وأما صفة جلوسه، فكما تقدم بين السجدتين سواء، يجلس على رجله اليُسرى، وينصِب اليمنى. ولم يُرو عنه في هذه الجلسة غير هذه الصفة.
وأما حديثُ عبد اللّه بن الزبير رضي اللّه عنه الذي رواه مسلم "صحيحه" أنه صلى الله عليه وسلم، كان إذا قَعَد في الصلاة، جعل قَدَمَه اليُسرى بين فخذه وساقه، وفرش قدمه اليمنى فهذا في التَّشهد الأخير كما يأتي، وهو أحدُ الصفتين اللتين رُويتا عنه، ففي "الصحيحين" مِن حديث أبي حُميد في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم: "فإذَا جلس في الركعتين، جَلَس على رِجله اليُسرى، ونصَب الأخرى، وإذا جلس في الركعة الأخيرة، قدَّم رجله اليسرى، وَنصبَ اليمنى، وَقَعَد على مقعدته" فذكر أبو حُميد أنه كان ينصِب اليمنى. وذكر ابن الزبير أنه كان يفرشها، ولم يقل أحد عنه صلى الله عليه وسلم: إن هذه صفة جلوسه في التشهد الأول، ولا أعلم أحداً قال به، بل مِن الناس من قال: يتورَّك في التشهدين، وهذا مذهب مالك رحمه اللّه،ومِنهم من قال: يفترش فيهما، فينصب اليمنى، ويفترش اليُسرى، ويجلس عليها، وهو قول أبي حنيفة رحمه اللّه، ومنهم من قال يتورَّك في كل تشهد يليه السلام، ويفترش في غيره، وهو قول الشافعي رحمه اللّه، ومنهم من قال يتورَّك في كلِّ صلاة فيها تشهدان في الأخير منهما، فرقاً بين الجلوسين، وهو قول الإِمام أحمد رحمه اللّه. ومعنى حديث ابن الزبير رضي اللّه عنه أنه فرش قدمه اليمنى: أنه كان يجلس في هذا الجلوس على مقعدته، فتكون قدمه اليمنى مفروشةً، وقدمُه اليُسرى بين فخذه وساقه، ومقعدته على الأرض، فوقع الاختلاف في قدمه اليمنى في هذا الجلوس: هل كانت مفروشة أو منصوبة؟ وهذا - واللّه أعلم - ليس اختلافاً في الحقيقة، فإنه كان لا يجلس على قدمه، بل يخرجها عن يمينه، فتكون بين المنصوبة والمفروشة، فإنها تكون على باطنها الأيمن، فهي مفروشة بمعنى أنه ليس ناصباً لها، جالساً على عقبه، ومنصوبة بمعنى أنه ليس جالساً على باطنها وظهرها إلى الأرض، فصح قول أبي حُميد ومن معه، وقول عبد اللّه بن الزبير، أو يقال: إنه صلى الله عليه وسلم كان يَفْعَلُ هذا وهذا، فكان ينصِبُ قدمَه، وربما فرشها أحياناً، وهذا أروحُ لها. واللّه أعلم.
كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد م 1 ص 92 ط دار البيان الحديثة