الحمد لله وبعد،
فهذا جمع لما نشره شيخنا الدكتور أبو الربيع عرفات بن حسن المحمديّ في دراسة موسعة لتحقيق مفهوم قول الله ﷻ في آية مصارف الزكاة :{وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة :٦٠].
{۞ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة : ٦٠]،
هذا الآية العظيمة اشتملت على مصارف الزكاة الثمانية وهي مصارف متفق عليها، وقد أجمع العلماء على أن من أدّى زكاته للأصناف الثمانية فقد أدّى ما فُرض عليه. (انظر: الإجماع لابن المنذر ص ٥٧).
وما أريده من هذه الآية هنا هو قوله تعالى : {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}.
ما المراد بهذا الصنف وهل يدخل فيها كل أنواع القرب؟ لاسيما وأن بعضهم أجاز صرف الزكاة للقنوات الفضائية !!
وسيكون البحث من عدة مطالب:
المقدمة:
المطلب الأول: المسألة المتفق عليها.
المطلب الثاني: نقل الإجماع عليها.
المطلب الثالث: أدلة الإجماع.
المطلب الرابع: المسألة المختلف فيها.
المطلب الخامس: أدلة المسألة المختلف فيها.
المطلب السادس: القول المحدث.
المطلب السابع: أدلة هذا القول المحدث.
المطلب الثامن: فتاوى العلماء.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
المقدمة:
فيقول الله تعالى:
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
قال ابن المنذر رحمه الله في الإجماع ص٥٧:
(وقد أجمع العلماء على أنَّ من أدَّى زكاته للأصناف الثمانية فقد أدَّى ما فُرض عليه).
قال ابن القيم رحمه الله في الزاد (٢/٨):
(والرب سبحانه تولى قسم الصدقة بنفسه وجزأها ثمانية أجزاء، يجمعها صنفان من الناس.
أحدهما: من يأخذ لحاجة فيأخذ بحسب شدة الحاجة وضعفها وكثرتها وقلتها، وهم الفقراء والمساكين، وفي الرقاب، وابن السبيل.
والثاني: من يأخذ لمنفعته وهم العاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، والغارمون لإصلاح ذات البين، والغزاة في سبيل الله، فإن لم يكن الآخذ محتاجًا، ولا فيه منفعة للمسلمين، فلا سهم له في الزكاة). اهـ
قلت : وقد أفتى أحد المشايخ بجواز صرف الزكاة في القنوات الفضائية الدعوية، استدلالاً بقوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}.
ولا أعرف عالما –بحسب اطلاعي- نصَّ على جواز صرف الزكاة للقنوات الفضائية، ومن أجازه إنما أجازه متكئا على فتاوى بعض العلماء المعاصرين بجواز صرفها في الدعوة إلى الله ولطلاب العلم، وهذا وذاك لا قائل به، ويكفي في إثبات مجانبة هذا القول للصواب أنه لا يُعرف عن أحدٍ من الصحابة، ولا من التابعين، ولا الأئمة الفقهاء المرضيين السابقين، فلا قائل به.
ومن المقرر عند أهل العلم أن السلف لو اختلفوا على قولين، فليس لأحد أن يحدث قولاً ثالثًا ولا رابعًا.
ويستحيل أنْ يخفى ذلك على السلف فيجتمعون على خطأ، فلو كان هذا القولُ حقًا لنُقل عن أحدٍ من الصحابة، أو أحد العلماء المعتبرين من أصحاب القرون المفضلة.
قال الألباني رحمه الله:
(وأنا أعتقد جازمًا، بأنْ من أسباب هذا التوسيع أمران اثنان،
الأمر الأول: هو عدم الاعتداد بعلم السلف، وبتفسير السلف من جهة،
والأمر الآخر أن أغنياء المسلمين لما قصروا عن القيام بواجبات أخرى من الصدقات التي تجب علاوة عن الزكاة لما قصروا ذاك التقصير أرادوا أن يسدوا هذه الثغرة بتأويل النص القرآني، وتوسيع دائرة استعمال مصارف الزكاة إلى أوسع مدى ممكن، وهذا في الحقيقة خطأ مزدوج، يذكرني بالقول المعروف المأثور "أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل" ما يكون معالجة الأخطاء التي يقع فيها العالم الإسلامي بتحوير النصوص وتأويلها إن لم نقل تحريفها إلى معاني لم يكن يعرفها المسلمون من قبل، في سبيل معالجة بعض الأخطاء التي تقع اليوم).
من سلسلة الهدى شريط ١٧٣.
قلت: ومن أجاز صرفها لطلاب العلم أو الدعوة رأى أن العلم والدعوة إلى الله يدخل في الجهاد في سبيل الله!
وهذا لا يسلم له ولا دليل عليه، فلا تؤخذ الأحكام بهذا العموم ولا قائل من السلف بهذا العموم، وإلا لفتح الباب على مصراعيه، فلو قال قائل كل من جاهد نفسه في طاعة الله استحق الزكاة؛ لأنَّ النبي ﷺ يقول: "المجاهد من جاهد نفسه...".
أخرجه ابن المبارك في الجهاد ١٧٥، وأحمد ٢٣٩٥١، والترمذي ١٦٢١، والنسائي في الكبرى ١١٧٩٤، والحاكم ٥٥/١ وهو حديث صحيح.
فهذا لازم يلزم كل من يحتاج بالألفاظ العامة ولا يلتفت إلى خلاف السلف، ومن هذا المنطلق أفتى مجموعة من المعاصرين ممن لا يحتج بقولهم كمحمد عبده، ومحمود شلتوت، وسيد قطب، ورشيد رضا، كلهم ذهبوا إلى جواز صرفها في المصالح العامة.
وفي هذه الوريقات أحبّ أن أبين معنى هذا المصرف مُدعّمًا قولي بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، وفتاوى العلماء.
فهذا جمع لما نشره شيخنا الدكتور أبو الربيع عرفات بن حسن المحمديّ في دراسة موسعة لتحقيق مفهوم قول الله ﷻ في آية مصارف الزكاة :{وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة :٦٠].
بسم الله الرحمان الرحيم
{۞ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة : ٦٠]،
هذا الآية العظيمة اشتملت على مصارف الزكاة الثمانية وهي مصارف متفق عليها، وقد أجمع العلماء على أن من أدّى زكاته للأصناف الثمانية فقد أدّى ما فُرض عليه. (انظر: الإجماع لابن المنذر ص ٥٧).
وما أريده من هذه الآية هنا هو قوله تعالى : {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}.
ما المراد بهذا الصنف وهل يدخل فيها كل أنواع القرب؟ لاسيما وأن بعضهم أجاز صرف الزكاة للقنوات الفضائية !!
وسيكون البحث من عدة مطالب:
المقدمة:
المطلب الأول: المسألة المتفق عليها.
المطلب الثاني: نقل الإجماع عليها.
المطلب الثالث: أدلة الإجماع.
المطلب الرابع: المسألة المختلف فيها.
المطلب الخامس: أدلة المسألة المختلف فيها.
المطلب السادس: القول المحدث.
المطلب السابع: أدلة هذا القول المحدث.
المطلب الثامن: فتاوى العلماء.
(صرف الزكوات في ما أمر به رب الأرض والسموات لا صرفها في القنوات)
بسم الله الرحمان الرحيم
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
المقدمة:
فيقول الله تعالى:
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
قال ابن المنذر رحمه الله في الإجماع ص٥٧:
(وقد أجمع العلماء على أنَّ من أدَّى زكاته للأصناف الثمانية فقد أدَّى ما فُرض عليه).
قال ابن القيم رحمه الله في الزاد (٢/٨):
(والرب سبحانه تولى قسم الصدقة بنفسه وجزأها ثمانية أجزاء، يجمعها صنفان من الناس.
أحدهما: من يأخذ لحاجة فيأخذ بحسب شدة الحاجة وضعفها وكثرتها وقلتها، وهم الفقراء والمساكين، وفي الرقاب، وابن السبيل.
والثاني: من يأخذ لمنفعته وهم العاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، والغارمون لإصلاح ذات البين، والغزاة في سبيل الله، فإن لم يكن الآخذ محتاجًا، ولا فيه منفعة للمسلمين، فلا سهم له في الزكاة). اهـ
قلت : وقد أفتى أحد المشايخ بجواز صرف الزكاة في القنوات الفضائية الدعوية، استدلالاً بقوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}.
ولا أعرف عالما –بحسب اطلاعي- نصَّ على جواز صرف الزكاة للقنوات الفضائية، ومن أجازه إنما أجازه متكئا على فتاوى بعض العلماء المعاصرين بجواز صرفها في الدعوة إلى الله ولطلاب العلم، وهذا وذاك لا قائل به، ويكفي في إثبات مجانبة هذا القول للصواب أنه لا يُعرف عن أحدٍ من الصحابة، ولا من التابعين، ولا الأئمة الفقهاء المرضيين السابقين، فلا قائل به.
ومن المقرر عند أهل العلم أن السلف لو اختلفوا على قولين، فليس لأحد أن يحدث قولاً ثالثًا ولا رابعًا.
ويستحيل أنْ يخفى ذلك على السلف فيجتمعون على خطأ، فلو كان هذا القولُ حقًا لنُقل عن أحدٍ من الصحابة، أو أحد العلماء المعتبرين من أصحاب القرون المفضلة.
قال الألباني رحمه الله:
(وأنا أعتقد جازمًا، بأنْ من أسباب هذا التوسيع أمران اثنان،
الأمر الأول: هو عدم الاعتداد بعلم السلف، وبتفسير السلف من جهة،
والأمر الآخر أن أغنياء المسلمين لما قصروا عن القيام بواجبات أخرى من الصدقات التي تجب علاوة عن الزكاة لما قصروا ذاك التقصير أرادوا أن يسدوا هذه الثغرة بتأويل النص القرآني، وتوسيع دائرة استعمال مصارف الزكاة إلى أوسع مدى ممكن، وهذا في الحقيقة خطأ مزدوج، يذكرني بالقول المعروف المأثور "أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل" ما يكون معالجة الأخطاء التي يقع فيها العالم الإسلامي بتحوير النصوص وتأويلها إن لم نقل تحريفها إلى معاني لم يكن يعرفها المسلمون من قبل، في سبيل معالجة بعض الأخطاء التي تقع اليوم).
من سلسلة الهدى شريط ١٧٣.
قلت: ومن أجاز صرفها لطلاب العلم أو الدعوة رأى أن العلم والدعوة إلى الله يدخل في الجهاد في سبيل الله!
وهذا لا يسلم له ولا دليل عليه، فلا تؤخذ الأحكام بهذا العموم ولا قائل من السلف بهذا العموم، وإلا لفتح الباب على مصراعيه، فلو قال قائل كل من جاهد نفسه في طاعة الله استحق الزكاة؛ لأنَّ النبي ﷺ يقول: "المجاهد من جاهد نفسه...".
أخرجه ابن المبارك في الجهاد ١٧٥، وأحمد ٢٣٩٥١، والترمذي ١٦٢١، والنسائي في الكبرى ١١٧٩٤، والحاكم ٥٥/١ وهو حديث صحيح.
فهذا لازم يلزم كل من يحتاج بالألفاظ العامة ولا يلتفت إلى خلاف السلف، ومن هذا المنطلق أفتى مجموعة من المعاصرين ممن لا يحتج بقولهم كمحمد عبده، ومحمود شلتوت، وسيد قطب، ورشيد رضا، كلهم ذهبوا إلى جواز صرفها في المصالح العامة.
وفي هذه الوريقات أحبّ أن أبين معنى هذا المصرف مُدعّمًا قولي بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، وفتاوى العلماء.
تعليق