بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد،
فإن هناك مسألة يكثر استشكال الناس فيها ويزداد فيها استدراك بعضهم على بعض في المساجد وخارجها، وهذه المسألة عن موقع سنة الفجر من الفريضة .
هذا وقد قمت بجمع أقوال أهل العلم في المسألة وتلخيصها في هذه المناقشة:
قام أحمد من نومه مسرعًا وهو يسمع الإقامة فتوضأ وأصبح في حيرة أيصلي في منزله أم يلحق الصلاة؟ ولكنه حزم أمره ولحق، وبينما هو داخل إلى المسجد وجد سالمًا يصلي لوحده خارج المسجد فتعجب ولحق بالإمام قبل الركوع من الركعة الأولى .
وبعد سلام الإمام، لحق أحمد بالرجل وقال له:
السلام عليكم يا أخانا، لقد لاحظت حرصك على الصلاة في جماعة وهذا أمر محمود مأمور به في الشرع فبارك الله فيك على حرصك، ولكن قد رأيتك اليوم تصلى لوحدك والإمام يقرأ في الركعة الأولى، فما هذه الصلاة؟
سالم: وعليك السلام ورحمة الله، فاتتني سنة الفجر فأردت أن أصليها حتى لا تفوتني قبل الصلاة .
أحمد: ولكن ألا تعلم أن العلماء يقولون أن هذا الفعل لا ينبغي؟
سالم: كيف وقد روي عن ابن مسعود وبه قال الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة ومالك؟
أحمد: أما أبوحنيفة ومالك فقد اشترطا أن تكون خارج المسجد، يعني في بيتك مثلاً، وأما مالك فقد زاد أن لا يخشى فوات الركعة الأولى من الفريضة، وأما الثوري والأوزاعي فقد قيدا ذلك بأمن عدم فوات الفريضة.
سالم: نعم جزاك الله خيرًا، ولكنهم قالوا به وأنا تحقق عندي ما اشترطوه لذلك ..
أحمد: ولكن قد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يعارض ذلك وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، قال -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» .
سالم: أنا مالكي يا أخي وآخذ بمذهب مالك في هذه المسألة .
أحمد: وأنا أقول لك ما قاله ابن عباس في هذا: «والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله، أحدثكم عن رسول الله، وتحدثونا عن أبي بكر وعمر»!
سالم: وأنا أرد عليك بما رد عليه عروة: «لهما أعلم بسنة رسول الله ، وأتبع لها منك»!
أحمد: هذا يقال يا أخي إذا لم يثبت مخالف في المسألة، ثم إن الخطيب البغدادي قد علق على كلام عروة بن الزبير فقال : قد كان أبو بكر وعمر على ما وصفهما به عروة إلا أنه لا ينبغي أن يُقَلَّدَ أحدٌ في ترك ما ثبتت به سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ..
فيا أخي سالم إن حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- حجة بنفسه لا بعمل الناس من بعده .
سالم: قد يكون الحديث منسوخًا، أو لم يصح عندهم، أو أن العلماء أولوا الحديث وفهموه على خلاف فهمك!
أحمد: أما كونه منسوخًا فالبينة على المدعي كما قال -صلى الله عليه وسلم- أين الناسخ؟
وأما كونه ضعيفًا فكيف وهو في صحيح مسلم؟
وأما كون العلماء قد أولوه فكيف وهو صريح لغة وشرعًا وعرفًا في النهي عن ذلك؟
وأما كونه فهمي فليس كذلك، فهو ما عليه ابن باز والألباني وابن عثيمين وكل من أعرف من المشايخ المعاصرين لم أجد لهم مخالفًا .
سالم: أنا آخذ بالمتقدمين فقط، فهم أعلم ..
أحمد: طيب، قد روي عن عمر بن الخطاب وابنه وأبي هريرة -رضي الله عنهم- والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور العمل بظاهر هذا الحديث في النهي عما قمت به، فلماذا نقدم قول أولئك على هؤلاء إلا أن يكون تقديمنا فيما يوافق حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- ؟
سالم: قال به هؤلاء؟! نعم .. صحيح، الحديث صريح في النهي عن هذه الصلاة .. ولكن كيف يخالف أولئك السنة وهم صحابة وعلماء أئمة فضلاء؟ جعلتني في حيرة .
أحمد: لا عليك يا أخي، الكثير من المسلمين يستشكلون ومن سأل أهل العلم ذهب إشكاله وذهبت شبهته؛ لقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية رسالة سماها: "رفع الملام عن الأئمة الأعلام ذكر فيها هذه المسألة بالتفصيل ووجوه الاعتذار للأئمة والعلماء، فاقرأها وارجع لها فهي في مكتبة المسجد، ولكن هذ الاعتذار شيء ورد السنة شيء آخر بارك الله فيك !
سالم: نعم، جزاك الله خيرًا، سأقرأها إن شاء الله، وبارك الله فيك على الدلالة على هذه الرسالة، نسأل الله أن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه ..
أحمد: طيب بارك الله فيك، ونسأل الله أن يشرح صدرك وأن ييسر أمرك، الآن أتركك لأصلي راتبة الفجر التي فاتتني ..
سالم: وكيف تصليها في وقت النهي!
أحمد: يبدو أن الشمس ستشرق ونحن نتحدث فنخرج من الخلاف -ابتسامة-.
لقد أقر الرسول -صلى الله عليه وسلم- صلاة الراتبة لمن فاتته قبل الفجر بعد الفريضة مباشرة.
كما في حديث قيس بن عمرو -رضي الله عنه-: أنه صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصبح ولم يكن ركع ركعتي الفجر فلما سلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سلم معه ثم قام فركع ركعتي الفجر ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينظر إليه فلم ينكر ذلك عليه، وورد بعدة روايات فيها سؤاله إياه ماذا صلى وسكوته بعد ذلك وقد صححه الألباني رحمه الله.
سالم: ولكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال في حديث أبي هريرة: من لم يصل ركعتي الفجر فليصليهما إذاطلعت الشمس، وقد صححه الألباني أيضًا .
أحمد: نعم ولكن إقراره لا يخالف أمره -صلى الله عليه وسلم- وفيه التخيير، وعلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن إبراهيم وابن عقيل وابن باز والألباني وابن عثيمين والعباد وغيرهم لا أعلم لهم مخالفًا من المعاصرين، أما شيخ الإسلام ابن تيمية فقد رأى أولوية تقديمها قبل الضحى وكذلك الشيخ ابن عثيمين إذا خشي أن ينساها بعد الضحى أو أن تفوته ، وأما الشيخ ابن عقيل فقد رأى أن صلاتها بعد الضحى أفضل للسنة القولية في ذلك، مع جواز فعلها قبل الشروق للسنة التقريرية في ذلك .
سالم: ولماذا تترك الفاضل إلى المفضول ؟
أحمد: لأنني غالبًا ما أنساها إذا تركتها إلى ذلك الوقت بسبب طبيعة العمل، وأنسى استحضار النية في الجمع بينها وبين الضحى أيضًا في أحيان أخرى إن صليت الضحى .
سالم: طيب جزاك الله خيرًا على الفوائد، وبارك الله فيك، أنا أيضًا يثقل علي الأمر، وكانت تفوتني، أما الآن وقد علمت جواز صلاة ذوات الأسباب في أوقات النهي، فسأصلي أنا أيضًا .
أحمد: وفيك بارك الله، فمن يرد الله به خيرًا يفقه في الدين وييسر أمره .
سالم: عندي سؤال له علاقة بهذه المسألة وقد فتحناها .. وهو عما إذا فاتتني الفريضة وأردت صلاتها في بيتي هل أبدأ بالنافلة؟ وماذا إن كانت هناك دقائق قليلة تفصل عن الشروق؟
أحمد: بين العلماء أنك تصليها بنفس الترتيب، النافلة ثم الفريضة لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لما انصرف من خيبر وأصحابه، والأمر ذاته إذا بقيت دقائق قليلة تقدم السنة الراتبة؛ لأنك معذور؛ لأن وقتها في حقك يبدأ من وقت استيقاظك لا من طلوع الشمس؛ ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك) .
سالم: طيب جزاك الله خيرًا وبارك فيك .
أحمد: وإياك، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.