*****
مطـوية / احــكام عيـد الاضــحى
لفضيلة الشيخ سالم بمحرز الحضرمي حفظه الله
--------------------------
نسخة للطبع المنزلي بالابيض والاسود
سهلة للطبع العادي او النسخ -فوتوكوبي-
*****
*****
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد،
فمما يناسب الأيام والليالي التي نمر بها، الحديث عن عبادة جليلةٍ شرعها الله تعالى لنا، وبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم خير البيان، وهي عبادة تقديم الأضاحي في أيام معدودةٍ معلومةٍ، بيّنها الله تعالى في كتابه العزيز، وبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته . فما أدعى المؤمن والمسلم أن يتفقه فقها وعلما مبنيا على نصوص الكتاب والسنة عن هذه العبادة الجليلة، وهي عبادة تقديم الأضاحي أو الأضحية، في عيد مبارك من اعياد الإسلام، وهو عيد الأضحى المبارك. فنستعين بالله ونقول:
أولا: تعريف الأضحية:
هي التقرب إلى الله تعالى بالذبح من بهيمة الأنعام، في وقت مخصوص، وبشروط مخصوصة. وأصل هذه الأضحية جاء من قول الله تعالى: {وفديناه بذبح عظيم}، يوم أن ابتلى الله تعالى نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام بذبح ابنه في رؤيا مناميه، فصدق وآمن وأمتثل هو وابنه عليهما الصلاة والسلام، كما قال تعالى: {فلما أسلما وتله للجبين ونادينه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم}، فإبراهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء وأصل بني إسرائيل والعرب، وإسماعيل هو أبو العرب وأصل العرب منه، وهكذا كانت الأضحية شريعة ومنسكا لكل الأمم من قبلنا إلى أمة الإسلام، قال تعالى: {ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام}.
وفضائل هذه الأضحية:
أولا: أنها دليل لتوحيد الله تعالى واستجابة لأمره عز وجل يوم أن أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر}.
ثانيا: أنها دليل للتقوى والطاعة لله، قال تعالى: {لن ينال الله لحومها ولا دمائها ولكن يناله التقوى منكم}.
ثالثا: أنها من تعظيم شعار الله تعالى، قال تعالى: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}.
رابعا: أنها شكر لله تعالى الذي سخرها لنا، وهي إمداد وصدقة للفقراء والمساكين، قال تعالى: {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير}. وقال: {فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون}.
حكمها:
اختلف العلماء فيه على قولين:
القول الأول بالوجوب: قاله الاوزاعي والليث وأبو حنيفة، وإحدى الروايتين عن الامام احمد، وقال به شيخ الاسلام ابن تيمية، وهو أحد القولين في مذهب الامام مالك، واستدل اصحاب هذا القول بما يلي:
1- قول الله تعالى: {فصل لربك وانحر}، وقالوا هذا فعل أمر، والأمر يقتضي الوجوب
2- حديث جندب رضي الله عنه في الصحيحين وغيرهما، قال: " صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ ذَبَحَ، فَقَالَ: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ أُخْرَى مَكَانَهَا، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ" .
3- قوله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ وَجَدَ سَعَةً لأَنْ يُضَحِّيَ فَلَمْ يُضَحِّ ، فَلا يَحْضُرْ مُصَلانَا " .
القول الثاني انها سنة: قاله الجمهور، وهو مذهب الشافعي ومالك واحمد في المشهور من قولهما، ومن قول المعاصرين، لكن صرح الكثير من أرباب هذا القول بان تركها للقادر يكره، واستدل اصحاب هذا القول بما يلي:
1- حديث جابر رضي الله عنه في سنن ابي داود، حيث قال: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الأَضْحَى بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ مِنْ مِنْبَرِهِ وَأُتِيَ بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ، وَقَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي"
2- ما رواه الجماعة الا البخاري من حديث أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا" .
والذي يظهر أن الادلة متكافئة، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، بعد أن سرد أدلة الفريقين:
"والادلة تكاد تكون متكافئة، وسلوك سبيل الاحتياط ان لا يدعها مع القدرة عليها، لما فيها من تعظيم الله وذكره، وبراءة الذمة بيقين" .
وقولنا في تعريف الأضحية: "في وقت مخصوص"، يراد به الزمان الذي يبتدئ من بعد الفراغ من صلاة عيد الأضحى إلى غروب شمس آخر يوم من ايام التشريق، وهو يوم الثالث عشر من ذي الحجة. فتحصل منها أربعة أيام، يوم الأضحى وثلاثة أيام من بعده إلى غروب شمس آخر يوم من أيام التشريق. ومن قدمها عن ذلك الوقت أو أخرها فهي شاة لحم يقدمها إلى أهله، لما جاء من حديث جندب رضي الله عنه قال : شَهِدْتُ الْأَضْحَى مَع رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَعْدُ أَنْ صَلَّى وَفَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ سَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ يَرَى لَحْمَ أَضَاحِيَّ قَدْ ذُبِحَتْ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ، فَقَالَ : "مَنْ كَانَ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ نُصَلِّيَ، فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ " . ولما جاء في الحديث الصحيح عند الشيخين، من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسْكِ فِي شَيْءٍ" .
وعَن الْبَرَاءِ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ : " مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا فَلَا يَذْبَحْ حَتَّى يَنْصَرِفَ" ، وهذا فيه دليل على أن أول وقت الذبح يكون بعد صلاة العيد، ثم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ " ، فدل على أن هذه الأيام هي المشروع تقديمُ الأضاحي فيها.
وقولنا " وبشروط مخصوصة"، المراد به:
الشرط الأول: ان تكون من بهيمة الأنعام، فلا يجزي من غير الأنعام لقوله تعالى: {ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام}. وبهيمة الأنعام هي: الإبل والبقر والغنم (الماعز والضأن). وأفضلها الإبل ثم البقر ثم الغنم، لحديث التبكير للجمعة، فإنه بين صلى الله عليه وسلم أفضلية ما يتقرب به لله، فذكر الإبل ثم البقر ثم الغنم، ولا يجوز في الاضحية غير الأنعام، لا من الطيور ولا من الدجاج ولا من صيد البر، فلا يجوز إلا الأنعام. وخيرها وأفضلها ما استحبه أهل البلاد وألفوه من اللحم، وأفضلها أغلاها ثمنا وأوفرها لحما وأسمنها.
الشرط الثاني: أن تكون مسنة، لما روى مسلم من حديث جابر رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ" ، والمسنة من الإبل ما لها خمس سنين، ومن البقر ما أتم سنتين ودخل في الثالثة، ومن الماعز ما أتم سنة ودخل في الثانية، ومن الضأن ما أتم ستة أشهر.
الشرط الثالث: خلوها من العيوب الشرعية، فقد روى الإمام أحمد وأصحاب السنن والإمام مالك والحاكم وبن حبان، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أَرْبَعَةٌ لَا يَجْزِينَ فِي الْأَضَاحِيِّ : الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا ، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرَةُ –وفي لفظ: العجفاء - الَّتِي لَا تُنْقِي " .
فذكر أربع عيوب، " الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا " وهي التي على عين واحدة، والعمياء من باب أولى لا تجزئ. ثم قال " الْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا"، التي ظهر مرضها واستفحل. ثم قال " الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا" أي حينما تمشي تعرج، ومخلوعة الأقدام من باب أولى، ثم قال " العجفاء الَّتِي لَا تُنْقِي"، والعجفاء هي النحيلة التي ليس في عظمها شيء، لا تنقي أي: عظمها قد خلى من المخ.
والذكر من هذه الأضاحي أفضل من الأنثى، وغير الخصي أفضل من الجبوب، ولا يجوز المجبوب أي: المقطوع الخصي. وأما حكمها بعد شرائها -لأن المضحي قد يشتريها كاملة ثم يظهر شيء من هذه العيوب-، فإن كان من تهاونه وتقصيره، فإنه يضمن لأن هذه أمانة فعليه أن يأتي ببديل لها، وأما إن كان من عدم تهاونه فتجزئه مع عجزه.
ومن احكام المضحي :
اولا: ان من السنة أن يذبحها بنفسه أو يحضر ذبحها إن وكّل غيره بذبحها.
ثانيا: عدم الأخذ من الشعر والظفر والبشر للمضحي فقط، وأما من يضحي عنهم من أهله فلا يلزمهم الإمساك، و إنما يمنع المضحي ذاته فقط، لا يأخذ من شعره وبشره وأظافره شيء إذا نوى الأضحية، لما جاء في الحديث الصحيح عند مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، أَنَّ ّالنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ " ، فدل هذا الحديث على أن من دخل عليه الشهر ونوى الأضحية فعليه أن يمتنع من الأخذ عن شعره وظفره وبشره ، ومن أخذ منهم ناسيا فليس عليه شيء، ومن فعل ذلك متعمدا فأخذ شيء من ذلك ، فإنه لا كفارة له إلا التوبة إلى الله تعالى.
ويجوز للمضحي أن يجامع أهله، فأمره ليس كالحاج الذي أحرم، فليس عليه إلا ما ذكر في هذا الحديث.
ثالثا: السنة ذبح الغنم والبقر بإضجاعها على جنبها الأيسر، وإمرار السكين على الأوداج والحنجرة من أعلى الرقبة، وتركها حتى تبرد وتنزف الدم، ولا يكسر الرقبة ليتعجل موتها، وأما الإبل فتنحر قائمة مع ربط يدها اليسرى، وينحر عند طرف الرقبة من الأسفل قرب القلب ويشرخ إلى جهة القلب بالنحر، قال تعالى: {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف}، أي: مربوطة اليد اليسرى؛ ثم قال جلا جلاله: {فإذا وجبت جنوبها}، أي: إذا سقطت على الأرض، قال: {فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون. }
الإجزاء في الأنعام :
ان الشاة تجزئ عن الرجل وأهل بيته أحياء وأمواتا ، إن قال: "اللهم تقبل عني وعن أهل بيتي أحياء وأمواتا" أجزأه ذلك، لما روى ابن ماجه والترمذي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: " كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ، وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ، وَيُطْعِمُونَ، حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ، فَصَارَتْ كَمَا تَرَى" . والبقرة والإبل عن سبعة، وقيل تجزئ الإبل عن عشرة، لما روى مسلم من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " كُنَّا نَتَمَتَّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعُمْرَةِ، فَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ نَشْتَرِكُ فِيهَا "، وعند ابي داود، قال:" البقرة عن سبعة ، والجزور عن سبعة " .
وجاء عند النسائي والترمذي وصححه الألباني في الترمذي برقم 905 من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَحَضَرَ الْأَضْحَى، فَاشْتَرَكْنَا فِي الْبَقَرَةِ سَبْعَةً، وَفِي الْبَعِيرِ عَشَرَةً "، فدل ذلك على جواز ذلك، واختلفوا في السبع أي في البقرة إذا كانت لسبعة، أو في الإبل إذا كان لسبعة، هل تجزئ للفرد نفسه او مع اهله؟
ورجح الشيخ ابن العثيمين رحمه الله تعالى أنها تجزي عن الفرد وأهله، فقال "فضل الله واسع"، ورجح غيره من أهل العلم أنها عن الفرد فقط. والرسول صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين موجوءين ، أحدهما جعله عنه وعن أهل بيته، والأخر عن أمة محمد إلى أن تقوم الساعة، فما أبرك هذا الكبش الذي ضحي به لأمة محمد كلها، يدخل فيه كل أمة محمد، منذ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام إلى أن تقوم الساعة، ما أبرك هذا الكبش، وما أبرك هذه الذبيحة، بركة عظيمة.
احكام لحوم الأضاحي:
اتفق العلماء على عدم بيع لحمها، ولا جلدها، ولا شعرها، لما روى الشيخان من حديث علي رضي الله عنه قال: " أَمَرَهُ أَنْ يَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَ بُدْنَهُ كُلَّهَا لُحُومَهَا، وَجُلُودَهَا، وجِلَالَهَا، فِي الْمَسَاكِينِ، وَلَا يُعْطِيَ فِي جِزَارَتِهَا مِنْهَا شَيْئًا " إذ الواجب التصدق منها ، ولو على قدر ما يضمن أوقية، وهي: عدة أرطال، وأن يتصدق ولو بشيء بسير منها. وإن تصدق بها جميعا وأكل شيء يسيرا جاز له ذلك، والسنة أكل جزء منها -بل أوجبه بعض أهل العلم- وجواز الإهداء منها، لقوله تعالى: {والمعتر}هو: النازل الضيف، وأيضا قوله تعالى: {فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر}، وقوله تعالى: {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير}، وأيضا قال بعض أهل العلم: يستحب أن يجعلها ثلاث، ثلث صدقة وثلث يجعله لأهل بيته وثلث يجعله إهداء، يهديه إلى من أحب، قالوا هذا أفضل.
وعلى الذابح أن يكبر عند الذبح ويسمي الله، والسنة أن يجعلها على جنبها الأيسر في الأغنام والأبقار، ويضع قدمه عليها ويسمي ويذبح باليمنى، ولا يكسر الرقبة ليميتها ويسرع في إماتتها، بل يجعلها تنزف جميع الدم الذي فيها. والسنة أن يقول: "اللهم تقبل عني وعن أهل بيتي، اللهم هذا منك وإليك"، أو ما شاء أن يقول.
والأضاحي لا يخصص بها الأموات، وإنما يجوز أن يجعلها الرجل فيه وفي أهل بيته أحياء وأمواتا، إلا من أوصى قبل موته بالذبح عنه، فإن الوصية تنفذ في ذلك الوجه. ثم ينبغي للإنسان أن يأكل منها ويجفف لأيام ولو بعد أيام التشريق، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن بعد أن منع، قال تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى. }
ومن أحكام الذبح جوازه بالليل والنهار، في أيام التشريق ويوم عيد الأضحى ، والنهار أفضل، وكذلك أن يكثر إذا استطاع ذلك ، فمن ذبح شاة ليس كمن ذبح وتقرب بعشر من الشياه، فهذا فضله أعظم لا شك، فعلى الإنسان أن يجود بما لديه من خير عظيم قد من الله عليه به، ويطعم الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل ، فما أكثر هؤلاء هذه الأيام ، وهم في حاجة إلى هذه اللحوم أن تقدم لهم ،
ولا يجوز إخراج ثمنها صدقة، فهي أضحية من الأنعام يتقرب بها بالذبح، ولا يجوز إخراج ثمنها صدقة لمن يقول أن الناس في حاجة إلى المال، لأن هذه شريعة وهذا نسك، والله تعالى بينه بقوله تعالى: {فصل لربك وأنحر}، فبين أن الأضحية تكون بالنحر والذبح وليس في الصدقة بالمال، وحكمها هنا حكم الإطعام في زكاة الفطر، لا تجوز مالا وإنما لابد إخراجها طعاما.
وعلينا عباد الله تعالى أن نعتني بتسمينها وتربيتها، فإنه من السنة، كان الصحابة رضوان الله عليهم يسمنون أضاحيهم، ومن باب الكمال أنه يختار الشاة الكاملة في الهيئة، أن لا تكون مجذوعة الأذن، ولا مكسورة القرن، ولا هتماء أي: أسنانها بائنة، وإنما يتنافس الناس في أجمل هيئة لهذه الأضحية وأكملها، من حيث السمن، ومن حيث الكبر، ومن حيث أيضا الإجزاء الذي ذكرنا، فإن الله تعالى قال: { لن ينال الله لحومها ولا دمائها ولكن يناله التقوى منكم }،
والتقوى أن تقدمها بين يدي الله تعالى خالصة لوجهه، تريد فضل الله وما عنده، وابن آدم خير ما فعله في هذه الأيام العشر يوم الأضحى وايام التشريق أن يكثر من الثج والعج، قال صلى الله عليه وسلم : "أَفْضَلُ الْحَجِّ : الْعَجُّ وَالثَّجُّ" ، و الثج هو: إسالة الدماء والعج هو: التكبير يوم العيد وايام التشريق. فعلينا عباد الله تعالى أن نعتني بهذه الشعيرة العظيمة التي تمر بنا في هذه الأيام المباركة من كل سنة، بعد أداء شعيرة عظيمة وركن من أركان الإسلام وهو الحج، فنسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق والقبول وأن يبلغنا هذا الأمر العظيم، وأن يعيننا على القيام بهذا الأمر وهذه السنة المباركة، وأن يتقبلها منا، وأن يجزل لنا العطاء والأجر والمثوبة، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
*****