فوائد منتقاة من شرح مراقي السعود للشيخ خالد حمودة حفظه الله
فهذه فائدة من كثير من الفوائد التي يذكرها الشيخ خالد حمودة حفظه الله في درسه شرح مراقي السعود على أثير منتديات التصفية والتربية السلفيةأنقلها ليستفيد من لم يتيسر له سماع الصوتية والوقوف على مثل هذه الدرر التي يقدمها الشيخ حفظه الله، وقد اكتفيت بذكر الفائدة مختصرة من كلامه دون نقل الشرح كاملا تفاديا للإطالة على القارئ وعلى من أراد التفصيل كاملا الرجوع إلى الأصل
قال حفظه الله: مسألة مهمة بهذا المبحث وهو تسمية الأحكام الشرعية تكاليف...
وسبب الإشكال أنها مأخوذة من الكلفة وهي المشقة وهذا يقتضي أن الأحكام الشرعية شاقة على الناس مكلفة لهم، كيف يصح هذا مع أن كثيرا من الأحكام الشرعية لا كلفة فيها؟
بعض الأفعال يفعلها الناس بالسَوْق واخرى يفعلونها بالشوق التي يفعلونها بالسوق وأعني بالسوق الإلزام والتهديد، بالإلزام بالفعل والتهديد على الترك هذه موجودة في الأحكام الشرعية لكن يوجد كثير من الأحكام الشرعية يفعلونها بالشوق أي رغبة منهم وحرصا عليها فكيف يصح تسمية هذا النوع من الأفعال تكليفا؟
تكلم أهل الأصول في هذا وأجابو بأجوبة ومن أشهر الأجوبة فيها التسمية أغلبيةيعني أننا سميناها تكاليفا بإعتبار الأغلب وإلا فتوجد بعض الأحكام أوكثير من الأحكام يفعلها المكلف ولا مشقة عليه فيها ومن أشهر أمثلته مثلاً ... تحريم قتل النفس إمتناع المسلم عن قتل نفسه لا مشقة له فيها بل هو الموافق لهواه والموافق لغرضه مع أن تحريم قتل النفس حكم شرعي...الغرض أن كثيرا من صور الأحكام تكون موافقة لغرض الإنسان وهواه فلهذا قالوا هذه التسمية بإعتبار الأغلب لا بإعتبار الكل.
وشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله له طريقة أخرى يذهب فيها أن هذه التسمية من حيث الأصل تسمية محدثة لم يرد في النصوص ولا في كلام السلف إطلاق إسم التكليف على الأحكام الشرعية بل جاء العكس، جاء تسميتها روحاً وهدىً ونوراً وموعظةً وذكرى ، جاء تسميتها بالأسماء التي تدل على أن راحة النفوس وقرة الأعين هي في إمتثال هذه الأحكام الشرعية...
والشيخ رحمه الله في بعض كلامه يبين أن أصل هذه التسمية من بعض أهل الكلام بناءاً منهم على أصل كلامي وهو أن الله سبحانه وتعالى لا يعبد عندهم إلا طمعا في ثوابه وخوفا من عقابه فإذا كان الله عز وجل عندهم لا يعبد إلا من أجل هذا الغرض ولا يمكن ولا يتصور عندهم أن تتعلق العبادة بذاته سبحانه وتعالى محبةً له وإنابة إليه وتألهاً له سبحانه وتعالى وهذا كله لأنهم ينكرون أن يكون الله عز وجل يحبه عباده ويشتاقون إليه وإلى رؤيته سبحانه وتعالى...
نعم النصوص دلت أن الله سبحانه وتعالى يعبد لسببين يسميهما أهل العلم موجبا العبودية... وهذان الموجبان اثنان هما اللذان بينهما ربنا تبارك وتعالى... قال الله عز وجل "الحمد لله رب العالمين"...
فالحمد عبادة من العبادات تعلقت باسمين من أسماء الله عز وجل يتضمنان وصفين من أوصافه الله، والرب.
الله يتضمن الألوهية التي هي إستحقاق الله عز وجل العبادة محبةً وتعظيما إذ الله معناه المألوه محبةً وتعظيماً
والرب هو الذي يربي العالمين جميعا بنعمه وإكرامه سبحانه وتعالى...،
فالله سبحانه وتعالى يعبد لذاته لاستحقاقه العبادة لكماله وجلاله سبحانه وتعالى إذ هو الرب المألوه محبةً وتعظيماً،
ويعبد كذلك شكراً على نعمه وإحسانه إلى خلقه وتربيته لهم بنعمه.
لكن المتكلمون لم يعرفوا إلا أحد النوعين وهو شكر الله عز وجل وانبنى على هذا مسائل في علم الكلام التي أدخلت في علم الأصول منها مسألة شكر المنعم ومنها مسألة إنكار التلذذ والراحة والأنس في العبادات فلذلك سموها بهذه التسمية المحدثة التي هي التكاليف،
-لكن هذا الكلام الذي ذكر كله من جهة معرفة أصل الإطلاق يعني لماذا سموها تكليفا لكن هذا المعنى لا يفيد تخطئة تسمية الأحكام الشرعية بالتكاليف يعني لا يقال إن من قال التكاليف الشرعية هو مخطئ...لا يقال هذا من جهة أنه قد وردت أصل التسمية في الشرع قال الله عز وجل "لايكلف الله نفساً إلا وسعها" ... "لايكلف الله نفسا إلا ما آتاها"...
فهذه النصوص تدل على أن الأحكام الشرعية يصلح تسميتها تكاليف وإذا صلح في البعض صلح في البعض الآخر ولهذا ورد او اشتهر عند أهل العلم إطلاق مثل هذه العبارة...استعملها كثير من أهل العلم منهم شيخ الاسلام نفسهإستعملها في كثير من المواطن
ولهذا يتبين أن الإطلاقات أو المسائل المبنية على أصول كلامية منها ما يشيع إستعماله في أهل العلم إستعمالاً صحيحاً من بعض الأوجه فهذا لا ينهى عنه.
ومنها ما لا يصلح إستعماله إلا على المعنى الفاسد الذي قصده المتكلمون فهذا هو الذي ينهى عنه ويبين فساده ويبين خطأ إطلاقه
إذا عرف هذا زال الإشكال عن كثير من المسائل العلمية التي استحدثها هؤلاء مثلاً تقسيم السنة إلى متواتر وآحاد ...
هذا لا يشك أن أصله من التكلمين وأن قصدهم به حط ما يسمونه أخبار الآحاد عن درجة الاحتجاج في مسائل العقائد ومع ذلك هذا الإطلاق شائع عند أهل العلم لا يكاد ينكره أحد فيسمونه هذا متواتر وهذا آحاد لكن استعملوه على وجه صحيح ويبينون أن أصله فاسد وأن من استحدثه إنما قصد به معنى فاسداً لكن يمكن أن يستعمل من بعض الوجوه إستعمالاً صحيحاً فعلى هذا لا مانع من إطلاقه...
فبهذا يزول استشكال من استشكل من طلاب العلم كيف يكون التكليف من اصطلاحات المتكلمين ومع ذلك إستعمله العلماء وشاع عندهم
يقال لأنه يصح إستعماله إستعمالاً شرعياً صحيحا من بعض الأوجه ومن هذا الباب إستعملوا تفريق المتكلمين بين المتواتر والآحاد و تفريقهم كذلك بين الأصول والفروع ولها نظائر أخر.
الدرس الرابع من شرح المراقي