الاستدلال بفتوى الشيخ العثيمين في قول (رمضان كريم) على المنع من الثناء على شهر رمضان بأنه كريم استدلال مجانب للصواب:
إذا كتبت رسالة تهنئة برمضان وذكرت فيها, الشهر الكريم، بادرك بعض الإخوة بأنها كلمة لا تجوز وقد نهى الشيخ العثيمين عنها، وينقل الفتوى التالية:
سُئل العلامة الفقيه ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن الصائم
حينما يقع في معصية من المعاصي ويُنهى عنها ، يقول : «رمضان كريم» !!!
فما حكم هذه الكلمة ؟ وما حكم هذا التصرف ؟
فأجاب رحمه الله وجزاه عنا خير الجزاء بقوله :
( حكم ذلك أن هذه الكلمة «رمضان كريم» غير صحيحة ،
وإنما يقال: « رمضان مبارك » وما أشبه ذلك ؛ لأن رمضان ليس هو الذي يعطي حتى يكون كريماً،
وإنما الله تعالى هو الذي وضع فيه الفضل، وجعله شهراً فاضلاً، ووقتاً لأداء ركن من أركان الإسلام،
وكأن هذا القائل يظن أنه لشرف الزمان يجوز فيه فعل المعاصي،
وهذا خلاف ما قاله أهل العلم بأن السيئات تعظم في الزمان والمكان الفاضل،
عكس ما يتصوره هذا القائل، وقالوا: يجب على الإنسان أن يتقي الله عز وجل
في كل وقت وفي كل مكان، لاسيما في الأوقات الفاضلة والأماكن الفاضلة،
وقد قال الله عز وجل :
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
فالحكمة من فرض الصوم تقوى الله عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه،
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
«من لم يدع قول الزور، والعمل به، والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»
فالصيام عبادة لله، وتربية للنفس وصيانة لها عن محارم الله،
وليس كما قال هذا الجاهل: إن هذا الشهر لشرفه وبركته يسوغ فيه فعل المعاصي.)
انتهى من مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (ج 20 / رقم 254 )
ورحم الله العلماء حيث اشترطوا في إنكار المنكر أن يكون المنكر عالما بالمسألة التي ينكر فيها على من تلبس بها، ولا يقولن قائل أنا مقلد لإمام، لأنه سيقال له افهم كلام الإمام على مراده ثم قلد.
الفتوى احتوت على أمور:
الأمر الأول: يظهر من سياق السؤال وهو الاحتجاج على المعصية بهذه المقولة من العوام لمن ينهاهم عن معصية ما (رمضان كريم)، وقد انصب عليها أكثر كلام الشيخ.
الأمر الثاني: مقصد المتكلم الذي أنكر عليه الشيخقوله, (رمضان كريم)، بأن نسب الكرم للشهر، وهو الاستهانة بالمعصية بحجة نسبة الكرم للشهر
فليس السياق سياق تهنئى أو ثناء على الشهر.
الأمر الثالث: إنكار الشيخ بأن كلمة كريم لا يفهم منها إلا المعطي إنكار على ما عناه المتكلم من هذه العبارة، وليس مقصد الشيخ أن كريم لا يفهم منها إلا ذلك، يشهد بذلك تفسير الشيخ وشروحه اللغوية، فالشيخ فيما نحسبه أعلى مكانة من أن يخفى عليه مثل هذا، وكلمة كريم وصفت بها أمور عدة في كتاب الله عز وجل منها قول الله تعالى: {إني ألقي إلي كتاب كريم}، وقوله تعالى: {ذق إنك أنت العزيز الكريم}، ومن راجع تفسير جميع هذه الآيات من كلام الشيخ عرف أنه يعلم المعاني العديدة لكلمة كريم، جاء في لسان العرب:
كرم : الكريم : من صفات الله وأسمائه ، وهو الكثير الخير الجواد المعطي الذي لا ينفد عطاؤه ، وهو الكريم المطلق . والكريم : الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل . والكريم . اسم جامع لكل ما يحمد فالله عز وجل كريم حميد الفعال ، ورب العرش الكريم العظيم . ابن سيده : الكرم نقيض اللؤم ، يكون في الرجل بنفسه ، وإن لم يكن له آباء ،
وفي اللسان أيضا:
والكريم : الصفوح .
وفيه أيضا:
والكريم : الذي كرم نفسه عن التدنس بشيء من مخالفة ربه .
وكتب د. عرفات المحمدي عن الثناء على شهر رمضان بأنه شهر كريم بعض الأسطر في سياق الرد على الاستدلال بهذه الفتوى، وهذا نص كلامه:
وصف الله سبحانه في كتابه عددًا من مخلوقاته بالكرم فقال الله تعالى:(وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (مَلَكٌ كَرِيمٌ) (زَوْجٍ كَرِيمٍ) (وَمَقَامٍ كَرِيمٍ) (وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) (رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) (وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) (وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ).وأصل معنى هذا الكلمة: الشرف.قال ابن فارس في مقاييس اللغة (5/171-172): [(كرم) الكاف والراء والميم أصلٌ صحيح له بابان: أحدهما شَرَف ٌفي الشَّيء في نفسِه أو شرفٌ في خُلُق من الأخلاق. يقال رجلٌ كريم، وفرسٌ كريم، ونبات كريم. وأكرَمَ الرّجلُ، إذا أتَى بأولادٍ كرام. واستَكْرَم: اتَّخَذَ عِلْقاً كريماً. وكَرُم السّحابُ: أتَى بالغَيث. وأرضٌ مَكرَُمةٌ للنَّبات، إذا كانت جيِّدة النبات. والكَرَم في الخُلْق يقال هو الصَّفح عن ذنبِ المُذنب. قال عبدُ الله بنُ مسلِم بن قُتيبة: الكريم: الصَّفوح. والله تعالى هو الكريم الصَّفوح عن ذنوب عبادِه المؤمنين...].وإذا نظرنا في عدة آيات من كتاب الله سنرى أن السياف وإن اختلف فأصله الشرف.وسأكتفي بنقل من كتاب عظيم هو كتاب (تأويل مشكل القرآن) لابن قتيبة رحمه الله حيث قال (494):
(الكريم: الشريف الفاضل، قال الله تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) أي: أفضلكم.
وقال: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ) أي: شرفناهم وفضلناهم.
وقال حكاية عن إبليس: (أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ) أي: فضلت.
وقال: (إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ) أي: فضله. وقال: (رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ). أي: الشريف الفاضل.
وقال: (وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) أي: شريفًا.
وقال: (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ) أي شريف لشرف كاتبه، ويقال: شريف بالختم.والكريم: الصفوح. وذلك من الشرف والفضل.
قال الله عز وجل (فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) أي: صفوح.
وقال (ما غرك بربك الكريم) أي الصفوح.والكريم: الكثير الكرم
قال الله تعالى: (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) أي: كثير.والكريم: الحسن، وذلك من الفضل.
قال الله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) أي: حسن.
وكذلك قوله: (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) أي: حسن يُبتهج به.
وقال تعالى: (وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) أي: حسنًا. وهذا وإن اختلف، فأصله الشرف).
قلت: فظهر من كلام هذا الإمام رحمه الله أن الكريم يأتي على عدة أوجه وهي:
(الشريف - الفاضل - الحسن - الصفوح - الكثير).
وزاد ابن الجوزي في نزهة الأعين (522) معنىً سادسًا وهو: المتكبر.
كما في قوله تعالى(ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ). وزاد أيضًا (التقي) كما في قوله تعالى: (كِرَامًا كَاتِبِينَ).(كِرَامٍ بَرَرَةٍ).
ثم استدرك فقال: ولو ألحق هذا القسم بالأول كان حسنًا.والقسم الأول هو (الفاضل).
راجع كلامه في نزهة الأعين ص (521-522).
قلت:في قوله تعالى (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ).
قال البغوي في معالم التنزيل (3/416): (...وروي عن ابن عباس: "كريم"، أي: شريف لشرف صاحبه).
قال ابن كثير (6/18: (تعني بكرمه: ما رأته من عجيب أمره، كون طائر أتى به فألقاه إليها، ثم تولى عنها أدبًا. وهذا أمر لا يقدر عليه أحد من الملوك، ولا سبيل لهم إلى ذلك، ثم قرأته عليهم).
قال الشوكاني في فتح القدير (4/181): (ووصفت الكتاب بالكريم لكونه من عند عظيم في نفسها إجلالا لسليمان وقيل وصفته بذلك لاشتماله على كلام حسن وقيل وصفته بذلك لكونه وصل إليها مختوما بخاتم سليمان وكرامة الكتاب ختمه كما روي ذلك مرفوعا).
قلت: الحديث المرفوع ضعيف جدا.
وقال ابن سعدي رحمه الله في تفسيره: أي جليل المقدار.
وقد استخدم هذا التعبير (شهر كريم) عدد من أهل العلم منهم:
الإمام محمد بن عبد الوهاب في فتاويه (2/193) في خطبة جمعة قال: (واعلموا أنه قد نزل بساحتكم شهر كريم، وموسم عظيم).
الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم في فتاويه (4/14) حيث قال: (وينبغي للإنسان الاستكثار من صدقة التطوع أيضاً في هذا الشهر الكريم والموسم العظيم). وقال في (4/207): (قد نزل بساحة المسلمين شهر كريم وموسم عظيم).
وقال ابن سعدي في مجموع الخطب النافعة ضمن المجموع (23/62): (واعلموا أنه قد أظلكم شهر عظيم، وموسم مبارك كريم...). وفي عدة مواضع من خطبه كما في (23/323).
والشيخ العلامة ابن باز في عدة مواضع من فتاويه وخذ على سبيل المثال:في (11/334): (وحتى يفوز الجميع بالأجر العظيم في هذا الشهر الكريم).وفي (15/4: (ولاسيما في هذا الشهر الكريم؛ لأنه شهر عظيم تضاعف فيه الأعمال الصالحات).
واستخدمها الشيخ ابن عثيمين نفسه رحمه الله ففي المجلس الأول ص (4) قال رحمه الله: (لقد أظلنا شهر كريم وموسم عظيم).وفي المجلس الثامن والعشرون قال رحمه الله: (إن شهركم الكريم قد عزم على الرحيل).وفي خطب الشيخ (الضياء اللامع) استخدمها في عدة مواضع.وفي فتاوى الصيام (17).
وهناك أسئلة عرضت على اللجنة الدائمة وفيها - أعني السؤالات - وصف الشهر (بالكريم).
ففي فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الأولى (5/393)وفي فتاوى الجنة أيضًا المجموعة الثانية (2/224).
هذا ووفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
إذا كتبت رسالة تهنئة برمضان وذكرت فيها, الشهر الكريم، بادرك بعض الإخوة بأنها كلمة لا تجوز وقد نهى الشيخ العثيمين عنها، وينقل الفتوى التالية:
سُئل العلامة الفقيه ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن الصائم
حينما يقع في معصية من المعاصي ويُنهى عنها ، يقول : «رمضان كريم» !!!
فما حكم هذه الكلمة ؟ وما حكم هذا التصرف ؟
فأجاب رحمه الله وجزاه عنا خير الجزاء بقوله :
( حكم ذلك أن هذه الكلمة «رمضان كريم» غير صحيحة ،
وإنما يقال: « رمضان مبارك » وما أشبه ذلك ؛ لأن رمضان ليس هو الذي يعطي حتى يكون كريماً،
وإنما الله تعالى هو الذي وضع فيه الفضل، وجعله شهراً فاضلاً، ووقتاً لأداء ركن من أركان الإسلام،
وكأن هذا القائل يظن أنه لشرف الزمان يجوز فيه فعل المعاصي،
وهذا خلاف ما قاله أهل العلم بأن السيئات تعظم في الزمان والمكان الفاضل،
عكس ما يتصوره هذا القائل، وقالوا: يجب على الإنسان أن يتقي الله عز وجل
في كل وقت وفي كل مكان، لاسيما في الأوقات الفاضلة والأماكن الفاضلة،
وقد قال الله عز وجل :
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
فالحكمة من فرض الصوم تقوى الله عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه،
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
«من لم يدع قول الزور، والعمل به، والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»
فالصيام عبادة لله، وتربية للنفس وصيانة لها عن محارم الله،
وليس كما قال هذا الجاهل: إن هذا الشهر لشرفه وبركته يسوغ فيه فعل المعاصي.)
انتهى من مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (ج 20 / رقم 254 )
ورحم الله العلماء حيث اشترطوا في إنكار المنكر أن يكون المنكر عالما بالمسألة التي ينكر فيها على من تلبس بها، ولا يقولن قائل أنا مقلد لإمام، لأنه سيقال له افهم كلام الإمام على مراده ثم قلد.
الفتوى احتوت على أمور:
الأمر الأول: يظهر من سياق السؤال وهو الاحتجاج على المعصية بهذه المقولة من العوام لمن ينهاهم عن معصية ما (رمضان كريم)، وقد انصب عليها أكثر كلام الشيخ.
الأمر الثاني: مقصد المتكلم الذي أنكر عليه الشيخقوله, (رمضان كريم)، بأن نسب الكرم للشهر، وهو الاستهانة بالمعصية بحجة نسبة الكرم للشهر
فليس السياق سياق تهنئى أو ثناء على الشهر.
الأمر الثالث: إنكار الشيخ بأن كلمة كريم لا يفهم منها إلا المعطي إنكار على ما عناه المتكلم من هذه العبارة، وليس مقصد الشيخ أن كريم لا يفهم منها إلا ذلك، يشهد بذلك تفسير الشيخ وشروحه اللغوية، فالشيخ فيما نحسبه أعلى مكانة من أن يخفى عليه مثل هذا، وكلمة كريم وصفت بها أمور عدة في كتاب الله عز وجل منها قول الله تعالى: {إني ألقي إلي كتاب كريم}، وقوله تعالى: {ذق إنك أنت العزيز الكريم}، ومن راجع تفسير جميع هذه الآيات من كلام الشيخ عرف أنه يعلم المعاني العديدة لكلمة كريم، جاء في لسان العرب:
كرم : الكريم : من صفات الله وأسمائه ، وهو الكثير الخير الجواد المعطي الذي لا ينفد عطاؤه ، وهو الكريم المطلق . والكريم : الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل . والكريم . اسم جامع لكل ما يحمد فالله عز وجل كريم حميد الفعال ، ورب العرش الكريم العظيم . ابن سيده : الكرم نقيض اللؤم ، يكون في الرجل بنفسه ، وإن لم يكن له آباء ،
وفي اللسان أيضا:
والكريم : الصفوح .
وفيه أيضا:
والكريم : الذي كرم نفسه عن التدنس بشيء من مخالفة ربه .
وكتب د. عرفات المحمدي عن الثناء على شهر رمضان بأنه شهر كريم بعض الأسطر في سياق الرد على الاستدلال بهذه الفتوى، وهذا نص كلامه:
وصف الله سبحانه في كتابه عددًا من مخلوقاته بالكرم فقال الله تعالى:(وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (مَلَكٌ كَرِيمٌ) (زَوْجٍ كَرِيمٍ) (وَمَقَامٍ كَرِيمٍ) (وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) (رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) (وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) (وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ).وأصل معنى هذا الكلمة: الشرف.قال ابن فارس في مقاييس اللغة (5/171-172): [(كرم) الكاف والراء والميم أصلٌ صحيح له بابان: أحدهما شَرَف ٌفي الشَّيء في نفسِه أو شرفٌ في خُلُق من الأخلاق. يقال رجلٌ كريم، وفرسٌ كريم، ونبات كريم. وأكرَمَ الرّجلُ، إذا أتَى بأولادٍ كرام. واستَكْرَم: اتَّخَذَ عِلْقاً كريماً. وكَرُم السّحابُ: أتَى بالغَيث. وأرضٌ مَكرَُمةٌ للنَّبات، إذا كانت جيِّدة النبات. والكَرَم في الخُلْق يقال هو الصَّفح عن ذنبِ المُذنب. قال عبدُ الله بنُ مسلِم بن قُتيبة: الكريم: الصَّفوح. والله تعالى هو الكريم الصَّفوح عن ذنوب عبادِه المؤمنين...].وإذا نظرنا في عدة آيات من كتاب الله سنرى أن السياف وإن اختلف فأصله الشرف.وسأكتفي بنقل من كتاب عظيم هو كتاب (تأويل مشكل القرآن) لابن قتيبة رحمه الله حيث قال (494):
(الكريم: الشريف الفاضل، قال الله تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) أي: أفضلكم.
وقال: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ) أي: شرفناهم وفضلناهم.
وقال حكاية عن إبليس: (أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ) أي: فضلت.
وقال: (إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ) أي: فضله. وقال: (رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ). أي: الشريف الفاضل.
وقال: (وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) أي: شريفًا.
وقال: (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ) أي شريف لشرف كاتبه، ويقال: شريف بالختم.والكريم: الصفوح. وذلك من الشرف والفضل.
قال الله عز وجل (فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) أي: صفوح.
وقال (ما غرك بربك الكريم) أي الصفوح.والكريم: الكثير الكرم
قال الله تعالى: (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) أي: كثير.والكريم: الحسن، وذلك من الفضل.
قال الله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) أي: حسن.
وكذلك قوله: (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) أي: حسن يُبتهج به.
وقال تعالى: (وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) أي: حسنًا. وهذا وإن اختلف، فأصله الشرف).
قلت: فظهر من كلام هذا الإمام رحمه الله أن الكريم يأتي على عدة أوجه وهي:
(الشريف - الفاضل - الحسن - الصفوح - الكثير).
وزاد ابن الجوزي في نزهة الأعين (522) معنىً سادسًا وهو: المتكبر.
كما في قوله تعالى(ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ). وزاد أيضًا (التقي) كما في قوله تعالى: (كِرَامًا كَاتِبِينَ).(كِرَامٍ بَرَرَةٍ).
ثم استدرك فقال: ولو ألحق هذا القسم بالأول كان حسنًا.والقسم الأول هو (الفاضل).
راجع كلامه في نزهة الأعين ص (521-522).
قلت:في قوله تعالى (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ).
قال البغوي في معالم التنزيل (3/416): (...وروي عن ابن عباس: "كريم"، أي: شريف لشرف صاحبه).
قال ابن كثير (6/18: (تعني بكرمه: ما رأته من عجيب أمره، كون طائر أتى به فألقاه إليها، ثم تولى عنها أدبًا. وهذا أمر لا يقدر عليه أحد من الملوك، ولا سبيل لهم إلى ذلك، ثم قرأته عليهم).
قال الشوكاني في فتح القدير (4/181): (ووصفت الكتاب بالكريم لكونه من عند عظيم في نفسها إجلالا لسليمان وقيل وصفته بذلك لاشتماله على كلام حسن وقيل وصفته بذلك لكونه وصل إليها مختوما بخاتم سليمان وكرامة الكتاب ختمه كما روي ذلك مرفوعا).
قلت: الحديث المرفوع ضعيف جدا.
وقال ابن سعدي رحمه الله في تفسيره: أي جليل المقدار.
وقد استخدم هذا التعبير (شهر كريم) عدد من أهل العلم منهم:
الإمام محمد بن عبد الوهاب في فتاويه (2/193) في خطبة جمعة قال: (واعلموا أنه قد نزل بساحتكم شهر كريم، وموسم عظيم).
الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم في فتاويه (4/14) حيث قال: (وينبغي للإنسان الاستكثار من صدقة التطوع أيضاً في هذا الشهر الكريم والموسم العظيم). وقال في (4/207): (قد نزل بساحة المسلمين شهر كريم وموسم عظيم).
وقال ابن سعدي في مجموع الخطب النافعة ضمن المجموع (23/62): (واعلموا أنه قد أظلكم شهر عظيم، وموسم مبارك كريم...). وفي عدة مواضع من خطبه كما في (23/323).
والشيخ العلامة ابن باز في عدة مواضع من فتاويه وخذ على سبيل المثال:في (11/334): (وحتى يفوز الجميع بالأجر العظيم في هذا الشهر الكريم).وفي (15/4: (ولاسيما في هذا الشهر الكريم؛ لأنه شهر عظيم تضاعف فيه الأعمال الصالحات).
واستخدمها الشيخ ابن عثيمين نفسه رحمه الله ففي المجلس الأول ص (4) قال رحمه الله: (لقد أظلنا شهر كريم وموسم عظيم).وفي المجلس الثامن والعشرون قال رحمه الله: (إن شهركم الكريم قد عزم على الرحيل).وفي خطب الشيخ (الضياء اللامع) استخدمها في عدة مواضع.وفي فتاوى الصيام (17).
وهناك أسئلة عرضت على اللجنة الدائمة وفيها - أعني السؤالات - وصف الشهر (بالكريم).
ففي فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الأولى (5/393)وفي فتاوى الجنة أيضًا المجموعة الثانية (2/224).
هذا ووفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.