس وتعليم للجاهل، لكن لا يكون بصوت جماعي لأن ذلك بدعة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم)) اهـ.
وسئل العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله في ((شرح سنن أبي داود)) هل الجهر بالذكر بعد كل صلاة مفروضة سنة؟
فأجب: ((نعم هو سنة، فقد جاء ذلك في حديث ابن عباس)) اهـ.
وقد بوب ابن الأثير في ((جامع الأصول في أحاديث الرسول)): (الجهر بالذكر بعد الصلاة).
وألف العلامة سليمان بن سحمان رحمه الله في هذا الباب كتابًا سماه ((تحقيق الكلام في مشروعية الجهر بالذكر بعد السلام)) وازدادت نورًا على نور بتحقيق العلامة عبد السلام برجس رحمه الله لها.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأربعاء 19 رمضان سنة 1438 هـ
الموافق لـ: 14 يونيو سنة 2017 ف
أما بعد:
فقد أجمع أهل العلم على استحباب الأذكار المشروعة عقب الصلوات المكتوبة ولا يعلم لهم مخالف، وهذا يشمل الإمام والمأموم والمنفرد.
سواء كان هذا في السفر أو الحضر.
قال النووي رحمه الله في ((المجموع شرح المهذب)): ((قد ذكرنا استحباب الذكر والدعاء للإمام والمأموم والمنفرد وهو مستحب عقب كل الصلوات بلا خلاف)) اهـ.
وقال ابن سيد الناس رحمه الله في ((النفح الشذي شرح جامع الترمذي)): ((قد ذكرنا استحباب الذكر والدعاء للإمام والمأموم والمنفرد وهو مستحب عقب الصلوات كلها بلا خلاف)) اهـ.
بشرط أن لا يكون الذكر جماعيًا، أما ما اعتاده البعض من الاجتماع على هذا الذكر فهذا مما أنكره المحققون من أهل العلم، ولا يعلم لهذا الفعل حديثا صحيحا صريحا.
قال الشاطبي رحمه الله في ((الاعتصام)): ((إما أن يذكر الله تعالى ذكرا هو العرف غير دعاء فليس للجماعة منه حظ إلا أن يقولوا مثل قوله أو نحوا من قوله كما في غير أدبار الصلوات كما جاء أنه كان يقول في دبر كل صلاة)) اهـ.
وقال العلامة صالح الفوزان رحمه الله في ((المنتقى من فتاواه)): ((وأما الذكر بعد الصلاة؛ فإنه من السنة الجهر به، حسبما ورد في الأحاديث الصحيحة من أن الصحابة كانوا يجهرون بالذكر بعد الصلاة؛ بالتهليل والاستغفار بعد السلام ( الاستغفار ثلاثًا )، ثم: ( اللهم إنك أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام )، ( لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد )... إلى آخر هذه الأذكار الواردة؛ يجهر بها، لكن على صفة فردية، لا على صفة جماعية كما ذكرنا أولاً؛ فإن الذكر الجماعي هذا من المبتدعات، وإنما كلٌّ يذكر لنفسه، ويجهر بذلك بعد الصلاة)) اهـ.
أما ما استدل به الحنابلة والظاهرية ومن أخذ بقولهم على استحباب الجهر بالذكر.
فعن وراد كاتب المغيرة بن شعبة أن معاوية كتب إلى المغيرة أن أكتب إلي بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فكتب إليه المغيرة إني سمعته يقول عند انصرافه من الصلاة: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)) ثلاث مرات.
أخرجه البخاري بهذا اللفظ وفي رواية لمسلم: (فكتب إليه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قضى الصلاة).
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (أن رفع الصوت بالذكر , حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم).
قال ابن عباس: (كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته) متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: (ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير).
قال ابن رجب رحمه الله في ((فتح الباري)): ((وذكر عن أحمد نصوصاً تدل على أنه كان يجهر ببعض الذكر، ويسر الدعاء، وهذا هو الأظهر، وأنه لا يختص ذلك بالإمام؛ فإن حديث ابن عباس هذا ظاهره يدل على جهر المأمومين - أيضاً)) اهـ.
وقال أيضا في ((فتح الباري)): ((والمنقول عن الإمام أحمد أنه كان يجهر ببعض الذكر عقب الصلاة، ثم يسر بالباقي، ويعقد التسبيح والتكبير والتحميد سراً، ويدعو سراً)) اهـ.
وقال ابن حزم رحمه الله في ((المحلى)): ((ورفع الصوت بالتكبير إثر كل صلاة حسن)) اهـ.
وقال النووي رحمه الله في ((شرح صحيح مسلم)): ((هذا دليل لما قاله بعض السلف أنه يستحب رفع الصوت بالتكبير والذكر عقب المكتوبة)) اهـ.
قال ابن رجب رحمه الله في ((فتح الباري)): ((ويدل عليه - أيضاً -: ما خَّرجه مسلمٌ في ((صحيحه)) من حديث ابن الزبير، أنه كان يقول في دبر كل صلاةٍ حين يسلم: ((لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون))، وقال: كان رسول الله يهل بهن في دبر كل صلاةٍ.
ومعنى: ((يهل)). يرفع صوته، ومنه: الإهلال في الحج، وهو رفع الصوت بالتلبية، واستهلال الصبي إذا ولد.
وقد كان أصحاب رسول الله يجهرون بالذكر عقب الصلوات، حتى يسمع من يليهم:
فخَّرج النسائي في ((عمل اليوم والليلة)) من رواية عون بن عبد الله بن عتبة، قال صلى رجلٌ إلى جنب عبد الله بن عمرو بن العاص، فسمعه حين سلم يقول: ((أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام))، ثم صلى إلى جنب عبد الله بن عمر، فسمعه حين سلم يقول مثل ذلك، فضحك الرجل، فقال له ابن عمر: ما أضحكك ؟ قال: إني صليت إلى جنب عبد الله بن عمروٍ، فسمعته يقول مثلما قلت: قال ابن عمر: كان رسول الله يقول ذلك)) اهـ.
وقال ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)): ((وفيه دليل على جواز الجهر بالذكر عقب الصلاة قال الطبري: فيه الإبانة عن صحة ما كان يفعله بعض الأمراء من التكبير عقب الصلاة، وتعقبه ابن بطال بأنه لم يقف على ذلك عن أحد من السلف إلا ما حكاه ابن حبيب في (الواضحة) أنهم كانوا يستحبون التكبير في العساكر عقب الصبح والعشاء تكبيرا عاليا ثلاثا، قال: وهو قديم من شأن الناس)) اهـ.
وقال البهوتي رحمه الله في ((كشاف القناع)): ((قال الشيخ [ابن تيمية]: ويستحب الجهر بالتسبيح والتحميد والتكبير عقب كل صلاة انتهى، لقول ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته وفي رواية: كنت أعرف انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبير متفق عليه قال في المبدع: ويستحب الجهر بذلك)) اهـ.
وقال العلامة سليمان بن سحمان كما في ((الدرر السنية في الكتب النجدية)): ((قد رأيت ورقة لا أعرف من قالها، ولكن لما كان في نقله ما يشعر برد النصوص الواردة في الجهر بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة، وسمى هذه المتروكة تشويشاً على الناس، وجعلها من البدع والمحدثات، فيقال لهذا الجاهل: ليس ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم مما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجهر بالذكر بعد المكتوبة تشويشاً على الناس؛ بل هذا القول هو التشويش على الناس والتلبيس عليهم، بل هو من أبطل الباطل وأعظم المنكرات، لأن ذلك دفع في نحر النصوص، ورد لها بالتمويه والسفسطة، والقول بلا علم، وقلب للحقائق؛ فإن هذا القول لا يقوله من في قلبه تعظيم للنصوص وتوقير لها.
وهذه السنة الواردة في الجهر بالذكر عقب الفرائض، قد انقسم الناس فيها في هذه الأزمان على ثلاثة أصناف: طرفان، ووسط:
الأول: يلزمون الناس بها، ويغلظون في ذلك، ويعادون ويوالون على ذلك؛ ومن تركها فليس عندهم من أهل السنة.
والثاني: من لا يرى سنيتها، وبعضهم يقول: إنها من البدع، ويرون أن الفاعل لها مشوش على الناس، وبعضهم يدخل هذا الجهر في مسمى الرياء.
والثالث: - وهم الوسط -، فهم يقولون: ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله وتقريره؛ فكان الصحابة يفعلون ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد تعليمهم إياه، ويقرهم على ذلك، فعلموه بتعليم الرسول إياهم، وعملوا به، وأقرهم على ذلك العمل بعد العلم به، ولم ينكره عليهم. ثم ترك العمل به العمل بكثير من سنن الأقوال والأفعال. وهذا الصنف من الناس يقولون: من فعله فقد أحسن، وفعل سنة يثاب عليها، ومن لا فلا حرج عليه ولا إثم، ولا عقاب على من ترك ذلك، لأنه لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، وينكرون على من أنكره، يخبرون بأنه سنة.
إذا عرفت هذا، فما نقله عن ابن كثير أنه قد استحبه طائفة، كابن حزم وغيره فهو كذلك؛ وقد نقل صاحب الإقناع استحبابه عن شيخ الإسلام ابن تيمية، وعن طائفة من أهل العلم من الحنابلة وغيرهم، كما ذكر ذلك في المغني والشرح الكبير وغيرهما، وهو الحق والصواب، وعليه تدل السنة، وعمل الصحابة، رضي الله عنهم. وهذا الرجل وأحزابه لا يعرفون إلا ما ألفوه من العادات، فينكرون ما ثبت النص به في الجهر بالذكر عقب الصلاة، لأنهم ما ألفوا ذلك ولا اعتادوه، ويجهرون بالتهليلات العشر بعد صلاة المغرب والفجر؛ ولم يرد في تخصيصها بالجهر بذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى ملخصاً)) اهـ.
وقال العلامة ابن باز رحمه الله في ((تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام)): ((السنة الجهر بالذكر عقب الصلوات الخمس وعقب صلاة الجمعة بعد التسليم لما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته.
أما كونه جماعيا بحيث يتحرى كل واحد نطق الآخر من أوله إلى آخره وتقليده في ذلك فهذا لا أصل له بل هو بدعة وإنما المشروع أن يذكروا الله جميعا بغير قصد لتلاقي الأصوات بدءا ونهاية.
والله ولي التوفيق)) اهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله كما في ((مجموع فتاواه ورسائله)): ((الأذكار التي يرفع الإنسان بها صوته بعد المكتوبة: كل ذكر يشرع بعد الصلاة، لما ثبت في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وكنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعتهم"، فدل هذا على أن كل ما يشرع من ذكر في أدبار الصلاة فإنه يجهر به.
ثم قال:
وأما من زعم من أهل العلم أنه كان يجهر به في عهد النبي صلى الله عليه وسلم للتعليم، وأنه لا يسن الجهر به الآن فإن هذا في الحقيقة مبدأ خطير، لو كنا كلما جاءت سنة بمثل هذا الأمر قلنا إنها للتعليم، وأن الناس قد تعلموا الآن فلا تشرع هذه السنة لبطل كثير من السنن بهذه الطريقة، ثم نقول: الرسول عليه الصلاة والسلام قد أعلمهم بما يشرع بعد الصلاة، كما في قصة الفقراء الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أن الأغنياء سبقوهم فقال: "ألا أخبركم بشيء تدركون به من سبقكم"؟ ثم ذكر لهم أن يسبحوا ويكبروا ويحمدوا ثلاثاً وثلاثين. فقد علمهم بالقول صلى الله عليه وسلم.
فالصواب في هذا أنه يشرع أدبار الصلوات المكتوبة أن يجهر الإنسان بكل ما يشرع من ذكر سواء بالتهليل، أو بالتسبيح أو الاستغفار بعد السلام ثلاثاً أو بقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، وتباركت يا ذا الجلال والإكرام)) اهـ.
وقال العلامة مقبل الوادعي رحمه الله في ((إجابة السائل على أهم المسائل)): ((يشرع أن يرفع صوته بالتكبير ثلاث تكبيرات أو أربع تكبيرات أو خمس تكبيرات تكبير جمع ولو رفع كل واحد صوته، أما صوت واحد فلا فهذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم)) اهـ.
وقالت اللجنة الدائمة كما في ((فتاواها)): ((الأذكار المشروعة بعد صلاة الفريضة تؤدى بصفة فردية - كل فرد يأتي بالأذكار المشروعة منفردا جهرا - لكن بغير صوت جماعي لفعل الصحابة رضي الله عنهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لما ثبت في ( الصحيحين ) عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: قال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته، وفي ( الصحيحين ) عن المغيرة بن شعبة ما يدل على ذلك، وفي ( صحيح مسلم ) عن ابن الزبير ما يدل على ذلك أيضا، وفي الجهر بالذكر تذكير للناس وتعليم للجاهل، لكن لا يكون بصوت جماعي لأن ذلك بدعة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم)) اهـ.
وسئل العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله في ((شرح سنن أبي داود)) هل الجهر بالذكر بعد كل صلاة مفروضة سنة؟
فأجب: ((نعم هو سنة، فقد جاء ذلك في حديث ابن عباس)) اهـ.
وقد بوب ابن الأثير في ((جامع الأصول في أحاديث الرسول)): (الجهر بالذكر بعد الصلاة).
وألف العلامة سليمان بن سحمان رحمه الله في هذا الباب كتابًا سماه ((تحقيق الكلام في مشروعية الجهر بالذكر بعد السلام)) وازدادت نورًا على نور بتحقيق العلامة عبد السلام برجس رحمه الله لها.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأربعاء 19 رمضان سنة 1438 هـ
الموافق لـ: 14 يونيو سنة 2017 ف