بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه
هذا بحث للشيخ عبد القادر الجنيد حفظه الله
تبصير مريد الأضحية بحكم اشتراك أهل البيت الواحد في سُبع بعير أو سُبع بقرة
الحمد لله العزيز الجبار، والصلاة والسلام على النبي محمد إمام المتقين الأبرار، وعلى آله وأصحابه البررة الأخيار، والتابعين لهم بإحسان ما أضاءت الأقمار.
أما بعد:
فهذا مبحث فقهي لطيف حول:
“اشتراك أهل البيت الواحد في سبع بعير أو سبع بقرة”.
عسى الله – عز وجل – أن ينفع به الكاتب والقارئ والناشر، إنه جواد كريم.
وسوف يكون الكلام عن هذه المسألة في وقفتين:
الوقفة الأولى / عن أفضلية التضحية بالشاة الواحدة عن الرجل وأهل بيته على سُبع البدنة أو سُبع البقرة.
لا ريب أن الأفضل لمريد الأضحية عن نفسه وعن أهل بيته أن يضحي بشاة واحدة من الغنم.
وقد دَلَّ على هذه الأفضلية أمران:
أحدهما: ثبوت التشريك في الرأس الواحد من الغنم عن النبي ﷺ، وعن أصحابه – رضي الله عنهم -، بخلاف التشريك في سُبع البدنة أو البقرة فلم يأت به حديث ولا أثر.
ودونكم أدلة ثبوت هذا التشريك:
أولاً: أخرج الإمام مسلم (1967) عن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها -:
(( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ، فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ، فَقَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ، هَلُمِّي الْمُدْيَةَ، ثُمَّ قَالَ: اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ، فَفَعَلَتْ: ثُمَّ أَخَذَهَا، وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قَالَ: بِاسْمِ اللهِ، اللهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ ضَحَّى بِهِ )).
وقال عبد الله بن الإمام أحمد – رحمهما الله – في “مسائله عن أبيه”(971):
سألت أبي:
قلت: يُضحى بالشَّاة عن أهل البيت؟.
قال: لا بأس قد ذبح النبي ﷺ كبشين قرَّب أحدهما فقال: (( بسم الله هذا عن محمد وأهل بيته …))، قال نحو هذا الكلام.اهـ
ثانياً: أخرج الترمذي (1505) وابن ماجه (3147) عن عطاء بن يسار – رحمه الله – أنه قال: سألت أبا أيوب الأنصاري: كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله ﷺ فقال:
(( كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ، فَصَارَتْ كَمَا تَرَى )).
وصححه: الترمذي وابن قدامة المقدسي والألباني.
ثالثاً: أخرج عبد الرزاق (8150) ومن طريقه ابن ماجه (314 واللفظ لهما، والبيهقي (19055) عن أبي سَرِيحَة الغِفَاري- رضي الله عنه – قال:
(( حَمَلَنِي أَهْلِي عَلَى الْجَفَاءِ بَعْدَ مَا عَلِمْتُ مِنَ السُّنَّةِ، كَانَ أَهْلُ الْبَيْتِ يُضَحُّونَ بِالشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ، وَالْآنَ يُبَخِّلُنَا جِيرَانُنَا )).
وصحح إسناده: البوصيري والشوكاني والحسن الرباعي والألباني.
رابعاً: قال عبد الرزاق في “مصنفه”(8152):
عن الثوري عن خالد عن عكرمة:
(( أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَذْبَحُ الشَّاةَ يَقُولُ أَهْلُهُ: وَعَنَّا، فَيَقُولُ: وَعَنْكُمْ )).
وإسناده صحيح.
خامساً: أخرج البخاري في “صحيحه”(7210) عن أبي عقيل زُهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام – رضي الله عنه – أنه:
(( كَانَ يُضَحِّي بِالشَّاةِ الوَاحِدَةِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ )).
وقال العلامة عبد الله بن عبد الرحمن أبابطين – رحمه الله – كما في “الدرر السنية”(5/ 406):
وأما في الفضل فقد ذكر العلماء أن الشاة أفضل من سُبع بدنة.اهـ
والآخر: أن التضحية بشاة واحدة تقرب إلى الله تعالى بدم كامل مستقل، والتضحية بسُبع بدنة أو سُبع بقرة تقرب بدم مشرَّك مبعض، والقربة بالدم المستقل أفضل من القربة بالدم المشرَّك.
الوقفة الثانية / عن حكم تضحية الرجل عن نفسه وعن أهل بيته بسُبع بدنة أو سُبع بقرة.
اختلف أهل العلم من المتأخرين أو المعاصرين في تشريك الرجل نفسه وأهله في الأضحية بسبع البدنة أو سُبع البقرة على قولين:
القول الأول: أن هذا التشريك لا يجوز ولا يجزئ.
وقد قال به:
عبد الله بن عبد الرحمن أبابطين، وعبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ، وأخوه محمد بن عبد اللطيف، ومحمد بن إبراهيم آل الشيخ، وعبد الله بن محمد بن حميد، وعبد الرحمن بن محمد بن قاسم، – رحمهم الله تعالى -.
وقال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ – رحمه الله – كما في “فتاويه ورسائله”(6/ 149):
وفتوانا وفتوى مشايخنا على عدم إجزاء ذلك.اهـ
وقوي هذا القول من جهتين:
الأولى: أن هذا النوع من التشريك لم يأت فيه نص لا عن النبي ﷺ، ولا عن أصحابه – رضي الله عنهم -، وإنما ورد في الشاة الكاملة، فيقتصر على ما ورد في النص ولا يتجاوز.
قال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ – رحمه الله – كما في “فتاويه ورسائله”(6/ 150):
سُبع البدنة لا يجزئ إلا عن شخص واحد، والدليل إنما يطلب ممن أجازه، لأنه المدعي إجزاء السُبع عن اثنين فصاعداً، ولا فرق في ذلك بين الهدايا والضحايا، ولا يجد مدعي ذلك إلى تحصيل الدليل سبيلاً، والنسك عبادة محضة، والعبادات توقيفية.اهـ
وقال العلامة عبد الله بن عبد الرحمن أبابطين – رحمه الله – كما في “الدرر السنية”(5/ 406):
واما مسألة التشريك في سبع البدنة أو البقرة فلم أر ما يدل على الجواز ولا عدمه، وإن كان بعض الذي أدركنا يفعلون ذلك، لكني ما رأيت ما يدل عليه.اهـ
الثانية: أن هذا التشريك لم ينقل فعله عن السلف الصالح من أهل القرون المفضلة – رحمهم الله تعالى -.
قال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ – رحمه الله – كما في “فتاويه ورسائله”(6/ 149) عن هذا التشريك:
وأيضاً ما جاء عن السلف فعل ذلك لا في الهدايا ولا في الضحايا.اهـ
وقال العلامة عبد الله بن محمد بن حميد – رحمه الله – كما في “الدرر السنية”(5/ 40:
أما الاشتراك في سبع البدنة، فلم أر أحداً من أهل العلم يقول به، بل أفتى الرملي الشافعي وبعض فقهاء نجد قبل هذه الدعوة بالمنع، لمفهوم قوله ﷺ: (( تجزي الشاة عن الرجل وأهل بيته ))، ولأن الشاة دم مستقل، بخلاف سبع البدنة، فإنه شركة في دم، ولعدم مساواته لها في العقيقة والزكاة، فحينئذ يقتصر على مورد النص، والله أعلم.اهـ
القول الثاني: أن هذا التشريك يجوز ويجزئ.
وقد قال به:
عبد الرحمن بن ناصر السعدي، وعبد العزيز بن عبد الله بن باز، ومحمد بن صالح بن عثيمين، وأحمد بن يحيى النجمي – رحمهم الله تعالى -.
ووجه هذا القول:
أن النبي ﷺ قد أقام سبع البدنة أو البقرة مقام الشاة الواحدة من الغنم في هدي الحج وهدي الإحصار، فدل على أنه مجزئ عما تجزئ عنه، وكما أجزأت هي عن الرجل وأهل بيته، أجزأ السُبع مثلها.
فأخرج الإمام مسلم في “صحيحه”(1318-352) عن جابر- رضي الله عنه – أنه قال:
(( حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَحَرْنَا الْبَعِيرَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ )).
وأخرج أيضاً (1318-351) عن جابر- رضي الله عنه – أنه قال:
(( نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ )).
وقد يجاب عن هذا الاحتجاج بأجوبه:
الأول: أن حديث جابر – رضي الله عنه – نص في إجزاء البدنة أو البقرة عن سبعة، وليس في التشريك في السُبع، وإدخال السُبع فيه زيادة على النص.
وقد أشار إلى نحو هذا الجواب العلامة عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ – رحمه الله -.
الثاني: أن هذه النتيجة المأخوذة من حديث جابر – رضي الله عنه – بالإجزاء في الأضحية لم يُنقل إعمالها عن السلف الصالح من أهل القرون الأولى، ولا نقل تداولها عن المتقدمين من أئمة الفقه وشُرَّاح الحديث، مع توافر الإبل والبقر عند الناس، حتى أنها عند بعضهم أكثر من الغنم.
وقد قال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ – رحمه الله – كما في “فتاويه ورسائله”(6/ 149):
وأيضاً ما جاء عن السلف فعل ذلك، لا في الهدايا، ولا في الضحايا.اهـ
الثالث: أن ذبح الشاة في الأضحية يغاير ذبح الشاة في باب الهدي والإحصار من بعض الوجوه.
إذ دَلَّ النص على جواز التشريك في الأضحية بالشاة، وقصر الشاة في باب الهدي والإحصار على نفس واحدة.
وهذا قد يضعف الإلحاق في باب الأضحية.
وينظر للتأكد والاستزادة:
الدرر السنية في الأجوبة النجدية (5/ 406-40، و مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (1/ 673)، ومفيد الأنام ونور الظلام في تحرير الأحكام لحج بيت الله الحرام لابن جاسر (ص:897)، وفتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (6/ 148-151)، وحاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع (4/ 220)، وثلاث رسائل للسعدي (ص11-1، وفتاوى نور على الدرب (18/ 203-205 رقم:122- لابن باز)، ومجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (18/ 44)، واختيارات ابن باز (ص:364-365)، ورسائل فقهية لابن عثيمين (ص58-60)، وفتح الرب الودود في الفتاوى والرسائل والردود (1/ 293) للنجمي، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (6/ 212-213 رقم: 5 و6/ 217 رقم:8790).
وكتبه:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.
قال العلامة الإثيوبي حفظه الله في شرح النسائي(ج33ص326) :
✔(مسألة): فِي اختلاف أهل العلم فِي حكم الاشتراك فِي التضحية بالبدنة والبقرة: قَالَ العلّامة ابن قُدامة رحمه الله تعالى فِي "المغني" ج: ١٣ ص: ٣٦٣ - ٣٦٥: ما حاصله:
ذهب أكثر أهل العلم إلى أن البدنة تحزىء عن سبعة وكذلك البقرة، روي ذلك عن علي، وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وعائشة رضي الله عنهم، وبه قَالَ عطاء، وطاوس، وسالم، والحسن، وعمرو بن دينار، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وعن عمر أنه قَالَ: لا تجزىء نفس واحدة عن سبعة، ونحوُهُ قول مالك، قَالَ أحمد: ما علمت أحدا إلا يرخص فِي ذلك، إلا ابن عمر، وعن سعيد بن المسيب: أن الجزور عن عشرة، والبقرة عن سبعة، وبه قَالَ إسحاق؛ لما روى رافع، أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قسم، فعدل عشرة منْ الغنم، ببعير، متَّفقٌ عليه. وعن ابن عباس، قَالَ، كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فِي سفر، فحضر الأضحى، فاشتركنا فِي الجزور عن عشرة، والبقرة عن سبعة، حديث صحيح رواه أصحاب السنن.
واحتجّ الأولون بما رواه جابر رضي الله تعالى عنه، قَالَ: نحرنا بالحديبية، مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة، وَقَالَ أيضا: كنا نتمتع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنذبح البقرة عن سبعة، نشترك فيها، رواه مسلم، وهذان أصحُّ منْ حديثهم.
وأما حديث رافع، فهو فِي القسمة، لا فِي الأضحية، إذا ثبت هَذَا، فسواء كَانَ المشتركون منْ أهل بيت، أو لم يكونوا، مفترضين، أو متطوعين، أو كَانَ بعضهم يريد القربة، وبعضهم يريد اللحم؛ لأن كل إنسان منهم، إنما يجزىء عنه نصيبه، فلا تضره نية غيره فِي عشرة.
انتهى كلام ابن قُدامة ببعض تصرّف.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي ذهب إليه ابن المسيّب، وإسحاق منْ أن الجزور تجزىء عن عشرة هو الأرجح عندي؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما المذكور، فإنه نصّ فِي محلّ النزاع، ولا ينافي حديث جابر رضي الله عنه، فإنه فِي التمتّع، وحكمهما مختلف، بدليل أن الشاة الواحدة تكفي عن أهل بيت، فِي الأضحيّة، دون التمتّع. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
هذا بحث للشيخ عبد القادر الجنيد حفظه الله
تبصير مريد الأضحية بحكم اشتراك أهل البيت الواحد في سُبع بعير أو سُبع بقرة
الحمد لله العزيز الجبار، والصلاة والسلام على النبي محمد إمام المتقين الأبرار، وعلى آله وأصحابه البررة الأخيار، والتابعين لهم بإحسان ما أضاءت الأقمار.
أما بعد:
فهذا مبحث فقهي لطيف حول:
“اشتراك أهل البيت الواحد في سبع بعير أو سبع بقرة”.
عسى الله – عز وجل – أن ينفع به الكاتب والقارئ والناشر، إنه جواد كريم.
وسوف يكون الكلام عن هذه المسألة في وقفتين:
الوقفة الأولى / عن أفضلية التضحية بالشاة الواحدة عن الرجل وأهل بيته على سُبع البدنة أو سُبع البقرة.
لا ريب أن الأفضل لمريد الأضحية عن نفسه وعن أهل بيته أن يضحي بشاة واحدة من الغنم.
وقد دَلَّ على هذه الأفضلية أمران:
أحدهما: ثبوت التشريك في الرأس الواحد من الغنم عن النبي ﷺ، وعن أصحابه – رضي الله عنهم -، بخلاف التشريك في سُبع البدنة أو البقرة فلم يأت به حديث ولا أثر.
ودونكم أدلة ثبوت هذا التشريك:
أولاً: أخرج الإمام مسلم (1967) عن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها -:
(( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ، فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ، فَقَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ، هَلُمِّي الْمُدْيَةَ، ثُمَّ قَالَ: اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ، فَفَعَلَتْ: ثُمَّ أَخَذَهَا، وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قَالَ: بِاسْمِ اللهِ، اللهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ ضَحَّى بِهِ )).
وقال عبد الله بن الإمام أحمد – رحمهما الله – في “مسائله عن أبيه”(971):
سألت أبي:
قلت: يُضحى بالشَّاة عن أهل البيت؟.
قال: لا بأس قد ذبح النبي ﷺ كبشين قرَّب أحدهما فقال: (( بسم الله هذا عن محمد وأهل بيته …))، قال نحو هذا الكلام.اهـ
ثانياً: أخرج الترمذي (1505) وابن ماجه (3147) عن عطاء بن يسار – رحمه الله – أنه قال: سألت أبا أيوب الأنصاري: كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله ﷺ فقال:
(( كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ، فَصَارَتْ كَمَا تَرَى )).
وصححه: الترمذي وابن قدامة المقدسي والألباني.
ثالثاً: أخرج عبد الرزاق (8150) ومن طريقه ابن ماجه (314 واللفظ لهما، والبيهقي (19055) عن أبي سَرِيحَة الغِفَاري- رضي الله عنه – قال:
(( حَمَلَنِي أَهْلِي عَلَى الْجَفَاءِ بَعْدَ مَا عَلِمْتُ مِنَ السُّنَّةِ، كَانَ أَهْلُ الْبَيْتِ يُضَحُّونَ بِالشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ، وَالْآنَ يُبَخِّلُنَا جِيرَانُنَا )).
وصحح إسناده: البوصيري والشوكاني والحسن الرباعي والألباني.
رابعاً: قال عبد الرزاق في “مصنفه”(8152):
عن الثوري عن خالد عن عكرمة:
(( أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَذْبَحُ الشَّاةَ يَقُولُ أَهْلُهُ: وَعَنَّا، فَيَقُولُ: وَعَنْكُمْ )).
وإسناده صحيح.
خامساً: أخرج البخاري في “صحيحه”(7210) عن أبي عقيل زُهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام – رضي الله عنه – أنه:
(( كَانَ يُضَحِّي بِالشَّاةِ الوَاحِدَةِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ )).
وقال العلامة عبد الله بن عبد الرحمن أبابطين – رحمه الله – كما في “الدرر السنية”(5/ 406):
وأما في الفضل فقد ذكر العلماء أن الشاة أفضل من سُبع بدنة.اهـ
والآخر: أن التضحية بشاة واحدة تقرب إلى الله تعالى بدم كامل مستقل، والتضحية بسُبع بدنة أو سُبع بقرة تقرب بدم مشرَّك مبعض، والقربة بالدم المستقل أفضل من القربة بالدم المشرَّك.
الوقفة الثانية / عن حكم تضحية الرجل عن نفسه وعن أهل بيته بسُبع بدنة أو سُبع بقرة.
اختلف أهل العلم من المتأخرين أو المعاصرين في تشريك الرجل نفسه وأهله في الأضحية بسبع البدنة أو سُبع البقرة على قولين:
القول الأول: أن هذا التشريك لا يجوز ولا يجزئ.
وقد قال به:
عبد الله بن عبد الرحمن أبابطين، وعبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ، وأخوه محمد بن عبد اللطيف، ومحمد بن إبراهيم آل الشيخ، وعبد الله بن محمد بن حميد، وعبد الرحمن بن محمد بن قاسم، – رحمهم الله تعالى -.
وقال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ – رحمه الله – كما في “فتاويه ورسائله”(6/ 149):
وفتوانا وفتوى مشايخنا على عدم إجزاء ذلك.اهـ
وقوي هذا القول من جهتين:
الأولى: أن هذا النوع من التشريك لم يأت فيه نص لا عن النبي ﷺ، ولا عن أصحابه – رضي الله عنهم -، وإنما ورد في الشاة الكاملة، فيقتصر على ما ورد في النص ولا يتجاوز.
قال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ – رحمه الله – كما في “فتاويه ورسائله”(6/ 150):
سُبع البدنة لا يجزئ إلا عن شخص واحد، والدليل إنما يطلب ممن أجازه، لأنه المدعي إجزاء السُبع عن اثنين فصاعداً، ولا فرق في ذلك بين الهدايا والضحايا، ولا يجد مدعي ذلك إلى تحصيل الدليل سبيلاً، والنسك عبادة محضة، والعبادات توقيفية.اهـ
وقال العلامة عبد الله بن عبد الرحمن أبابطين – رحمه الله – كما في “الدرر السنية”(5/ 406):
واما مسألة التشريك في سبع البدنة أو البقرة فلم أر ما يدل على الجواز ولا عدمه، وإن كان بعض الذي أدركنا يفعلون ذلك، لكني ما رأيت ما يدل عليه.اهـ
الثانية: أن هذا التشريك لم ينقل فعله عن السلف الصالح من أهل القرون المفضلة – رحمهم الله تعالى -.
قال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ – رحمه الله – كما في “فتاويه ورسائله”(6/ 149) عن هذا التشريك:
وأيضاً ما جاء عن السلف فعل ذلك لا في الهدايا ولا في الضحايا.اهـ
وقال العلامة عبد الله بن محمد بن حميد – رحمه الله – كما في “الدرر السنية”(5/ 40:
أما الاشتراك في سبع البدنة، فلم أر أحداً من أهل العلم يقول به، بل أفتى الرملي الشافعي وبعض فقهاء نجد قبل هذه الدعوة بالمنع، لمفهوم قوله ﷺ: (( تجزي الشاة عن الرجل وأهل بيته ))، ولأن الشاة دم مستقل، بخلاف سبع البدنة، فإنه شركة في دم، ولعدم مساواته لها في العقيقة والزكاة، فحينئذ يقتصر على مورد النص، والله أعلم.اهـ
القول الثاني: أن هذا التشريك يجوز ويجزئ.
وقد قال به:
عبد الرحمن بن ناصر السعدي، وعبد العزيز بن عبد الله بن باز، ومحمد بن صالح بن عثيمين، وأحمد بن يحيى النجمي – رحمهم الله تعالى -.
ووجه هذا القول:
أن النبي ﷺ قد أقام سبع البدنة أو البقرة مقام الشاة الواحدة من الغنم في هدي الحج وهدي الإحصار، فدل على أنه مجزئ عما تجزئ عنه، وكما أجزأت هي عن الرجل وأهل بيته، أجزأ السُبع مثلها.
فأخرج الإمام مسلم في “صحيحه”(1318-352) عن جابر- رضي الله عنه – أنه قال:
(( حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَحَرْنَا الْبَعِيرَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ )).
وأخرج أيضاً (1318-351) عن جابر- رضي الله عنه – أنه قال:
(( نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ )).
وقد يجاب عن هذا الاحتجاج بأجوبه:
الأول: أن حديث جابر – رضي الله عنه – نص في إجزاء البدنة أو البقرة عن سبعة، وليس في التشريك في السُبع، وإدخال السُبع فيه زيادة على النص.
وقد أشار إلى نحو هذا الجواب العلامة عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ – رحمه الله -.
الثاني: أن هذه النتيجة المأخوذة من حديث جابر – رضي الله عنه – بالإجزاء في الأضحية لم يُنقل إعمالها عن السلف الصالح من أهل القرون الأولى، ولا نقل تداولها عن المتقدمين من أئمة الفقه وشُرَّاح الحديث، مع توافر الإبل والبقر عند الناس، حتى أنها عند بعضهم أكثر من الغنم.
وقد قال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ – رحمه الله – كما في “فتاويه ورسائله”(6/ 149):
وأيضاً ما جاء عن السلف فعل ذلك، لا في الهدايا، ولا في الضحايا.اهـ
الثالث: أن ذبح الشاة في الأضحية يغاير ذبح الشاة في باب الهدي والإحصار من بعض الوجوه.
إذ دَلَّ النص على جواز التشريك في الأضحية بالشاة، وقصر الشاة في باب الهدي والإحصار على نفس واحدة.
وهذا قد يضعف الإلحاق في باب الأضحية.
وينظر للتأكد والاستزادة:
الدرر السنية في الأجوبة النجدية (5/ 406-40، و مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (1/ 673)، ومفيد الأنام ونور الظلام في تحرير الأحكام لحج بيت الله الحرام لابن جاسر (ص:897)، وفتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (6/ 148-151)، وحاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع (4/ 220)، وثلاث رسائل للسعدي (ص11-1، وفتاوى نور على الدرب (18/ 203-205 رقم:122- لابن باز)، ومجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (18/ 44)، واختيارات ابن باز (ص:364-365)، ورسائل فقهية لابن عثيمين (ص58-60)، وفتح الرب الودود في الفتاوى والرسائل والردود (1/ 293) للنجمي، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (6/ 212-213 رقم: 5 و6/ 217 رقم:8790).
وكتبه:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.
قال العلامة الإثيوبي حفظه الله في شرح النسائي(ج33ص326) :
✔(مسألة): فِي اختلاف أهل العلم فِي حكم الاشتراك فِي التضحية بالبدنة والبقرة: قَالَ العلّامة ابن قُدامة رحمه الله تعالى فِي "المغني" ج: ١٣ ص: ٣٦٣ - ٣٦٥: ما حاصله:
ذهب أكثر أهل العلم إلى أن البدنة تحزىء عن سبعة وكذلك البقرة، روي ذلك عن علي، وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وعائشة رضي الله عنهم، وبه قَالَ عطاء، وطاوس، وسالم، والحسن، وعمرو بن دينار، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وعن عمر أنه قَالَ: لا تجزىء نفس واحدة عن سبعة، ونحوُهُ قول مالك، قَالَ أحمد: ما علمت أحدا إلا يرخص فِي ذلك، إلا ابن عمر، وعن سعيد بن المسيب: أن الجزور عن عشرة، والبقرة عن سبعة، وبه قَالَ إسحاق؛ لما روى رافع، أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قسم، فعدل عشرة منْ الغنم، ببعير، متَّفقٌ عليه. وعن ابن عباس، قَالَ، كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فِي سفر، فحضر الأضحى، فاشتركنا فِي الجزور عن عشرة، والبقرة عن سبعة، حديث صحيح رواه أصحاب السنن.
واحتجّ الأولون بما رواه جابر رضي الله تعالى عنه، قَالَ: نحرنا بالحديبية، مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة، وَقَالَ أيضا: كنا نتمتع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنذبح البقرة عن سبعة، نشترك فيها، رواه مسلم، وهذان أصحُّ منْ حديثهم.
وأما حديث رافع، فهو فِي القسمة، لا فِي الأضحية، إذا ثبت هَذَا، فسواء كَانَ المشتركون منْ أهل بيت، أو لم يكونوا، مفترضين، أو متطوعين، أو كَانَ بعضهم يريد القربة، وبعضهم يريد اللحم؛ لأن كل إنسان منهم، إنما يجزىء عنه نصيبه، فلا تضره نية غيره فِي عشرة.
انتهى كلام ابن قُدامة ببعض تصرّف.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي ذهب إليه ابن المسيّب، وإسحاق منْ أن الجزور تجزىء عن عشرة هو الأرجح عندي؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما المذكور، فإنه نصّ فِي محلّ النزاع، ولا ينافي حديث جابر رضي الله عنه، فإنه فِي التمتّع، وحكمهما مختلف، بدليل أن الشاة الواحدة تكفي عن أهل بيت، فِي الأضحيّة، دون التمتّع. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.