الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين ،أما بعد :
اختلف أهل العلم في الرجل الذي عنده أكثر من زوجة –وهذا هو الأصل- هل يجب عليه أن يعدل بينهنّ في الهبات والأعطيات ، وهكذا في النفقة والكسوة والسكن والمهر والوليمة ،أو لا يجب عليه ذلك ، والقول الأقرب للصواب أنه لا يجب عليه ذلك ، فله أن يفضّل بينهنّ1، ويوسّع على بعضهن بالنفقة أو السكن ونحو ذلك إذا أعطى كل زوجة من زوجاته كفايتها من النفقة والكسوة ونحو ذلك ، وبه قال الشافعية والحنابلة وهو الأظهر عند المالكية،واختاره محمد علي فركوس وغيره من أهل العلم.
ويستحبّ في حقّه العدل إن استطاع إلى ذلك سبيلا بدون شكّ ولا ريب ولا أدنى من ذلك ،وهو من الأمور المستحسنة ، ومن معالي الأمور ،ومن حسن العشرة ومكارم الأخلاق ، ومما يعينه على سياسة أمر أزواجه، والبعد عن آثار الغيرة بينهن ،ونحو ذلك من المعاني المنصبة في هذا الجانب.
ومما يدلّ على ماذكرته آنفا ما جاء عن أم حبيبة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بأرض الحبشة زوّجها النجاشي وأمهرها أربعة آلاف وجهّزها من عنده وبعث بها مع شرحبيل ابن حسنة ولم يبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء وكان مهر نسائه أربع مائة درهم.[1]
وعن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم أولم على أحد من نسائه ما أولم عليها أولم بشاة.[2]
وعن عائشة رضي الله عنها أن الناس كانوا يتحرّون بهداياهم يوم عائشة يبتغون بها أو يبتغون بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.[3]
وعن عائشة رضي الله عنها أيضا أن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كن حزبين ،فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة ،والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وكان المسلمون قد علموا حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة ،فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرها حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة بعث صاحب الهدية بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة، فكلّم حزب أم سلمة فقلن لها :كلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم الناس؟ ،فيقول :من أراد أن يهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فليهده إليه حيث كان من بيوت نسائه ،فكلمته أم سلمة بما قلن فلم يقل لها شيئا ،فسألنها؟ فقالت :ما قال لي شيئا ،فقلن لها :فكلميه ،قالت :فكلمته حين دار إليها أيضا فلم يقل لها شيئا ،فسألنها فقالت ما قال لي شيئا فقلن لها كلميه حتى يكلمك فدار إليها فكلمته فقال لها : لا تؤذيني في عائشة فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة ،قالت: فقالت أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله ،ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول: إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي بكر فكلمته ف،قال يا بنية ألا تحبين ما أحب؟ قالت: بلى ،فرجعت إليهن فأخبرتهن ،فقلن :ارجعي إليه ،فأبت أن ترجع ،فأرسلن زينب بنت جحش فأتته فأغلظت ،وقالت إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت ابن أبي قحافة ،فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة وهي قاعدة فسبتها حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر إلى عائشة هل تكلم قال فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها قالت فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى عائشة وقال :إنها بنت أبي بكر .[4]
وفي لفظ : أرسل أزواج النبى -صلى الله عليه وسلم- فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستأذنت عليه وهو مضطجع معى فى مرطى فأذن لها فقالت يا رسول الله إن أزواجك أرسلننى إليك يسألنك العدل فى ابنة أبى قحافة وأنا ساكتة - قالت - فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « أى بنية ألست تحبين ما أحب ». فقالت بلى. قال :فأحبى هذه.
قالت: فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجعت إلى أزواج النبى -صلى الله عليه وسلم- فأخبرتهن بالذى قالت وبالذى قال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلن لها ما نراك أغنيت عنا من شىء فارجعى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقولى له إن أزواجك ينشدنك العدل فى ابنة أبى قحافة. فقالت فاطمة والله لا أكلمه فيها أبدا. قالت عائشة فأرسل أزواج النبى -صلى الله عليه وسلم- زينب بنت جحش زوج النبى صلى الله عليه وسلم وهى التى كانت تسامينى منهن فى المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أر امرأة قط خيرا فى الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالا لنفسها فى العمل الذى تصدق به وتقرب به إلى الله تعالى ما عدا سورة من حد كانت فيها تسرع منها الفيئة قالت فاستأذنت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة فى مرطها على الحالة التى دخلت فاطمة عليها وهو بها فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أزواجك أرسلننى إليك يسألنك العدل فى ابنة أبى قحافة، قالت: ثم وقعت بي فاستطالت على وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرقب طرفه هل يأذن لى فيها ، قالت : فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يكره أن أنتصر - قالت - فلما وقعت بها لم أنشبها حين أنحيت عليها - قالت - فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتبسم « إنها ابنة أبى بكر ».[5]
قال الإمام أحمد رحمه الله -في الرّجل له امرأتان- : " له أن يفضِّل إحداهما على الأخرى في النفقة والشهوات والسكن ، إذا كانت الأخرى في كفاية ، ويشتري لهذه أرفع من ثوب هذه ، وتكون تلك في كفاية " .
وقد علَّق ابنُ قدامة رحمه الله على كلام الإمام أحمد بقوله : وهذا لأن التسوية في هذا كله تشقّ ، فلو وجب لم يمكنه القيام به إلا بحرج ، فيسقط وجوبه كالتسوية في الوطء.
وقال رحمه الله : وليس عليه التسوية بين نسائه في النفقة والكسوة إذا قام بالواجب لكل واحدة منهن. [6]
وقال ابن رشد المالكي رحمه الله : " مذهب مالك وأصحابه : أنه إن قام لكلٍّ بما يجب لها بقدر حالها : فلا حرج عليه أن يوسّع على من شاء منهن بما شاء[7].
قال ابن حجر رحمه الله: المراد بالعدل: التسوية بينهن بما يليق بكل منهن ، فإذا وفَّى لكل واحدة منهن كسوتها ونفقتها والإيواء إليها ، لم يضره ما زاد على ذلك من ميل قلب ، أو تبرع بتحفة .
وقال رحمه الله : وفي هذا الحديث-وقد سبق ذكره- منقبة ظاهرة لعائشة وانه لا حرج على المرء في إيثار بعض نسائه بالتّحف وإنما اللازم العدل في المبيت والنفقة ونحو ذلك من الأمور اللازمة كذا قرّره بن بطال عن المهلّب.[8]
وقال الإمام الباجي المالكي رحمه الله : والضرب الثالث من الإيثار: أن يعطي كل واحدةٍ منهما من النفقة والكسوة ما يجب لها، ثم يؤثر إحداهما بأن يكسوها الخز والحرير والحلي، ففي العتبية من رواية ابن القاسم عن مالك: أن ذلك له.
وقال القرطبي رحمه الله: وأجاز مالك أن يفضل إحداهما في الكسوة على غير وجه الميل[9] .
وقد استنبط ابنُ المنيِّر رحمه الله عدم وجوب العدل في الهدية ، من تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه بوليمة العرس فقال-وقد ذكرناه- : " يؤخذ من تفضيل بعض النساء على بعض في الوليمة جواز تخصيص بعض دون بعض بالإتحاف والإلطاف والهدايا[10] .
وجاء في الموسوعة الفقهية (34/316): وإذا قام الزوج بالواجب من النفقة والكسوة لكل واحدة من زوجاته , فهل يجوز له بعد ذلك أن يفضل إحداهن عن الأخرى في ذلك , أم يجب عليه أن يسوي بينهن في العطاء فيما زاد على الواجب من ذلك كما وجبت عليه التسوية في أصل الواجب ؟ اختلف الفقهاء في ذلك : فذهب الشافعية والحنابلة وهو الأظهر عند المالكية إلى أن الزوج إن أقام لكل واحدة من زوجاته ما يجب لها , فلا حرج عليه أن يوسع على من شاء منهن بما شاء , ونقل ابن قدامة عن أحمد في الرجل له امرأتان قال : له أن يفضل إحداهما على الأخرى في النفقة والشهوات والكسوة إذا كانت الأخرى كفاية , ويشتري لهذه أرفع من ثوب هذه وتكون تلك في كفاية , وهذا لأن التسوية في هذا كله تشق , فلو وجب لم يمكنه القيام به إلا بحرج , فسقط وجوبه , كالتسوية في الوطء . لكنهم قالوا : إن الأولى أن يسوي الرجل بين زوجاته في ذلك , وعلل بعضهم ذلك بأنه للخروج من خلاف من أوجبه . وقال ابن نافع : يجب أن يعدل الزوج بين زوجاته فيما يعطي من ماله بعد إقامته لكل واحدة منهن ما يجب لها . ونص الحنفية على وجوب التسوية بين الزوجات في النفقة على قول من يرى أن النفقة تقدر بحسب حال الزوج , أما على قول من يرى أن النفقة تقدر بحسب حالهما فلا تجب التسوية وهو المفتى به , فلا تجب التسوية بين الزوجات في النفقة لأن إحداهما قد تكون غنية وأخرى فقيرة . اهـ
قال الشيخ محمد علي فركوس حفظه الله : لا يجب على الزوجِ العدلُ بين زوجاته في النفـقة والكسوة إذا ما وفَّى بالواجب الذي عليه وقامَ به تُجاهَ كُلِّ واحدةٍ منهنَّ، فله أَنْ يُفضِّلَ إحداهما على الأخرى في النفقة والكسوة إذا كانَتِ الأخرى في كفايةٍ؛ لمكانِ المَشَقَّة في التسوية في ذلك كُلِّه، فلو أُمِرَ به فلا يَسَعُه القيامُ به إلَّا بحَرَجٍ زائدٍ؛ فسَقَطَ وجوبُه كالتسوية في الجماع.
كما لا يجب على الزوج التسويةُ بين الزوجات في المهور والولائم، بل يجوز التفاوتُ فيها، ويدلُّ على ذلك ما جاء عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بأرض الحبشة زوّجها النجاشي وأمهرها أربعة آلاف وجهّزها من عنده وبعث بها مع شرحبيل ابن حسنة ولم يبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء وكان مهر نسائه أربع مائة درهم »،
وفي تزويجِ زينبَ بنتِ جحشٍ رضي الله عنها قال أنسٌ رضي الله عنه: « ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم أولم على أحد من نسائه ما أولم عليها أولم بشاة ».[11]
هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه : عبد الحميد الهضابي.
الحواشي :
1 ـ أما وجوب القسم في المبيت مما لا خلاف فيه ،قال ابن قدامة رحمه الله : " لا نعلم بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم خلافا " . "المغني" (7/ 229) .
[1] ـ أخرجه النسائي (3350)، والطحاوي في " مشكل لآثار"( 4430)،وصححه الألباني في " صحيح وضعيف سنن النسائي "( 3350).
[2] ـ أخرجه البخاري (5171).
[3] ـ أخرجه البخاري (2580).
[4] ـ أخرجه البخاري (2581).
[5] ـ أخرجه مسلم (6443).
[6] ـ " المغني " ( 8 / 144 ) .
[7] ـ " بلغة السالك " ( 1 / 437 ) .
[8] ـ "الفتح"(5/207)
[9] ـ "الجامع لأحكام القرآن"(14/217)
[10] ـ " فتح الباري " لابن حجر ( 9 / 296 ) .
ـ[11] ـ الكلمة الشهرية رقم: ظ¨ظ¨"في واجبات الزوج تجاه زوجته"
اختلف أهل العلم في الرجل الذي عنده أكثر من زوجة –وهذا هو الأصل- هل يجب عليه أن يعدل بينهنّ في الهبات والأعطيات ، وهكذا في النفقة والكسوة والسكن والمهر والوليمة ،أو لا يجب عليه ذلك ، والقول الأقرب للصواب أنه لا يجب عليه ذلك ، فله أن يفضّل بينهنّ1، ويوسّع على بعضهن بالنفقة أو السكن ونحو ذلك إذا أعطى كل زوجة من زوجاته كفايتها من النفقة والكسوة ونحو ذلك ، وبه قال الشافعية والحنابلة وهو الأظهر عند المالكية،واختاره محمد علي فركوس وغيره من أهل العلم.
ويستحبّ في حقّه العدل إن استطاع إلى ذلك سبيلا بدون شكّ ولا ريب ولا أدنى من ذلك ،وهو من الأمور المستحسنة ، ومن معالي الأمور ،ومن حسن العشرة ومكارم الأخلاق ، ومما يعينه على سياسة أمر أزواجه، والبعد عن آثار الغيرة بينهن ،ونحو ذلك من المعاني المنصبة في هذا الجانب.
ومما يدلّ على ماذكرته آنفا ما جاء عن أم حبيبة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بأرض الحبشة زوّجها النجاشي وأمهرها أربعة آلاف وجهّزها من عنده وبعث بها مع شرحبيل ابن حسنة ولم يبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء وكان مهر نسائه أربع مائة درهم.[1]
وعن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم أولم على أحد من نسائه ما أولم عليها أولم بشاة.[2]
وعن عائشة رضي الله عنها أن الناس كانوا يتحرّون بهداياهم يوم عائشة يبتغون بها أو يبتغون بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.[3]
وعن عائشة رضي الله عنها أيضا أن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كن حزبين ،فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة ،والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وكان المسلمون قد علموا حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة ،فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرها حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة بعث صاحب الهدية بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة، فكلّم حزب أم سلمة فقلن لها :كلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم الناس؟ ،فيقول :من أراد أن يهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فليهده إليه حيث كان من بيوت نسائه ،فكلمته أم سلمة بما قلن فلم يقل لها شيئا ،فسألنها؟ فقالت :ما قال لي شيئا ،فقلن لها :فكلميه ،قالت :فكلمته حين دار إليها أيضا فلم يقل لها شيئا ،فسألنها فقالت ما قال لي شيئا فقلن لها كلميه حتى يكلمك فدار إليها فكلمته فقال لها : لا تؤذيني في عائشة فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة ،قالت: فقالت أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله ،ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول: إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي بكر فكلمته ف،قال يا بنية ألا تحبين ما أحب؟ قالت: بلى ،فرجعت إليهن فأخبرتهن ،فقلن :ارجعي إليه ،فأبت أن ترجع ،فأرسلن زينب بنت جحش فأتته فأغلظت ،وقالت إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت ابن أبي قحافة ،فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة وهي قاعدة فسبتها حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر إلى عائشة هل تكلم قال فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها قالت فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى عائشة وقال :إنها بنت أبي بكر .[4]
وفي لفظ : أرسل أزواج النبى -صلى الله عليه وسلم- فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستأذنت عليه وهو مضطجع معى فى مرطى فأذن لها فقالت يا رسول الله إن أزواجك أرسلننى إليك يسألنك العدل فى ابنة أبى قحافة وأنا ساكتة - قالت - فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « أى بنية ألست تحبين ما أحب ». فقالت بلى. قال :فأحبى هذه.
قالت: فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجعت إلى أزواج النبى -صلى الله عليه وسلم- فأخبرتهن بالذى قالت وبالذى قال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلن لها ما نراك أغنيت عنا من شىء فارجعى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقولى له إن أزواجك ينشدنك العدل فى ابنة أبى قحافة. فقالت فاطمة والله لا أكلمه فيها أبدا. قالت عائشة فأرسل أزواج النبى -صلى الله عليه وسلم- زينب بنت جحش زوج النبى صلى الله عليه وسلم وهى التى كانت تسامينى منهن فى المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أر امرأة قط خيرا فى الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالا لنفسها فى العمل الذى تصدق به وتقرب به إلى الله تعالى ما عدا سورة من حد كانت فيها تسرع منها الفيئة قالت فاستأذنت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة فى مرطها على الحالة التى دخلت فاطمة عليها وهو بها فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أزواجك أرسلننى إليك يسألنك العدل فى ابنة أبى قحافة، قالت: ثم وقعت بي فاستطالت على وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرقب طرفه هل يأذن لى فيها ، قالت : فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يكره أن أنتصر - قالت - فلما وقعت بها لم أنشبها حين أنحيت عليها - قالت - فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتبسم « إنها ابنة أبى بكر ».[5]
قال الإمام أحمد رحمه الله -في الرّجل له امرأتان- : " له أن يفضِّل إحداهما على الأخرى في النفقة والشهوات والسكن ، إذا كانت الأخرى في كفاية ، ويشتري لهذه أرفع من ثوب هذه ، وتكون تلك في كفاية " .
وقد علَّق ابنُ قدامة رحمه الله على كلام الإمام أحمد بقوله : وهذا لأن التسوية في هذا كله تشقّ ، فلو وجب لم يمكنه القيام به إلا بحرج ، فيسقط وجوبه كالتسوية في الوطء.
وقال رحمه الله : وليس عليه التسوية بين نسائه في النفقة والكسوة إذا قام بالواجب لكل واحدة منهن. [6]
وقال ابن رشد المالكي رحمه الله : " مذهب مالك وأصحابه : أنه إن قام لكلٍّ بما يجب لها بقدر حالها : فلا حرج عليه أن يوسّع على من شاء منهن بما شاء[7].
قال ابن حجر رحمه الله: المراد بالعدل: التسوية بينهن بما يليق بكل منهن ، فإذا وفَّى لكل واحدة منهن كسوتها ونفقتها والإيواء إليها ، لم يضره ما زاد على ذلك من ميل قلب ، أو تبرع بتحفة .
وقال رحمه الله : وفي هذا الحديث-وقد سبق ذكره- منقبة ظاهرة لعائشة وانه لا حرج على المرء في إيثار بعض نسائه بالتّحف وإنما اللازم العدل في المبيت والنفقة ونحو ذلك من الأمور اللازمة كذا قرّره بن بطال عن المهلّب.[8]
وقال الإمام الباجي المالكي رحمه الله : والضرب الثالث من الإيثار: أن يعطي كل واحدةٍ منهما من النفقة والكسوة ما يجب لها، ثم يؤثر إحداهما بأن يكسوها الخز والحرير والحلي، ففي العتبية من رواية ابن القاسم عن مالك: أن ذلك له.
وقال القرطبي رحمه الله: وأجاز مالك أن يفضل إحداهما في الكسوة على غير وجه الميل[9] .
وقد استنبط ابنُ المنيِّر رحمه الله عدم وجوب العدل في الهدية ، من تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه بوليمة العرس فقال-وقد ذكرناه- : " يؤخذ من تفضيل بعض النساء على بعض في الوليمة جواز تخصيص بعض دون بعض بالإتحاف والإلطاف والهدايا[10] .
وجاء في الموسوعة الفقهية (34/316): وإذا قام الزوج بالواجب من النفقة والكسوة لكل واحدة من زوجاته , فهل يجوز له بعد ذلك أن يفضل إحداهن عن الأخرى في ذلك , أم يجب عليه أن يسوي بينهن في العطاء فيما زاد على الواجب من ذلك كما وجبت عليه التسوية في أصل الواجب ؟ اختلف الفقهاء في ذلك : فذهب الشافعية والحنابلة وهو الأظهر عند المالكية إلى أن الزوج إن أقام لكل واحدة من زوجاته ما يجب لها , فلا حرج عليه أن يوسع على من شاء منهن بما شاء , ونقل ابن قدامة عن أحمد في الرجل له امرأتان قال : له أن يفضل إحداهما على الأخرى في النفقة والشهوات والكسوة إذا كانت الأخرى كفاية , ويشتري لهذه أرفع من ثوب هذه وتكون تلك في كفاية , وهذا لأن التسوية في هذا كله تشق , فلو وجب لم يمكنه القيام به إلا بحرج , فسقط وجوبه , كالتسوية في الوطء . لكنهم قالوا : إن الأولى أن يسوي الرجل بين زوجاته في ذلك , وعلل بعضهم ذلك بأنه للخروج من خلاف من أوجبه . وقال ابن نافع : يجب أن يعدل الزوج بين زوجاته فيما يعطي من ماله بعد إقامته لكل واحدة منهن ما يجب لها . ونص الحنفية على وجوب التسوية بين الزوجات في النفقة على قول من يرى أن النفقة تقدر بحسب حال الزوج , أما على قول من يرى أن النفقة تقدر بحسب حالهما فلا تجب التسوية وهو المفتى به , فلا تجب التسوية بين الزوجات في النفقة لأن إحداهما قد تكون غنية وأخرى فقيرة . اهـ
قال الشيخ محمد علي فركوس حفظه الله : لا يجب على الزوجِ العدلُ بين زوجاته في النفـقة والكسوة إذا ما وفَّى بالواجب الذي عليه وقامَ به تُجاهَ كُلِّ واحدةٍ منهنَّ، فله أَنْ يُفضِّلَ إحداهما على الأخرى في النفقة والكسوة إذا كانَتِ الأخرى في كفايةٍ؛ لمكانِ المَشَقَّة في التسوية في ذلك كُلِّه، فلو أُمِرَ به فلا يَسَعُه القيامُ به إلَّا بحَرَجٍ زائدٍ؛ فسَقَطَ وجوبُه كالتسوية في الجماع.
كما لا يجب على الزوج التسويةُ بين الزوجات في المهور والولائم، بل يجوز التفاوتُ فيها، ويدلُّ على ذلك ما جاء عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بأرض الحبشة زوّجها النجاشي وأمهرها أربعة آلاف وجهّزها من عنده وبعث بها مع شرحبيل ابن حسنة ولم يبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء وكان مهر نسائه أربع مائة درهم »،
وفي تزويجِ زينبَ بنتِ جحشٍ رضي الله عنها قال أنسٌ رضي الله عنه: « ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم أولم على أحد من نسائه ما أولم عليها أولم بشاة ».[11]
هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه : عبد الحميد الهضابي.
الحواشي :
1 ـ أما وجوب القسم في المبيت مما لا خلاف فيه ،قال ابن قدامة رحمه الله : " لا نعلم بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم خلافا " . "المغني" (7/ 229) .
[1] ـ أخرجه النسائي (3350)، والطحاوي في " مشكل لآثار"( 4430)،وصححه الألباني في " صحيح وضعيف سنن النسائي "( 3350).
[2] ـ أخرجه البخاري (5171).
[3] ـ أخرجه البخاري (2580).
[4] ـ أخرجه البخاري (2581).
[5] ـ أخرجه مسلم (6443).
[6] ـ " المغني " ( 8 / 144 ) .
[7] ـ " بلغة السالك " ( 1 / 437 ) .
[8] ـ "الفتح"(5/207)
[9] ـ "الجامع لأحكام القرآن"(14/217)
[10] ـ " فتح الباري " لابن حجر ( 9 / 296 ) .
ـ[11] ـ الكلمة الشهرية رقم: ظ¨ظ¨"في واجبات الزوج تجاه زوجته"