الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد :
فهذه الحلقة الأولى التي فيها جملة من المخالفات الشرعية، والمحدثات البدعية التي يفعلها البعض بعد صلاة الفريضة ، يظنون أنها من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهي ليست من السنة في شيء، ومن أبرزها القراءة الجماعية المنتشرة في المغرب العربي خصوصا ،وفي بلاد المسلمين عموما ، وهكذا التّسبيح بالمسبّحة ، لذا أحببت أن أسلّط عليهما الضوء-كمايقال- بشي من التعليق والبيان والإيضاح ،وذلك للتحذيرمنهما ,ورجاءً أن ننال الأجر والثواب من الله تعالى ، ومن المعلوم أنه لا يكفي الاقتصار على معرفة الأحكام التعبدية دون معرفة ما يخالفها من المحدثاث والبدع ، كذلك لا يكفي معرفة التوحيد دون معرفة مايناقضه من الشرك بالله [1]،فمن عرف التوحيد استلزم عليه معرفة ما يقابله من الشرك بالله تعالى ، فعن أبي مالك عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله .[2]
وفي هذا المعنى ثبت عن حذيفة بن اليمان بأنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركنى فقلت يا رسول الله إنا كنا فى جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير شر قال « نعم » ....[3]
وقد أجاد من قال :
عرفت الشرّ لا للشرّ ولكن لتوقيه
و من لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
فمن البدع المحدثة :
1 ـ السجود للدعاء بعد الفراغ من الصلاة.
2 ـ اعتقاد سنية رفع اليدين في الدعاء.
ـ مسح الوجه بعد الأذكار الشرعية أو الدعاء عموما.[4]
3 ـ الذكر الجماعي.
ـ قول البعض عقب صلاة الفريضة :"تقبل الله".
ـ رفع الصوت بالذكر.[5]
3 ـ المصافحة بعد الصلاة.[6]
ـ استخدام الآلة للتسبيح.
ـ استعمال السبحة[7].
ـ القراءة الجماعية .[8]
هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه : عبد الحميد الهضابي.
الحواشي :
[1] ـ أخرجه مسلم (23).
[2] ـ أخرجه مسلم (1844).
[3] ـ أخرجه البخاري (3606) ومسلم (1847).
[4] ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وأما مسحه وجهه بيديه فليس عنه فيه إلا حديث أو حديثان ، لا تقوم بهما حُجة .
"مجموع الفتاوى" (22/519) .
وقال العز بن عبد السلام رحمه الله : ولا يمسح وجهه بيديه عقيب الدعاء إلا جاهل .
"فتاوى العز بن عبد السلام" (ص 47) .
وسئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : عن حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء ؟
فأجاب بقوله :
" مسح الوجه باليدين بعد الدعاء الأقرب أنه غير مشروع ؛ لأن الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة حتى قال شيخ الإسلام رحمه الله : إنها لا تقوم بها الحجة ، وإذا لم نتأكد أو يغلب على ظننا أن هذا الشيء مشروع فإن الأولى تركه ؛ لأن الشرع لا يثبت بمجرد الظن إلا إذا كان الظن غالباً .
فالذي أرى في مسح الوجه باليدين بعد الدعاء أنه ليس بسنة ، والنبي صلى الله عليه وسلم كما هو معروف دعا في خطبة الجمعة بالاستسقاء ورفع يديه ، ولم يرد أنه مسح بهما وجهه ، وكذلك في عدة أحاديث جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا ورفع يديه ولم يثبت أنه مسح وجهه " انتهى . "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/ السؤال 781) .
[5] ـ وذلك لما يكون في رفع الصوت من التشويش ،والأذيّة على الآخرين من الذاكرين والمسبوقين الذين فاتهم شيء من الرّكعات،وغيرهم.
وأما إذا كان رفع الصوت بالذّكر من باب التعليم فلا حرج في ذلك ،كما ثبت عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته .
وفي لفظ : ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا بالتكبير.
ونظائر ذلك في الأخبار والآثار عن السلف كثير: منها ما ثبت عن عبد الله بن عباس رضي الله عنها نفسه أنه كان أحيانا إذا صلى على الجنائز جهر بفاتحة الكتاب ثم يبيّن لهم بقوله :"لتعلموا أنها سنة".-أي:يجهر من باب التعليم-.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجهرأحيانا ببعض الآيات ويسمعهم أيّاها في الظهر أو العصر.
وهكذا جهر بعض الصحب الكرام رضي الله عنهم أحيانا بدعاء الاستفتاح والبسملة في الصلاة ونحو ذلك.
[6] ـ وقال ابن حجر من علماء الشافعية : ما يفعله الناس من المصافحة عقيب الصلوات الخمس مكروهة ، لا أصل لها في الشرع .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: المصافحة عقيب الصلاة : هل هي سنة أم لا ؟
الجواب : الحمد لله . المصافحة عقيب الصلاة ليست مسنونة ، بل هي بدعة . والله أعلم . الفتاوي الكبرى ج2ص305.
قال الألباني رحمه الله في "الصحيحة" ( 1/23) : " وأما المصافحة عقب الصلوات فبدعة لا شك فيها ، إلا أن تكون بين اثنين لم يكونا قد تلاقيا قبل ذلك ، فهي سنة "
[7] ـ أولا :
هذه السّبحة لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ،ولا رآها ، فضلا أنه حثّ عليها ورغّب فيها عليه الصلاة والسلام ، بل هي من البدع المحدثة ، فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "، ولما ورد عن عمر بن يحيى بن عمرو بن سلمة الهمداني قال : حدثني أبي قال : " كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة ، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد ، فجاءنا أبو موسى الأشعري ، فقال :أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد ؟ قلنا : لا ، فجلس معنا حتى خرج ، فلما خرج قمنا إليه جميعا ، فقال له أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن ! إني رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته ، و لم أر و الحمد لله إلا خيرا ، قال : فما هو ؟ فقال : إن عشت فستراه ، قال : رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ، ينتظرون الصلاة ، في كل حلقة رجل ، و في أيديهم حصى ، فيقول : كبروا مائة ، فيكبرون مائة ، فيقول هللوا مائة ، فيهللون مائة ، و يقول سبحوا مائة ، فيسبحون مائة ، قال : فماذا قلت لهم ؟ قال : ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك ، قال : أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم ، و ضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء ؟ ثم مضى و مضينا معه ، حتى أتى حلقة من تلك الحلق ، فوقف عليهم ، فقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ قالوا : يا أبا عبد الرحمن ! حصى نعد به التكبير و التهليل و التسبيح ، قال : فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء ، و يحكم يا أمة محمد ! ما أسرع هلكتكم ! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون ، و هذه ثيابه لم تبل ، و آنيته لم تكسر ، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد ، أو مفتتحوا باب ضلالة ؟ ! قالوا والله : يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير ، قال : و كم من مريد للخير لن يصيبه ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا : " إن قوما يقرءون القرآن ، لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية " ، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم ! ثم تولى عنهم ، فقال عمرو بن سلمة : فرأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج " . أخرجه الدارمي ( 1 / 68 - 69 ) ، و صححه الألباني في " السلسلة الصحيحة "( 5 / 11)
و روى ابن وضاح القرطبي في " البدع والنهي عنها " ( ص 12 ) عن الصلت بن بهرام قال : مرّ ابن مسعود بامرأة معها تسبيح تسبح به فقطعه وألقاه ، ثم مر برجل يسبح بحصا ، فضربه برجله ، ثم قال : لقد سبقتم ! ركبتم بدعة ظلما ! ولقد غلبتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علما"
و في رواية " أَن أُناسا بالكوفة يُسبحون بالحصى في المسجد, فأتاهم وقد كَوَّمَ كلُّ رجل منهم بين يديه كوْمَةَ حصى, فلم يزل يحصبهم بالحصى حتى أخرجهم من المسجد, ويقول: لقد أحدثتم بدعة ظلما, أو قد فضلتم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم – علما ".
وعن إبراهيم النخعي أنه كان ينهى ابنته أن تعين النساء على فتل خيوط التسابيح التي يسبح بها فكان ينهى ابنته أن تعين النساء على فتل خيوط التسبيح التي يسبح بها".
وعن عقبة قال : سألت بن عمر عن الرجل يذكر الله ويعقد؟ فقال :"تحاسبون الله ؟".
ثانيا :
ـ السنة أن يكون التّسبيح بأنامل اليد اليمنى ، لا اليسرى ، ولا اليدين معا ، كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل و يأمر أزواجه أن يعقدن التّسبيح بالأنامل و يقول: " فإنهن مسؤولات مستنطقات " .
وعن أبي تميمة عن امرأة من بني كليب قالت: رأتني عائشة أسبّح بتسابيح معي ،فقالت :أين الشواهد؟ -يعني: الأصابع- ".
ثالثا :
أن السّبحة سبب للرياء و السمعة ،والسلف رحمهم الله كانوا من أشدّ الناس إخفاء للأعمال الصالحة ، خوفا منهم رحمة الله عليهم أن يشوبها شيء من الرياء ، كيف لا ونبيّهم صلى الله عليه وسلم كان يخشى عليهم الرياء أكثر من الدجال اللعين.
رابعا :
أنها سبب في القضاء على سنة التّسبيح بالأنامل ،ويكفي بها جرما بذلك-كما قاله العلامة الألباني- ، وقد يقول المعترض: أنه قد يجد مشقة في أن يضبط العدد إذا سبّح بالأنامل؟ ، فالجواب : أنه لم يثبت في السنة أن الذكر جاء أكثر من مائة من ناحية العدّ، بل هو مطلق لمن أراد الزيادة في الخير.
ويمكن أن يعدّ مائة لمن كان له عادة ، وأن ديننا كامل تام شامل لا يحتاج زيادة ولا فيه نقصان، فليسعك ما وسع السّلف ، و لو كان خيرا-أي: التسبيح بالمسبحة- لسبقونا إليه.
خامسا :
أن السّبحة أصبحت شعارا للصوفية المنحرفة ،والروافض الضّلال.
سابعا :
أنها مست ومأخوذة من دين الهندوسية،و البوذية ،والنصرانية و غيرهم من أهل الكفر والضلال، قال بكر أبو زيد رحمه الله :السُّبْحة دخيلة على كل دين من عند الله تعالى, وأنها في الأديان المختلقة معروفة منذ عُصور ما قبل التاريخ, وقيل: منذ عام 8000م, وأنها من وسائل التعبد, لدى البوذيين, ثم لدى البراهمة في الهند وغيرها, ومنهم تسربت إلى النصارى, لدى القسيسين, والرهبان, والراهبات, ومن الهند انتقلت إلى غرب آسيا . وجاء في " الموسوعة العربية العالمية "(23 / 157) ما نصه: "وتتكون المسبحة التي يستعملها الكاثوليك من خمسين حبة صغيرة, مقسمة على أربع حبات كبيرة, إلى أقسام متساوية, ويتدلى من المسبحة قلادة مكونة من حبتين كبيرتين, وثلاث حبات صغيرة, وصليب, ويرتل المصلون صلوات الرب على الحبات الكبيرة, كما يستعملون الحبات الصغيرة في صلوات مريم العذراء, ويُسمون هذه الصلوات بالسلام المريمي، وفي آخر كل مقطع من السلام المريمي يتم ترتيل مقطع صغير في الثناء على الرب, وترتيل قانون الإِيمان النصراني على الصليب, وأثناء ترتيب المصلين للصلوات يُوقع أن تنكشف لهم أسرار الإِيمان. نشأت المسبحة من زمن بعيد, وربما كان البوذيون أول من يستعملها في محاولة لم لربط الصلوات اللفظية بالصلوات الفعلية. ويستعمل البوذيون والهندوس المسبحة في صلواتهم, وبدأت أول أشكال الصلاة بالمسبحة في النصرانية في العصور الوسطى, ولكنها انتشرت فقط في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين انتهى. وفي كتاب: "مساهمة الهند" (ص : 94- 105), عَرْض مُطَوَّلٌ مُوَثَّق عن تاريخها, فقال تحت عنوان: "السُّبْحَة": " لما كان التدين من طبع الإِنسان, احتاج إلى معرفة طريق صحيح لعبادة ذلك الخالق وذِكْرِه, فقدمت إليه الأديان المختلفة لذلك طرقاً شتى, وساهمت الهند في قضاء بغيته تلك بتقديم طريق خاص لإِحصاء الذكر - إحصاء بواسطة عقد الحبات - السباحة, فإحصاء الذكر بالسبحة من اختراع الهند, اخترعه الدين البرهمي فيها, ومنا تسرب إلى بلاد وأديان أخرى. ( السبحة تاريخها وحكمها).
ومفاسد هذه البدعة لا تعدّ و لا تحصى ، وقد أجاد من قال:
وكل خير في اتباع من سلف * * * وكل شر في ابتداع من خلف
[8] ـ من أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه سبحانه قراءة كلامه ،والتدبّر في معانيه ،والعمل بما جاء به ، لكن ما يفعله بعض المغاربة من قراءة القرآن جماعيا بعد الصلوات المفروضة أو قبل ذلك أو في أيّ وقت من الأوقات ا فبدعة منكرة ليس عليها أثارة من علم ، وقد اشتملت على عدّة من المخالفات الشرعية ، من ذلك :
أولا :
لم يشرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ولا فعلها ولا أمر بها ولا حثّ الأمة عليها، ولا رغب فيها ، ولم يفعلها أحد من أصحابه رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم :" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ". و في رواية " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ".
ثانيا :
فيها مخالفة لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن " .فنهيه صلى الله عليه وسلم عن الجهر بالقرآن ، نظرا لما يحصل من جراء ذلك من التشويش والأذية للآخرين ما بين مسبّح ،و تال، و قارئ ،وذاكر ،وغير ذلك .
ثالثا :
أن القراءة الجماعية فيها مخالفة لما أمرنا ربنا جل جلاله أن نرتل القرآن ترتيلا ، وقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم أمته على ذلك، فكان يأمر بتحسين الصوت بالقرآن كما في حديث البراء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا ".
وكما جاء في حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن من أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله ".
وكان يأمر بالتغنّي بالقرآن كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ليس منا من لم يتغن بالقرآن ".
وكما قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه :" لا تهذّوا القرآن كهذّ الشعر ولا تنثروه نثر الدّقل. أي لا تقرؤوه قراءة سريعة متعجلة، ونحو ذلك من النصوص الشرعية الدالة على ذلك.
رابعا :
أنه يضطر القارئ أثناء القراءة إلى التّنفس، ورفقاؤه يستمرون في القراءة، بحيث يجعله يقطع القرآن ويترك منه شيئا في لحظات تنفّسه ثم يلحقهم في القراءة.
خامسا :
أن القراءة الجماعية فيها تشبهاً بالنصارى الذين يجتمعون في كنائسهم لأداء التراتيل والأناشيد الدينية جماعة وبصوت واحد .
سادسا :
القراءة الجماعية قد تلحقها خلل في القراءة ،بحيث إذا قرأ فريق من الناس جماعة وبصوت واحد، يقع منهم مثلا مدّ في موضع لا مدّ فيه، أو تحريك ساكن، أو إسكان متحرّك، أو عدم الوقوف فيما يلزمهم الوقوف فيه، ونحو ذلك .
مذهب المالكية في قراءة القرآن جماعية :
1 ـ قال ابن أبي زيد القيرواني المالكي: كما في (النوادر والزيادات 1/529)
([في الاجتماع للقراءة بألحان أو بغير ألحان أو للتعليم] من "العتبية"، قال ابن القاسم، قال مالك :(لا بأس بما يفعل بمصر يقرئ الرجل النفر يفتح عليهم) قال: (والقراءة في المسجد محدث ولن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه سلفها والقرآن حسن) قيل: فالنفر في المسجد وإذا حف أهله جعلوا رجلا حسن الصوت يقرأ لهم ؟ فكرهه. قيل: فقول عمر لأبي موسى، ذكرنا ربنا ؟ قال: ما سمعت بهذا قط،وكره القراءة بالألحان وقال: اتخذوا ذلك للأكل عليه، وكره اجتماع النفر يقرؤون في سورة واحدة).
2 ـ قال ابن عبد البرـ رحمه الله ـ في " التمهيد "( 17 / 241 ) : إن مساجد الجماعة إنما بنيت للصلاة خاصة فكره رفع الصوت فيها وجاءت الكراهية في رفع الصوت فيها عاما لم يخص أحد من أحد إلا الإمام الذي يصلي بالناس فيها...."
3 ـ قال ابن رشد المالكي: (ت 520 هـ) (البيان والتحصيل 18/349)
(في الاجتماع في قراءة القرآن] قال: وسئل عن القوم يجتمعون فيقرؤون القرآن جميعا السورة الواحدة فقال: إني لأكره ذلك،ولو كان بعضهم يتعلم من بعض لم أر بذلك بأسا، قيل له: أرأيت إن كان واحد منهم يقرأ عليهم ؟ قال: لا بأس به، قال: وسئل عن القوم يجتمعون فيقرؤون السورة الواحدة فقال: لا يعجبني هذا ولا أحبه ولكن لو قرؤوا على رجل منهم واحد أو قرأ عليهم رجل منهم لم أر بذلك بأسا ،فقيل له :لا بل يقرؤون جميعا على رجل منهم واحد،قال: لا يعجبني ذلك وأنا أكره الذي بلغني عن بعض أهل الشام يجتمع النفر جميعا فيقرؤون السورة الواحدة فقال: لا يعجبني هذا ولا أحبه ولكن يقرأ عليهم رجل منهم ويقرؤون عليه واحدا واحدا، أترى الناس اليوم أرغب في الخير ممن مضى ؟ لم يكن يفعله أحد فلا يعجبني ولا أحبه…).
4 ـ قال شمس الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن الطرابلسي المغربي ، المعروف بالحطاب الرُّعيني رحمه الله في " مواهب الجليل في شرح مختصر الخليل " ( 2 / 365 ):" بتلحين كجماعة " قال : في المدخل " أي لابن الحاج " لم يختلف قول مالك أن القراءة جماعة والذكر جماعة من البدع المكروهة ".
وقال رحمه الله ( 2 / 362 ): "وجهر بها بمسجد": أي بالقراءة قال في المدخل وكره مالك رفع الصوت بالقراءة والتقريب فيه انتهى بالمعنى. وقال بعده: المسجد إنما بني للصلاة وقراءة القرآن تبع للصلاة ما لم تضر بالصلاة, فإذا أضرت بها منعت, ثم وهذه المسألة لا يعلم فيها خلاف بين أحد من متقدمي أهل العلم أعني رفع الصوت في القراءة والذكر في المسجد مع وجود مصل يقع له التشويش بسببه ، وليس لقائل أن يقول: إن القراءة والذكر جهرا أو جماعة تجوز في المسجد لنص العلماء أو فعلهم, وهو أخذ العلم في المسجد ; لأن مالكا سئل عن رفع الصوت بالعلم في المسجد فأنكر ذلك, وقال: علم ورفع صوت فأنكر أن يكون علم فيه رفع صوت, وفيه كانوا يجلسون في مجالس العلم كأخي السرار, فإذا كان مجلس العلم على سبيل الاتباع فليس فيه رفع صوت فإن وجد فيه رفع صوت منع, وأخرج من فعل ذلك .اهـ
5 ـ قال النووي رحمه الله : وكذلك ما ورد من أنه قيل للإمام مالك رحمه الله: أرأيت القوم يجتمعون فيقرأون جميعا سورة واحدة يختمونها؟ فأنكر ذلك وعابه، قال: ليس هكذا تصنع الناس ".
وعن الضحاك ابن عبد الرحمن رحمه الله " من أنه أنكر هذه القراءة الجماعية ، و ذكر أنه لم ير أحدا فعلها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" . " التبيان " للنووي ( 1 / 102 )
6 ـ قال محمد بن يوسف العبدري رحمه الله في " التاج و الإكليل لمختصر خليل " ( 6 / 14 ) : ورفع صوت قال ابن مسلمة رفع الصوت ممنوع في المساجد إلا ما لا بد منه كالجهر بالقراءة في الصلاة والخطبة والخصومة تكون من الجماعة عند السلطان فلا بأس به ولا بد له من مثل هذا وهذا إنما يكون في القراءة على وجه كالإمام يجهر بالقراءة أو التنفل بالليل وحده وأما جهر بعضهم على بعض بالقراءة فممنوع كرفعه بعلم قال ابن القاسم رأيت مالكا يعيب على أصحابه رفع أصواتهم في المسجد ابن حبيب يكره رفع الصوت بالمسجد والهتف بالجنائز به وكل ما يرفع فيه الصوت حتى بالعلم فقد كنت أرى بالمدينة رسول أميرها يقف بابن الماجشون في مجلسه إذا استعلى كلامه وكلام أهل المجلس في العلم فيقول أبا مروان اخفض من صوتك وأمر جلساءك يخفضون أصواتهم "
7 ـ قال الإمام الباجي المالكي رحمه الله :كما في (المنتقي 01/02/345)
قوله: (كان في قوم يقرؤون) دليل على جواز الاجتماع لقراءة القرآن على معنى الدرس له والتعليم والمذاكرة وذلك بأن يقرأ المتعلم على المعلم أو يقرأ المعلم على المتعلم أو يتساويا في العلم فيقرأ أحدهما على الآخر على وجه المذاكرة له والمدارسة له وسئل مالك عن قراءة مصر الذين يجتمع الناس إليهم فكان رجل منهم يقرأ في النفر يفتح عليهم أنه أحسن لا بأس به، وقد قال مرة أنه كرهه وعابه، وقال: يقرأ ذا و يقرأ ذا قال الله تعالى :((فإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)) .ولو كان يقرأ واحد ويستثبت من يقرأ عليه أو يقرؤون عليه واحدا واحدا على رجل واحد لم أر به بأسا، ثم قال رحمه الله (مسألة) وأما أن يجتمعوا فيقرؤون في السورة الواحدة مثل ما يعمل أهل الإسكندرية وهي التي تسمى القراءة بالإدارة فكرهه مالك وقال: لم يكن هذا من عمل الناس ووجه ذلك الكراهية للمباراة في حفظه والمباهاة بالتقدم فيه.
8 ـ قال الونشريسي المالكي: (المعيار المعرب 11/112)
([قراءة الحزب جماعة في المسجد] وسئل أبو إسحاق الشاطبي عن قراءة الحزب بالجمع هل يتناوله قوله عليه السلام (ما اجتمع قوم في بيت) الحديث كما وقع لبعض الناس أو هو بدعة ؟ فأجاب: إن مالكا سئل عن ذلك فكرهه، وقال: هذا لم يكن من عمل الناس، وفي العتبية سئل عن القراءة في المسجد، يعني على وجه مخصوص كالحزب ونحوه، وقال: يكن بالأمر القديم، وإنما هو شيء أحدث يعني أنه لم يكن في زمان الصحابة والتابعين، قال: ولن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها وقال في موضع آخر، أترى الناس اليوم أرغب في الخيرممن مضى يعني أنه لو كان في ذلك خير لكان السلف أسبق إليه ويدل على أنه ليس بداخل تحت معنى الحديث
9 ـ قال الشيخ الدردير المالكي رحمه الله:كما في (الشرح الصغير على مختصر أقرب المسالك) (01/155)
و يكره (قراءة جماعة) يجتمعون فيقرؤون شيئا من القرآن معا نحو سورة "يس" ومحل الكراهة [إذ لم تخرج] القراءة [عن حدها] الشرعي في المسألتين وإلا حرمت وهذا القدر زدناه عليه [و] كره [جهر بها] أي بقراءة القرآن [بمسجد] لما فيه من التخليط على المصلين والذاكرين مع مظنة الرياء….)
10 ـ كلام الإمام الشاطبي المالكي: (الاعتصام :2/ 290-292)
قال الإمام الشاطبي في القسم في الثاني من مبحث البدع الإضافية (وهو أن يصير العمل العادي أو غيره كالوصف للعمل المشروع إلا أن الدليل على أن العمل المشروع لم يتصف في الشرع بذلك الوصف فظاهر الأمر انقلاب العمل المشروع غير مشروع…) إلى أن قال(ومن أمثلة لك أيضا قراءة القرآن بالإدارة على صوت واحد، فإن تلك الهيئة زائدة على مشروعية القراءة…) وقال أيضا (ويشبه هذاما في سماع ابن القاسم عن مالك في القوم يجتمعون جميعا فيقرؤون في السورة الواحدة مثل ما يفعل أهل الإسكندرية فكره ذلك و أنكر أن يكون من عمل الناس، وسئل ابن القاسم أيضا عن نحو ذلك فحكي الكراهية عن مالك ونهى عنها ورآها بدعة وقال في رواية أخرى عن مالك وسئل عن القراءة بالمسجد فقال: لم يكن بالأمر القديم وإنما هو شيء أحدث ولم يأت آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها و القرآن حسن . قال ابن رشد: يريد التزام القراءة في المسجد إثر صلاة من الصلوات على وجه مخصوص حتى يصير ذلك كله سنة، مثل ما بجامع قرطبة إثر صلاة الصبح قال فرأى ذلك بدعة فقوله في الرواية (والقرآن حسن) يحتمل أن يقال إنه يعني أن تلك الزيادة من الاجتماع وجعله في المسجد منفصل لا يقدح في حسن القراءة القرآن ويحتمل - وهو الظاهر – أنه يقول: قراءة حسن على غير ذلك الوجه بدليل قوله في موضع آخر (ما يعجبني أن يقرأ القرآن إلا في الصلاة والمساجد لا في الأسواق والطرق) فيريد أنه لا يقرأ إلا على النحو الذي كان يقرأه السلف، وذلك يدل على أن قراءة الإدارة مكروهة عنده فلا تفعل أصلا وتحرز بقوله (والقرآن حسن) من توهم أنه يكره قراءة القرآن مطلقا فلا يكون في كلام مالك دليل على انفكاك الاجتماع من القراءة والله أعلم)
11 ـ وقال محمد بن عبد الله الخرشي المالكي رحمه الله في " شرح مختصر خليل " (1/352) :
(كجماعة ) تشبيه في الحكم وهو الكراهة ابن يونس وكره مالك اجتماع القراء يقرءون في سورة واحدة وقال لم يكن من عمل الناس ورآها بدعة
12 ـ وقال محمد بن أحمد عليش رحمه الله في " منح الجليل شرح مختصر خليل "(1/333):: " وشبه في الكراهة"أي القراءة الجماعية بصوت واحد"معا بصوت واحد فتكره لمخالفة العمل، ولتأديها لترك بعضهم شيئا منه، لبعض عند ضيق النفس وسبق الغير، ولعدم الإصغاء للقرآن المأمور به في قوله تعالى: وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا".
13 ـ قال الحبيب بن طاهر المالكي: (الفقه المالكي وأدلته: 1/294)
(ويكره قراءة القرآن جماعة بأن يجتمع الناس فيقرؤون معا ومحل الكراهة إذا لم تخرج عن حدها الشرعي وإلا حرمت وإنما كرهت القراءة على هذا الوجه لأنه خلاف ما عليه العمل ولأنه مظنة التخليط وعدم إصغاء بعضهم لبعض وأما اجتماع جماعة يقرأ واحد ربع حزب مثلا وآخر ما يليه وهكذا فنقل عن مالك جوازها قال البناني: وهو الصواب، ويكره الجهر بقراءة القرآن بالمسجد لما فيه من التخليط على المصلين والذاكرين مع مظنة الرياء وينهى القارئ جهرا ويخرج منه إذا لم يظهر منه امتثال ذلك إذا قصد بقراءته دوام القراءة كالذي يتعرض بقراءته لسؤال الناس…).
14 ـ وقال الطرطوشي في "الحوادث والبدع" : لم يختلف قوله -يعني الإمام مالكاً - أنهم إذا قرؤوا جماعة في سورة واحدة أنه مكروه. ونقل عن مالك كراهة القراءة بالإدارة وقوله: وهذا لم يكن من عمل الناس.
15 ـ وقد تكلّم ابن الحاج رحمه الله عن القراءة الجماعية في " المدخل "( 1/90 -94 ) و(4/221 ) ، وقرّر مذهب المالكية في كلام طويل ملخّصه أنه لم يكن عليه السلف ـ رضي الله عنهم ـ .
16 ـ وقال الزر قاني في " شرح الموطأ " ( 1 / 243 ) : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وفي رواية حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد أن ذلك كان في رمضان والنبي صلى الله عليه وسلم معتكف في قبة على بابها حصير والناس يصلون عصبا عصبا أخرجه ابن عبد البر وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال إن المصلي يناجي ربه قال ابن بطال مناجاة المصلي ربه عبارة عن إحضار القلب والخشوع في الصلاة وقال عياض هي إخلاص القلب وتفريغ السر بذكره وتحميده وتلاوة كتابه في الصلاة وقال غيره مناجاة العبد لربه ما يقع منه من الأفعال والأقوال المطلوبة في الصلاة وترك الأفعال والأقوال المنهي عنها ومناجاة الرب لعبده إقباله عليه بالرحمة والرضوان وما يفتحه عليه من العلوم والأسرار وفيه كما قال الباجي تنبيه على معنى الصلاة والمقصود بها ليكثر الاحتراز من الأمور المكروهة المدخلة للنقص فيها والإقبال على أمور الطاعة المتممة لها فلينظر بما يناجيه به أراد به التحذير من أن يناجيه بالقرآن على وجه مكروه وإن كان القرآن كله طاعة وقربة ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن لأن فيه أذى ومنعا من الإقبال على الصلاة وتفريغ السر لها وتأمل ما يناجي به ربه من القرآن وإذا منع رفع الصوت بالقرآن حينئذ لأذى المصلين فبغيره من الحديث وغيره أولى انتهى وقال ابن عبد البر وإذا نهي المسلم عن أذى المسلم في عمل البر وتلاوة القرآن فإيذاؤه في غير ذلك أشد تحريما وقد ورد مثل هذا الحديث من رواية أبي سعيد الخدري أخرج أبو داود عنه قال اعتكف صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال :ألا إن كلكم يناجي ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة وقال في الصلاة قال ابن عبد البر حديث البياضي وأبي سعيد ثابتان صحيحان . اهـ
بعض شبهات القائلين بجواز القراءة الجماعية و الردّ عليها :
- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال: " إن لله - تعالى - ملائكة سيَّارة فضلا، يتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم، حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا... يقول الله: قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا ...".
وما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم...."
وما رواه مسلم وغيره من حديث معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج على حَلْقَة من أصحابه، فقال: ما يجلسكم ؟. قالوا: جلسنا نذكر الله - تعالى - ونحمده لما هدانا للإسلام، ومن علينا به. فقال: " أتاني جبريل - عليه السلام - فأخبرني أن الله - تعالى - يباهي بكم الملائكة".
- ومنها: ما رواه مسلم أيضا وغيره من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده .
والجواب عليه :
ما قاله الطرطوشي المالكي رحمه الله كما في "الحوادث والبدع": قال :"هذه الآثار تقتضي جواز الاجتماع لقراءة القرآن الكريم على معنى الدرس له، والتعلُّم والمذاكرة، وذلك يكون بأن يقرأ المتعلم على المعلم، أو يقرأ المُعَلِّم على المُتَعَلِّم، أو يتساويا في العلم؛ فيقرأ أحدهما على الآخر على وجه المذاكرة والمدارسة، هكذا يكون التعليم والتعلُّم، دون القراءة معا ".
ـ وقد أجاب ابن الحاج رحمه الله في "المدخل" على الاستدلال بتلك الأحاديث، فقال: "وروي عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال: لأن أجلس مع قومٍ يذكرون الله سبحانه من غدوة إلى طلوع الشمس، أحبّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس. وقال: هم يتحلّقون الحلق، ويتعلّمون القرآن والفقه، هذا تفسير خادم صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم فكيف يقابله تفسير متأخّري هذا الزّمان؟!
وروي عن إبراهيم النخعي رحمه الله أنه قال: لا يزال الفقيه يصلي؛ قيل: وكيف ذلك؟ قال: لا تلقاه إلا وذكر الله على لسانه، يحلّ حلالا، ويحرّم حراما.
وقال رحمه الله –أي:الطرطوشي-: وقد ظفرت بهذا المعنى في كتاب الله المهيمن؛ قال الله - تعالى - لهارون وموسى، لما بعثهما إلى فرعون: {و لا تنيا في ذكري} [طه: 42]، فسمّى تبليغ الرسالة ذكرا، فعلى هذا يتحقَّق أن حلق العلم، وما يتحاورون فيه في العلم، ويتراجعون من سؤال وجواب، أنها حلق الذكر, وهذا قوله سبحانه:{فاسألوا أهل الذكر} [النحل: 43]؛ يعني: أهل العلم والفقه"..
ـ ولنختم بكلام ماتع الشاطبي رحمه الله كما في "الاعتصام" ( 1 / 190 ): قال رحمه الله: إذا ندب الشرع إلى ذكر الله، فالتزم قوم الاجتماع عليه على لسان واحد، وصوت واحد؛ لم يكن في ندب الشرع ما يدل على هذا التخصيص الملتزم; لأن التزام الأمور غير اللازمة يفهم على أنه تشريع, وخصوصا مع من يقتدى به في مجامع الناس كالمساجد, فإذا أظهرت هذا الإظهار، ووضعت في المساجد كسائر الشعائر كالأذان، وصلاة العيدين والكسوف فهم منها بلا شك أنها سنّة ، إن لم تفهم منها الفرضية ! فلم يتناولها الدليل المستَدَلُّ به؛ فصارت - من هذه الجهة - بدعة محدثة ".
وماأحسن ماقاله الفضل بن مهران : سألت يحيى بن معين وأحمد بن حنبل قلت : إن عندنا قوماً يجتمعون ، فيدعون ، ويقرأون القرآن ، ويذكرون الله تعالى ، فما ترى فيهم ؟
قال : فأما يحيى بن معين فقال : يقرأ في مصحف ، ويدعو بعد الصلاة ، ويذكر الله في نفسه ، قلت : فأخ لي يفعل ذلك . قال : أنهه ، قلت : لا يقبل ، قال : عظه .
قلت : لا يقبل ، أهجره ؟ قال : نعم ، ثم أتيت أحمد فحكيت له نحو هذا الكلام فقال لي أحمد أيضاً : يقرأ في المصحف ويذكر الله في نفسه ويطلب حديث رسول الله ، قلت : فأنهاه ؟ قال : نعم . قلت : فإن لم يقبل ؟ قال : بلى إن شاء الله ، فإن هذا محدث ، الاجتماع والذي تصف ." الآداب الشرعية " لابن مفلح ( 2 / 75 )
فهذه الحلقة الأولى التي فيها جملة من المخالفات الشرعية، والمحدثات البدعية التي يفعلها البعض بعد صلاة الفريضة ، يظنون أنها من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهي ليست من السنة في شيء، ومن أبرزها القراءة الجماعية المنتشرة في المغرب العربي خصوصا ،وفي بلاد المسلمين عموما ، وهكذا التّسبيح بالمسبّحة ، لذا أحببت أن أسلّط عليهما الضوء-كمايقال- بشي من التعليق والبيان والإيضاح ،وذلك للتحذيرمنهما ,ورجاءً أن ننال الأجر والثواب من الله تعالى ، ومن المعلوم أنه لا يكفي الاقتصار على معرفة الأحكام التعبدية دون معرفة ما يخالفها من المحدثاث والبدع ، كذلك لا يكفي معرفة التوحيد دون معرفة مايناقضه من الشرك بالله [1]،فمن عرف التوحيد استلزم عليه معرفة ما يقابله من الشرك بالله تعالى ، فعن أبي مالك عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله .[2]
وفي هذا المعنى ثبت عن حذيفة بن اليمان بأنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركنى فقلت يا رسول الله إنا كنا فى جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير شر قال « نعم » ....[3]
وقد أجاد من قال :
عرفت الشرّ لا للشرّ ولكن لتوقيه
و من لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
فمن البدع المحدثة :
1 ـ السجود للدعاء بعد الفراغ من الصلاة.
2 ـ اعتقاد سنية رفع اليدين في الدعاء.
ـ مسح الوجه بعد الأذكار الشرعية أو الدعاء عموما.[4]
3 ـ الذكر الجماعي.
ـ قول البعض عقب صلاة الفريضة :"تقبل الله".
ـ رفع الصوت بالذكر.[5]
3 ـ المصافحة بعد الصلاة.[6]
ـ استخدام الآلة للتسبيح.
ـ استعمال السبحة[7].
ـ القراءة الجماعية .[8]
هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه : عبد الحميد الهضابي.
الحواشي :
[1] ـ أخرجه مسلم (23).
[2] ـ أخرجه مسلم (1844).
[3] ـ أخرجه البخاري (3606) ومسلم (1847).
[4] ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وأما مسحه وجهه بيديه فليس عنه فيه إلا حديث أو حديثان ، لا تقوم بهما حُجة .
"مجموع الفتاوى" (22/519) .
وقال العز بن عبد السلام رحمه الله : ولا يمسح وجهه بيديه عقيب الدعاء إلا جاهل .
"فتاوى العز بن عبد السلام" (ص 47) .
وسئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : عن حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء ؟
فأجاب بقوله :
" مسح الوجه باليدين بعد الدعاء الأقرب أنه غير مشروع ؛ لأن الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة حتى قال شيخ الإسلام رحمه الله : إنها لا تقوم بها الحجة ، وإذا لم نتأكد أو يغلب على ظننا أن هذا الشيء مشروع فإن الأولى تركه ؛ لأن الشرع لا يثبت بمجرد الظن إلا إذا كان الظن غالباً .
فالذي أرى في مسح الوجه باليدين بعد الدعاء أنه ليس بسنة ، والنبي صلى الله عليه وسلم كما هو معروف دعا في خطبة الجمعة بالاستسقاء ورفع يديه ، ولم يرد أنه مسح بهما وجهه ، وكذلك في عدة أحاديث جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا ورفع يديه ولم يثبت أنه مسح وجهه " انتهى . "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/ السؤال 781) .
[5] ـ وذلك لما يكون في رفع الصوت من التشويش ،والأذيّة على الآخرين من الذاكرين والمسبوقين الذين فاتهم شيء من الرّكعات،وغيرهم.
وأما إذا كان رفع الصوت بالذّكر من باب التعليم فلا حرج في ذلك ،كما ثبت عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته .
وفي لفظ : ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا بالتكبير.
ونظائر ذلك في الأخبار والآثار عن السلف كثير: منها ما ثبت عن عبد الله بن عباس رضي الله عنها نفسه أنه كان أحيانا إذا صلى على الجنائز جهر بفاتحة الكتاب ثم يبيّن لهم بقوله :"لتعلموا أنها سنة".-أي:يجهر من باب التعليم-.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجهرأحيانا ببعض الآيات ويسمعهم أيّاها في الظهر أو العصر.
وهكذا جهر بعض الصحب الكرام رضي الله عنهم أحيانا بدعاء الاستفتاح والبسملة في الصلاة ونحو ذلك.
[6] ـ وقال ابن حجر من علماء الشافعية : ما يفعله الناس من المصافحة عقيب الصلوات الخمس مكروهة ، لا أصل لها في الشرع .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: المصافحة عقيب الصلاة : هل هي سنة أم لا ؟
الجواب : الحمد لله . المصافحة عقيب الصلاة ليست مسنونة ، بل هي بدعة . والله أعلم . الفتاوي الكبرى ج2ص305.
قال الألباني رحمه الله في "الصحيحة" ( 1/23) : " وأما المصافحة عقب الصلوات فبدعة لا شك فيها ، إلا أن تكون بين اثنين لم يكونا قد تلاقيا قبل ذلك ، فهي سنة "
[7] ـ أولا :
هذه السّبحة لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ،ولا رآها ، فضلا أنه حثّ عليها ورغّب فيها عليه الصلاة والسلام ، بل هي من البدع المحدثة ، فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "، ولما ورد عن عمر بن يحيى بن عمرو بن سلمة الهمداني قال : حدثني أبي قال : " كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة ، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد ، فجاءنا أبو موسى الأشعري ، فقال :أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد ؟ قلنا : لا ، فجلس معنا حتى خرج ، فلما خرج قمنا إليه جميعا ، فقال له أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن ! إني رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته ، و لم أر و الحمد لله إلا خيرا ، قال : فما هو ؟ فقال : إن عشت فستراه ، قال : رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ، ينتظرون الصلاة ، في كل حلقة رجل ، و في أيديهم حصى ، فيقول : كبروا مائة ، فيكبرون مائة ، فيقول هللوا مائة ، فيهللون مائة ، و يقول سبحوا مائة ، فيسبحون مائة ، قال : فماذا قلت لهم ؟ قال : ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك ، قال : أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم ، و ضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء ؟ ثم مضى و مضينا معه ، حتى أتى حلقة من تلك الحلق ، فوقف عليهم ، فقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ قالوا : يا أبا عبد الرحمن ! حصى نعد به التكبير و التهليل و التسبيح ، قال : فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء ، و يحكم يا أمة محمد ! ما أسرع هلكتكم ! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون ، و هذه ثيابه لم تبل ، و آنيته لم تكسر ، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد ، أو مفتتحوا باب ضلالة ؟ ! قالوا والله : يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير ، قال : و كم من مريد للخير لن يصيبه ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا : " إن قوما يقرءون القرآن ، لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية " ، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم ! ثم تولى عنهم ، فقال عمرو بن سلمة : فرأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج " . أخرجه الدارمي ( 1 / 68 - 69 ) ، و صححه الألباني في " السلسلة الصحيحة "( 5 / 11)
و روى ابن وضاح القرطبي في " البدع والنهي عنها " ( ص 12 ) عن الصلت بن بهرام قال : مرّ ابن مسعود بامرأة معها تسبيح تسبح به فقطعه وألقاه ، ثم مر برجل يسبح بحصا ، فضربه برجله ، ثم قال : لقد سبقتم ! ركبتم بدعة ظلما ! ولقد غلبتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علما"
و في رواية " أَن أُناسا بالكوفة يُسبحون بالحصى في المسجد, فأتاهم وقد كَوَّمَ كلُّ رجل منهم بين يديه كوْمَةَ حصى, فلم يزل يحصبهم بالحصى حتى أخرجهم من المسجد, ويقول: لقد أحدثتم بدعة ظلما, أو قد فضلتم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم – علما ".
وعن إبراهيم النخعي أنه كان ينهى ابنته أن تعين النساء على فتل خيوط التسابيح التي يسبح بها فكان ينهى ابنته أن تعين النساء على فتل خيوط التسبيح التي يسبح بها".
وعن عقبة قال : سألت بن عمر عن الرجل يذكر الله ويعقد؟ فقال :"تحاسبون الله ؟".
ثانيا :
ـ السنة أن يكون التّسبيح بأنامل اليد اليمنى ، لا اليسرى ، ولا اليدين معا ، كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل و يأمر أزواجه أن يعقدن التّسبيح بالأنامل و يقول: " فإنهن مسؤولات مستنطقات " .
وعن أبي تميمة عن امرأة من بني كليب قالت: رأتني عائشة أسبّح بتسابيح معي ،فقالت :أين الشواهد؟ -يعني: الأصابع- ".
ثالثا :
أن السّبحة سبب للرياء و السمعة ،والسلف رحمهم الله كانوا من أشدّ الناس إخفاء للأعمال الصالحة ، خوفا منهم رحمة الله عليهم أن يشوبها شيء من الرياء ، كيف لا ونبيّهم صلى الله عليه وسلم كان يخشى عليهم الرياء أكثر من الدجال اللعين.
رابعا :
أنها سبب في القضاء على سنة التّسبيح بالأنامل ،ويكفي بها جرما بذلك-كما قاله العلامة الألباني- ، وقد يقول المعترض: أنه قد يجد مشقة في أن يضبط العدد إذا سبّح بالأنامل؟ ، فالجواب : أنه لم يثبت في السنة أن الذكر جاء أكثر من مائة من ناحية العدّ، بل هو مطلق لمن أراد الزيادة في الخير.
ويمكن أن يعدّ مائة لمن كان له عادة ، وأن ديننا كامل تام شامل لا يحتاج زيادة ولا فيه نقصان، فليسعك ما وسع السّلف ، و لو كان خيرا-أي: التسبيح بالمسبحة- لسبقونا إليه.
خامسا :
أن السّبحة أصبحت شعارا للصوفية المنحرفة ،والروافض الضّلال.
سابعا :
أنها مست ومأخوذة من دين الهندوسية،و البوذية ،والنصرانية و غيرهم من أهل الكفر والضلال، قال بكر أبو زيد رحمه الله :السُّبْحة دخيلة على كل دين من عند الله تعالى, وأنها في الأديان المختلقة معروفة منذ عُصور ما قبل التاريخ, وقيل: منذ عام 8000م, وأنها من وسائل التعبد, لدى البوذيين, ثم لدى البراهمة في الهند وغيرها, ومنهم تسربت إلى النصارى, لدى القسيسين, والرهبان, والراهبات, ومن الهند انتقلت إلى غرب آسيا . وجاء في " الموسوعة العربية العالمية "(23 / 157) ما نصه: "وتتكون المسبحة التي يستعملها الكاثوليك من خمسين حبة صغيرة, مقسمة على أربع حبات كبيرة, إلى أقسام متساوية, ويتدلى من المسبحة قلادة مكونة من حبتين كبيرتين, وثلاث حبات صغيرة, وصليب, ويرتل المصلون صلوات الرب على الحبات الكبيرة, كما يستعملون الحبات الصغيرة في صلوات مريم العذراء, ويُسمون هذه الصلوات بالسلام المريمي، وفي آخر كل مقطع من السلام المريمي يتم ترتيل مقطع صغير في الثناء على الرب, وترتيل قانون الإِيمان النصراني على الصليب, وأثناء ترتيب المصلين للصلوات يُوقع أن تنكشف لهم أسرار الإِيمان. نشأت المسبحة من زمن بعيد, وربما كان البوذيون أول من يستعملها في محاولة لم لربط الصلوات اللفظية بالصلوات الفعلية. ويستعمل البوذيون والهندوس المسبحة في صلواتهم, وبدأت أول أشكال الصلاة بالمسبحة في النصرانية في العصور الوسطى, ولكنها انتشرت فقط في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين انتهى. وفي كتاب: "مساهمة الهند" (ص : 94- 105), عَرْض مُطَوَّلٌ مُوَثَّق عن تاريخها, فقال تحت عنوان: "السُّبْحَة": " لما كان التدين من طبع الإِنسان, احتاج إلى معرفة طريق صحيح لعبادة ذلك الخالق وذِكْرِه, فقدمت إليه الأديان المختلفة لذلك طرقاً شتى, وساهمت الهند في قضاء بغيته تلك بتقديم طريق خاص لإِحصاء الذكر - إحصاء بواسطة عقد الحبات - السباحة, فإحصاء الذكر بالسبحة من اختراع الهند, اخترعه الدين البرهمي فيها, ومنا تسرب إلى بلاد وأديان أخرى. ( السبحة تاريخها وحكمها).
ومفاسد هذه البدعة لا تعدّ و لا تحصى ، وقد أجاد من قال:
وكل خير في اتباع من سلف * * * وكل شر في ابتداع من خلف
[8] ـ من أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه سبحانه قراءة كلامه ،والتدبّر في معانيه ،والعمل بما جاء به ، لكن ما يفعله بعض المغاربة من قراءة القرآن جماعيا بعد الصلوات المفروضة أو قبل ذلك أو في أيّ وقت من الأوقات ا فبدعة منكرة ليس عليها أثارة من علم ، وقد اشتملت على عدّة من المخالفات الشرعية ، من ذلك :
أولا :
لم يشرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ولا فعلها ولا أمر بها ولا حثّ الأمة عليها، ولا رغب فيها ، ولم يفعلها أحد من أصحابه رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم :" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ". و في رواية " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ".
ثانيا :
فيها مخالفة لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن " .فنهيه صلى الله عليه وسلم عن الجهر بالقرآن ، نظرا لما يحصل من جراء ذلك من التشويش والأذية للآخرين ما بين مسبّح ،و تال، و قارئ ،وذاكر ،وغير ذلك .
ثالثا :
أن القراءة الجماعية فيها مخالفة لما أمرنا ربنا جل جلاله أن نرتل القرآن ترتيلا ، وقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم أمته على ذلك، فكان يأمر بتحسين الصوت بالقرآن كما في حديث البراء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا ".
وكما جاء في حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن من أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله ".
وكان يأمر بالتغنّي بالقرآن كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ليس منا من لم يتغن بالقرآن ".
وكما قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه :" لا تهذّوا القرآن كهذّ الشعر ولا تنثروه نثر الدّقل. أي لا تقرؤوه قراءة سريعة متعجلة، ونحو ذلك من النصوص الشرعية الدالة على ذلك.
رابعا :
أنه يضطر القارئ أثناء القراءة إلى التّنفس، ورفقاؤه يستمرون في القراءة، بحيث يجعله يقطع القرآن ويترك منه شيئا في لحظات تنفّسه ثم يلحقهم في القراءة.
خامسا :
أن القراءة الجماعية فيها تشبهاً بالنصارى الذين يجتمعون في كنائسهم لأداء التراتيل والأناشيد الدينية جماعة وبصوت واحد .
سادسا :
القراءة الجماعية قد تلحقها خلل في القراءة ،بحيث إذا قرأ فريق من الناس جماعة وبصوت واحد، يقع منهم مثلا مدّ في موضع لا مدّ فيه، أو تحريك ساكن، أو إسكان متحرّك، أو عدم الوقوف فيما يلزمهم الوقوف فيه، ونحو ذلك .
مذهب المالكية في قراءة القرآن جماعية :
1 ـ قال ابن أبي زيد القيرواني المالكي: كما في (النوادر والزيادات 1/529)
([في الاجتماع للقراءة بألحان أو بغير ألحان أو للتعليم] من "العتبية"، قال ابن القاسم، قال مالك :(لا بأس بما يفعل بمصر يقرئ الرجل النفر يفتح عليهم) قال: (والقراءة في المسجد محدث ولن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه سلفها والقرآن حسن) قيل: فالنفر في المسجد وإذا حف أهله جعلوا رجلا حسن الصوت يقرأ لهم ؟ فكرهه. قيل: فقول عمر لأبي موسى، ذكرنا ربنا ؟ قال: ما سمعت بهذا قط،وكره القراءة بالألحان وقال: اتخذوا ذلك للأكل عليه، وكره اجتماع النفر يقرؤون في سورة واحدة).
2 ـ قال ابن عبد البرـ رحمه الله ـ في " التمهيد "( 17 / 241 ) : إن مساجد الجماعة إنما بنيت للصلاة خاصة فكره رفع الصوت فيها وجاءت الكراهية في رفع الصوت فيها عاما لم يخص أحد من أحد إلا الإمام الذي يصلي بالناس فيها...."
3 ـ قال ابن رشد المالكي: (ت 520 هـ) (البيان والتحصيل 18/349)
(في الاجتماع في قراءة القرآن] قال: وسئل عن القوم يجتمعون فيقرؤون القرآن جميعا السورة الواحدة فقال: إني لأكره ذلك،ولو كان بعضهم يتعلم من بعض لم أر بذلك بأسا، قيل له: أرأيت إن كان واحد منهم يقرأ عليهم ؟ قال: لا بأس به، قال: وسئل عن القوم يجتمعون فيقرؤون السورة الواحدة فقال: لا يعجبني هذا ولا أحبه ولكن لو قرؤوا على رجل منهم واحد أو قرأ عليهم رجل منهم لم أر بذلك بأسا ،فقيل له :لا بل يقرؤون جميعا على رجل منهم واحد،قال: لا يعجبني ذلك وأنا أكره الذي بلغني عن بعض أهل الشام يجتمع النفر جميعا فيقرؤون السورة الواحدة فقال: لا يعجبني هذا ولا أحبه ولكن يقرأ عليهم رجل منهم ويقرؤون عليه واحدا واحدا، أترى الناس اليوم أرغب في الخير ممن مضى ؟ لم يكن يفعله أحد فلا يعجبني ولا أحبه…).
4 ـ قال شمس الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن الطرابلسي المغربي ، المعروف بالحطاب الرُّعيني رحمه الله في " مواهب الجليل في شرح مختصر الخليل " ( 2 / 365 ):" بتلحين كجماعة " قال : في المدخل " أي لابن الحاج " لم يختلف قول مالك أن القراءة جماعة والذكر جماعة من البدع المكروهة ".
وقال رحمه الله ( 2 / 362 ): "وجهر بها بمسجد": أي بالقراءة قال في المدخل وكره مالك رفع الصوت بالقراءة والتقريب فيه انتهى بالمعنى. وقال بعده: المسجد إنما بني للصلاة وقراءة القرآن تبع للصلاة ما لم تضر بالصلاة, فإذا أضرت بها منعت, ثم وهذه المسألة لا يعلم فيها خلاف بين أحد من متقدمي أهل العلم أعني رفع الصوت في القراءة والذكر في المسجد مع وجود مصل يقع له التشويش بسببه ، وليس لقائل أن يقول: إن القراءة والذكر جهرا أو جماعة تجوز في المسجد لنص العلماء أو فعلهم, وهو أخذ العلم في المسجد ; لأن مالكا سئل عن رفع الصوت بالعلم في المسجد فأنكر ذلك, وقال: علم ورفع صوت فأنكر أن يكون علم فيه رفع صوت, وفيه كانوا يجلسون في مجالس العلم كأخي السرار, فإذا كان مجلس العلم على سبيل الاتباع فليس فيه رفع صوت فإن وجد فيه رفع صوت منع, وأخرج من فعل ذلك .اهـ
5 ـ قال النووي رحمه الله : وكذلك ما ورد من أنه قيل للإمام مالك رحمه الله: أرأيت القوم يجتمعون فيقرأون جميعا سورة واحدة يختمونها؟ فأنكر ذلك وعابه، قال: ليس هكذا تصنع الناس ".
وعن الضحاك ابن عبد الرحمن رحمه الله " من أنه أنكر هذه القراءة الجماعية ، و ذكر أنه لم ير أحدا فعلها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" . " التبيان " للنووي ( 1 / 102 )
6 ـ قال محمد بن يوسف العبدري رحمه الله في " التاج و الإكليل لمختصر خليل " ( 6 / 14 ) : ورفع صوت قال ابن مسلمة رفع الصوت ممنوع في المساجد إلا ما لا بد منه كالجهر بالقراءة في الصلاة والخطبة والخصومة تكون من الجماعة عند السلطان فلا بأس به ولا بد له من مثل هذا وهذا إنما يكون في القراءة على وجه كالإمام يجهر بالقراءة أو التنفل بالليل وحده وأما جهر بعضهم على بعض بالقراءة فممنوع كرفعه بعلم قال ابن القاسم رأيت مالكا يعيب على أصحابه رفع أصواتهم في المسجد ابن حبيب يكره رفع الصوت بالمسجد والهتف بالجنائز به وكل ما يرفع فيه الصوت حتى بالعلم فقد كنت أرى بالمدينة رسول أميرها يقف بابن الماجشون في مجلسه إذا استعلى كلامه وكلام أهل المجلس في العلم فيقول أبا مروان اخفض من صوتك وأمر جلساءك يخفضون أصواتهم "
7 ـ قال الإمام الباجي المالكي رحمه الله :كما في (المنتقي 01/02/345)
قوله: (كان في قوم يقرؤون) دليل على جواز الاجتماع لقراءة القرآن على معنى الدرس له والتعليم والمذاكرة وذلك بأن يقرأ المتعلم على المعلم أو يقرأ المعلم على المتعلم أو يتساويا في العلم فيقرأ أحدهما على الآخر على وجه المذاكرة له والمدارسة له وسئل مالك عن قراءة مصر الذين يجتمع الناس إليهم فكان رجل منهم يقرأ في النفر يفتح عليهم أنه أحسن لا بأس به، وقد قال مرة أنه كرهه وعابه، وقال: يقرأ ذا و يقرأ ذا قال الله تعالى :((فإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)) .ولو كان يقرأ واحد ويستثبت من يقرأ عليه أو يقرؤون عليه واحدا واحدا على رجل واحد لم أر به بأسا، ثم قال رحمه الله (مسألة) وأما أن يجتمعوا فيقرؤون في السورة الواحدة مثل ما يعمل أهل الإسكندرية وهي التي تسمى القراءة بالإدارة فكرهه مالك وقال: لم يكن هذا من عمل الناس ووجه ذلك الكراهية للمباراة في حفظه والمباهاة بالتقدم فيه.
8 ـ قال الونشريسي المالكي: (المعيار المعرب 11/112)
([قراءة الحزب جماعة في المسجد] وسئل أبو إسحاق الشاطبي عن قراءة الحزب بالجمع هل يتناوله قوله عليه السلام (ما اجتمع قوم في بيت) الحديث كما وقع لبعض الناس أو هو بدعة ؟ فأجاب: إن مالكا سئل عن ذلك فكرهه، وقال: هذا لم يكن من عمل الناس، وفي العتبية سئل عن القراءة في المسجد، يعني على وجه مخصوص كالحزب ونحوه، وقال: يكن بالأمر القديم، وإنما هو شيء أحدث يعني أنه لم يكن في زمان الصحابة والتابعين، قال: ولن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها وقال في موضع آخر، أترى الناس اليوم أرغب في الخيرممن مضى يعني أنه لو كان في ذلك خير لكان السلف أسبق إليه ويدل على أنه ليس بداخل تحت معنى الحديث
9 ـ قال الشيخ الدردير المالكي رحمه الله:كما في (الشرح الصغير على مختصر أقرب المسالك) (01/155)
و يكره (قراءة جماعة) يجتمعون فيقرؤون شيئا من القرآن معا نحو سورة "يس" ومحل الكراهة [إذ لم تخرج] القراءة [عن حدها] الشرعي في المسألتين وإلا حرمت وهذا القدر زدناه عليه [و] كره [جهر بها] أي بقراءة القرآن [بمسجد] لما فيه من التخليط على المصلين والذاكرين مع مظنة الرياء….)
10 ـ كلام الإمام الشاطبي المالكي: (الاعتصام :2/ 290-292)
قال الإمام الشاطبي في القسم في الثاني من مبحث البدع الإضافية (وهو أن يصير العمل العادي أو غيره كالوصف للعمل المشروع إلا أن الدليل على أن العمل المشروع لم يتصف في الشرع بذلك الوصف فظاهر الأمر انقلاب العمل المشروع غير مشروع…) إلى أن قال(ومن أمثلة لك أيضا قراءة القرآن بالإدارة على صوت واحد، فإن تلك الهيئة زائدة على مشروعية القراءة…) وقال أيضا (ويشبه هذاما في سماع ابن القاسم عن مالك في القوم يجتمعون جميعا فيقرؤون في السورة الواحدة مثل ما يفعل أهل الإسكندرية فكره ذلك و أنكر أن يكون من عمل الناس، وسئل ابن القاسم أيضا عن نحو ذلك فحكي الكراهية عن مالك ونهى عنها ورآها بدعة وقال في رواية أخرى عن مالك وسئل عن القراءة بالمسجد فقال: لم يكن بالأمر القديم وإنما هو شيء أحدث ولم يأت آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها و القرآن حسن . قال ابن رشد: يريد التزام القراءة في المسجد إثر صلاة من الصلوات على وجه مخصوص حتى يصير ذلك كله سنة، مثل ما بجامع قرطبة إثر صلاة الصبح قال فرأى ذلك بدعة فقوله في الرواية (والقرآن حسن) يحتمل أن يقال إنه يعني أن تلك الزيادة من الاجتماع وجعله في المسجد منفصل لا يقدح في حسن القراءة القرآن ويحتمل - وهو الظاهر – أنه يقول: قراءة حسن على غير ذلك الوجه بدليل قوله في موضع آخر (ما يعجبني أن يقرأ القرآن إلا في الصلاة والمساجد لا في الأسواق والطرق) فيريد أنه لا يقرأ إلا على النحو الذي كان يقرأه السلف، وذلك يدل على أن قراءة الإدارة مكروهة عنده فلا تفعل أصلا وتحرز بقوله (والقرآن حسن) من توهم أنه يكره قراءة القرآن مطلقا فلا يكون في كلام مالك دليل على انفكاك الاجتماع من القراءة والله أعلم)
11 ـ وقال محمد بن عبد الله الخرشي المالكي رحمه الله في " شرح مختصر خليل " (1/352) :
(كجماعة ) تشبيه في الحكم وهو الكراهة ابن يونس وكره مالك اجتماع القراء يقرءون في سورة واحدة وقال لم يكن من عمل الناس ورآها بدعة
12 ـ وقال محمد بن أحمد عليش رحمه الله في " منح الجليل شرح مختصر خليل "(1/333):: " وشبه في الكراهة"أي القراءة الجماعية بصوت واحد"معا بصوت واحد فتكره لمخالفة العمل، ولتأديها لترك بعضهم شيئا منه، لبعض عند ضيق النفس وسبق الغير، ولعدم الإصغاء للقرآن المأمور به في قوله تعالى: وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا".
13 ـ قال الحبيب بن طاهر المالكي: (الفقه المالكي وأدلته: 1/294)
(ويكره قراءة القرآن جماعة بأن يجتمع الناس فيقرؤون معا ومحل الكراهة إذا لم تخرج عن حدها الشرعي وإلا حرمت وإنما كرهت القراءة على هذا الوجه لأنه خلاف ما عليه العمل ولأنه مظنة التخليط وعدم إصغاء بعضهم لبعض وأما اجتماع جماعة يقرأ واحد ربع حزب مثلا وآخر ما يليه وهكذا فنقل عن مالك جوازها قال البناني: وهو الصواب، ويكره الجهر بقراءة القرآن بالمسجد لما فيه من التخليط على المصلين والذاكرين مع مظنة الرياء وينهى القارئ جهرا ويخرج منه إذا لم يظهر منه امتثال ذلك إذا قصد بقراءته دوام القراءة كالذي يتعرض بقراءته لسؤال الناس…).
14 ـ وقال الطرطوشي في "الحوادث والبدع" : لم يختلف قوله -يعني الإمام مالكاً - أنهم إذا قرؤوا جماعة في سورة واحدة أنه مكروه. ونقل عن مالك كراهة القراءة بالإدارة وقوله: وهذا لم يكن من عمل الناس.
15 ـ وقد تكلّم ابن الحاج رحمه الله عن القراءة الجماعية في " المدخل "( 1/90 -94 ) و(4/221 ) ، وقرّر مذهب المالكية في كلام طويل ملخّصه أنه لم يكن عليه السلف ـ رضي الله عنهم ـ .
16 ـ وقال الزر قاني في " شرح الموطأ " ( 1 / 243 ) : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وفي رواية حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد أن ذلك كان في رمضان والنبي صلى الله عليه وسلم معتكف في قبة على بابها حصير والناس يصلون عصبا عصبا أخرجه ابن عبد البر وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال إن المصلي يناجي ربه قال ابن بطال مناجاة المصلي ربه عبارة عن إحضار القلب والخشوع في الصلاة وقال عياض هي إخلاص القلب وتفريغ السر بذكره وتحميده وتلاوة كتابه في الصلاة وقال غيره مناجاة العبد لربه ما يقع منه من الأفعال والأقوال المطلوبة في الصلاة وترك الأفعال والأقوال المنهي عنها ومناجاة الرب لعبده إقباله عليه بالرحمة والرضوان وما يفتحه عليه من العلوم والأسرار وفيه كما قال الباجي تنبيه على معنى الصلاة والمقصود بها ليكثر الاحتراز من الأمور المكروهة المدخلة للنقص فيها والإقبال على أمور الطاعة المتممة لها فلينظر بما يناجيه به أراد به التحذير من أن يناجيه بالقرآن على وجه مكروه وإن كان القرآن كله طاعة وقربة ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن لأن فيه أذى ومنعا من الإقبال على الصلاة وتفريغ السر لها وتأمل ما يناجي به ربه من القرآن وإذا منع رفع الصوت بالقرآن حينئذ لأذى المصلين فبغيره من الحديث وغيره أولى انتهى وقال ابن عبد البر وإذا نهي المسلم عن أذى المسلم في عمل البر وتلاوة القرآن فإيذاؤه في غير ذلك أشد تحريما وقد ورد مثل هذا الحديث من رواية أبي سعيد الخدري أخرج أبو داود عنه قال اعتكف صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال :ألا إن كلكم يناجي ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة وقال في الصلاة قال ابن عبد البر حديث البياضي وأبي سعيد ثابتان صحيحان . اهـ
بعض شبهات القائلين بجواز القراءة الجماعية و الردّ عليها :
- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال: " إن لله - تعالى - ملائكة سيَّارة فضلا، يتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم، حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا... يقول الله: قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا ...".
وما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم...."
وما رواه مسلم وغيره من حديث معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج على حَلْقَة من أصحابه، فقال: ما يجلسكم ؟. قالوا: جلسنا نذكر الله - تعالى - ونحمده لما هدانا للإسلام، ومن علينا به. فقال: " أتاني جبريل - عليه السلام - فأخبرني أن الله - تعالى - يباهي بكم الملائكة".
- ومنها: ما رواه مسلم أيضا وغيره من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده .
والجواب عليه :
ما قاله الطرطوشي المالكي رحمه الله كما في "الحوادث والبدع": قال :"هذه الآثار تقتضي جواز الاجتماع لقراءة القرآن الكريم على معنى الدرس له، والتعلُّم والمذاكرة، وذلك يكون بأن يقرأ المتعلم على المعلم، أو يقرأ المُعَلِّم على المُتَعَلِّم، أو يتساويا في العلم؛ فيقرأ أحدهما على الآخر على وجه المذاكرة والمدارسة، هكذا يكون التعليم والتعلُّم، دون القراءة معا ".
ـ وقد أجاب ابن الحاج رحمه الله في "المدخل" على الاستدلال بتلك الأحاديث، فقال: "وروي عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال: لأن أجلس مع قومٍ يذكرون الله سبحانه من غدوة إلى طلوع الشمس، أحبّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس. وقال: هم يتحلّقون الحلق، ويتعلّمون القرآن والفقه، هذا تفسير خادم صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم فكيف يقابله تفسير متأخّري هذا الزّمان؟!
وروي عن إبراهيم النخعي رحمه الله أنه قال: لا يزال الفقيه يصلي؛ قيل: وكيف ذلك؟ قال: لا تلقاه إلا وذكر الله على لسانه، يحلّ حلالا، ويحرّم حراما.
وقال رحمه الله –أي:الطرطوشي-: وقد ظفرت بهذا المعنى في كتاب الله المهيمن؛ قال الله - تعالى - لهارون وموسى، لما بعثهما إلى فرعون: {و لا تنيا في ذكري} [طه: 42]، فسمّى تبليغ الرسالة ذكرا، فعلى هذا يتحقَّق أن حلق العلم، وما يتحاورون فيه في العلم، ويتراجعون من سؤال وجواب، أنها حلق الذكر, وهذا قوله سبحانه:{فاسألوا أهل الذكر} [النحل: 43]؛ يعني: أهل العلم والفقه"..
ـ ولنختم بكلام ماتع الشاطبي رحمه الله كما في "الاعتصام" ( 1 / 190 ): قال رحمه الله: إذا ندب الشرع إلى ذكر الله، فالتزم قوم الاجتماع عليه على لسان واحد، وصوت واحد؛ لم يكن في ندب الشرع ما يدل على هذا التخصيص الملتزم; لأن التزام الأمور غير اللازمة يفهم على أنه تشريع, وخصوصا مع من يقتدى به في مجامع الناس كالمساجد, فإذا أظهرت هذا الإظهار، ووضعت في المساجد كسائر الشعائر كالأذان، وصلاة العيدين والكسوف فهم منها بلا شك أنها سنّة ، إن لم تفهم منها الفرضية ! فلم يتناولها الدليل المستَدَلُّ به؛ فصارت - من هذه الجهة - بدعة محدثة ".
وماأحسن ماقاله الفضل بن مهران : سألت يحيى بن معين وأحمد بن حنبل قلت : إن عندنا قوماً يجتمعون ، فيدعون ، ويقرأون القرآن ، ويذكرون الله تعالى ، فما ترى فيهم ؟
قال : فأما يحيى بن معين فقال : يقرأ في مصحف ، ويدعو بعد الصلاة ، ويذكر الله في نفسه ، قلت : فأخ لي يفعل ذلك . قال : أنهه ، قلت : لا يقبل ، قال : عظه .
قلت : لا يقبل ، أهجره ؟ قال : نعم ، ثم أتيت أحمد فحكيت له نحو هذا الكلام فقال لي أحمد أيضاً : يقرأ في المصحف ويذكر الله في نفسه ويطلب حديث رسول الله ، قلت : فأنهاه ؟ قال : نعم . قلت : فإن لم يقبل ؟ قال : بلى إن شاء الله ، فإن هذا محدث ، الاجتماع والذي تصف ." الآداب الشرعية " لابن مفلح ( 2 / 75 )