الصاع المعتبر شرعا في الكفارات وزكاة الفطر وغيرها هل هو توقيفي أم يخضع للاجتهاد؟
" الوزن وزن أهل مكة ,و المكيال مكيال أهل المدينة " .
هذا حديث صحيح، الصحيحة (165) ، الإرواء (1342) ، أحاديث البيوع
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 267 :
رواه ابن الأعرابي في " معجمه " ( 167 / 2 ) و أبو داود ( 2340 ) و النسائي
( 7 / 281 المطبعة المصرية ) و ابن حبان ( 1105 ) و الطبراني ( 3 / 202 / 1 )
و الطحاوي في " مشكل الآثار " ( 2 / 99 ) و أبو نعيم في " الحلية " ( 4 / 20 )
و البيهقي ( 6 / 31 ) من طريقين عن سفيان عن حنظلة عن طاووس عن #
ابن عمر # مرفوعا .
قوله المكيال على مكيال أهل المدينة أي الصاع الذي يتعلق به وجوب الكفارات
و يجب إخراج صدقة الفطر به صاع المدينة وكانت الصيعان مختلفة في البلاد ، و
المراد بالوزن وزن الذهب والفضة فقط أي الوزن المعتبر في باب الزكاة وزن أهل
مكة وهي الدراهم التي العشرة منها بسبعة مثاقيل وكانت الدراهم مختلفة
الأوزان في البلاد وكانت دراهم أهل مكة هي الدراهم المعتبرة في باب الزكاة .
وقال في السلسلة الصحيحة أيضا:
165- ( الْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ) .
قال الإمام الطحاوي رحمه الله : ( تأملنا هذا الحديث , فوجدنا مكة لم يكن بها ثمرة ولا زرع حينئذ , وكذلك كانت قبل ذلك الزمان ألا ترى إلى قول إبراهيم عليه السلام (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ) إبراهيم 37 , وإنما كانت بلد متجر , يوافي الحاج إليها بتجارات فيبيعونها هناك , وكانت المدينة بخلاف ذلك , لأنها دار النخل , ومن ثمارها حياتهم , وكانت الصدقات تدخلها , فيكون الواجب فيها من صدقة تؤخذ كيلاً , فجعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأمصار كلها لهذين المصرين أتباعاً , وكان الناس يحتاجون إلى الوزن في أثمان ما يبتاعون , وفيما سواها مما يتصرفون فيه من العروض ومن أداء الزكوات وما سوى ذلك مما يستعملونه , فيما يسلمونه فيه من غيره من الأشياء التي يكيلونها , وكانت السنة قد منعت من إسلام موزون في موزون , ومن إسلام مكيل في مكيل , وأجازت إسلام المكيل في موزون , والموزون في مكيل , ومنعت من بيع الموزون بلموزون , إلا مثلاً بمثل , ومن بيع المكيل بالمكيل , إلا مثلاً بمثل , وكان الوزن في ذلك أصله مكان عليه كان بمكة , والمكيال مكيال أهل المدينة , لا يتغير عن ذلك , وإن غيره الناس عما كان عليه إلى ما سواه من ضده , فيرحبون بذلك إلى معرفة الأشياء المكيلات التي لها حكم المكيال إلى ماكان عليه أهل المكاييل فيها يومئذ , وفي الأشياء الموزونات إلى ماكان عليه أهل الميزان يومئذ , وأن أحكامها لا تتغير عن ذلك ولا تنقلب عنها إلى أضدادها ) .
قلت : ومن ذلك يتبين لنا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو أول من وضع أصل توحيد الموازين والمكاييل , ووجه المسلمين إلى الرجوع في ذلك إلى أهل هذين البلدين المفضلين : مكة المكرمة والمدينة المنورة .
فليتأمل العاقل هذا , ولينظر حال المسلمين اليوم واختلافهم في مكاييلهم وموازينهم , على أنواع شتى , بسبب هجرهم لهذا التوجيه النبوي الكريم , ولما شعر بعض المسؤولين في بعض الدول العربية المسلمة بسوء هذا الاختلاف , اقترح البعض عليهم توحيد ذلك وغيره كالمقاييس بالرجوع إلى عرف الكفار فيها , فوا أسفاه , لقد كنا سادة وقادة لغيرنا بعلمنا وتمسكنا بشريعتنا , وإذا بنا اليوم أتباع ومقلدون , ولمن ؟ لمن كانوا في الأمس القريب يقلدوننا , ويأخذون العلوم عنا , ولكن لا بد لهذا الليل من أن ينجلي , ولا بد للشمس أن تشرق مرة أخرى , وها قد لا حت تباشير الصبح , وأخذت بعض الدول الإسلامية تعتمد على نفسها في كل شؤون حياتها , بعد أن كانت فيها عالة على غيرها , ولعلها تسير في ذلك على هدي كتاب ربها وسنة نبيها , ولله في خلقه شؤون. ا.ه رحمه الله
وفي سنن النسائي:
4594 - أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ الْمُلَائِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، ح وَأَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمِكْيَالُ عَلَى مِكْيَالِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْوَزْنُ عَلَى وَزْنِ أَهْلِ مَكَّةَ»، وَاللَّفْظُ لِإِسْحَاقَ
قال السندي في الحاشية:
الْمِكْيَال على مكيال أهل الْمَدِينَة أَي الصَّاع الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ وجوب الْكَفَّارَات وَيجب إِخْرَاج صَدَقَة الْفطر بِهِ صَاع الْمَدِينَة وَكَانَت الصيعان مُخْتَلفَة فِي الْبِلَاد وَالْوَزْن الخ المُرَاد وزن الذَّهَب وَالْفِضَّة فَقَط وَالْمرَاد أَن الْوَزْن الْمُعْتَبر فِي بَاب الزَّكَاة وزن أهل مَكَّة وَهِي الدَّرَاهِم الَّتِي الْعشْرَة مِنْهَا بسبعة مَثَاقِيل وَكَانَت الدَّرَاهِم مُخْتَلفَة الأوزان فِي الْبِلَاد وَكَانَت دَرَاهِم أهل مَكَّة هِيَ الدَّرَاهِم الْمُعْتَبرَة فِي بَاب الزَّكَاة فأرشد صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ذَلِك لهَذَا الْكَلَام كَمَا أرشد إِلَى بَيَان الصَّاع الْمُعْتَبر فِي بَاب الْكَفَّارَات وَصدقَة الْفطر بِمَا سبق وَالله تَعَالَى أعلم ا.ه رحمه الله
وفي سنن أبي داود » كتاب البيوع » باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم المكيال مكيال المدينة
3340 حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن دكين حدثنا سفيان عن حنظلة عن طاوس عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوزن وزن أهل مكة والمكيال مكيال أهل المدينة قال أبو داود وكذا رواه الفريابي وأبو أحمد عن سفيان وافقهما في المتن و قال أبو أحمد عن ابن عباس مكان ابن عمر ورواه الوليد بن مسلم عن حنظلة قال وزن المدينة ومكيال مكة قال أبو داود واختلف في المتن في حديث مالك بن دينار عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا
قال العظيم آبادي في عون المعبود مثبتا للحديث وشارحا:
( ابن دكين ) مصغر هو فضل بن دكين ثقة حافظ ( أخبرنا سفيان ) هو الثوري ( عن حنظلة ) بن أبي سفيان الجمحي ( الوزن ) أي المعتبر ( وزن أهل مكة ) لأنهم أهل تجارات ، فعهدهم بالموازين وعلمهم بالأوزان أكثر . كذا قاله القاضي ( والمكيال ) المعتبر ( مكيال أهل المدينة ) لأنهم أصحاب زراعات فهم أعلم بأحوال المكاييل . وفي شرح [السنة : الحديث فيما يتعلق بالكيل والوزن من حقوق الله تعالى كالزكوات والكفارات ونحوها حتى لا تجب الزكاة في الدراهم حتى تبلغ مائتي درهم بوزن مكة ، والصاع في صدقة الفطر صاع أهل المدينة كل صاع خمسة أرطال وثلث رطل . كذا في المرقاة . وقال السندي في حاشية النسائي : قوله المكيال على مكيال أهل المدينة أي الصاع الذي يتعلق به وجوب الكفارات ويجب إخراج صدقة الفطر به صاع المدينة وكانت الصيعان مختلفة في البلاد ، والمراد بالوزن وزن الذهب والفضة فقط أي الوزن المعتبر في باب الزكاة وزن أهل مكة وهي الدراهم التي العشرة منها بسبعة مثاقيل وكانت الدراهم مختلفة الأوزان في البلاد وكانت دراهم أهل مكة هي الدراهم المعتبرة في باب الزكاة ، فأرشد صلى الله عليه وسلم إلى ذلك لهذا الكلام ، كما أرشد إلى بيان الصاع المعتبر في باب الكفارات وصدقة الفطر انتهى . وفي نيل الأوطار : والحديث فيه دليل على أنه يرجع عند الاختلاف في الكيل إلى مكيال المدينة ، وعند الاختلاف في الوزن إلى ميزان مكة .
أما مقدار ميزان مكة فقال ابن حزم : بحثت غاية البحث عن كل من وثقت بتمييزه فوجدت كلا يقول : إن دينار الذهب بمكة وزنه اثنتان وثمانون حبة وثلاثة أعشار حبة بالحب من الشعير ، والدرهم سبعة أعشار المثقال ، فوزن الدرهم سبع وخمسون حبة وستة أعشار حبة وعشر عشر حبة ، فالرطل مائة وثمانية وعشرون درهما بالدرهم المذكور انتهى .
قال المنذري : والحديث أخرجه النسائي . وفي رواية لأبي داود عن ابن عباس مكان ابن عمر ، وفي رواية وزن المدينة ومكيال مكة انتهى .
قلت : حديث طاوس عن ابن عمر سكت عنه المؤلف والمنذري وأخرجه أيضا البزار وصححه ابن حبان والدارقطني .
( وكذا رواه الفريابي ) بكسر الفاء منسوب إلى فرياب مدينة ببلاد الترك كذا في جامع الأصول ، هو محمد بن يوسف ثقة فاضل عابد من أجلة أصحاب الثوري ( وأبو أحمد ) الزبيري الكوفي ثقة ( وافقهما ) أي وافق فضل بن دكين في هذا المتن الفريابي وأبا أحمد [ ص: 148 ] الزبيري ( وقال أبو أحمد عن ابن عباس ) والمعنى أي رواه فضل بن دكين عن سفيان الثوري بلفظ " الوزن وزن أهل مكة والمكيال مكيال أهل المدينة " وهكذا رواه محمد بن يوسف الفريابي وأبو أحمد الزبيري عن الثوري ، فهؤلاء الثلاثة اتفقوا في روايتهم عن الثوري على هذا اللفظ .
أما أبو أحمد الزبيري فجعله من مسندات ابن عباس ، وأما فضل بن دكين والفريابي فجعلاه من مسندات ابن عمر .
قلت : وكذا جعله أبو نعيم عن الثوري من حديث ابن عمر وروايته عند النسائي . قال المحدثون : طريق سفيان الثوري عن حنظلة عن طاوس عن ابن عمر هي أصح الروايات .
وروى الدارقطني من طريق أبي أحمد الزبيري عن سفيان عن حنظلة عن طاوس عن ابن عباس ، ورواه من طريق أبي نعيم عن الثوري عن حنظلة عن سالم بدل طاوس عن ابن عباس . قال الدارقطني : أخطأ أبو أحمد فيه ( ورواه الوليد بن مسلم ) الدمشقي ثقة لكنه كثير التدليس ( فقال وزن المدينة ومكيال مكة ) وهذا المتن مخالف لمتن سفيان ، ورجح المحدثون رواية سفيان في هذا ( واختلف ) بصيغة المجهول ( في المتن ) المروي ( في حديث مالك بن دينار عن عطاء ) مرسلا ( عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا ) الباب أي اختلف الرواة على مالك بن دينار في هذا الحديث المرسل في متنه ، فروى بعضهم عن مالك بن دينار كما رواه سفيان عن حنظلة ورواه بعضهم عن مالك بن دينار كما رواه الوليد بن مسلم عن حنظلة والله أعلم. ا.ه رحمه الله
وفي فتح الباري شرح صحيح االبخاري لابن حجر كتاب كفارات الأيمان » باب صاع المدينة ومد النبي صلى الله عليه وسلم وبركته وما توارث أهل المدينة من ذلك قرنا بعد قرن ما نصه:
6334 حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا القاسم بن مالك المزني حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن عن السائب بن يزيد قال كان الصاع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مدا وثلثا بمدكم اليوم فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز
قوله باب صاع المدينة ومد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبركته ) أشار في الترجمة إلى وجوب الإخراج في الواجبات بصاع أهل المدينة ; لأن التشريع وقع على ذلك أولا وأكد ذلك بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم بالبركة في ذلك
قوله وما توارث أهل المدينة من ذلك قرنا بعد قرن أشار بذلك إلى أن مقدار المد والصاع في المدينة لم يتغير لتواتره عندهم إلى زمنه وبهذا احتج مالك على أبي يوسف في القصة المشهورة بينهما فرجع أبو يوسف عن قول الكوفيين في قدر الصاع إلى قول أهل المدينة ثم ذكر في الباب ثلاثة أحاديث
9994 " الأول حديث السائب بن يزيد قوله كان الصاع على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - مدا وثلثا بمدكم اليوم فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز ) قال ابن بطال : هذا يدل على أن مدهم حين حدث به السائب كان أربعة أرطال فإذا زيد عليه ثلثه وهو رطل وثلث قام منه خمسة أرطال وثلث وهو الصاع بدليل أن مده - صلى الله عليه وسلم - رطل وثلث وصاعه أربعة أمداد
..........
ثم قال في الحديث رقم 6335 حدثنا منذر بن الوليد الجارودي حدثنا أبو قتيبة وهو سلم حدثنا مالك عن نافع قال كان ابن عمر يعطي زكاة رمضان بمد النبي صلى الله عليه وسلم المد الأول وفي كفارة اليمين بمد النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو قتيبة قال لنا مالك مدنا أعظم من مدكم ولا نرى الفضل إلا في مد النبي صلى الله عليه وسلم وقال لي مالك لو جاءكم أمير فضرب مدا أصغر من مد النبي صلى الله عليه وسلم بأي شيء كنتم تعطون قلت كنا نعطي بمد النبي صلى الله عليه وسلم قال أفلا ترى أن الأمر إنما يعود إلى مد النبي صلى الله عليه وسلم
الحديث الثاني قوله حدثنا أبو قتيبة وهو سلم ) بفتح المهملة وسكون اللام وفي رواية الدارقطني من وجه آخر عن المنذر " حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة " قلت وهو الشعيري بفتح الشين المعجمة وكسر المهملة بصري أصله من خراسان أدركه البخاري بالسن ومات قبل أن يلقاه وهو غير سلم بن قتيبة الباهلي ولد أمير خراسان قتيبة بن مسلم وقد ولي هو إمرة البصرة وهو أكبر من الشعيري ومات قبله بأكثر من خمسين سنة
قوله المد الأول ) هو نعت مد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي صفة لازمة له وأراد نافع بذلك أنه كان لا يعطي بالمد الذي أحدثه هشام قال ابن بطال : وهو أكبر من مد النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلثي رطل وهو كما قال فإن المد الهشامي رطلان والصاع منه ثمانية أرطال
قوله قال لنا مالك ) هو مقول أبي قتيبة وهو موصول
قوله مدنا أعظم من مدكم ) يعني في البركة أي مد المدينة وإن كان دون مد هشام في القدر لكن مد المدينة مخصوص بالبركة الحاصلة بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لها فهو أعظم من مد هشام ثم فسر مالك مراده [ ص: 607 ] بقوله ولا ترى الفضل إلا في مد النبي - صلى الله عليه وسلم -
قوله وقال لي مالك : لو جاءكم أمير إلخ ) أراد مالك بذلك إلزام مخالفه ; إذ لا فرق بين الزيادة والنقصان في مطلق المخالفة فلو احتج الذي تمسك بالمد الهشامي في إخراج زكاة الفطر وغيرها مما شرع إخراجه بالمد كإطعام المساكين في كفارة اليمين بأن الأخذ بالزائد أولى قيل كفى باتباع ما قدره الشارع بركة فلو جازت المخالفة بالزيادة لجازت مخالفته بالنقص فلما امتنع المخالف من الأخذ بالناقص قال له أفلا ترى أن الأمر إنما يرجع إلى مد النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه إذا تعارضت الأمداد الثلاثة : الأول والحادث وهو الهشامي وهو زائد عليه والثالث المفروض وقوعه وإن لم يقع وهو دون الأول كان الرجوع إلى الأول أولى ; لأنه الذي تحققت شرعيته . قال ابن بطال : والحجة فيه نقل أهل المدينة له قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل قال وقد رجع أبو يوسف بمثل هذا في تقدير المد والصاع إلى مالك وأخذ بقوله
ثمم قال في شرحه لحديث رقم 6336 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم بارك لهم في مكيالهم وصاعهم ومدهم
الحديث الثالث حديث أنس في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - " اللهم بارك لهم في مكيالهم وصاعهم ومدهم وقد تقدم في البيوع عن القعنبي عن مالك وزاد في آخره " يعني أهل المدينة " وكذا عند رواة الموطأ عن - مالك قال ابن المنير : يحتمل أن تختص هذه الدعوة بالمد الذي كان حينئذ حتى لا يدخل المد الحادث بعده ويحتمل أن تعم كل مكيال لأهل المدينة إلى الأبد قال والظاهر الثاني كذا قال وكلام مالك المذكور في الذي قبله يجنح إلى الأول وهو المعتمد وقد تغيرت المكاييل في المدينة بعد عصر مالك وإلى هذا الزمان ، وقد وجد مصداق الدعوة بأن بورك في مدهم وصاعهم بحيث اعتبر قدرهما أكثر فقهاء الأمصار ومقلدوهم إلى اليوم في غالب الكفارات وإلى هذا أشار المهلب والله أعلم ا.ه رحمه الله
ويكمن محل الاجتهاد في تحويل كيل أهل المدينة إلى الوزن الحديث بالكيلو جرام
ففي رسالة المختصر في زكاة الفطر كتبه الشيخ الفاضل أبي عمار علي الحذيفي حفظه الله – ما نصه:
بيان مقدار الصاع:
والصاع: - الصاع والصواع - بالكسر وبالضم - لغة : مكيال يكال به، وهو أربعة أمداد بالإجماع كما ذكرت "الموسوعية الفقهية الكويتية".
والمد: هو ملء كفي الرجل المتوسط المعتدل الخلقة، ثم اختلفوا في تقدير المد على قولين أحدهما: أن المد هو رطل وثلث رطل بغدادي وهذا قول جماهير أهل العلم.
واحتجوا بأنه إسناد متواتر يفيد القطع، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المكيال مكيال أهل المدينة) ولم يثبت لنا تغييره.
والثاني: أن المد هو ثمانية أرطال وهذا قول أبي حنيفة لأن أنس بن مالك قال : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد - وهو رطلان - ويغتسل بالصاع). وأجيب عنه بأن حديث أنس هذا انفرد به موسى بن نصر، وهو ضعيف الحديث كما قال الدارقطني، وذكر الطحاوي له شاهدا في "شرح معاني الآثار" إلا أن فيه يحيى بن عبد الحميد الحماني وهو متهم بسرقة الحديث" وشيخه شريك بن عبد الله النخعي ضعيف.
والقول بأن المد رطلان هو القول القديم لأبي يوسف صاحب أبي حنيفة، فقد روي أن أبا يوسف دخل المدينة، فسألهم عن الصاع ؟ فقالوا: خمسة أرطال وثلث، فطالبهم بالحجة فقالوا: غدا، فجاء من الغد سبعون شيخا، كل واحد منهم آخذ صاعا تحت ردائه، فقال: صاعي ورثته عن أبي، وورثه أبي عن جدي، حتى انتهوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فرجع أبو يوسف عن قوله".
قال ابن عبد البر في "التمهيد":
(والوسق: ستون صاعا بإجماع من العلماء بصاع النبي صلى الله عليه وسلم والصاع أربعة أمداد بمده صلى الله عليه وسلم ومده زنته رطل وثلث وزيادة شيء، هذا قول عامة العلماء بالحجاز والعراق).
وقال الداودي: معياره الذي لا يختلف أربع حفنات بكفي الرجل الذي ليس بعظيم الكفين ولا صغيرهما. "سبل السلام".
والراجح هو القول الأول لأن هذا التحديد تواتر عن أهل المدينة والكيل كيلهم فهم المعتبرون في هذا الباب كما في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المكيال مكيال أهل المدينة والوزن وزن أهل مكة). رواه أبو داود والنسائي وسنده صحيح.
وقد قدر العلماء الصاع بهذا التقدير بالكيلو ونحوه من الموزونات من باب التقريب وحفظ الأوزان وإن كان الأصل هو الكيل، وذلك لأمر مهم وهو أن المكاييل لا تحفظ كما تحفظ الأوزان ومما يدل على ذلك أن القمح يعتبر من المكيلات ولكنه في هذا العصر أصبح من الموزونات وذلك لتعرض الكيل إلى التغير والاندراس، ولذلك قال ابن قدامة في "المغني":
(وقد دللنا على أن الصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي فيما مضى والأصل فيه الكيل، وإنما قدره العلماء بالوزن ليحفظ وينقل، وقد روى جماعة عن أحمد، أنه قال: الصاع وزنته فوجدته خمسة أرطال وثلثا حنطة) أ.هـ
وذكر صاحب "الروض المربع" مثل ذلك.
أقول:
ولذلك قدر العلماء القلتين بالأرطال العراقية كما فعل ابن قدامة في "عمدة الفقه" وغيره من الفقهاء، وكذلك قدروا المد النبوي في باب اغتساله صلى الله عليه وسلم، فقد ورد عنه أنه كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، وكذلك تقدير الأوسق في باب الزكاة وغيرها من التقديرات، كل هذا تقريب للناس، فليس لهم وسيلة للوصول إلى هذا الكيل الصحيح أو غيره إلا بهذا الأمر، ومن هذا الباب تقدير دنانير الذهب ودراهم الفضة بالجرامات العصرية كل هذا تقدير وتقريب، ولذلك هم يختلفون فيها اختلافا يسيرا لا يكاد يعول عليه فمنهم من يقول 85 جرام، وآخرون يقولون هي دون ذلك وآخرون يقولون: هي فوق ذلك، والشرع يعفو عن الاختلاف اليسير بعد الاجتهاد والتحري فالشريعة أعظم من أن تكلف العباد بأمور يسيرة لا قدرة لهم على تلافيها.
وقد بحثت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية مقدار الصاع بالكيلو جرام وكان بحثها معتمدا على أن صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أمداد، وأن المد ملء كفي الرجل المعتدل، وكان منها تحقيق عن مقدار ملء كفي الرجل المعتدل، وتوصل هذا التحقيق إلى أن مقدار ذلك قرابة 650 جراما للمد، فيكون مقدار الصاع 2600 جرام.
" الوزن وزن أهل مكة ,و المكيال مكيال أهل المدينة " .
هذا حديث صحيح، الصحيحة (165) ، الإرواء (1342) ، أحاديث البيوع
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 267 :
رواه ابن الأعرابي في " معجمه " ( 167 / 2 ) و أبو داود ( 2340 ) و النسائي
( 7 / 281 المطبعة المصرية ) و ابن حبان ( 1105 ) و الطبراني ( 3 / 202 / 1 )
و الطحاوي في " مشكل الآثار " ( 2 / 99 ) و أبو نعيم في " الحلية " ( 4 / 20 )
و البيهقي ( 6 / 31 ) من طريقين عن سفيان عن حنظلة عن طاووس عن #
ابن عمر # مرفوعا .
قوله المكيال على مكيال أهل المدينة أي الصاع الذي يتعلق به وجوب الكفارات
و يجب إخراج صدقة الفطر به صاع المدينة وكانت الصيعان مختلفة في البلاد ، و
المراد بالوزن وزن الذهب والفضة فقط أي الوزن المعتبر في باب الزكاة وزن أهل
مكة وهي الدراهم التي العشرة منها بسبعة مثاقيل وكانت الدراهم مختلفة
الأوزان في البلاد وكانت دراهم أهل مكة هي الدراهم المعتبرة في باب الزكاة .
وقال في السلسلة الصحيحة أيضا:
165- ( الْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ) .
قال الإمام الطحاوي رحمه الله : ( تأملنا هذا الحديث , فوجدنا مكة لم يكن بها ثمرة ولا زرع حينئذ , وكذلك كانت قبل ذلك الزمان ألا ترى إلى قول إبراهيم عليه السلام (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ) إبراهيم 37 , وإنما كانت بلد متجر , يوافي الحاج إليها بتجارات فيبيعونها هناك , وكانت المدينة بخلاف ذلك , لأنها دار النخل , ومن ثمارها حياتهم , وكانت الصدقات تدخلها , فيكون الواجب فيها من صدقة تؤخذ كيلاً , فجعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأمصار كلها لهذين المصرين أتباعاً , وكان الناس يحتاجون إلى الوزن في أثمان ما يبتاعون , وفيما سواها مما يتصرفون فيه من العروض ومن أداء الزكوات وما سوى ذلك مما يستعملونه , فيما يسلمونه فيه من غيره من الأشياء التي يكيلونها , وكانت السنة قد منعت من إسلام موزون في موزون , ومن إسلام مكيل في مكيل , وأجازت إسلام المكيل في موزون , والموزون في مكيل , ومنعت من بيع الموزون بلموزون , إلا مثلاً بمثل , ومن بيع المكيل بالمكيل , إلا مثلاً بمثل , وكان الوزن في ذلك أصله مكان عليه كان بمكة , والمكيال مكيال أهل المدينة , لا يتغير عن ذلك , وإن غيره الناس عما كان عليه إلى ما سواه من ضده , فيرحبون بذلك إلى معرفة الأشياء المكيلات التي لها حكم المكيال إلى ماكان عليه أهل المكاييل فيها يومئذ , وفي الأشياء الموزونات إلى ماكان عليه أهل الميزان يومئذ , وأن أحكامها لا تتغير عن ذلك ولا تنقلب عنها إلى أضدادها ) .
قلت : ومن ذلك يتبين لنا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو أول من وضع أصل توحيد الموازين والمكاييل , ووجه المسلمين إلى الرجوع في ذلك إلى أهل هذين البلدين المفضلين : مكة المكرمة والمدينة المنورة .
فليتأمل العاقل هذا , ولينظر حال المسلمين اليوم واختلافهم في مكاييلهم وموازينهم , على أنواع شتى , بسبب هجرهم لهذا التوجيه النبوي الكريم , ولما شعر بعض المسؤولين في بعض الدول العربية المسلمة بسوء هذا الاختلاف , اقترح البعض عليهم توحيد ذلك وغيره كالمقاييس بالرجوع إلى عرف الكفار فيها , فوا أسفاه , لقد كنا سادة وقادة لغيرنا بعلمنا وتمسكنا بشريعتنا , وإذا بنا اليوم أتباع ومقلدون , ولمن ؟ لمن كانوا في الأمس القريب يقلدوننا , ويأخذون العلوم عنا , ولكن لا بد لهذا الليل من أن ينجلي , ولا بد للشمس أن تشرق مرة أخرى , وها قد لا حت تباشير الصبح , وأخذت بعض الدول الإسلامية تعتمد على نفسها في كل شؤون حياتها , بعد أن كانت فيها عالة على غيرها , ولعلها تسير في ذلك على هدي كتاب ربها وسنة نبيها , ولله في خلقه شؤون. ا.ه رحمه الله
وفي سنن النسائي:
4594 - أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ الْمُلَائِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، ح وَأَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمِكْيَالُ عَلَى مِكْيَالِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْوَزْنُ عَلَى وَزْنِ أَهْلِ مَكَّةَ»، وَاللَّفْظُ لِإِسْحَاقَ
قال السندي في الحاشية:
الْمِكْيَال على مكيال أهل الْمَدِينَة أَي الصَّاع الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ وجوب الْكَفَّارَات وَيجب إِخْرَاج صَدَقَة الْفطر بِهِ صَاع الْمَدِينَة وَكَانَت الصيعان مُخْتَلفَة فِي الْبِلَاد وَالْوَزْن الخ المُرَاد وزن الذَّهَب وَالْفِضَّة فَقَط وَالْمرَاد أَن الْوَزْن الْمُعْتَبر فِي بَاب الزَّكَاة وزن أهل مَكَّة وَهِي الدَّرَاهِم الَّتِي الْعشْرَة مِنْهَا بسبعة مَثَاقِيل وَكَانَت الدَّرَاهِم مُخْتَلفَة الأوزان فِي الْبِلَاد وَكَانَت دَرَاهِم أهل مَكَّة هِيَ الدَّرَاهِم الْمُعْتَبرَة فِي بَاب الزَّكَاة فأرشد صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ذَلِك لهَذَا الْكَلَام كَمَا أرشد إِلَى بَيَان الصَّاع الْمُعْتَبر فِي بَاب الْكَفَّارَات وَصدقَة الْفطر بِمَا سبق وَالله تَعَالَى أعلم ا.ه رحمه الله
وفي سنن أبي داود » كتاب البيوع » باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم المكيال مكيال المدينة
3340 حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن دكين حدثنا سفيان عن حنظلة عن طاوس عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوزن وزن أهل مكة والمكيال مكيال أهل المدينة قال أبو داود وكذا رواه الفريابي وأبو أحمد عن سفيان وافقهما في المتن و قال أبو أحمد عن ابن عباس مكان ابن عمر ورواه الوليد بن مسلم عن حنظلة قال وزن المدينة ومكيال مكة قال أبو داود واختلف في المتن في حديث مالك بن دينار عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا
قال العظيم آبادي في عون المعبود مثبتا للحديث وشارحا:
( ابن دكين ) مصغر هو فضل بن دكين ثقة حافظ ( أخبرنا سفيان ) هو الثوري ( عن حنظلة ) بن أبي سفيان الجمحي ( الوزن ) أي المعتبر ( وزن أهل مكة ) لأنهم أهل تجارات ، فعهدهم بالموازين وعلمهم بالأوزان أكثر . كذا قاله القاضي ( والمكيال ) المعتبر ( مكيال أهل المدينة ) لأنهم أصحاب زراعات فهم أعلم بأحوال المكاييل . وفي شرح [السنة : الحديث فيما يتعلق بالكيل والوزن من حقوق الله تعالى كالزكوات والكفارات ونحوها حتى لا تجب الزكاة في الدراهم حتى تبلغ مائتي درهم بوزن مكة ، والصاع في صدقة الفطر صاع أهل المدينة كل صاع خمسة أرطال وثلث رطل . كذا في المرقاة . وقال السندي في حاشية النسائي : قوله المكيال على مكيال أهل المدينة أي الصاع الذي يتعلق به وجوب الكفارات ويجب إخراج صدقة الفطر به صاع المدينة وكانت الصيعان مختلفة في البلاد ، والمراد بالوزن وزن الذهب والفضة فقط أي الوزن المعتبر في باب الزكاة وزن أهل مكة وهي الدراهم التي العشرة منها بسبعة مثاقيل وكانت الدراهم مختلفة الأوزان في البلاد وكانت دراهم أهل مكة هي الدراهم المعتبرة في باب الزكاة ، فأرشد صلى الله عليه وسلم إلى ذلك لهذا الكلام ، كما أرشد إلى بيان الصاع المعتبر في باب الكفارات وصدقة الفطر انتهى . وفي نيل الأوطار : والحديث فيه دليل على أنه يرجع عند الاختلاف في الكيل إلى مكيال المدينة ، وعند الاختلاف في الوزن إلى ميزان مكة .
أما مقدار ميزان مكة فقال ابن حزم : بحثت غاية البحث عن كل من وثقت بتمييزه فوجدت كلا يقول : إن دينار الذهب بمكة وزنه اثنتان وثمانون حبة وثلاثة أعشار حبة بالحب من الشعير ، والدرهم سبعة أعشار المثقال ، فوزن الدرهم سبع وخمسون حبة وستة أعشار حبة وعشر عشر حبة ، فالرطل مائة وثمانية وعشرون درهما بالدرهم المذكور انتهى .
قال المنذري : والحديث أخرجه النسائي . وفي رواية لأبي داود عن ابن عباس مكان ابن عمر ، وفي رواية وزن المدينة ومكيال مكة انتهى .
قلت : حديث طاوس عن ابن عمر سكت عنه المؤلف والمنذري وأخرجه أيضا البزار وصححه ابن حبان والدارقطني .
( وكذا رواه الفريابي ) بكسر الفاء منسوب إلى فرياب مدينة ببلاد الترك كذا في جامع الأصول ، هو محمد بن يوسف ثقة فاضل عابد من أجلة أصحاب الثوري ( وأبو أحمد ) الزبيري الكوفي ثقة ( وافقهما ) أي وافق فضل بن دكين في هذا المتن الفريابي وأبا أحمد [ ص: 148 ] الزبيري ( وقال أبو أحمد عن ابن عباس ) والمعنى أي رواه فضل بن دكين عن سفيان الثوري بلفظ " الوزن وزن أهل مكة والمكيال مكيال أهل المدينة " وهكذا رواه محمد بن يوسف الفريابي وأبو أحمد الزبيري عن الثوري ، فهؤلاء الثلاثة اتفقوا في روايتهم عن الثوري على هذا اللفظ .
أما أبو أحمد الزبيري فجعله من مسندات ابن عباس ، وأما فضل بن دكين والفريابي فجعلاه من مسندات ابن عمر .
قلت : وكذا جعله أبو نعيم عن الثوري من حديث ابن عمر وروايته عند النسائي . قال المحدثون : طريق سفيان الثوري عن حنظلة عن طاوس عن ابن عمر هي أصح الروايات .
وروى الدارقطني من طريق أبي أحمد الزبيري عن سفيان عن حنظلة عن طاوس عن ابن عباس ، ورواه من طريق أبي نعيم عن الثوري عن حنظلة عن سالم بدل طاوس عن ابن عباس . قال الدارقطني : أخطأ أبو أحمد فيه ( ورواه الوليد بن مسلم ) الدمشقي ثقة لكنه كثير التدليس ( فقال وزن المدينة ومكيال مكة ) وهذا المتن مخالف لمتن سفيان ، ورجح المحدثون رواية سفيان في هذا ( واختلف ) بصيغة المجهول ( في المتن ) المروي ( في حديث مالك بن دينار عن عطاء ) مرسلا ( عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا ) الباب أي اختلف الرواة على مالك بن دينار في هذا الحديث المرسل في متنه ، فروى بعضهم عن مالك بن دينار كما رواه سفيان عن حنظلة ورواه بعضهم عن مالك بن دينار كما رواه الوليد بن مسلم عن حنظلة والله أعلم. ا.ه رحمه الله
وفي فتح الباري شرح صحيح االبخاري لابن حجر كتاب كفارات الأيمان » باب صاع المدينة ومد النبي صلى الله عليه وسلم وبركته وما توارث أهل المدينة من ذلك قرنا بعد قرن ما نصه:
6334 حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا القاسم بن مالك المزني حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن عن السائب بن يزيد قال كان الصاع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مدا وثلثا بمدكم اليوم فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز
قوله باب صاع المدينة ومد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبركته ) أشار في الترجمة إلى وجوب الإخراج في الواجبات بصاع أهل المدينة ; لأن التشريع وقع على ذلك أولا وأكد ذلك بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم بالبركة في ذلك
قوله وما توارث أهل المدينة من ذلك قرنا بعد قرن أشار بذلك إلى أن مقدار المد والصاع في المدينة لم يتغير لتواتره عندهم إلى زمنه وبهذا احتج مالك على أبي يوسف في القصة المشهورة بينهما فرجع أبو يوسف عن قول الكوفيين في قدر الصاع إلى قول أهل المدينة ثم ذكر في الباب ثلاثة أحاديث
9994 " الأول حديث السائب بن يزيد قوله كان الصاع على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - مدا وثلثا بمدكم اليوم فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز ) قال ابن بطال : هذا يدل على أن مدهم حين حدث به السائب كان أربعة أرطال فإذا زيد عليه ثلثه وهو رطل وثلث قام منه خمسة أرطال وثلث وهو الصاع بدليل أن مده - صلى الله عليه وسلم - رطل وثلث وصاعه أربعة أمداد
..........
ثم قال في الحديث رقم 6335 حدثنا منذر بن الوليد الجارودي حدثنا أبو قتيبة وهو سلم حدثنا مالك عن نافع قال كان ابن عمر يعطي زكاة رمضان بمد النبي صلى الله عليه وسلم المد الأول وفي كفارة اليمين بمد النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو قتيبة قال لنا مالك مدنا أعظم من مدكم ولا نرى الفضل إلا في مد النبي صلى الله عليه وسلم وقال لي مالك لو جاءكم أمير فضرب مدا أصغر من مد النبي صلى الله عليه وسلم بأي شيء كنتم تعطون قلت كنا نعطي بمد النبي صلى الله عليه وسلم قال أفلا ترى أن الأمر إنما يعود إلى مد النبي صلى الله عليه وسلم
الحديث الثاني قوله حدثنا أبو قتيبة وهو سلم ) بفتح المهملة وسكون اللام وفي رواية الدارقطني من وجه آخر عن المنذر " حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة " قلت وهو الشعيري بفتح الشين المعجمة وكسر المهملة بصري أصله من خراسان أدركه البخاري بالسن ومات قبل أن يلقاه وهو غير سلم بن قتيبة الباهلي ولد أمير خراسان قتيبة بن مسلم وقد ولي هو إمرة البصرة وهو أكبر من الشعيري ومات قبله بأكثر من خمسين سنة
قوله المد الأول ) هو نعت مد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي صفة لازمة له وأراد نافع بذلك أنه كان لا يعطي بالمد الذي أحدثه هشام قال ابن بطال : وهو أكبر من مد النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلثي رطل وهو كما قال فإن المد الهشامي رطلان والصاع منه ثمانية أرطال
قوله قال لنا مالك ) هو مقول أبي قتيبة وهو موصول
قوله مدنا أعظم من مدكم ) يعني في البركة أي مد المدينة وإن كان دون مد هشام في القدر لكن مد المدينة مخصوص بالبركة الحاصلة بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لها فهو أعظم من مد هشام ثم فسر مالك مراده [ ص: 607 ] بقوله ولا ترى الفضل إلا في مد النبي - صلى الله عليه وسلم -
قوله وقال لي مالك : لو جاءكم أمير إلخ ) أراد مالك بذلك إلزام مخالفه ; إذ لا فرق بين الزيادة والنقصان في مطلق المخالفة فلو احتج الذي تمسك بالمد الهشامي في إخراج زكاة الفطر وغيرها مما شرع إخراجه بالمد كإطعام المساكين في كفارة اليمين بأن الأخذ بالزائد أولى قيل كفى باتباع ما قدره الشارع بركة فلو جازت المخالفة بالزيادة لجازت مخالفته بالنقص فلما امتنع المخالف من الأخذ بالناقص قال له أفلا ترى أن الأمر إنما يرجع إلى مد النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه إذا تعارضت الأمداد الثلاثة : الأول والحادث وهو الهشامي وهو زائد عليه والثالث المفروض وقوعه وإن لم يقع وهو دون الأول كان الرجوع إلى الأول أولى ; لأنه الذي تحققت شرعيته . قال ابن بطال : والحجة فيه نقل أهل المدينة له قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل قال وقد رجع أبو يوسف بمثل هذا في تقدير المد والصاع إلى مالك وأخذ بقوله
ثمم قال في شرحه لحديث رقم 6336 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم بارك لهم في مكيالهم وصاعهم ومدهم
الحديث الثالث حديث أنس في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - " اللهم بارك لهم في مكيالهم وصاعهم ومدهم وقد تقدم في البيوع عن القعنبي عن مالك وزاد في آخره " يعني أهل المدينة " وكذا عند رواة الموطأ عن - مالك قال ابن المنير : يحتمل أن تختص هذه الدعوة بالمد الذي كان حينئذ حتى لا يدخل المد الحادث بعده ويحتمل أن تعم كل مكيال لأهل المدينة إلى الأبد قال والظاهر الثاني كذا قال وكلام مالك المذكور في الذي قبله يجنح إلى الأول وهو المعتمد وقد تغيرت المكاييل في المدينة بعد عصر مالك وإلى هذا الزمان ، وقد وجد مصداق الدعوة بأن بورك في مدهم وصاعهم بحيث اعتبر قدرهما أكثر فقهاء الأمصار ومقلدوهم إلى اليوم في غالب الكفارات وإلى هذا أشار المهلب والله أعلم ا.ه رحمه الله
ويكمن محل الاجتهاد في تحويل كيل أهل المدينة إلى الوزن الحديث بالكيلو جرام
ففي رسالة المختصر في زكاة الفطر كتبه الشيخ الفاضل أبي عمار علي الحذيفي حفظه الله – ما نصه:
بيان مقدار الصاع:
والصاع: - الصاع والصواع - بالكسر وبالضم - لغة : مكيال يكال به، وهو أربعة أمداد بالإجماع كما ذكرت "الموسوعية الفقهية الكويتية".
والمد: هو ملء كفي الرجل المتوسط المعتدل الخلقة، ثم اختلفوا في تقدير المد على قولين أحدهما: أن المد هو رطل وثلث رطل بغدادي وهذا قول جماهير أهل العلم.
واحتجوا بأنه إسناد متواتر يفيد القطع، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المكيال مكيال أهل المدينة) ولم يثبت لنا تغييره.
والثاني: أن المد هو ثمانية أرطال وهذا قول أبي حنيفة لأن أنس بن مالك قال : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد - وهو رطلان - ويغتسل بالصاع). وأجيب عنه بأن حديث أنس هذا انفرد به موسى بن نصر، وهو ضعيف الحديث كما قال الدارقطني، وذكر الطحاوي له شاهدا في "شرح معاني الآثار" إلا أن فيه يحيى بن عبد الحميد الحماني وهو متهم بسرقة الحديث" وشيخه شريك بن عبد الله النخعي ضعيف.
والقول بأن المد رطلان هو القول القديم لأبي يوسف صاحب أبي حنيفة، فقد روي أن أبا يوسف دخل المدينة، فسألهم عن الصاع ؟ فقالوا: خمسة أرطال وثلث، فطالبهم بالحجة فقالوا: غدا، فجاء من الغد سبعون شيخا، كل واحد منهم آخذ صاعا تحت ردائه، فقال: صاعي ورثته عن أبي، وورثه أبي عن جدي، حتى انتهوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فرجع أبو يوسف عن قوله".
قال ابن عبد البر في "التمهيد":
(والوسق: ستون صاعا بإجماع من العلماء بصاع النبي صلى الله عليه وسلم والصاع أربعة أمداد بمده صلى الله عليه وسلم ومده زنته رطل وثلث وزيادة شيء، هذا قول عامة العلماء بالحجاز والعراق).
وقال الداودي: معياره الذي لا يختلف أربع حفنات بكفي الرجل الذي ليس بعظيم الكفين ولا صغيرهما. "سبل السلام".
والراجح هو القول الأول لأن هذا التحديد تواتر عن أهل المدينة والكيل كيلهم فهم المعتبرون في هذا الباب كما في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المكيال مكيال أهل المدينة والوزن وزن أهل مكة). رواه أبو داود والنسائي وسنده صحيح.
وقد قدر العلماء الصاع بهذا التقدير بالكيلو ونحوه من الموزونات من باب التقريب وحفظ الأوزان وإن كان الأصل هو الكيل، وذلك لأمر مهم وهو أن المكاييل لا تحفظ كما تحفظ الأوزان ومما يدل على ذلك أن القمح يعتبر من المكيلات ولكنه في هذا العصر أصبح من الموزونات وذلك لتعرض الكيل إلى التغير والاندراس، ولذلك قال ابن قدامة في "المغني":
(وقد دللنا على أن الصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي فيما مضى والأصل فيه الكيل، وإنما قدره العلماء بالوزن ليحفظ وينقل، وقد روى جماعة عن أحمد، أنه قال: الصاع وزنته فوجدته خمسة أرطال وثلثا حنطة) أ.هـ
وذكر صاحب "الروض المربع" مثل ذلك.
أقول:
ولذلك قدر العلماء القلتين بالأرطال العراقية كما فعل ابن قدامة في "عمدة الفقه" وغيره من الفقهاء، وكذلك قدروا المد النبوي في باب اغتساله صلى الله عليه وسلم، فقد ورد عنه أنه كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، وكذلك تقدير الأوسق في باب الزكاة وغيرها من التقديرات، كل هذا تقريب للناس، فليس لهم وسيلة للوصول إلى هذا الكيل الصحيح أو غيره إلا بهذا الأمر، ومن هذا الباب تقدير دنانير الذهب ودراهم الفضة بالجرامات العصرية كل هذا تقدير وتقريب، ولذلك هم يختلفون فيها اختلافا يسيرا لا يكاد يعول عليه فمنهم من يقول 85 جرام، وآخرون يقولون هي دون ذلك وآخرون يقولون: هي فوق ذلك، والشرع يعفو عن الاختلاف اليسير بعد الاجتهاد والتحري فالشريعة أعظم من أن تكلف العباد بأمور يسيرة لا قدرة لهم على تلافيها.
وقد بحثت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية مقدار الصاع بالكيلو جرام وكان بحثها معتمدا على أن صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أمداد، وأن المد ملء كفي الرجل المعتدل، وكان منها تحقيق عن مقدار ملء كفي الرجل المعتدل، وتوصل هذا التحقيق إلى أن مقدار ذلك قرابة 650 جراما للمد، فيكون مقدار الصاع 2600 جرام.