بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
الحمدُ لله وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبِيِّـنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه والتَّابعينَ لهمْ بإحسانٍ ، أمَّا بعدُ :
فأحببتُ نقلَ هذه المشاركةِ الَّتي كُتِبتْ تعقيبًا على كلامِ أحدِ الإخوةِ في موضوعِ :
[ http://www.ajurry.com/vb/showthread.php?t=43419 ] وإفرادَها ؛ حتَّى لا يكثرَ الاستطرادُ ، ولا يتشعَّبَ الكلامُ ؛ فيُنسيَ أصلَ المسألةِ ، ولكيْ تتمَّ فائدةُ المدارسةِ والمذاكرةِ معَ الإخوانِ ، وبالله التَّوفيقُ :
المشاركة الأصلية بواسطة أبو عائشة محمد عواد
مشاهدة المشاركة
جيبُ الثَّوبِ في الأَصلِ هو الشّقُّ الَّذي يُخرَجُ ـ أو يُدخَلُ ! ـ منه الرَّأسُ ، والسُّنَّـةُ أن يكونَ موضِعُه في وسطِ القميصِ عندَ الصَّدرِ ، ومنهُ :
ـ قولُه تعالى : (( وليضْرِبْنَ بِخُمُرِهنَّ على جيوبهنَّ )) ، قالَ سعيدُ بْنُ جُبيرٍ رحمه الله تعالى : ( يَعني على النَّحرِ والصَّدرِ ؛ فلا يُرى منه شَيْءٌ ) اهـ .
ـ وحديثُ النَّهيِ عنْ شقِّ الجيوبِ في الجنائزِ ، فالقصدُ منه ما يفعلُه الجازعُ منْ إمساكِ هذا الموضِعِ بيدَيْه وشدِّه حتَّى يتقطَّعَ الثَّوبُ ، وليسَ الكيسَ الَّذي يُخاطُ في الصَّدرِ أو أحدِ الطَّرَفينِ !
ـ ومنهُ حديثُ معاويةَ بنِ قرَّةَ رحمه اللهُ تعالى عنْ أبيه رضيَ اللهُ عنه أنَّه بايعَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّمَ معَ قومِه ، ثمَّ أدخلَ يدَه في جيبِ قميصِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ فمسَّ الخاتمَ ـ خاتم النُّـبُوَّةِ ـ ، أخرجه أبو داود رحمه الله تعالى .
ـ وقدْ بوَّبَ البُخاريُّ رحمه اللهُ تعالى في صحيحِه ، في كتابِ اللِّباسِ : ( بابٌ : جيبُ القميصِ عندَ الصَّدرِ وغيرِه ) ، ثمَّ ذكرَ حديثَ أبي هُرَيْرةَ رضيَ اللهُ عنهُ في مَثَلِ المتصدِّقِ والبخيلِ ، يُراجعُ الحديثُ معَ شرحِه ، و وجهِ الاستدلالِ به على استحباب كونِ الجيبِ ـ مخرجِ الرَّأسِ ـ في صدرِ القميصِ .
ومأخذُه في اللُّغةِ : مِن جاب بمعنى : قطعَ ، قالَ تعالى : (( وثمودَ الَّذينَ جابُوا الصَّخْرَ بالوادِ )) ، فالجيبُ في العربيَّـةِ هُو : الشّقُّ في أيِّ شَيْءٍ كانَ ، والعُرفُ ـ فيما يتعلَّـقُ بالثَّوبِ ـ إطلاقُه على الفتحةِ الَّتي يُخرجُ منها الرَّأسُ ، فإذا عبَّرنا عنِ الجيبِ الآخرِ ـ الَّذي يقصِدُه أخونا ـ بهذا المعنى فهو يصلُحُ في الشّقِّ الَّذي يُوصلُ بِه إلى الكيسِ الَّذي تُوضَعُ فيه النُّقودُ ونحوُها ، لا في الكيسِ نفسِه ، وإطلاقُه على الكيسِ مولَّـدٌ غيرُ فصيحٍ .
وعلى هذا المعنى المولَّدِ : فلا يظهرُ استحبابُ جعلِ الجيبِ في يمينٍ أو شمالٍ ، بلْ هو منَ المباحاتِ المستويَـةِ الطَّرفَـيْنِ ، ولا أنَّه مما يتحقَّقُ فيه التَّشبُّـهُ بالنَّبي صلَّى اللهُ علَيْه وعلى آلِه وسلَّمَ ؛ إذِ المعلومُ أنَّ الأقدَمينَ لم يكونوا يتِّخِذُونَ هذه الجيوبَ ، وإنَّما كانوا يستعملونَ في حفظِ الأشياءِ أكمامَ ثيابهمْ ، أو حافظاتٍ منفصلةً .
ولا يتحقَّقُ التَّشبُّـهُ إلَّا فيما ثبتَ وصْفُه منْ قولٍ أو فعلٍ أو خُلُقٍ أو عادةٍ ، فيوافِقُ الإنسانُ فيه هذا الوصْفَ الَّذي نُقلَ كما نُقِلَ ، سواءٌ في العباداتِ أوِ العاداتِ ؛ وإذا كانَ كذلكَ فالموصوفُ صلى اللهُ علَيْه وعلى آلِه وسلَّمَ بحُبِّ التَّيامنِ في شأنِه كلِّه والآمرُ بتقديمِ اليمينِ وتفضيلِها إذا لم يثبُتْ عنهُ أنَّه كانَ يتِّخذُ جيـبًا على يمينِ ثوبِه كانَ ذلكَ دالًّا على عدمِ دخولِ هذا الأمرِ في التَّيامُنِ الَّذي كانَ يُحبُّـهُ ويأمرُ بِه .
ثمَّ إنَّ ( التَّيامُنَ ) ( تفاعُلٌ ) منَ اليمينِ ، وهو دالٌّ على الحركةِ والعملِ ، فهو في بابِ الأفعالِ فيما يشتركُ فيه طرفا الإنسانِ ، فيقدِّمُ في شريفِ الأمورِ يمينَه ، ويقدِّمُ في غيرِ الشَّريفِ شمالَهُ ، كالأكلِ والشُّربِ ، والدُّخولِ والخروجِ ، واللُّبسِ والخلعِ ، والأخذِ والإعطاءِ ... الخ ، فكلُّ هذه أفعالٌ ، ولا يعبَّرُ عنْ وضْعِ شيءٍ على اليمينِ وإثباتِه فيه بالتَّيامُن ، سواءٌ وضعُ الجيبِ في الثَّوبِ أو وضعُ شيءٍ منْ أثاثِ البيتِ ـ مثلًا ـ على اليمينِ ، أو بابِ البيتِ يجعلُه على يمينِ البيت ، أو غيرِ ذلكَ .
ولكنْ قدْ يُؤْخَذُ ـ معَ ضعفٍ ـ تقديمُ اليمينِ في مثلِ هذا مِنْ عُمومِ تفضيلِ جهةِ اليمينِ على الشِّمالِ ، لا منِ استحبابِ التَّيامُنِ في الأفعالِ .
و ربَّما فَضَّلَ بعضُ النَّاسِ جعلَ جيبِ الثَّوبِ على يمينِه عندَ إرادةِ الاكتفاءِ بجيبٍ واحدٍ ؛ من بابِ تسهيلِ الأخذِ والعطاءِ باليمينِ ، حتَّى لا يَحتاجَ إلى أن يُخرجَ الشَّيءَ منْ جيبِه بِشمالِه ثمَّ ينقلَه إلى يمينِه ليُناوِلَه صاحبَه ، لا لذاتِ استحبابِ التيمُّنِ في خياطةِ الجيبِ في الثَّوبِ ، فلو جعلَ له جيبَـيْنِ منَ الطَّرفَيْنِ لم يكنْ فيه مخالفةٌ للتَّيمُّنِ المذكورِ .
الحاصلُ : أنَّ إدخالَ هذا الأمرِ في عمومِ تَشريفِ اليَمينِ بنوعِ اجتهادٍ لا يُحقِّـقُ معنى التَّشبُّـهِ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وعلى آلِه وسلَّمَ ، بلْ إذا ثبتَ أنَّه صلَّى اللهُ علَيْه وعلى آلِه وسلَّمَ لم يكنْ لثوبِه جَيبٌ ـ لما سبقَ من عادةِ أهلِ ذلكَ الزمانِ ، وأنَّه علَيْه الصَّلاةُ والسَّلامُ كانَ يلبَسُ ما يلبَسُه أهلُ زمانِه ومكانِه إلَّا ما نهى عنهُ لمعنًى فيه ـ كانَ التَّشبُّـهُ بِه في تركِ الجيبِ رأسًا أقْوَى وأظهرَ ، معَ أنَّ السُّنَّـةَ في هذا البابِ ـ كما قالَ العلَماءُ ـ موافقةُ عادةِ أهلِ البلدِ في كلِّ زمانٍ ، إلَّا ما خالفَ الشَّرعَ .
هذا الإيرادُ على الاستدلالِ المذكورِ حتَّى يَردَ نصٌّ في وصفِ ثوبِه صلى اللهُ علَيْه وعلى آلِه وسلَّمَ بوجودِ جيبٍ ـ أيْ : ( مخباة = مخبأة ) كما تُسَمَّى عندنا ـ فيه ، فمنْ وقفَ على شيءٍ من ذلكَ فليفدْ إخوانَه .
................
ثمَّ وقفتُ بعدَ كتابةِ ما سبقَ على هذه الفتوى منَ اللَّجنةِ الدَّائمةِ :
......
الفتوى رقم (4680) :
هل للمرأة أن تلبس ما تشاء من الثياب ؟
س : إنه لا يخفى عليك في هذا العصر ما أحدث من تقاليد ، منها : إحداث فتحة الجيب من الخلف ، والبعض منها على وسطه حزام ، وأعلى الثوب ضيق والأسفل واسع ، ومع ذلك إن بعض الثياب ضيقة حتى كل أعضائها تشاهد ، كأن لم يكن عليها ثوب ، والبعض من النساء تحتج بأن المشائخ أفتوا بأن المرأة تلبس ما شاءت من الزينة ، وفي بعض الأحيان تجيئهم الفتوى من برنامج ( نور على الدرب ) في الإذاعة بأنها تلبس ما شاءت من الزينة لزوجها بدون تفصيل ، فالآن- جزاكم الله خير الجزاء - بينوا لنا الطريقة التي كان عليها السلف الصالح ، وبما شرعه لنا الصادق المصدوق ، والبعض من الثياب والمخدات وغيرها فيها صور ، هل يجوز استعمالها أم لا ؟ أفتونا مأجورين .
ج : أولا : الملابس من الأمور العادية ، والأصل فيها الجواز ، ولا يعدل عنه إلا بدليل شرعي يوجب ذلك ، ولا نعلم دليلا شرعيا على جعل فتحة الجيب في مكان أو جهة معينة من الثوب ، ولا على منع وضع ما يسمى السحاب في هذه الفتحة في أي جهة من الثياب ، إنما الممنوع أن يكون الثوب ضيقا يحدد مكان العورة من الجسم ، أو يكون رقيقا يشف عما تحته ، أو قصيرا تظهر منه العورة أو بعضها ، أو فيه تشبه بالملابس المختصة بالكفار ، أو تشبه النساء بالرجال ، أو الرجال بالنساء .
س : إنه لا يخفى عليك في هذا العصر ما أحدث من تقاليد ، منها : إحداث فتحة الجيب من الخلف ، والبعض منها على وسطه حزام ، وأعلى الثوب ضيق والأسفل واسع ، ومع ذلك إن بعض الثياب ضيقة حتى كل أعضائها تشاهد ، كأن لم يكن عليها ثوب ، والبعض من النساء تحتج بأن المشائخ أفتوا بأن المرأة تلبس ما شاءت من الزينة ، وفي بعض الأحيان تجيئهم الفتوى من برنامج ( نور على الدرب ) في الإذاعة بأنها تلبس ما شاءت من الزينة لزوجها بدون تفصيل ، فالآن- جزاكم الله خير الجزاء - بينوا لنا الطريقة التي كان عليها السلف الصالح ، وبما شرعه لنا الصادق المصدوق ، والبعض من الثياب والمخدات وغيرها فيها صور ، هل يجوز استعمالها أم لا ؟ أفتونا مأجورين .
ج : أولا : الملابس من الأمور العادية ، والأصل فيها الجواز ، ولا يعدل عنه إلا بدليل شرعي يوجب ذلك ، ولا نعلم دليلا شرعيا على جعل فتحة الجيب في مكان أو جهة معينة من الثوب ، ولا على منع وضع ما يسمى السحاب في هذه الفتحة في أي جهة من الثياب ، إنما الممنوع أن يكون الثوب ضيقا يحدد مكان العورة من الجسم ، أو يكون رقيقا يشف عما تحته ، أو قصيرا تظهر منه العورة أو بعضها ، أو فيه تشبه بالملابس المختصة بالكفار ، أو تشبه النساء بالرجال ، أو الرجال بالنساء .
ثانيا : لا يجوز اتخاذ الثياب التي فيها صور ذوات الأرواح ؛ لعموم نصوص النهي عن تصوير ذوات الأرواح ، واتخاذها في البيوت ، ولما في اتخاذ المرأة ملابس فيها صور من الفتنة ، وخاصة إذا خرجت من بيتها أو كان معها أجانب في دارها ، أما اتخاذها وسائد أو بسطا فلا حرج فيه ، لما فيه امتهانها ، وقد ثبت من حديث عائشة وأبي هريرة ما يدل على ذلك .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس : عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
نائب الرئيس : عبدالرزاق عفيفي
عضو : عبدالله بن غديان
عضو : عبدالله بن قعود
........
يُلْحظُ فيه :
ـ قولُ السَّائلِ : ( فتحة الجيبِ ) فهذا يدلُّ على أنَّه جعلَ الجيبَ هو الكيس ، وهذا استعمالٌ مولَّدٌ كما سبقَ ، وإنَّما الَّذي يوافقُ المعنى اللُّغَوِيَّ هو التعبيرُ بالجيبِ عنِ الفتحةِ نفسِها الَّتي منها يوصلُ إلى الكيسِ ؛ لأنَّ الجيبَ الشِّقُّ ، وإنْ كانَ الأصلُ ـ كما مضى ـ أنَّهمْ وقفُوهُ على الشِّقِّ في الصَّدرِ الَّذي يخرجُ منه الرَّأسُ وحسبُ .
ـ وقولُه : ( المشائخ ) ، ولا تهمزُ كما هو معلومٌ .
ـ وقولُه : ( والبعضُ منَ الثِّيابِ ) صوابُه : وبعضُ الثِّيابِ .
...........وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس : عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
نائب الرئيس : عبدالرزاق عفيفي
عضو : عبدالله بن غديان
عضو : عبدالله بن قعود
........
يُلْحظُ فيه :
ـ قولُ السَّائلِ : ( فتحة الجيبِ ) فهذا يدلُّ على أنَّه جعلَ الجيبَ هو الكيس ، وهذا استعمالٌ مولَّدٌ كما سبقَ ، وإنَّما الَّذي يوافقُ المعنى اللُّغَوِيَّ هو التعبيرُ بالجيبِ عنِ الفتحةِ نفسِها الَّتي منها يوصلُ إلى الكيسِ ؛ لأنَّ الجيبَ الشِّقُّ ، وإنْ كانَ الأصلُ ـ كما مضى ـ أنَّهمْ وقفُوهُ على الشِّقِّ في الصَّدرِ الَّذي يخرجُ منه الرَّأسُ وحسبُ .
ـ وقولُه : ( المشائخ ) ، ولا تهمزُ كما هو معلومٌ .
ـ وقولُه : ( والبعضُ منَ الثِّيابِ ) صوابُه : وبعضُ الثِّيابِ .
واللهُ أعلمُ ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّـنا محمَّدٍ ، وعلى آلِه وصحبِه .
تعليق