بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد للّه، والصلاة السلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
المطلب الأول: قول القائلين بالقضاء .
فلا خلاف بين الفقهاء أن المجنون لا يقضي الصلوات (1)،
كما أنهم اتفقوا على أن النائم يجب عليه قضاء الصلوات (2)،
والخلاف في المغمى عليه هل يلحق بالمجنون فلا يقضي، أم يلحق بالنائم فيجب عليه القضاء.
قال ابن رشد في بداية المجتهد (193/1):
(والسبب في اختلافهم: تردده بين النائم والمجنون، فمن شبهه بالنائم أوجب عليه القضاء، ومن شبهه بالمجنون أسقط عنه الوجوب).
اختلف الفقهاء في وجوب قضاء الصلاة على المغمى عليه على ثلاثة أقوال مشهورة:
القول الأول: ذهب الإمام أحمد أن المغمى عليه يعيد الصلاة كلها.
فقد سأل صالح بن أحمد أباه الإمام أحمد فقال: المغمى عليه كم يعيد؟ قال: يعيد الصلاة كلها (3).
وعندهم یجب القضاء بجمیع أسباب الإغماء.
وفي نظم المفردات:
لا تسقط الصلاة بالإغماء / بمرض كالشرب للدواء
لا فرق إن طال الإغماء / أو قصر الحكم كذا سواء
قال البهوتي في شرحه (المنح الشافيات) (202/1):
(لا يسقط وجوب الصلاة بالإغماء بسبب مرض كما لو شرب دواء مباحا أو محرمًا أو مسكرًا، و کذا الصوم و نحوه، ویروی ذلك عن عمّار وعمران و سمرة بن جندب...).
المطلب الثاني: أدلتهم ومناقشتها.
أدلة هذا القول:
الدليل الأول: عن عمّار بن ياسر رضي الله عنه، أنه أغمي عليه الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فأفاق في بعض الليل فقضاهن (4).
بأنه أثر ضعيف لا يصح ولا تقوم به حجة، ولو صح أثر عمّار فمحمول على الاستحباب كما قال الإمام الشافعي رحمه الله (5).
الدليل الثانى: من طريق أبي مجلز قال: قيل لعمران بن حصين: إن سمرة بن جندب يقول في المغمى عليه: یقضي مع کل صلاة مثلها فقال عمران: لیس کما یقال یقضیهم جمیعا (6).
ونوقش : بأنه ضعيف لا يصح ولا تقوم به حجة.
الدليل الثالث: عن عطاء، وطاووس، ومجاهد، أنهم قالوا فيه: (یقضي صلاته کما يقضي رمضان) (7).
وعن عطاء قال: «إذا غلب المريض على عقله ثم أفاق، فليصل ما فاته إذا عقل صلاته كل يوم وليلة كذلك) (.
الدليل الرابع: قياس المغمى عليه على النائم، وذلك أن الصلاة عبادة، فلا تسقط بالإغماء كسائر العبادات، وذلك لأن الإغماء لا ينقطع التكليف به، بدليل جوازه على الأنبياء (9).
بحال من يجن أشبه منه بحال النائم، فالنائم يوجد السبيل إلى انتباهه وهو سليم الجوارح، والمغمى عليه واهي الجوارح من تعبها لا سبيل لأهله إلى تنبيهه (10).
الدليل الخامس : قیاس وجوب قضاء الصلاة علی وجوب قضاء الصوم، فالصوم لا يسقط وكذلك الصلاة (11).
ونوقش :بالفرق بين الصوم والصلاة، فالصوم لا يتكرر فيجب قضاؤه بخلاف الصلاة فهي تتكرر فلا يجب قضاؤها.
المطلب الثالث: قول القائلین بالتفصیل
القول الثاني:
ذهب أبو حنيفة: إلى أنه إن أغمي عليه يوماً وليلة قضى خمس صلوات، وإن زاد وقت صلاة سادسة فلا قضاء عليه (12).
وهو قول قتادة، والنخعی، والحکم، و حماد واسحاق بن راهویه (13).
أدلة هذا القول:
الدليل الأول: أثر عمار الذي سبق في أدلة القول الأول، والشاهد منه أن عمارًا رضي الله عنه، فإنه أغمي عليه فقضى خمس صلوات.
ونوقش :
بأن أثر عمار ضعيف لا تقوم به حجة، ومع التسليم بصحته فلا حجة فيه؛ لانه قضى صلاة يوم وليلة إذ أغمي عليه، ولم يقل إنه لو أغمي على أكثر لم أقض، فلا فرق في القياس بين خمس وأكثر من خمس (14).
من طريق إبراهيم النخعي قال في المغمى عليه إذا أغمي عليه يوم وليلة: «أعاد وإذا كان أكثر من ذلك لم يعد » (15).
الدليل الثاني :
من أغمي عليه يوما وليلة أو أقل يجب عليه القضاء؛ لانعدام الحرج وإن زاد على يوم وليلة لا قضاء عليه لأنه يقع في الحرج بسبب القضاء لدخول العبادة في حد التكرار (16).
القول الثالث: وذهب مالك (17)، والشافعي (1 إلى أنه لا يقضي الصلاة التي خرج وقتها.
وهو مذهب ابن عمر و ابن سيرين ، والضحاك، والحسن، وطاووس، والشعبي، والزهري (19)
هذا إذا كان إغماؤه بسبب محرم مثل: أن يشرب خمراً، أو دواء لا يحتاج إليه، لم تسقط عنه، وكان عليه القضاء فرضاً، فإن أغمي عليه بمرض أو سبب مباح سقط عنه القضاء ما كان حال إغمائه من الصلاة.
المطلب السادس: أدلتهم ومناقشتها.
أدلة الجمهور:
الدلیل الأول:
أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم سَألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الرّجُل يُغمى عليه فيترك الصلاة؟ فقالت: قال رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم: ليس لشيء من ذلك قضاءٌ إلا أن يُغمّى عليه في وقت صلاة فيفيق وَهُوَ في وقتها فيصليها (20).
الدليل الثاني:
عن نافع: أنّ عبد الله بن عمر أغمي عليه، فذهب عقله، فلم يقض الصلاة (21).
قال مالك: (وذلك فيما نرى والله أعلم أن الوقت قد ذهب فأمّا من أفاق في الوقت فإنه يصلى).
ومن طريق أيوب، عن نافع، قال: "مرض ابن عمَرَ أيامًا لم يعقل الصلاة ثمّ صح وعقل فلم يقض ما فاته".(22)
قال أيوب : ومرض ابن سيرين أياما لم يعقل الصلاة فلم يقض ما فاته.
من طریق ابن أبي ليلى وأشعث عن نافع ، عن ابن عمر، أنه أغمي عليه أياما فأعاد صلاة يومه الذي أفاق فيه، ولم يعد شيئا مما مضى.(23)
من طریق عبد الله بن عمر العمري، عن نافع، قال: «أغمي على ابن عمر يوما وليلة فلم يقض ما فاته (24).
الدليل الثالث:
عن عاصم بن أبي النجود، قال: "أغمي على أنس بن مالك فلم يقض صلاته (25).
الثالث:
قاسوا المغمی علیه علی المجنون. بجامع زوال العقل.
وذلك أن المغمى عليه لا يعقل، ولا يفهم؛ فالخطاب عنه مرتفع، وإذا كان غير مخاطب بها في وقتها الذي ألزم الناس أن يؤدوها فيه: فلا يجوز أداؤها في غير وقتها؛ لأنه لم يأمر الله تعالى بذلك، وصلاة لم يأمر الله تعالى بها لا تجب (26).
بأن هناك فارقا بين الجنون والنوم، فالجنون تتطاول مدته غالباً، ولا يُلزم بشيء من التكاليف، ولا يجوز على الأنبياء، وتثبت الولاية عليه، بخلاف المغمى عليه (27).
المطلب السابع: الترجیح.
الذي يظهر رجحانه والله أعلم هو قول جمهور أهل العلم القائلين بعدم وجوب قضائها، وإنّما يصلي الصلاة التي أفاق فيها، لصحة هذا القول عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، خلافا للقول القائل بوجوب القضاء مطلقا فلا يصح في إثباته شيء من السنة ولا من آثار الصحابة رضى الله عنهم.
قال ابن المنذر رحمه الله في الأوسط (457/4):
(الإِغْمَاءُ مَرَضٌ مِنَ الأَمْرَاضِ ، وَالَّذِي يَلْزَمُ الْمَرِيضَ إِذَا عَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا وَيَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ الْقِيَامِ لِعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا صَلَّى عَلَى جَنْبٍ يُومِئُ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ ، وَسَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْقُعُودِ ، فَإِذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّلاةِ بِحَالٍ فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ ، لأَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا : يَسْقُطُ عَنِ الْمَرِيضِ كُلُّ عَمَلٍ لا سَبِيلَ لَهُ إِلَيْهِ فَكَذَلِكَ لا سَبِيلَ لِلْمُغْمَى عَلَيْهِ إِلَى الصَّلاةِ فِي حَالَةِ الإِغْمَاءِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ صَلاةٌ لَمْ يُجَزْ أَنْ يُوجَبَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ، وَإِلْزَامُ الْقَضَاءِ إِلْزَامُ فَرْضٍ ، وَالْفَرْضُ لا يَجِبُ بِاخْتِلافٍ ، وَلا حُجَّةَ مَعَ مَنْ فُرِضَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي حَالِ الإِغْمَاءِ ، وَلَيْسَ كَالنَّائِمِ الَّذِي يُوجَدُ السَّبِيلُ إِلَى انْتِبَاهِهِ وَهُوَ سَلِيمُ الْجَوَارِحِ ، لأَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَاهِي الْجَوَارِحِ مِنْ تَعَبِهَا لا سَبِيلَ لأَهْلِهِ إِلَى تَنْبِيهِهِ).
المدينة النبوية بعد عصر يوم الأحد 23 ذي الحجة 1437 هـ.
[المصدر: هل المغمی علیه یقضی الصلاة الشيخ عرفات بن حسن المحمدي حفظه الله].
مدونة مقال السلفية.
(1) انظر: مختصر اختلاف الفقهاء للطحاوي (266)، التمهید (291/3).
(2) انظر: الحلی (9/2-10).
(3) مسائل أحمد رواية ابنه صالح (445/1–446). وانظر: مسائل الكوسج (1349/3)، وهي من مفردات المذهب قاله المرداوي في الإنصاف (390/1)
(4) ضعيف. أخرج عبد الرزاق (4156)، وابن أي شيبة (6646) –واللفظ له –.
قلت: فيه يزيد مولى عمار وهو مجهول، والسدي هو إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، صدوق يهم ورمي بالتشيع. قال البيهقي في معرفة السنن والآثار (221/2): (وعليه إن رواية يزيد مولى عمار مجهول والراوي عنه إسماعيل بن عبد الرحمن السدي كان يحيى بن معين يضعفه. وكان يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي لا يريان به بأسا ولم يحتج به البخاري).
(5) نقله البيهقي في معرفة السنن والآثار (221/2).
(6) ضعيف. أخرجه ابن أي شيبة (6647).
قال الحافظ في نتائج الأفكار 268: (... لأن أبا مجلز –وهو لاحق بن حميد السدوسي – لم يلق سمرة بن جندب ولا عمران بن حصين، فيما قاله علي ابن المديني).
(7) أخرجه ابن أي شيبة (6650). من طريق ليث بن أبي سليم وهو ضعيف.
( أخرجه عبد الرزاق (4157). سنده صحيح.
(9) انظر: شرح الزرکشی الخرقي (497/1).
(10) انظر: الأوسط (458/4)، التمهید (291/3).
(11) انظر: المغني (51/2)، المنح الشافيات (202/1).
(12) انظر: الحجة (154/1)، المبسوط (101/2)، تحفة الفقهاء (192/1).
(13) انظر: الأوسط (456/4)، مسائل الكوسج (1349/3).
ووصف ابن عبد البر في التمهيد (290/3): قول الحنفية بأنه قول (ضعيف لا وجه له في النظر؛ لأنه تحكم لا يجب امتثاله).
(14) انظر: الاستذکار (45/1).
(15) أخرج ابن أبي شيبة (6654)، فيه عنعنة هشيم. وأخرجه محمد بن الحسن في الآثار (169)، من طريق أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم.
(16) انظر: بدائع الصنائع (246/1).
(17) انظر: المدونة الكبرى (92/1)، المعونة (262/1)، التفريع (257/1).
(1 انظر: الأم (70/1).
(19) انظر: مصنف عبد الرزاق (479/2)، مصنف ابن أي شيبة (436/4)، الأوسط (453/4-454).
(20) موضوع.
أخرجه الدارقطني (1860)، والبيهقي (571/1). في إسناده الحكم بن عبد الله الأيلي، قال أحمد: أحاديثه موضوعة. وقال ابن معين: ليس بشيء. وکذبه ابو حاتم.
انظر: التاريخ" لأبى زرعة (453/1)، معرفة الرجال لابن معين برواية ابن محرز (62/1)، الجرح والتعديل (121/3).
(21) أخرجه مالك (13/1). وهو صحيح.
(22) أخرجه ابن المنذر في الأوسط (453/4-454). وهو صحيح.
(23) أخرجه عند ابن أبى شيبة (664. وهو صحيح.
(24) أخرجه عبد الرزاق (4152). وهو حسن.
(25) أخرجه ابن المنذر في الأوسط (454/4).
قلت: هو منقطع، فإن عاصم بن أبي النجود لم يدرك أنسًا رضي الله عنه.
(26) انظر: الحلی (9/2).
(27) انظر: المغني (52/2).
الحمد للّه، والصلاة السلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
المطلب الأول: قول القائلين بالقضاء .
فلا خلاف بين الفقهاء أن المجنون لا يقضي الصلوات (1)،
كما أنهم اتفقوا على أن النائم يجب عليه قضاء الصلوات (2)،
والخلاف في المغمى عليه هل يلحق بالمجنون فلا يقضي، أم يلحق بالنائم فيجب عليه القضاء.
قال ابن رشد في بداية المجتهد (193/1):
(والسبب في اختلافهم: تردده بين النائم والمجنون، فمن شبهه بالنائم أوجب عليه القضاء، ومن شبهه بالمجنون أسقط عنه الوجوب).
اختلف الفقهاء في وجوب قضاء الصلاة على المغمى عليه على ثلاثة أقوال مشهورة:
القول الأول: ذهب الإمام أحمد أن المغمى عليه يعيد الصلاة كلها.
فقد سأل صالح بن أحمد أباه الإمام أحمد فقال: المغمى عليه كم يعيد؟ قال: يعيد الصلاة كلها (3).
وعندهم یجب القضاء بجمیع أسباب الإغماء.
وفي نظم المفردات:
لا تسقط الصلاة بالإغماء / بمرض كالشرب للدواء
لا فرق إن طال الإغماء / أو قصر الحكم كذا سواء
قال البهوتي في شرحه (المنح الشافيات) (202/1):
(لا يسقط وجوب الصلاة بالإغماء بسبب مرض كما لو شرب دواء مباحا أو محرمًا أو مسكرًا، و کذا الصوم و نحوه، ویروی ذلك عن عمّار وعمران و سمرة بن جندب...).
المطلب الثاني: أدلتهم ومناقشتها.
أدلة هذا القول:
الدليل الأول: عن عمّار بن ياسر رضي الله عنه، أنه أغمي عليه الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فأفاق في بعض الليل فقضاهن (4).
بأنه أثر ضعيف لا يصح ولا تقوم به حجة، ولو صح أثر عمّار فمحمول على الاستحباب كما قال الإمام الشافعي رحمه الله (5).
الدليل الثانى: من طريق أبي مجلز قال: قيل لعمران بن حصين: إن سمرة بن جندب يقول في المغمى عليه: یقضي مع کل صلاة مثلها فقال عمران: لیس کما یقال یقضیهم جمیعا (6).
ونوقش : بأنه ضعيف لا يصح ولا تقوم به حجة.
الدليل الثالث: عن عطاء، وطاووس، ومجاهد، أنهم قالوا فيه: (یقضي صلاته کما يقضي رمضان) (7).
وعن عطاء قال: «إذا غلب المريض على عقله ثم أفاق، فليصل ما فاته إذا عقل صلاته كل يوم وليلة كذلك) (.
الدليل الرابع: قياس المغمى عليه على النائم، وذلك أن الصلاة عبادة، فلا تسقط بالإغماء كسائر العبادات، وذلك لأن الإغماء لا ينقطع التكليف به، بدليل جوازه على الأنبياء (9).
بحال من يجن أشبه منه بحال النائم، فالنائم يوجد السبيل إلى انتباهه وهو سليم الجوارح، والمغمى عليه واهي الجوارح من تعبها لا سبيل لأهله إلى تنبيهه (10).
الدليل الخامس : قیاس وجوب قضاء الصلاة علی وجوب قضاء الصوم، فالصوم لا يسقط وكذلك الصلاة (11).
ونوقش :بالفرق بين الصوم والصلاة، فالصوم لا يتكرر فيجب قضاؤه بخلاف الصلاة فهي تتكرر فلا يجب قضاؤها.
المطلب الثالث: قول القائلین بالتفصیل
القول الثاني:
ذهب أبو حنيفة: إلى أنه إن أغمي عليه يوماً وليلة قضى خمس صلوات، وإن زاد وقت صلاة سادسة فلا قضاء عليه (12).
وهو قول قتادة، والنخعی، والحکم، و حماد واسحاق بن راهویه (13).
أدلة هذا القول:
الدليل الأول: أثر عمار الذي سبق في أدلة القول الأول، والشاهد منه أن عمارًا رضي الله عنه، فإنه أغمي عليه فقضى خمس صلوات.
ونوقش :
بأن أثر عمار ضعيف لا تقوم به حجة، ومع التسليم بصحته فلا حجة فيه؛ لانه قضى صلاة يوم وليلة إذ أغمي عليه، ولم يقل إنه لو أغمي على أكثر لم أقض، فلا فرق في القياس بين خمس وأكثر من خمس (14).
من طريق إبراهيم النخعي قال في المغمى عليه إذا أغمي عليه يوم وليلة: «أعاد وإذا كان أكثر من ذلك لم يعد » (15).
الدليل الثاني :
من أغمي عليه يوما وليلة أو أقل يجب عليه القضاء؛ لانعدام الحرج وإن زاد على يوم وليلة لا قضاء عليه لأنه يقع في الحرج بسبب القضاء لدخول العبادة في حد التكرار (16).
القول الثالث: وذهب مالك (17)، والشافعي (1 إلى أنه لا يقضي الصلاة التي خرج وقتها.
وهو مذهب ابن عمر و ابن سيرين ، والضحاك، والحسن، وطاووس، والشعبي، والزهري (19)
هذا إذا كان إغماؤه بسبب محرم مثل: أن يشرب خمراً، أو دواء لا يحتاج إليه، لم تسقط عنه، وكان عليه القضاء فرضاً، فإن أغمي عليه بمرض أو سبب مباح سقط عنه القضاء ما كان حال إغمائه من الصلاة.
المطلب السادس: أدلتهم ومناقشتها.
أدلة الجمهور:
الدلیل الأول:
أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم سَألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الرّجُل يُغمى عليه فيترك الصلاة؟ فقالت: قال رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم: ليس لشيء من ذلك قضاءٌ إلا أن يُغمّى عليه في وقت صلاة فيفيق وَهُوَ في وقتها فيصليها (20).
الدليل الثاني:
عن نافع: أنّ عبد الله بن عمر أغمي عليه، فذهب عقله، فلم يقض الصلاة (21).
قال مالك: (وذلك فيما نرى والله أعلم أن الوقت قد ذهب فأمّا من أفاق في الوقت فإنه يصلى).
ومن طريق أيوب، عن نافع، قال: "مرض ابن عمَرَ أيامًا لم يعقل الصلاة ثمّ صح وعقل فلم يقض ما فاته".(22)
قال أيوب : ومرض ابن سيرين أياما لم يعقل الصلاة فلم يقض ما فاته.
من طریق ابن أبي ليلى وأشعث عن نافع ، عن ابن عمر، أنه أغمي عليه أياما فأعاد صلاة يومه الذي أفاق فيه، ولم يعد شيئا مما مضى.(23)
من طریق عبد الله بن عمر العمري، عن نافع، قال: «أغمي على ابن عمر يوما وليلة فلم يقض ما فاته (24).
الدليل الثالث:
عن عاصم بن أبي النجود، قال: "أغمي على أنس بن مالك فلم يقض صلاته (25).
الثالث:
قاسوا المغمی علیه علی المجنون. بجامع زوال العقل.
وذلك أن المغمى عليه لا يعقل، ولا يفهم؛ فالخطاب عنه مرتفع، وإذا كان غير مخاطب بها في وقتها الذي ألزم الناس أن يؤدوها فيه: فلا يجوز أداؤها في غير وقتها؛ لأنه لم يأمر الله تعالى بذلك، وصلاة لم يأمر الله تعالى بها لا تجب (26).
بأن هناك فارقا بين الجنون والنوم، فالجنون تتطاول مدته غالباً، ولا يُلزم بشيء من التكاليف، ولا يجوز على الأنبياء، وتثبت الولاية عليه، بخلاف المغمى عليه (27).
المطلب السابع: الترجیح.
الذي يظهر رجحانه والله أعلم هو قول جمهور أهل العلم القائلين بعدم وجوب قضائها، وإنّما يصلي الصلاة التي أفاق فيها، لصحة هذا القول عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، خلافا للقول القائل بوجوب القضاء مطلقا فلا يصح في إثباته شيء من السنة ولا من آثار الصحابة رضى الله عنهم.
قال ابن المنذر رحمه الله في الأوسط (457/4):
(الإِغْمَاءُ مَرَضٌ مِنَ الأَمْرَاضِ ، وَالَّذِي يَلْزَمُ الْمَرِيضَ إِذَا عَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا وَيَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ الْقِيَامِ لِعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا صَلَّى عَلَى جَنْبٍ يُومِئُ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ ، وَسَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْقُعُودِ ، فَإِذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّلاةِ بِحَالٍ فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ ، لأَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا : يَسْقُطُ عَنِ الْمَرِيضِ كُلُّ عَمَلٍ لا سَبِيلَ لَهُ إِلَيْهِ فَكَذَلِكَ لا سَبِيلَ لِلْمُغْمَى عَلَيْهِ إِلَى الصَّلاةِ فِي حَالَةِ الإِغْمَاءِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ صَلاةٌ لَمْ يُجَزْ أَنْ يُوجَبَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ، وَإِلْزَامُ الْقَضَاءِ إِلْزَامُ فَرْضٍ ، وَالْفَرْضُ لا يَجِبُ بِاخْتِلافٍ ، وَلا حُجَّةَ مَعَ مَنْ فُرِضَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي حَالِ الإِغْمَاءِ ، وَلَيْسَ كَالنَّائِمِ الَّذِي يُوجَدُ السَّبِيلُ إِلَى انْتِبَاهِهِ وَهُوَ سَلِيمُ الْجَوَارِحِ ، لأَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَاهِي الْجَوَارِحِ مِنْ تَعَبِهَا لا سَبِيلَ لأَهْلِهِ إِلَى تَنْبِيهِهِ).
المدينة النبوية بعد عصر يوم الأحد 23 ذي الحجة 1437 هـ.
[المصدر: هل المغمی علیه یقضی الصلاة الشيخ عرفات بن حسن المحمدي حفظه الله].
مدونة مقال السلفية.
(1) انظر: مختصر اختلاف الفقهاء للطحاوي (266)، التمهید (291/3).
(2) انظر: الحلی (9/2-10).
(3) مسائل أحمد رواية ابنه صالح (445/1–446). وانظر: مسائل الكوسج (1349/3)، وهي من مفردات المذهب قاله المرداوي في الإنصاف (390/1)
(4) ضعيف. أخرج عبد الرزاق (4156)، وابن أي شيبة (6646) –واللفظ له –.
قلت: فيه يزيد مولى عمار وهو مجهول، والسدي هو إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، صدوق يهم ورمي بالتشيع. قال البيهقي في معرفة السنن والآثار (221/2): (وعليه إن رواية يزيد مولى عمار مجهول والراوي عنه إسماعيل بن عبد الرحمن السدي كان يحيى بن معين يضعفه. وكان يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي لا يريان به بأسا ولم يحتج به البخاري).
(5) نقله البيهقي في معرفة السنن والآثار (221/2).
(6) ضعيف. أخرجه ابن أي شيبة (6647).
قال الحافظ في نتائج الأفكار 268: (... لأن أبا مجلز –وهو لاحق بن حميد السدوسي – لم يلق سمرة بن جندب ولا عمران بن حصين، فيما قاله علي ابن المديني).
(7) أخرجه ابن أي شيبة (6650). من طريق ليث بن أبي سليم وهو ضعيف.
( أخرجه عبد الرزاق (4157). سنده صحيح.
(9) انظر: شرح الزرکشی الخرقي (497/1).
(10) انظر: الأوسط (458/4)، التمهید (291/3).
(11) انظر: المغني (51/2)، المنح الشافيات (202/1).
(12) انظر: الحجة (154/1)، المبسوط (101/2)، تحفة الفقهاء (192/1).
(13) انظر: الأوسط (456/4)، مسائل الكوسج (1349/3).
ووصف ابن عبد البر في التمهيد (290/3): قول الحنفية بأنه قول (ضعيف لا وجه له في النظر؛ لأنه تحكم لا يجب امتثاله).
(14) انظر: الاستذکار (45/1).
(15) أخرج ابن أبي شيبة (6654)، فيه عنعنة هشيم. وأخرجه محمد بن الحسن في الآثار (169)، من طريق أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم.
(16) انظر: بدائع الصنائع (246/1).
(17) انظر: المدونة الكبرى (92/1)، المعونة (262/1)، التفريع (257/1).
(1 انظر: الأم (70/1).
(19) انظر: مصنف عبد الرزاق (479/2)، مصنف ابن أي شيبة (436/4)، الأوسط (453/4-454).
(20) موضوع.
أخرجه الدارقطني (1860)، والبيهقي (571/1). في إسناده الحكم بن عبد الله الأيلي، قال أحمد: أحاديثه موضوعة. وقال ابن معين: ليس بشيء. وکذبه ابو حاتم.
انظر: التاريخ" لأبى زرعة (453/1)، معرفة الرجال لابن معين برواية ابن محرز (62/1)، الجرح والتعديل (121/3).
(21) أخرجه مالك (13/1). وهو صحيح.
(22) أخرجه ابن المنذر في الأوسط (453/4-454). وهو صحيح.
(23) أخرجه عند ابن أبى شيبة (664. وهو صحيح.
(24) أخرجه عبد الرزاق (4152). وهو حسن.
(25) أخرجه ابن المنذر في الأوسط (454/4).
قلت: هو منقطع، فإن عاصم بن أبي النجود لم يدرك أنسًا رضي الله عنه.
(26) انظر: الحلی (9/2).
(27) انظر: المغني (52/2).