الحمد لله ،
وبعد
فقد إجتمعت بعض الملاحظات على ما يقع في مساجدنا من مُآخذات أردت جمع ما تيسر منها ونقلها عسى الله أن ينفع بها ، والله نسأل الإخلاص والتوفيق والسداد:
1- [فِي البَقَاءِ خَارِجَ المَسْجِدِ أَو فِي صَحْنِه لِلْحَدِيثِ إِلِى أَنْ تُقَامَ الصَلاَة]:
أورد الإمام مسلم في صحيح عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّراً ، فَقَالَ لَهُمْ :
( تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ ).
ورواه أبو داود عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ :
((لا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ عَنْ الصَّفِّ الأَوَّلِ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ فِي النَّارِ)) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال محمد شمس الحق العظيم آبادي (1273هـ ، 1329هـ) في عون المعبود :
[679] (حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ) يَعْنِي لَا يُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ فِي الْأَوَّلِينَ أَوْ أَخَّرَهُمْ عَنِ الدَّاخِلِينَ فِي الْجَنَّةِ أَوَّلًا بِإِدْخَالِهِمُ النَّارَ وَحَبْسِهِمْ فِيهَا، كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ.
وقال :
(وَلَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ) أَيْ عَنِ الصُّفُوفِ الْأُوَلِ (حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ) عَنْ رَحْمَتِهِ وَعَظِيمِ فَضْلِهِ وَرَفْعِ الْمَنْزِلَةِ وَعَنِ الْعِلْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ والنسائي وبن ماجه.
قال الشيخ ابن عثيمين في معنى الحديث:
رأى النبي ﷺ قوماً يتأخرون في المسجد يعني:
لا يتقدمون إلى الصفوف الأولى، فقال: ((لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله)) وعلى هذا فيخشى على الإنسان إذا عود نفسه التأخر في العبادة أن يبتلى بأن يؤخره الله -عز وجل- في جميع مواطن الخير اهـ.
باختصار من فتاوى ابن عثيمين (13/54).
2- [حكم حجز الأماكن في المسجد]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مِنْ تَقْدِيمِ مَفَارِشَ إلَى الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا قَبْلَ ذَهَابِهِمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَهَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ؛ بَلْ مُحَرَّمٌ.
وَهَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَفْرُوشِ؟
فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ !
لِأَنَّهُ غَصَبَ بُقْعَةً فِي الْمَسْجِدِ بِفَرْشِ ذَلِكَ الْمَفْرُوشِ فِيهَا وَمَنَعَ غَيْرَهُ مِنْ الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ يَسْبِقُونَهُ إلَى الْمَسْجِدِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ
وَمَنْ صَلَّى فِي بُقْعَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ مَعَ مَنْعِ غَيْرِهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهَا:
فَهَلْ هُوَ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
وَفِي الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَهَذَا مُسْتَنَدُ مَنْ كَرِهَ الصَّلَاةَ فِي الْمَقَاصِيرِ الَّتِي يَمْنَعُ الصَّلَاةَ فِيهَا عُمُومُ النَّاسِ.
إلى أن قال رحمه الله :
ثُمَّ إذَا فَرَشَ هَذَا فَهَلْ لِمَنْ سَبَقَ إلَى الْمَسْجِدِ أَنْ يَرْفَعَ ذَلِكَ وَيُصَلِّي مَوْضِعَهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ لِغَيْرِهِ رَفْعَهُ وَالصَّلَاةَ مَكَانَهُ؛
لِأَنَّ هَذَا السَّابِقَ يَسْتَحِقُّ الصَّلَاةَ فِي ذَلِكَ الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلِ هَذَا الْمَأْمُورِ وَاسْتِيفَاءِ هَذَا الْحَقِّ إلَّا بِرَفْعِ ذَلِكَ الْمَفْرُوشِ.
وَمَا لَا يَتِمُّ الْمَأْمُورُ إلَّا بِهِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ.
وَأَيْضًا فَذَلِكَ الْمَفْرُوشُ وَضَعَهُ هُنَاكَ عَلَى وَجْهِ الْغَصْبِ وَذَلِكَ مُنْكَرٌ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ}
لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُرَاعَى فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يُؤَوَّلَ إلَى مُنْكَرٍ أَعْظَمَ مِنْهُ.
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ.
المجموع (191/22).
3 - [في تخطّي الرقاب]
وَصَلَاةُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ حَسَنَةٌ مَشْرُوعَةٌ،
وَلَا يُدَاوِمُ عَلَيْهَا إلَّا لِمَصْلَحَةٍ وَيَحْرُمُ تَخَطِّي رِقَابِ النَّاسِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ:
لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَخَطَّى النَّاسَ لِيَدْخُلَ فِي الصَّفِّ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ فُرْجَةٌ، لَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَا غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الظُّلْمِ وَالتَّعَدِّي لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى…
المجموع (356/5)
4- [في الحثّ على استقبال القبلة وكراهية الإمام أحمد استدبارها في المسجد]
وقد روى الطبراني في "الأوسط" (2354) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله ﷺ :
( إن لكل شيء سيدا ، وإن سيد المجالس قبالة القبلة) .
حسنه المنذري في "الترغيب والترهيب" (4663) والألباني في "صحيح الترغيب" (3085) .
وفيه الحثّ على استقبال القبلة حال الجلوس.
قال ابن مفلح (توفي سنة 884هـ)
في الآداب الشرعية والمنح المرعية (403/3):
[فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ إسْنَادِ الظَّهْرِ إلَى الْقِبْلَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَاسْتِحْبَابِ جُلُوسِ الْقُرْفُصَاءِ]
ِ يُسَنُّ أَنْ يَشْتَغِلَ فِي الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَيَجْلِسَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ،
وَيُكْرَهُ أَنْ يُسْنِدَ ظَهْرَهُ إلَى الْقِبْلَةِ قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا مَكْرُوهٌ !
وَصَرَّحَ الْقَاضِي بِالْكَرَاهَةِ
قَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَتَسَانَدُوا إلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ (رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ النَّجَّاد).ُ
5- [فِي الْقَوْمِ يَقُومُونَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ الْإِمَامُ]
قال ابن أبي شيبة في المصنف :
4093 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي»
4094 - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ فِطْرٍ، عَنْ زَائِدَةَ بْنِ نَشِيطٍ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ قَالَ:
خَرَجَ عَلِيٌّ، وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَهُمْ قِيَامٌ يَنْتَظِرُونَهُ، فَقَالَ: «مَا لِي أَرَاكُمْ سَامِدِينَ؟»
4095 - حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:
«كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَنْتَظِرَ الرَّجُلُ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ عِنْدَهُمُ الْإِمَامُ، وَكَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَنْتَظِرُوا الْإِمَامَ قِيَامًا، وَكَانَ يُقَالُ هُوَ السُّمُودُ»
4096 - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ:
قُلْتُ لَابْرَاهِيمَ: الْقَوْمُ يَنْتَظِرُونَ الْإِمَامَ قِيَامَا أَوْ قُعُودًا؟ قَالَ: «لَا بَلْ قُعُودًا»
4097 - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُغِيرَةَ،
عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْقَوْمِ يَنْتَظِرُونَ الْإِمَامُ قِيَامًا قَالَ: «ذَلِكَ السُّمُودُ»
وقال أبو داود في سننه:
[باب فِي الصَّلَاةِ تُقَامُ وَلَمْ يَأْتِ الْإِمَامُ يَنْتَظِرُونَهُ قُعُودًا]
539 حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَعِيلَ قَالَا حَدَّثَنَا أَبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
( إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي )
قال محمد شمس الحق العظيم آبادي (1273هـ ، 1329هـ) في عون المعبود :
[بَابٌ فِي الصَّلَاةِ تُقَامُ وَلَمْ يَأْتِ الْإِمَامُ يَنْتَظِرُونَهُ قُعُودًا ]
( إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ ) أَيْ إِذَا ذُكِرَتْ أَلْفَاظُ الْإِقَامَةِ .
قَالَهُ الْحَافِظُ ( فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي ) أَيْ قَدْ خَرَجْتُ كَمَا فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ الْآتِيَةِ وَهُوَ مَحَلُّ التَّرْجَمَةِ ،
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : قَوْلُهُ : لَا تَقُومُوا نَهْيٌ عَنِ الْقِيَامِ ،
وَقَوْلُهُ حَتَّى تَرَوْنِي تَسْوِيغٌ لِلْقِيَامِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ وَهُوَ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِشَيْءٍ مِنْ ألْفَاظِ الْإِقَامَةِ،
وَمِنْ ثَمَّ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي ،
وَفِيهِ جَوَازُ الْإِقَامَةِ وَالْإِمَامُ فِي مَنْزِلِهِ إِذَا كَانَ يَسْمَعُهَا وَتَقَدَّمَ إِذْنُهُ فِي ذَلِكَ . انْتَهَى .
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ جَمَاعَةَ الْمُصَلِّينَ لَا يَقُومُونَ عِنْدَ الْإِقَامَةِ إِلَّا حِينَ يَرَوْنَ أَنَّ الْإِمَامَ قَامَ لِلْإِمَامَةِ.
6- [في السجود على كور العمامة] :
قال ابن القيم رحمه الله : [هديه ﷺ في السجود]
وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَسْجُدُ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ دُونَ كَوْرِ الْعِمَامَةِ !
وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ السُّجُودُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ مِنْ حَدِيثٍ صَحِيحٍ وَلَا حَسَنٍ،
وَلَكِنْ رَوَى عبد الرزاق فِي " الْمُصَنَّفِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ،»
وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَرَّرٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ،
وَذَكَرَهُ أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ مِنْ حَدِيثِ جابر وَلَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عمر بن شمر عَنْ جابر الجعفي، مَتْرُوكٌ عَنْ مَتْرُوكٍ،
وَقَدْ ذَكَرَ أبو داود فِي الْمَرَاسِيلِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَسَجَدَ بِجَبِينِهِ وَقَدِ اعْتَمَّ عَلَى جَبْهَتِهِ، فَحَسَرَ رَسُولُ ﷺ عَنْ جَبْهَتِهِ».
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ كَثِيرًا، وَعَلَى الْمَاءِ وَالطِّينِ، وَعَلَى الْخُمْرَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ خُوصِ النَّخْلِ، وَعَلَى الْحَصِيرِ الْمُتَّخَذِ مِنْهُ، وَعَلَى الْفَرْوَةِ الْمَدْبُوغَةِ.
وَكَانَ إِذَا سَجَدَ مَكَّنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنَ الْأَرْضِ، وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَجَافَى بِهِمَا حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ، وَلَوْ شَاءَتْ بَهْمَةٌ - وَهِيَ الشَّاةُ الصَّغِيرَةُ - أَنْ تَمُرَّ تَحْتَهُمَا لَمَرَّتْ.
زاد المعاد (225/1).
سُئل الشيخ ابن عثيمين (رحمه الله):
بالنسبة للطاقية السجود عليها جائز أو غير جائز ؟
فأجاب: السجود على الطاقية وعلى الغترة وعلى الثوب الذي تلبسه مكروه، لأنّ هذا شيء متصل بالمصلي،
وقد قال أنس (رضي الله عنه):
"كنّا نصلي مع النبي ﷺ في شدّة الحرّ فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه".
فدلّ هذا على أنّهم لا يسجدون على ثيابهم أو ما يتصل بهم إلا عند الحاجة، يقول: "إذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض" أمّا إذا لم تكن حاجة فإنه مكروه.
وعلى هذا فالسجود على طرف الطاقية مكروه لأنه لا حاجة إليه.
فليرفع الإنسان عند السجود طاقيته حتى يتمكن من مباشرة المصلى، أمّا الشيء المنفصل كأن يسجد الإنسان على سجادة أو على منديل واسع يسع كفيه وجبهته و أنفه، فإنّ هذا لا بأس به، لأنه منفصل وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه صلى على الخمرة وهي حصيرة صغيرة تسع كفي المصلي وجبهته. اهـ.
من(لقاء الباب المفتوح26/26-2).
7- [في الحثّ على الجلوس على الأرض]
قال ابن القيم : [فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ ﷺ فِي جُلُوسِهِ وَاتِّكَائِهِ]
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [سورة اﻷحزاب : 21]
قال ابن القيم في زاد المعاد:
كَانَ يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ وَعَلَى الْحَصِيرِ وَالْبِسَاطِ،
وَقَالَتْ قيلة بنت مخرمة:
«أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ قَاعِدٌ الْقُرْفُصَاءَ، قَالَتْ: فَلَمَّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَالْمُتَخَشِّعِ فِي الْجِلْسَةِ أُرْعِدْتُ مِنَ الْفَرَقِ» .
وَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ دَعَاهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَأَلْقَتْ إِلَيْهِ الْجَارِيَةُ وِسَادَةً يَجْلِسُ عَلَيْهَا فَجَعَلَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عدي وَجَلَسَ عَلَى الْأَرْضِ.
قَالَ عدي: (فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَلِكٍ)
وَكَانَ يَسْتَلْقِي أَحْيَانًا،
وَرُبَّمَا وَضَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى،
وَكَانَ يَتَّكِئُ عَلَى الْوِسَادَةِ،
وَرُبَّمَا اتَّكَأَ عَلَى يَسَارِهِ،
وَرُبَّمَا اتَّكَأَ عَلَى يَمِينِهِ.
وَكَانَ إِذَا احْتَاجَ فِي خُرُوجِهِ تَوَكَّأَ. اهـ
وبعد
فقد إجتمعت بعض الملاحظات على ما يقع في مساجدنا من مُآخذات أردت جمع ما تيسر منها ونقلها عسى الله أن ينفع بها ، والله نسأل الإخلاص والتوفيق والسداد:
1- [فِي البَقَاءِ خَارِجَ المَسْجِدِ أَو فِي صَحْنِه لِلْحَدِيثِ إِلِى أَنْ تُقَامَ الصَلاَة]:
أورد الإمام مسلم في صحيح عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّراً ، فَقَالَ لَهُمْ :
( تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ ).
ورواه أبو داود عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ :
((لا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ عَنْ الصَّفِّ الأَوَّلِ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ فِي النَّارِ)) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال محمد شمس الحق العظيم آبادي (1273هـ ، 1329هـ) في عون المعبود :
[679] (حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ) يَعْنِي لَا يُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ فِي الْأَوَّلِينَ أَوْ أَخَّرَهُمْ عَنِ الدَّاخِلِينَ فِي الْجَنَّةِ أَوَّلًا بِإِدْخَالِهِمُ النَّارَ وَحَبْسِهِمْ فِيهَا، كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ.
وقال :
(وَلَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ) أَيْ عَنِ الصُّفُوفِ الْأُوَلِ (حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ) عَنْ رَحْمَتِهِ وَعَظِيمِ فَضْلِهِ وَرَفْعِ الْمَنْزِلَةِ وَعَنِ الْعِلْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ والنسائي وبن ماجه.
قال الشيخ ابن عثيمين في معنى الحديث:
رأى النبي ﷺ قوماً يتأخرون في المسجد يعني:
لا يتقدمون إلى الصفوف الأولى، فقال: ((لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله)) وعلى هذا فيخشى على الإنسان إذا عود نفسه التأخر في العبادة أن يبتلى بأن يؤخره الله -عز وجل- في جميع مواطن الخير اهـ.
باختصار من فتاوى ابن عثيمين (13/54).
2- [حكم حجز الأماكن في المسجد]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مِنْ تَقْدِيمِ مَفَارِشَ إلَى الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا قَبْلَ ذَهَابِهِمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَهَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ؛ بَلْ مُحَرَّمٌ.
وَهَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَفْرُوشِ؟
فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ !
لِأَنَّهُ غَصَبَ بُقْعَةً فِي الْمَسْجِدِ بِفَرْشِ ذَلِكَ الْمَفْرُوشِ فِيهَا وَمَنَعَ غَيْرَهُ مِنْ الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ يَسْبِقُونَهُ إلَى الْمَسْجِدِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ
وَمَنْ صَلَّى فِي بُقْعَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ مَعَ مَنْعِ غَيْرِهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهَا:
فَهَلْ هُوَ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
وَفِي الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَهَذَا مُسْتَنَدُ مَنْ كَرِهَ الصَّلَاةَ فِي الْمَقَاصِيرِ الَّتِي يَمْنَعُ الصَّلَاةَ فِيهَا عُمُومُ النَّاسِ.
إلى أن قال رحمه الله :
ثُمَّ إذَا فَرَشَ هَذَا فَهَلْ لِمَنْ سَبَقَ إلَى الْمَسْجِدِ أَنْ يَرْفَعَ ذَلِكَ وَيُصَلِّي مَوْضِعَهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ لِغَيْرِهِ رَفْعَهُ وَالصَّلَاةَ مَكَانَهُ؛
لِأَنَّ هَذَا السَّابِقَ يَسْتَحِقُّ الصَّلَاةَ فِي ذَلِكَ الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلِ هَذَا الْمَأْمُورِ وَاسْتِيفَاءِ هَذَا الْحَقِّ إلَّا بِرَفْعِ ذَلِكَ الْمَفْرُوشِ.
وَمَا لَا يَتِمُّ الْمَأْمُورُ إلَّا بِهِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ.
وَأَيْضًا فَذَلِكَ الْمَفْرُوشُ وَضَعَهُ هُنَاكَ عَلَى وَجْهِ الْغَصْبِ وَذَلِكَ مُنْكَرٌ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ}
لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُرَاعَى فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يُؤَوَّلَ إلَى مُنْكَرٍ أَعْظَمَ مِنْهُ.
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ.
المجموع (191/22).
3 - [في تخطّي الرقاب]
وَصَلَاةُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ حَسَنَةٌ مَشْرُوعَةٌ،
وَلَا يُدَاوِمُ عَلَيْهَا إلَّا لِمَصْلَحَةٍ وَيَحْرُمُ تَخَطِّي رِقَابِ النَّاسِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ:
لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَخَطَّى النَّاسَ لِيَدْخُلَ فِي الصَّفِّ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ فُرْجَةٌ، لَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَا غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الظُّلْمِ وَالتَّعَدِّي لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى…
المجموع (356/5)
4- [في الحثّ على استقبال القبلة وكراهية الإمام أحمد استدبارها في المسجد]
وقد روى الطبراني في "الأوسط" (2354) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله ﷺ :
( إن لكل شيء سيدا ، وإن سيد المجالس قبالة القبلة) .
حسنه المنذري في "الترغيب والترهيب" (4663) والألباني في "صحيح الترغيب" (3085) .
وفيه الحثّ على استقبال القبلة حال الجلوس.
قال ابن مفلح (توفي سنة 884هـ)
في الآداب الشرعية والمنح المرعية (403/3):
[فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ إسْنَادِ الظَّهْرِ إلَى الْقِبْلَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَاسْتِحْبَابِ جُلُوسِ الْقُرْفُصَاءِ]
ِ يُسَنُّ أَنْ يَشْتَغِلَ فِي الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَيَجْلِسَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ،
وَيُكْرَهُ أَنْ يُسْنِدَ ظَهْرَهُ إلَى الْقِبْلَةِ قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا مَكْرُوهٌ !
وَصَرَّحَ الْقَاضِي بِالْكَرَاهَةِ
قَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَتَسَانَدُوا إلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ (رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ النَّجَّاد).ُ
5- [فِي الْقَوْمِ يَقُومُونَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ الْإِمَامُ]
قال ابن أبي شيبة في المصنف :
4093 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي»
4094 - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ فِطْرٍ، عَنْ زَائِدَةَ بْنِ نَشِيطٍ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ قَالَ:
خَرَجَ عَلِيٌّ، وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَهُمْ قِيَامٌ يَنْتَظِرُونَهُ، فَقَالَ: «مَا لِي أَرَاكُمْ سَامِدِينَ؟»
4095 - حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:
«كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَنْتَظِرَ الرَّجُلُ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ عِنْدَهُمُ الْإِمَامُ، وَكَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَنْتَظِرُوا الْإِمَامَ قِيَامًا، وَكَانَ يُقَالُ هُوَ السُّمُودُ»
4096 - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ:
قُلْتُ لَابْرَاهِيمَ: الْقَوْمُ يَنْتَظِرُونَ الْإِمَامَ قِيَامَا أَوْ قُعُودًا؟ قَالَ: «لَا بَلْ قُعُودًا»
4097 - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُغِيرَةَ،
عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْقَوْمِ يَنْتَظِرُونَ الْإِمَامُ قِيَامًا قَالَ: «ذَلِكَ السُّمُودُ»
وقال أبو داود في سننه:
[باب فِي الصَّلَاةِ تُقَامُ وَلَمْ يَأْتِ الْإِمَامُ يَنْتَظِرُونَهُ قُعُودًا]
539 حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَعِيلَ قَالَا حَدَّثَنَا أَبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
( إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي )
قال محمد شمس الحق العظيم آبادي (1273هـ ، 1329هـ) في عون المعبود :
[بَابٌ فِي الصَّلَاةِ تُقَامُ وَلَمْ يَأْتِ الْإِمَامُ يَنْتَظِرُونَهُ قُعُودًا ]
( إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ ) أَيْ إِذَا ذُكِرَتْ أَلْفَاظُ الْإِقَامَةِ .
قَالَهُ الْحَافِظُ ( فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي ) أَيْ قَدْ خَرَجْتُ كَمَا فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ الْآتِيَةِ وَهُوَ مَحَلُّ التَّرْجَمَةِ ،
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : قَوْلُهُ : لَا تَقُومُوا نَهْيٌ عَنِ الْقِيَامِ ،
وَقَوْلُهُ حَتَّى تَرَوْنِي تَسْوِيغٌ لِلْقِيَامِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ وَهُوَ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِشَيْءٍ مِنْ ألْفَاظِ الْإِقَامَةِ،
وَمِنْ ثَمَّ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي ،
وَفِيهِ جَوَازُ الْإِقَامَةِ وَالْإِمَامُ فِي مَنْزِلِهِ إِذَا كَانَ يَسْمَعُهَا وَتَقَدَّمَ إِذْنُهُ فِي ذَلِكَ . انْتَهَى .
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ جَمَاعَةَ الْمُصَلِّينَ لَا يَقُومُونَ عِنْدَ الْإِقَامَةِ إِلَّا حِينَ يَرَوْنَ أَنَّ الْإِمَامَ قَامَ لِلْإِمَامَةِ.
6- [في السجود على كور العمامة] :
قال ابن القيم رحمه الله : [هديه ﷺ في السجود]
وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَسْجُدُ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ دُونَ كَوْرِ الْعِمَامَةِ !
وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ السُّجُودُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ مِنْ حَدِيثٍ صَحِيحٍ وَلَا حَسَنٍ،
وَلَكِنْ رَوَى عبد الرزاق فِي " الْمُصَنَّفِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ،»
وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَرَّرٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ،
وَذَكَرَهُ أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ مِنْ حَدِيثِ جابر وَلَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عمر بن شمر عَنْ جابر الجعفي، مَتْرُوكٌ عَنْ مَتْرُوكٍ،
وَقَدْ ذَكَرَ أبو داود فِي الْمَرَاسِيلِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَسَجَدَ بِجَبِينِهِ وَقَدِ اعْتَمَّ عَلَى جَبْهَتِهِ، فَحَسَرَ رَسُولُ ﷺ عَنْ جَبْهَتِهِ».
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ كَثِيرًا، وَعَلَى الْمَاءِ وَالطِّينِ، وَعَلَى الْخُمْرَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ خُوصِ النَّخْلِ، وَعَلَى الْحَصِيرِ الْمُتَّخَذِ مِنْهُ، وَعَلَى الْفَرْوَةِ الْمَدْبُوغَةِ.
وَكَانَ إِذَا سَجَدَ مَكَّنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنَ الْأَرْضِ، وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَجَافَى بِهِمَا حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ، وَلَوْ شَاءَتْ بَهْمَةٌ - وَهِيَ الشَّاةُ الصَّغِيرَةُ - أَنْ تَمُرَّ تَحْتَهُمَا لَمَرَّتْ.
زاد المعاد (225/1).
سُئل الشيخ ابن عثيمين (رحمه الله):
بالنسبة للطاقية السجود عليها جائز أو غير جائز ؟
فأجاب: السجود على الطاقية وعلى الغترة وعلى الثوب الذي تلبسه مكروه، لأنّ هذا شيء متصل بالمصلي،
وقد قال أنس (رضي الله عنه):
"كنّا نصلي مع النبي ﷺ في شدّة الحرّ فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه".
فدلّ هذا على أنّهم لا يسجدون على ثيابهم أو ما يتصل بهم إلا عند الحاجة، يقول: "إذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض" أمّا إذا لم تكن حاجة فإنه مكروه.
وعلى هذا فالسجود على طرف الطاقية مكروه لأنه لا حاجة إليه.
فليرفع الإنسان عند السجود طاقيته حتى يتمكن من مباشرة المصلى، أمّا الشيء المنفصل كأن يسجد الإنسان على سجادة أو على منديل واسع يسع كفيه وجبهته و أنفه، فإنّ هذا لا بأس به، لأنه منفصل وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه صلى على الخمرة وهي حصيرة صغيرة تسع كفي المصلي وجبهته. اهـ.
من(لقاء الباب المفتوح26/26-2).
7- [في الحثّ على الجلوس على الأرض]
قال ابن القيم : [فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ ﷺ فِي جُلُوسِهِ وَاتِّكَائِهِ]
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [سورة اﻷحزاب : 21]
قال ابن القيم في زاد المعاد:
كَانَ يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ وَعَلَى الْحَصِيرِ وَالْبِسَاطِ،
وَقَالَتْ قيلة بنت مخرمة:
«أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ قَاعِدٌ الْقُرْفُصَاءَ، قَالَتْ: فَلَمَّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَالْمُتَخَشِّعِ فِي الْجِلْسَةِ أُرْعِدْتُ مِنَ الْفَرَقِ» .
وَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ دَعَاهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَأَلْقَتْ إِلَيْهِ الْجَارِيَةُ وِسَادَةً يَجْلِسُ عَلَيْهَا فَجَعَلَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عدي وَجَلَسَ عَلَى الْأَرْضِ.
قَالَ عدي: (فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَلِكٍ)
وَكَانَ يَسْتَلْقِي أَحْيَانًا،
وَرُبَّمَا وَضَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى،
وَكَانَ يَتَّكِئُ عَلَى الْوِسَادَةِ،
وَرُبَّمَا اتَّكَأَ عَلَى يَسَارِهِ،
وَرُبَّمَا اتَّكَأَ عَلَى يَمِينِهِ.
وَكَانَ إِذَا احْتَاجَ فِي خُرُوجِهِ تَوَكَّأَ. اهـ
تعليق