السلام عليكم و رحمة الله...
قال فخطبت جاريةفكنت أتخبأ لها حتىرأيت منها ما دعاني إلى نكاحهاوتزوجها فتزوجتها.
الآثار عن الصحابة و السلف:
المسألة الأولى:
هل قوله صلى الله عليه و سلم ((انظر إليها)) للأمر؟ أو أنها للإستحباب:
قلت: نعم أجنبية لكن قد أجاز الشارع النظر إليها و خصصها من عموم الأجنبيات فهو كما حرم النظر للأجنبية أجاز النظر للمخطوبة .
من نوه بوجود من قال بهذا القول:
من نص على جوز التكرار في حال لم تتحقق الحكمة منه في المرة الأولى مع عدم التعرض لذكر رأيمخالف:
( بابندب من أراد نكاح امرأة إلى أن ينظر إلى وجهها).
هذا بداية البحث في مسألةالنظر للمخطوبة و ما يتعلق به من مسائلو نظراًلطول البحث قررت أن أقسمه إلى مسائل في كل مرة أضع جزء منها و نناقشها في ما بيننالنصل إلى الحق بإذن الله و إن نسيت بعض المسائل فليضعها أخ و نناقشها بإذنالله.
و قمت قبل كل هذا بوضع ما وقفت عليه من الأحاديث و الآثار الصحيحة التي له علاقةبالمسائل التي ستطرح و لا شك أن هناك أكثر منها فمن وجد غيرها فليضعها و لكن يجب أنتكون صحيحة ... و قد بدأت بأكثرها اتفاقاً و قلةً للخلاف ثم أبد بالمسائل التيكثر حولها الخلاف و بسم الله أبدأ.
ملاحظة:سأذكرالمراجع في نهاية المشاركة في كل مرة فإن نسيت شيء فليذكرني أحد الإخوة, فإن أحلتعلى كتاب فقهي فلا داعي لذكر الصفحة فما على من يريد الرجوع للمصدر إلا فتح بابالنكاح و لكن إن كانت الإحالة على غير مرتب على الأبواب الفقهية فحينها أذكر الصفحةو هذا تسهيلاً لي و حتى لا يطول.
الأدلة من القرآن و السنة في مسألة النظرللمخطوبة:
1- قوله تعالى: ((لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَبِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْيَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً))سورة الأحزاب (52).
استدل بقوله تعالى((و لو أعجبك حسنهن))القرطبي و البغوي(1)على جواز رؤية المخطوبة فكيف يعجبه حسنهن عليه الصلاة والسلام من دون النظر إليهن.
للفائدة: ضعف القرطبي و نقله عن ابن العربيأنها نزلت في أن النبي صلى الله عليه و سلم أراد الزواج أو خطبة أسماء بن أبي عميسرضي الله عنها بعد موت جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه عنها.
2- قال الإمام أحمد حدثنا حسن بن موسى حدثنا زهير عن عبد اللهبن عيسى عن موسى بن عبد الله عن أبي حميد أو حميدة الشك من زهير قال قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم:
((إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليهأن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته وإن كانت لا تعلم)).
قالالهيثمي في الزوائد: رواه أحمد إلا أن زهيرا شك فقال عن أبي حميد أو أبي حميدة . والبزار من غير شك والطبراني في الأوسط والكبير ورجال أحمد رجال الصحيح.اهـ
قالالشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (2): قلت : و هذا إسناد صحيح , رجالهكلهم ثقات رجال مسلم.اهـ
3-قال الإمام بن ماجه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حفص بن غياث عن حجاج عن محمد بن سليمان عن عمه سهلبن أبي حثمة عن محمد بن سلمة قالخطبت امرأة فجعلت أتخبأ لها حتى نظرت إليهافي نخل لها فقيل له أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول((إذا ألقى الله فيقلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها)ورجح الشيخ الألباني رحمه اللهأنه مما يحتج به بمجموع الطرق كما في السلسلة الصحيحة (3).
4-قال الإمام الترمذي حدثنا أحمد بن منيع حدثنا بن أبي زائدةقال حدثني عاصم بن سليمان هو الأحول عن بكر بن عبد الله المزني عن المغيرة بن شعبةانه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم(( انظر إليهافإنه أحرى أن يؤدم بينكما )) وفي الباب عن محمد بن مسلمة وجابر وأبي حميدوأبي هريرة قال أبو عيسى: هذا حديث حسن وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديثوقالوا لا بأس أن ينظر إليها ما لم ير منها محرما وهو قول أحمد وإسحاق ومعنى قولهأحرى أن يؤدم بينكما قال أحرى أن تدوم المودة بينكما.اهـ
قال في الزوائد: إسنادهصحيح ورجاله ثقات. وقد رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه أيضا من حديث أنس، كالمصنف. ورواه الترمذي من حديث المغيرة، والنسائي من حديث أبي هريرة والمغيرة.اهـ
قالالشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (4): أخرجه سعيد بن منصور و كذا النسائي الترمذيو الدارمي و ابن ماجه و الطحاوي و ابن الجارود في ; المنتقى ; الدارقطني البيهقي وأحمد و ابن عساكر.اهـ بتصرف.
5-قال أبوداود في سننهحدثنا مسدد ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا محمد بن إسحاق عن داود بن حصين عن واقد بنعبد الرحمن يعني بن سعد بن معاذ عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم
((إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلىما يدعوه إلى نكاحها فليفعل))
قال فخطبت جاريةفكنت أتخبأ لها حتىرأيت منها ما دعاني إلى نكاحهاوتزوجها فتزوجتها.
قال الحاكم و تابعهالذهبي: صحيح على شرط مسلم.
قال الشيخ الألباني في السلسلة (5): حسن.
قلت: وهو الصحيح لأن بن إسحاق ليس من شرط مسلم و حاله حسن.
الآثار عن الصحابة و السلف:
1-محمد بن سلمة رضي الله عنه :
محمد بن سلمة قال خطبت امرأة فجعلت أتخبأ لها حتى نظرت إليها في نخل لها.
وقد نقلت سابقاً تصحيح الشيخ الألباني رحمه الله للحديث المرفوع الذي في سياقهالقصة.
2-جابر رضي الله عنه:
فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعانيإلى نكاحها .
و هي مخرجة في الأعلى.
3-قال الإمام عبد الرزاق الصنعاني في ; الأمالي ; و من طريقه الإمام ابن أبي شيبة كما فيالمصنف: عن معمر عنطاوسقال أردت أن أتزوج امرأة فقال لي أبي: أذهبفانظر إليهاقال فلبست وتهيأت فلما رآني في تلك الهيئة قال لا تذهب. (قلت: وليس في المصنف [في تلك الهيئة]) .
قال الشيخ الألباني تحت الحديث رقم 98 منالسلسلة الصحيحة.. فذكره فقال بسند صحيح.
4- قصةعمر بن الخطاب رضي الله عنه مع أم كلثوم ((تراجع الشيخ عن تصحيحها و إنما ذكرتهاحتى يتنبه من يستدل به))
قال الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلةالصحيحة:
روى عبد الرزاق و سعيد بن منصور في ; سننه ; ( 520 - 521 ) و ابن أبي عمرو سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن على بن الحنفية :
أن عمر خطب إلىعلي ابنته أم كلثوم , فذكر له صغرها , ( فقيل له : إن ردك ,فعاوده ) , فقال ( لهعلي ) : أبعث بها إليك , فإن رضيت فهي امرأتك , فأرسل بها إليه , فكشف عن ساقيها , فقالت : لولا أنك أمير المؤمنين لصككت عينك . و هذا يشكل على من قال : إنه لا ينظرغير الوجه و الكفين ; .
وولكن الشيخ الألباني رحمه الله تراجع عن تصحيح هذهالقصة ا في السلسلة الضعيفة تحت حديث رقم 1273في التنبيه الثاني.
المسائل المتعلقة بالنظر للمخطوبة:
المسألة الأولى:
هل قوله صلى الله عليه و سلم ((انظر إليها)) للأمر؟ أو أنها للإستحباب:
كنت أظن فيبداية الأمر أن النقاش في هذا من قبل العلماء إنما هو من باب الفائدة و أن ليس هناكمن قال بأن هذا يفيد الوجوب لأن أكثر من ناقش المسألة لم يذكر هذا القول حتى قالالقرطبي في تفسيره (وبهذا (أن أمر النبي صلى الله عليه و سلم للإرشاد) قال جمهورالفقهاء مالك و الشافعي والكوفيون وغيرهم وأهل الظاهر وقد كره ذلك قوم لا مبالاةبقولهم للأحاديث الصحيحة.)) (تحت نفس الآية)
لكن وجدت بن القيم قال في روضةالمحبين (6)(وهو مأمور به أمر استحباب عند الجمهور وأمر إيجاب عند بعض أهلالظاهر).
و استدلالهم بقوله صلى الله عليه و سلم((انظر))و هذا أمر يفيد الوجوب فأفاد القرطبي في تفسيرهبقوله:
مما يدل على أن الأمر على جهة الإرشاد ما ذكره أبو داود من حديث جابر عنالنبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا خطب أحدكم المرأةفإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل))فقوله : فإناستطاع فليفعل لا يقال مثله في الواجب.أ.هــ
قلت و هكذا الأحاديث الأخرى مثلقوله((فلا جناح أن ينظر إليها))فهذه الأحاديث تدلعلى أن الأمر كان للإرشاد و الاستحباب و عليه جمهور أهل العلم و في قول للإمام أحمدأنها للإباحة دون الاستحباب و الصحيح أنه للإستحباب.
المسألةالثانية:
هل هناك من ذهب إلى كراهية النظر للمرأة إذا أراد خطبتها أوالتحريم؟:
نعم ذكر ذلك القرطبي و النووي(7) و يبدو أنهم أخذوه من القاضيعياض و صرح بذلك النووي و كلهم يقولون ذكر عن قوم و لا يصرح بمن هم و هذا القولمردود بما سبق من الآثار الصحيحة عن النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه رضوان الله عليهم
و قال بن حجر في فتح الباري ((ونقل الطحاوي عن قوم أنه لا يجوزالنظر إلى المخطوبة قبل العقد بحال لأنها حينئذ أجنبية ورد عليهم بالأحاديثالمذكورة).
قلت: نعم أجنبية لكن قد أجاز الشارع النظر إليها و خصصها من عموم الأجنبيات فهو كما حرم النظر للأجنبية أجاز النظر للمخطوبة .
المسألة الثالثة:
هل يشترطاستئذان المخطوبة أو وليها لرؤيتها؟
أقول في هذه المسألة حصل خلاف صغير بينالسلف فأبدأ بذكر الأقوال ثم الأدلة:
أ- ذهب الإمامأحمد و الإمام الشافعي و الإمام مالك أنه يجوز النظر إليها دون إذنها و رجحهالجزيري في الفقه على المذاهب الأربعة و النووي كما سبق في شرحه لمسلم و بن قدامةفي المغني و المناوي في فيض (9)القدير و الحجاوي في الإقناع الشوكاني في النيل والشيخ البسام حيث نقل من نيل المآرب القول بعدم اشتراط الإذن و سكت و لم يذكر غيرهذا النقل و هذا يكثر من في شرحه على بلوغ المرام و يفهم منه إقراره لهذا القول والشيخ العثيمين رحمه الله في شرح الممتع على زاد المستقنع.
ب- و هناك قول لمالك أنه يشترط إذنها ذكره ابن حجر في الفتح وغيره وضعف هذه الرواية الإمام مسلمفي شرحه على مسلم, و ذكر قول آخر لمالكأنه قال: قال مالك: أكره نظره في غفلتها مخافة من وقوع نظره على عورة.
جـ- أدلة القائلين بعدم اشتراط إذنها:
1-قوله عليه الصلاة و السلام((إنماينظر إليها لخطبته وإن كانت لا تعلم.))فهذا نص صريح منه صلى الله عليه وسلم على جواز النظر دون علمها و دون إذنها من باب أولى
2-الإطلاق قي قوله صلى الله عليه و سلم ((إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر))فقيده عليهالصلاة و السلام بالقدرة و لم يقيده بإذنها أو بغيره.
3-أدلة نظرية و قد أجاد فيها الإمام النووي حيث قال:
ولأنهاتستحي غالباًمن الإذن، ولأنفي ذلك تغريراً،فربما رآهافلم تعجبه فيتركها فتنكسر وتتأذى.
قلت:و يجاب علىقول الإمام مالكأن المقصود دون إذنها أي في المواضع العادية التي يرجح أنه لنتظهر منه عورة و خاصة لمن يقولون أنه يجوز النظر إلى ما يظهر عادة و لا يقصد بدونإذنها أن ينظر إليها في مواضع يرجح أنها في حالة غير مستترة بحيث تظهرعوراتها.
المسألة الرابعة:
هل يجوز تكرارالنظر للمخطوبة؟
أقول أنا لم أجد من قال بهذا القول لكن وجدت من أنكره فمن وجد شيئاً فلينقله مشكوراً.
أولاً :
من نوه بوجود من قال بهذا القول:
1- قال المناوي في فيض القدير ((لا بأس أن ينظر إليهاأي لا حرج عليه في ذلك بل يسن وإن لم تأذن هي ولا وليها اكتفاء بإذن الشارع وإن خافالفتنة بالنظر إليها على الأصح عند الشافعية وظاهر الخبر أنه يكرر النظر بقدرالحاجةفلا يتقيد بثلاث خلافا لبعضهم))
و لا أعلم لهم دليلاً فمن وقف علي شيء فلينقله .
ثانياً:
من نص على جوز التكرار في حال لم تتحقق الحكمة منه في المرة الأولى مع عدم التعرض لذكر رأيمخالف:
1-المناوي في فيض القدير كما سبق النقل عنه.
2-قال المرداوي في الإنصاف ((تنبيه : حيث أحناله النظر إلى شئ من بدنهافله تكرار النظر إليهوتأمل المحاسن كل ذلك إذاأمن الشهوة قيده بذلك الأصحاب)).
3-قال في الإقناع ((لمن أراد خطبة امرأة وغلب على ظنه إجابته : النظرويكرره ويتأمل المحاسنولو بلا أذن)).
4-قال الجزيري في الفقه علىالمذاهب الأربعة ((ولا يشترط أن يستأذنها وليها في النظر بل له أن ينظر إليها وهيغافلةوأن يكرر النظرمرة أخرى)).
5-قال بنقدامة في المغني ((وله أنيردد النظر إليهاويتأمل محاسنها))
6-قال في شرح منتهى الإيرادات((ويكرره ويتأملالمحاسن بلا إذن المرأة إن أمن الشهوة أي ثورانها من غير خلوة))
قلت: و هذا ظاهرالأدلة و فعل الصحابة فأما الأدلة حيث أن قوله صلى الله عليه و سلم((إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحهافليفعل))و قوله((انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدمبينكما))ربطت العلة فيهما في أن ينظر في إلى ما يدعوه إلى نكاحها فيالحديث الأول و في الحديث الثاني إلى النتيجة و هي قوله صلى الله عليه و سلم((أحرى أن يؤدم بينكما))فإن لم يستطيع أن يرى ما يدعوه إلىنكاحها فله أن يكرر النظر لأن العلة ما زالت قائمة و كذلك إن شك فله أن يعود و ينظرلأن العلة و جدت.
و رجح هذا الشيخ العثيمين كما في الشرحالممتع.
قلت: و أظن أننا لن نختلف في هذه المسائل كثيراً و قد ذكرت أني حاولت أنقل أكثر المسائل اتفاقاً لكن هذا لا يمنع من إثراءه بالنقول عن أهل العلم و تأييده بالأدلة و جزاكم الله خيراً.
قائمة المراجع:
1-ذكر القرطبي و البغوي هذا تحتتفسير هذه الآية في تفسيرهما.
2,3,4,5-في المجلد الأول من السلسلة حديث رقم (97)و (9 و (96)و (99) على التوالي.
6-روضة المحبين ص126 .
7-ذكره النوويتحت حديث (قال لا قال فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئ) و بوب عليه
( بابندب من أراد نكاح امرأة إلى أن ينظر إلى وجهها).
8-ذكره تحت تبويب البخاري(قوله باب النظر إلى المرأة قبل التزويج).
9-تحت شرح لحديث (إذا ألقى الله فيقلب امريء ).رقمه 489.
(إذا ذكرت مرجع عن قول إمام ثم لم أذكر في الآخر عندالنقل فاعلم أنه في نفس المحل)
تعليق